الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعددت المشاهد و الجمال واحدُ - قراءة في فصلٌ المساء الذي لم ينتهِ بعد للشاعرة امل عايد البابلي

احسان العسكري

2021 / 7 / 1
الادب والفن


تعددت المشاهد و الجمال واحدُ
" مشهد اول :
في باحة البيت
بعد العشاء وحلول الظلام، تهدأالانفاس والكل يهرع إلى الديار إلا هي تهرب لتلّتها المقدسة"
يقال ان بعض الهروب عودة ميمونة وهذا ما يبدو لمن يدقق في ثيمة الدخول التي زينت باب هذا النص المشبع بالذهول ، بعد العشاء وحلول الظلام ! أليس الليل كله عشاء ؟
هدوء الانفاس من بديهيات السكون في الليل الا ان الشاعرة هنا ارادت ان توثق لأرق الحالمين شيئاً من جنونهم ، التلة المقدسة تلك الفكرة العذراء الرابضة على قمة الهدوء ، قدسية السكون العذري تلك تؤرخ لكل عاشق افق خياله . عاشق لاينام ملىء جفونه عن شواردها لأن العاصفة قادمة ولا مناص من الدخول فيها و التحرك بين طيات غضبها ، اي ان الهدوء الذي تقصده الشاعرة و اكاد اجزم هو ليس اقل من فورة اشتياق وتفكير و تلتها المقدسة المفروشة بما يشبه الغطاء لا يمكنها اخفاء تلك الثورة العظيمة .
يؤدلج هذا الدخول لفكرة يتيمة وجدت البابلي انها قادرة على تبنيها وكفالتها بكل يسر .
لأنها ليس مجرد تلة او سرير غربة هي ايضاً :
" محراب وحدتها ومهبط وحيها
ترتدي حذاءها ( الترانشوز) وتركض نحوها مسرعة لتعانقها عناقها اليومي ولتنظر للعالمين تحت قدميها وهي تغني فصلها المسائي ."
الشاعرة هنا وكعادتها شاعرة بكل تفاصيل المرأة لا الانثى فدفق المعاني في هذه الكلمات التي تبدو بسيطة غزير جداً هي رسمت لوحة واقعية بريشة الشعر فكل من يقرأ يفسر حسب احساسه وهنا يكمن سر النجاح في تبني الحرفية في الكتابة ، هكذا كتابات غالباً تتعب الكاتب وتضعه في حرجٍ مع خفة روحه ، ونرى بعض المفردات التي تبدو مباشرة وبسيطة هي في الحقيقة مجموعة ايحاءات جميلة ، مزج الواقع العيني بالخيال المطلق ، ترانشوز و ركض يعني السرعة و الدقة في الركض وتحديد المسار الصحيح ثم العناق و السكينة الصاخبة و عزف لحن الرتابة بطريقة التجديد في الايقاع هي ام وان لم تلد و بنت وان وضعت تجردت هنا من كل المسميات والصفات واطلقت العنان لشخصية الانثى الحالمة وهذا شيء صعب على كل امرأة اذا لايمكن جمع كل هذه التناقضات الواقعية بروح واحدة كما فعلت الشاعرة فهي بهذا تخطت حتى حدود خيال الشعر و جلست تغني انشودة الانتصار في حربها مع الذات الواقعية ، قد يبدو عناقاً يومياً الا انه مميز كما اسلفنا هو خارج حدود ومديات الرتابة .

" مشهد آخر :
- كانت تكلمه عن زاويتها المقدسة والنجوم النابضة فوق رأسها
وهو ينصت لها كأن قلبها من يتكلم
عيناه غارقتان في وجهها "
حين يتوقف التبض تسكن الارواح وحين تتحرر الارواح ينطلق الخيال بعيداً ، جمعت الشاعرة هنا في دخولها في هذا المشهد دراما البوح بتشويق فريد بالكاد استطعت انا كقاريء ان افصل بين سطورها لدقة و ترابط النص والمعنى الذي يخيل لمن يدقق فيه انه مجموعة من معاني الخلود فالغرق في الوجه حياة جديدة .
