الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل بالإمكان أحسن مما كان؟ عبد المجيد لطفي كاتب متشعب الاهتمامات عانى عقوقاً وإهمالا؟

شكيب كاظم

2021 / 7 / 1
الادب والفن


تعرفت على الأستاذ عبد المجيد لطفي، مقالياً يكتب مقالة يومية على صفحات جريدة (صوت الأحرار) لصاحبها لطفي بكر صدقي، صيف عام 1960، كنت طالباً في الصف الثالث المتوسط، فاستهواني أسلوبه في الكتابة، وظللت أتابع ما يكتب في سنوات لاحقة على صفحات جريدة (التآخي) حتى إذا صدر كتابه (الإمام علي رجل الإسلام المخلد) الفائز بالجائزة الثالثة للكتابة عن الإمام علي، التي أجريت سنة 1966، اقتنيت الكتاب وقرأته وكتبت عنه حديثاً نقدياً، نشرته الصفحة الثقافية لجريدة (التآخي) التي كان يشرف عليها الباحث الكاتب، طيب الذكر أبو بشار عبد الغني الملاح يوم الخميس 16/ من أيلول/ 1971، وبالعدد المرقم 837، ويا لها من مصادفة أنْ أكتب حديثي هذا الذي كلفني بكتابته صديقي الأستاذ رفعة عبد الرزاق محمد في اليوم ذاته! كي تنشره جريدة (المدى) في ملحق (عراقيون) احتفاءً بمنجز عبد المجيد لطفي.
يعدّ الأستاذ عبد المجيد لطفي، من جيل الرواد الذين كتبوا القصة القصيرة إلى جانب محمود أحمد السيد وسليمان فيضي وعطا أمين وذي النون أيوب وعبد الحق فاضل وأنور شاؤول وجعفر الخليلي وعبد الوهاب الأمين وخلف شوقي الداودي وسليم بطي ويوسف رجيب وغيرهم. ولأمر ما لم يدرسه الناقد الدكتور عبد الإله أحمد لدى دراسته (نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 – 1939) بل اكتفى بدراسة ذي النون وعبد الحق فاضل وشاؤول، ولقد ظلَّ النقد العراقي يغفل ذكره حتى إذا ذكره، عدّه من القصاصين الكلاسيكيين الذين يعانون فقراً فنيّاً في كتابتها، ولقد آذاه هذا الإغفال، وهذه التهمة الجاهزة التي ظلّ يتناقلها اللاحق عن السابق، من غير أنْ يكلّف اللاحق قراءة منجز عبد المجيد لطفي القصصي، ومحاولة دحض هذه الفرية التي ألصقت بأسلوبه الكتابي، نعم إنه كان من الذين يجعلون الأدب، وكتابة القصة تحديداً سبيلاً للتعبير عن آرائهم، والتأثير في توجهات القراء، هادفين إلى جعل الأدب في خدمة الناس، وكان هذا هو الرأي السائد، لذا لا يمكن أنْ نسقط آراءنا ومفاهيمنا، على توجهات ومفاهيم الزمان الذي عاشوا فيه واعتنقوا أفكاره.
لقد بقي الراحل الأديب الكردي العراقي عبد المجيد لطفي، يواصل الكتابة على مدى أكثر من نصف قرن من حياته المديدة، إذ المرجّح أنّه ولد سنة 1909، كما يميل إلى ذلك القاص والروائي والمترجم الأستاذ ناطق خلوصي، ولطفي خاله، ووفاته فجر الثلاثاء السابع والعشرون من شهر تشرين الأول سنة 1992، ففضلاً على كتابته القصة القصيرة منذ ثلاثينات القرن العشرين، فإنّه مقالي جيد، كتب المقالة الأدبيّة والسياسية بفنية وتقنية جيدة.
كتب عبد المجيد لطفي القصة القصيرة، وأصدر أكثر من مجموعة قصصية منها مجموعة (أصداء الزمن) التي نشرت سنة 1938، وكذلك مجموعته القصصية (الجذوة والريح) 1969، كما كتب الرواية، وبالإمكان الإشارة إلى روايته (فتحة أخرى للشمس) فضلاً على كتابته المسرحية، مشيراً إلى مسرحيته (خطأ في العد التنازلي) كذلك روايته (الرجال تبكي بصمت)، كما كتب في الإسلاميات كتابه (الإمام عليّ رجل الإسلام المخلد) الذي أشرت إليه في صدر حديثي هذا.
وإذ تعد وزارة الإعلام للاحتفاء بذكرى المتنبي بإقامة مهرجان له في شهر تشرين الثاني من عام 1977، فإنها تكلفه للكتابة عن أبي الطيب، ليقدم لنا كتابه (المتنبي، فارس الفكر العربي) إلى جانب مؤلفات للدكتور عبد الله الطيب وجاسم محسن عبود السعدي.
