الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مئة عام وأكثر على ميلاد ابي الغضنفر

زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)

2021 / 6 / 30
الادب والفن


من مذكرات ابو الجليل الشخصية جدًا.
(ملهاة الحقيقة البكماء)
خرافية: زاهد عزت حرش
خلفية تاريخية:
هي غابة تقع في واحة تمتاز بمناخها العليل ودوحها الظليل ومائها العليل.. في بقعة من "أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ، طَرِيقُ الْبَحْرِ، عَبْرُ الأُرْدُنِّ، جَلِيلُ الأُمَمِ".. تحُدُها من الغرب مدينة الميناء ومن الشمال مدينة اللواء من الجنوب مدينة الرجاء. تناوب على اغتصابها الاقدمون، من زمن بني عثمون حتى زمن بني صهيون.. فاعترها العز والفخار وانتابها القحط والمرار.. وتبدلت في حكمها الادوار، ما بين المصلحين والأخيار وما بين الاذناب والاشرار، وفي آخر الزمان، تحالف في فضائها الخلان، وعم في ربوعها الأمان، فجلس على سدة حكمها الغضنفر بحكمة وقاره المسطر.
فقام الباحث الغريب يشحذ فكره النجيب، ليكتب قصة البلد العجيب. اسمها مشتق من بوق الشفاء، نبعها العافية صافيّ الماء، تلالها في سبعة ارجاء، اهلها من ثلاثة اجزاء، طوائف، مذاهب وفرقاء، كلهم في الهَّم سواء. فلم يجد ذلك الباحث الى مراده سبيل، في كتب التوراة والقرآن والإنجيل، فعرج على كتب الأولين في الهند والصين، فعثر على كتاب يروي قصص الضياع على لسان الاسود والطيور والضباع، فدرس في عدد من اللغات بحوثًا عن الغايات. حتى وجد ابن المقفع.. فحضر الباحث قصته مع سُفيان بن مُعاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة والي البصرة في زمن الخليفة ابو جعفر المنصور.. حيث شد الوالي عليه الحبل والوثاق، بعد أن اشعل نارًا حارقة في الوجاق، فقطَّع اطراف ابن المقفع فلا التوسل ولا الرجاء له كان يشفع، فاقترب الباحث من المغدور، وطلب ان يروي له عن المحظور، فدله ابن المقفع على كتاب بيدبا المرصع، بلسان الطيور والأسود والظباء، وحذره من الفتنة والبغاء، ومن ان يصيبه صد من الاعداء، فلا ينفعه الدمع والبكاء، فيموت كمدًا وحسدًا وشقاء.
ففتح الباحث صفحات الكتاب، وبدأ يقرأ في عِلّم المجهول والغياب، ويبحث في الدوافع والاسباب، عن جذور العائلات والانساب، من تولى ومن تخلى ومن غاب، من الحضر والبدو والأعراب، فسال على شفة يراعه اللّعُاب، وانهال كالسيل يروي قصة ابي غضنفر الخأَب(1).
فكتب الباحث رسالته على أوراق الدوالي والاعناب...


(1) الخأَب: اسم من اسماء الاسد

الحكاية:
في احدى أيام الصيف نعق الغراب، في واحة "بوق الشفاء"، يزف خبر موت سيد القوم في الغاب، فعم الحزن والحداد، وتسربل العوام حلة السواد. وبعد ايام شداد، قامت سلطة البلاد، بتنصيب عامل لها من خيرة الجياد، وجعلته واليًا على الاسياد. فما كان من شعب الواحة الأغر، الا ان حملوا السيد الغضنفر، وجعلوه ملك الواحة المظفر، فساد السلم والوئام وحل في الربوع السلام. فانجب الغضنفر عددًا من الذكور والإناث، الليث، الضرغام، الهصمصم، المهراع، والهزاع (2). وأصبح الغضنفر يكنى بابي الليث الغضنفر بن المهراع، فخدم رعيل الواحة باللين والبتاع (3)، وتعلم من قصص ابن القفع، في حكاية الثعلب والطبل، حيث جاء فيها: "زعموا أن ثعلبًا أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة، و كلما هبت الريح على أغصان تلك الشجرة حرَكتها، فضربت الطبل، فسُمع له صوتٌ عظيم باهر. فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته، فلما أتاه وجده ضخــمًا، فأيقن في نفسه بكثرة الشحم و اللحم فيهِ، فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال: لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا، و أعظمها جثة." فصار الغضنفر ابي الليث يتوجس من اصحاب الاصوات العالية، بأنهم يشبهون الطبول العاتية، فلا يحسب لضوضائهم حساب، ولا يخشى من فضولهم عقاب. فشب ابنه الليث ينهل من كنز معرفة ابيه، ليكون واليًا من بعده ويليه، فما كان منه إلا ان تعلم قشرة الامور، وغاب عنه اللب المكنون في الجذور، فشب على طموحه المغمور.
وتوالت السنين بالأيام الشهور، واصبح الليث بصيت والده مسرور، يجول بين الناس والجمهور، مفعمًا بالترف والغرور، فاقتنى دكانًا لبيع التمور والخمور، واشترى اربعة خيول تجر له الحنطور، وصار يومه في المباع يزداد، واكتراء الحنطور في الاعياد.. فتكدس المال بين يديه، وتقرب الاتراب من كفيه، وذاع صيته فيما عليه. فضج كبار القوم وذهبوا الى الغضنفر، يشكون له ما قام به الليث الموقر، من اكتراء الخيول وبيع الكحول، فزمجر الغضنفر المهول، ووعدهم بزوال عمل ليثه الجهول، فالتأم الوفاق بين الحضور، وعم في النفوس الحبور، وغادروا على موعد مبرور.
ويومًا بعد ايام عجاف، حضر الليث دون أن يخاف، ووقف بين يدي الغضنفر الوهاب، يشرح الامور والاسباب، عن اعماله بين الجُهال والشباب، وبعد اخذ ورد وعتاب، وعد والده بالعودة للرشد والصواب، والبحث في سبيل العلم والآداب.
ترك الليث عرين "بوق الشفاء"، واستقر مقامه في دارة العلم والعلماء، ينهل من منبع النجباء والفقهاء، يتعلم منطق الالسن واللغات، فحاز على التقدير والهبات، وبعد سنوات وسنوات، عاد يحمل الشهادات، من اعلى الفئات، ليتم تعينه في مكتب الاعانات، موظفًا ومديرًا لنفسه بالذات.