" تناديه : حساني
فيجيبها : نعم سُكرتي
لا لا بل ملكتي
- تعال نذهب للتلة
- هيا بنا
يركضان نحو التلة مروراً
بملعب خماسي للقدم والاصوات تتعالى من المشجعين
وأصوات كلاب بعيدة
تتسارع أنفاسهما
حتى أعلى التلة
- أوه سُكرتي تعبت ...
توقفي .. توقفي
- آه ياكسول دوما تتأخر ثم تتعالى قهقهاتهما فرحين ..
تدور بجسدها المتعرق نحو نسائم الشمال
- حساني تعال
- تعال هنا
- أنظر إلى المدينة القديمة كيف تسجد تحت أقدامنا
- هو في ذهول ( ملكتي أن العالم حقا تحت قدمينا )
- تضحك مجددًا وتسحبه للجانب المعتم من تلتها المقدسة "
الايقاع السردي هنا هو تسامي جميل وبديع فهذه قصة عشق و تحرر والقص الشعري في هكذا نصوص يحتاج كما تحتاج القصة لنهاية واضحة اذ ان الجمع بينهما ابداعٌ قائمٌ بذاته ، انا كمتلقي ماذا اريد من الشاعر و ما اذا اريد من القاص ؟
اريد ان يحملني الشعر الى آفاق متعددة ويتركني مع الخيال اسبح حسب ما يتلائم مع متطلبات حاجتي النفسية والعاطفية اي ان الشاعر يمكنه ان يأخذني الى البحر ويتركني دونما يحدد لي النهاية بينما على القاص ان يوحد لي نهاية اصل اليها مقتنعاً بأنها النهاية المرجوة او النهاية غير المفيدة لي المهم ان يوجد لقصته نهاية ، في هذا المشهد استطاعت الشاعرة ان تاخذنا عبر القص الشعري الى مالا نهايتة لانتقالاته ، يركضان يطلقان على بعضهما القاباً هي تريد ان تراه افضل منها وهو يراها مليكته فيجتنب التفوق عليها قهقهاتهما بكاء من نوع خاص و تلتها المقدسة الحالمة بعرش يتربع عليه ملكها ترافق مخيلتها اينما حلت وحل أملها الجميل فالفرح وان كان مجازاً الا انه موجود فايحاءات الواقع اصدق من خيال الحالم و دورانها نحو الشمال متلقية للنسائم وكل تلك الحركات و الحوار الشفيف و الغموض و الوضوح توجهت نحو قدميها بحثاً عن الجنة التي يرى هو انها تمثلث بشخصيتها فالسعي بين مكانهما و تلتلها المقدسة والمرور بملعب خماسي و تصفيق الجمهور كلها ايحاءات تحتاج لأكثر من قراءة و المزيد من التعمق ، نعم قد اغرق هذا المشهد بالصور الشعرية ذات الايحاء البائن الا انها في الحقيقة اخذتنا بعيداً بعيدا و ارتنازانها مغامرة فطنة وحساسة تحب المرح و والهدوء معا واجتماعية بدرجة كبيرة تشعر بالحرية والسعادة دون إهمال الآخرين حينما تقوم بالمغامرات هي تنعش روحها وتنطلق نحو التحرر من الالم . ترى هل كان هذا كله حلماً ام انه امل في عيش واقع ما ؟ يقول مفسر الاحلام ابن سيرين في حال رؤية أرض الملعب في منام الرائي و كانت خضراء تأول رؤياها بسعة الصدر، وراحة البال، وعدم الانشغال، والهدوء، والاستقرار، هذا اذا كانت خالية من اللعب أو اللاعبين إلى جانب تحمل المسؤوليات بجدارة. و يقول بعضهم ان الملعب بوجود مشجعين قد يدل على أن الشخص سيبين فرصه وأوراقه الرابحة لأعدائه وسيفعل كل شئ وفقا لقواعده وسيهزمهم في نزال نظيف وتوضح أيضا أن صاحب الحلم الذي لا يهاب شئ أو أى شخص، ونتيجة لذلك سيستطيع أن يحمي أحبائه طوال الوقت بأحسن شكل، وسيسعى لأجل حياة جيدة. إن رؤية ساحة كبيرة ومفتوحة، تعتبر إشارة لتيسير الأعمال . هل كان هذا حلماً ؟