إني إذْ ذكرت الألوان الأدبية، التي كتب فيها الراحل العزيز عبد المجيد لطفي، المقالة، والقصة القصيرة، والرواية والمسرحية، والكتابة في السيرة، والدراسة الأدبية، فيجب أنْ لا ننسى شعره، لقد كان لطفي شاعراً، نشر الكثير منه في ثقافية جريدة (العراق) يوم كان يشرف عليها طيب الذكر الأستاذ أبو صارم أحمد شبيب – رحمه الله – ولا سيّما رباعياته، المغمسة بالأسى والشكوى من تصاريف الأيّام والزمان، ولقد جمع بعضاً من هذه الرباعيات ونشرها في كتاب حمل عنوان (خليج المرجان) ولطفي كتب الشعر العمودي، فضلاً على قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر التي يسميها (الشعر المنثور).
وكما أحرق أبو حيان التوحيدي بعضاً من كتبه في ساعة يأس وقنوط، فإنَّ عبد المجيد لطفي، أحرق شيئاً من قصصه التي يراها ضعيفة، فلم ينشرها في حياته، وقد يعمد أبناؤه إلى نشرها، فيكون النشر إساءة لسمعته الأدبيّة، واضعاً في الحسبان، ما قامت به أرملة الأديب الأمريكي المنتحر أرنست همنغوي (1899 – تموز 1961) بنشر عدد من الروايات والقصص التي ما أقدم همنغوي على نشرها في حياته لأسباب عدة، منها الضعف، فتولّت أرملته بيعها لدور نشر لقاء مبالغ من المال، فأساءت – كما أحسب – إلى سمعة الروائي الكبير، وهو ما فعله ورثة الروائي الكبير عبد الرحمن منيف (1933 – السبت 24/ كانون الثاني / 2004) إذ قاموا بنشر أولى رواياته، وكانت بادية الضعف وعنوانها (أم النذور) ولقد كتبت عنها حديثاً نقدياً نشرته جريدة (الزمان) بطبعتها الدولية بلندن في يوم السبت 8/9/2007 بالعدد 2791 عنوانه (حين يسيء الورثة لذكرى مورثهم) قلت فيه إن نشر هذه الرواية الضعيفة فناً إساءة لتاريخ عبد الرحمن منيف الإبداعي، وإنّه لو كان يجد فيها خيراً لنشرها في حياته.
لقد ظل عبد المجيد لطفي، قلماً نزيها نظيفاً يصدع بكلمة الحق والحقيقة، حتى إذا توقف المنبر الذي كان يكتب فيه عن الصدور وأعني بذلك جريدة (التآخي) يوم كان يتولى رئاسة تحريرها الأستاذ دار توفيق – رحمه الله – بعد الخلاف الذي نشب بين الحكومة والحركة الكردية حتى توقفت (التآخي) عن الصدور في آذار / 1974، فتوجه الأستاذ لطفي، للكتابة في مجلة (الطليعة) الكويتية، لسان حركة القوميين العرب بالكويت، وكان رئيس تحريرها الراحل سامي أحمد المنيس فضلاً على الدكتور أحمد الخطيب، وما زلت أحتفظ بالعديد من مقالاته في (الطليعة)، المجلة التي كنت أكتب فيها – كذلك - سواء باسمي الصريح أم باسمي المستعار.
في أحاديث الباحث حميد المطبعي مع الأستاذ عبد المجيد لطفي، في زاويته الأسبوعية، المعنونة بـ (الجذور في تاريخ العراق الحديث) والتي كانت تنشرها جريدة الثورة كلّ يوم اثنين، أقول في سلسلة أحاديثه التي بلغت ستة، نشر أولها في 23/11/1987، والسادس والأخير في 28/12/1987، ثم نشرها في كتاب أصدرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، نلمس شذرات نقدية والتماعات فنية ذكية، فيما يختص بعدد من القصاصين والروائيين العراقيين، وتعد هذه الالتماعات النقدية، بمثابة إضاءة لطريق النقد، يقول عن شاكر خصباك: إنّه قاص إنساني النزعة لم ينل حقه من النقد والاستعراض كمعظم القصاصين من جيله، ويصف فؤاد التكرلي، بأنّه روائي طيب، يضايقني حواره بالعامية، مع أنّه يستطيع أنْ يحاور بالفصحى. وفي إجابته عن يوسف متي قال رحمه الله: ما كان أنبله في التعامل مع الناس وكان يتعامل مع شخوص قصصه كأنّهم أصدقاؤه الأثيرون، لكنه يصمت إزاء يوسف رجيب وعلي الشبيبي ومحمد كامل عارف!
آخر مرة رأيت فيها الأديب الكاتب عبد المجيد لطفي – رحمه الله – مساء الاثنين 6/6/1988، في حفل تأبين أستاذي إبراهيم الوائلي، الذي درسنا النحو على يديه الكريمتين في العام الدراسي 1972 – 1973، الحفل الذي دعت إليه عمادة كلية آداب جامعة بغداد، ممثلة بشخص عميدها الأستاذ الدكتور نوري حمودي علي القيسي (توفي إثر نوبة قلبية يوم الأربعاء 2/11/1994، فاجأته في مكتبه بالعمادة) لمناسبة أربعينية الفقيد إبراهيم الوائلي، لقد كانت مظاهر التعب واضحة على محياه ولا أقول بادية، وقد أطلق لحيته البيضاء، لقد كان متعباً هو الذي عومل بجفاء لأسباب يعرفها الباحثون، أو على حدّ قوله: هل يمكن للشمس أنْ تحجب بغربال، فلماذا عوملت معاملة الشمس والغربال؟ وأقول لماذا يحرص الراديكاليون والشموليون على تحجيم القلم النزيه النظيف ويحاولون ليَّ ذراعه وتدجينه؟ أقول كان متعباً بصورة جلية، وتلك هي سنة الحياة، سنة الله في خلقه، قوة بعد ضعف، وضعف بعد قوة ومن ثم النهاية الفاجعة لكل حي، هذا الإنسان مرهف الحسّ، الذي تعاورت على تهديمه السنون والأمراض والمعاملة الجافية ضيقة النظر لطبائع الحياة، واختلاف نوازع البشر وأهوائهم، فضلاً على فجيعته بنجله القاص زيد خلوصي، الذي كان لي شرف التنويه بقصصه الجيدة، وكتبت عنه حديثاً نقديا تناولت فيه إحدى قصصه المنشورة بثقافية (التآخي)، التي كانت تصدر يوم الاثنين أسبوعياً، نشرت حديثي النقدي وعنوانه (القصة السياسية حاجة أصيلة) جريدة التآخي يوم الاثنين 10/كانون الثاني/ 1972، وبالعدد المرقم 934، لكن النظرة الأحادية للحياة وأدت موهبة زيد خلوصي، كما آذت أباه..
لقد كان يعاني عقوقاً وإغفالاً وهو ما أشرت إليه في صدر حديثي هذا، ولقد لمست شكواه من هذا الإغفال والتغافل والعقّ ولا أدلّ على ذلك من رسالة وجهها للباحث حميد المطبعي قرأتها في المقابلات التي نوهت عنها آنفاً، إذ يقول: "وقد قلت لي مرة – إنَّ الأجوبة خالية من الوقائع المعززة بتواريخ، وهذا صحيح لأنَّ حياتي على طولها تبدو غير غنية بما يلفت النظر، فأنا لست من حملة الشهادات العالية، ولا من شاغلي المناصب اللامعة، وليست لي سفرات وسياحات وصداقات موطدة لأنَّ طريقة حياتي التي هي بنت ظروفها قد جعلتني كذلك، لكن ثرواتي الأدبية كانت في تجمع التجارب والأحزان والانكسارات والانتصارات مع الشعب الذي أحببته، ولا أنكر أنّه بادلني الحب في قطاع عريض، وكان معي خلال رحلة العمر المثقلة بما حملت طوعاً أو كرهاً.
والعقوق، في العادة ملازم لحياة بعض الأدباء من بعض معاصريهم ويكون أذاهم مرّاً إذا ما حولوا العقوق إلى عذاب، وما أكثر الوسائل لإيذاء الأدباء الأكثر حساسية ورهافة في ممارسات حياتهم، ولست بآسف لأنّني تركت كلّ رواسب هؤلاء عند مقترب النهاية..
ويوم فتح الناقد الراحل عبد الجبار عباس – رحمه الله – ملفاً عنوانه (لماذا نكتب؟) في ثقافية جريدة (الراصد) التي كان يحررها، قرأت مقالة للأستاذ عبد المجيد لطفي، تقطر أسى وأذى، وما زلت أحتفظ بها حتى الآن.
ما إن انبلج فجر الثلاثاء 27/10/1992، حتى كانت روح عبد المجيد لطفي تبارح جسده.. وآه من أيام العمر التي تنصرم وتمضي سراعاً..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض


.. تقنيات الرواية- العتبات




.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05


.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي




.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من