(2) الهزاع: اسم من اسماء الاسد.
(3) البتاع: قصيدة البتاع للشاعر الفاجومي فؤاد نجم.
وفي احدى ايام الدوام المجلجل، دخل عليه شاب بمشية العرنجلي، يطلب العون بشرع قانون مبجلي، فطفق الليث يشرح له ويغربل، قال لا تقرب السياسة وحزبها الشيوعيلالي(4)، فأصحابها اعداء قوم المحفل، فغضب الفتى من قول ذاك الرجل، فقبقب وشقلب وعقب بالجُمَلِ، وقال يا هذا.. يا ذا المقام المعرقل، اما زلت في درب العمالة تعمل، والغيظ كتم عزة.. وغادر مهرول.
وعُرف عن الليث عونه للأقربون، يغدق العطاء لمن لا يستحقون، فهذا ابن خالته، وذاك ابن عمته، وزيد عريف جلدته، وجاد ابن حارته، حتى عم في السواد(5) الجفاء، وخف في الافق الوفاء.
ودارت الايام دورة السنين، فاعتزل الغضنفر ابي الليث بن المهراع، سدة العرين، فما آلت الى ولده الليث السيادة، حيث انقلب الحكم على غير العادة، فمن كانوا بالأمس غرباء، صاروا القادة النجباء، لكن قبيلة المهراع، اصابها اندفاع، وعم الشقاق، وانتشر النفاق، كأن الواحة على مفرق الافتراق.
وفي الدورة التالية لاختيار سيد العرين، انقسمت الواحة بين الشدة واللين، لا يسار ولا يمين، انما المصلحة راس الدين. فأطلق الليث فكرة مهولة، هرول اللفيف حولها بسهولة، فحملوا قصعة النحاس، وطافوا على بيوت الناس، فما نالهم منها الا الخيبة والافلاس. فتربع على اريكة العرين، مختار دانت له السنين، فالتف حول مجلسه النواب، وتكاثر حولة الاصحاب والخلان والاحباب، من كل ذي مصلحة وكساب، فهاج بهم الديوان، ووصلت اخبارهم سائر الواحات والبلدان.
وحين لم يجد الليث ابي الغضنفر له من مكان، واصبح في تقاعد ما كان في الحسبان، اللف في وسط الواحة عنوان، فأقام علاقات خارج الغابة، بمراسلات وزيارات مهيبة خلابة، فجادت اريحيته بالكتابة، مصدرها والده الغضنفر.. ابو الغلابة، فجاءت اليه الوفود من كل الهضاب، وتردد اسمه وراء كل باب، تحت حماية الشيخ وسيد الأكواب.
وفي غفلة من الزمان، ارتقى الليث في سدة الديوان، وصار قائم بعمل الكيان، خلف مكتب انيق من خشب الزان، وخلفه صورة للعدل ميزان، فطفق لا يهش ولا ينش، لكنه يبتسم ويبش، ايامه صمت وسكون، وليله حلم وشجون، والامل في كيانه مسجون، ينتظر القادم من الزمان.. وكيف يكون؟
فاجتمع بالعشائر مع الاصحاب، بمحاذاتهم يسير عاقد الأحقاب(6)، وراية الإصلاح علو السحاب. فالصلح سيد الاحكام، بين الخراف والاغنام، يعقدها في حضرة الإمام، علّ وعسى يحل في ربوع الواحة السلام. وعام مضى وبعد مئة عام، حتى اجتمع السواد والعوام، وعقدوا العزم على الاكرام، لليث في يوم من الايام، لا عتاب، لا خلاف، ولا انتقام، فتسابق كلهم الى المنبر بحلو الكلام.
فهل عرفتم ايها السادة الكرام، من هو الليث ابو الغضنفر الهمام، صاحب حفلة الاكرام. اعطوه ما لديكم من نفاق وانفصام، كالذين قيل فيهم.. "يزنون بالكلام"(7).
(4) الشيوعلالية: نسبة لأصحاب الفكر الشيوعي.
(5) السواد: عامة الناس.
(6) الأحقاب: اِحْتَبَسَ مَطَرُهُ. "حَقِبَ عَطَاءُ الرَّجُلِ"، "حَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ"، فَسَدَ، "حَقِبَ الْمَعْدِنُ"، لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ.
(7) "يزنون بالكلام": من قصائد الشاعر نزار قباني.

شفاعمرو - تموز 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