يقول الشاعر محمد اقبال:
افن كالآباء ما بين السجود
اسجدن حتى ترى عين السجود
وهاقد سجدت المدينة دون اين يأبى احد او يستكبر
هذا لم يكن كلما محضاً انما هو مزيج ملحمي لين الخيال والحلم اي انها تأخذه بعيداً ثم تسحبه للجانب المعتم من تلتها اي انها سحب احلامها و تفكيرها غالباً نحو الغفوة الهادئة التي لا مناص من الانتهاء بها وحيدة او مع احلامها و فارسها . لكل انسانٍ اسراره الخاصة و الذي يقرأ هذا المشهد قراءة عابرة يظن ان ثمة اسرارٍ هنا تم كشفها الا ان الشاعرة في الحقيقة بنت حول اسرارها قلعة عصية على كل شيء الا ابداعها .
" مشهد آخر :
تبدأ غناءها كما كل ليلة
وهو يجلس جنبها يستمع لصوتها
والنجوم تدور حول تلتها
لتصرخ ...( كوثى ) آه يا جذوري ومحرابي
يضع رأسه بحجرها
- سُكرتي... ما قصة هذا المكان ؟
فيبدأ حديثها عنها ...
ولما ينتهِ أبدا "
لماذا لم تختم الشاعرة نصها بمشهد اخير وقالت مشهد آخر ؟
ان الشاعرة في مجمل هذا النص تريد ان تقول لانهاية للأمل للحب للحرية ولا بداية للرحيل و تعزز نظريتها بفكرة الغناء ، ايحاءات عظيمة وخصبة كثيرة في هذه الملحمة فالشاعرة هنا ابنة بيئتها تحب ان تعمر و تبني و تتسع افاق خيالها لتصل نحو اللاحدود للبناء و التجميل فالشاعر بطبيعة الحال يجمل الاشياء و يعتق حزنه ليرتشفه سعادة في ليلة لقاء مع آماله (كوثى) كلمة تحتاج لأكثر من قراءة لكني سأكتفي بما فهمته بشكل شخصي من ورودها في هذا النص فهو يفسر نفسه نعم فخصوبة الفكرة لدى الشاعرة تنبي بانبات و خضرة وحصاد بعد زرع و انتقال من اللاشيء الى الحقيقة الواضحة فالجذور و المحراب و التأوه الجميل كلها ايحاءات للتمسك بالاصل و الانعتاق مما يشوه ذاكرة الوجد النقي . الحوار القصصي في هذا النص متميز فيه البساطة و الغموض و الفرح و الايمان بصدق المشاعر و فيه المراهَقة البريئة والعقلانية اللذيذة وفيه من الصمت مايعادل الحديث فقد جاء متوازناً ثرياً بالجمال والذوق والبراءة و الطهارة و النقاء و العشق و الصبر الذي لم ندرك متى تُحصد ثماره فالشعر يتوقف حينما يضع رأسه بحجرها فهو لم يتمكن بعد من تصوير الشعور في هكذا لحيضات خارج اطر الحياة .
الغموض والخيال في الشعر من المطالب الاساسية وليست صدفة ان يكتنز هذا النص بهذا الكم من الغموض رغم وضوحه اللغوي ، فنهاية هذه الملحمة ليست الا بداية لحلاوة اللقاء وعيش اللحظة و الثقة بالنفس و الهدوء الصاخب وسرد حكاية عشق لم تنته بعد
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا