الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعر العاميَّة وتدنِّى الذائقة الفنية

أحمد هيكل

2021 / 7 / 1
الادب والفن


برغم انتشار ما يُسمَّى بشعر العامية، واحتفاء فعاليات ومنتديات الأدب والشعر فى الوطن العربى بهذه الظاهرة الأدبية، وبرغم إحاطة رُوَّاده بهالات من الثناء والإعجاب والتقدير، إلا أننى لا أؤمن به كفن تتباهى العربية وتشرُف بانتسابه إليها، ولا أحب الشعر العامِّىّ، ولا أسلوب شعراء العامية، أو كُتَّاب شعر التفعيلة، مهما قيل فى وصف أشعارهم ومهما بالغ الأدباء والنُقَّاد فى مدح هؤلاء الشعراء، فإنى لا أحس في قصائدهم -إن صح التعبير- بقوة الكلمات أو جزالة الألفاظ، وهو ما تميز به الشعر العربي قرونا، ولكن من أين لهم هذا؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهم فى الحقيقة نتاج بيئة متدنية الذوق منحطة الأدب والفكر، بيئة ليست خليقة بأن تنجب أمثال البحترىّ أو أبي العلاء المعرِّىِّ أوحتى محمود سامى البارودى. فحتى تأتى الألفاظ قوية والكلمات جَزْلة، لا بدَّ أن تكون مادَّة القول حاضرة، ومادة القول ما هى إلا بيئة فصيحة لم تتلوث أسماع الناس فيها بلغو الكلام ولم تنتج لنا إلا روائع البيان والحكمة. وهذه المادة بالفعل ليست موجودة، فقد غشَّاها ما غشَّى، وران عليها الزمان وجثم بكلكله. ولذا فإنى أكاد أسميها خواطر وليست أشعارًا. فإذا قيل -ولطالما قيل- إن الشعر هو فن العربية الأول، فكيف تُقدَّم مثل هذه الخاطرات للجمهور العربىّ على أنها أشعار وعلى أنها تمثيل للغة العربية وهي أبعد ما تكون عنها؟ فهي لا تلتزم بالقوافي أو بوحدة الأبيات أو بما تعارف عليه شعراء العربية الكبار من قواعدَ فحسب، ولكنها لا تلتزم حتى بأبسط قواعد اللغة من نحو أو صرف، وتجري كلماتها بما تجري به ألسن العامة وتلوكه شفاههم، فعن أي شعر نتحدَّث؟ إن أيًّا من شعراء مدرسة الإحياء والبعث لو قام من مرقده لأنكر أمر هذا اللون من ألوان القول، واستنكر نسبته إلى فنون العربية! ولشنَّع على صُنَّاعه ورموزه! ممن يُقدَّمون إلى العامَّة على أنهم رُوَّاد الحركة الأدبية والشعرية، مع أنهم لا يمثلون إلا تراجع العربية على مستوى فن الأدب والقول، ولا تعبِّر أشعارهم إلا عن ضعف وتردي الحالة الثقافية والحضارية للأمة، كما تعبِّر عن ضعف مكانة اللغة العربية في قلب وعقل الأمة. لعمرى لو أن شوقى عاش إلى زمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم، لسكت عن الشعر احتجاجا على تدنى الذائقة الفنية والأدبية ولتمنَّى من الله أن يقبض روحه إليه. والعجب كل العجب هو أن ينساق نفر لا يُستَهان به من الأدباء وراء تلك المعايير الجديدة للإبداع والفن، فبحور الشعر العربى قد استبدلت بمقامات سيِّد حجاب وبيرم التونسىّ، وأوزان وقوافى شوقى وحافظ إبراهيم قد توارتْ خلف ضجيج الإيقاع الجديد لأشعار جاهين ونجم وأخيرًا الجخ!!
وإن من أغرب المصادفات أن توضع تلك الأشعار جنبا إلى جنب مع دواوين أمل دنقل أو نزار قبانى أو بدر شاكر السياب أو صلاح عبد الصبور، فى حين أن العامية لا تعدُّ لغة - ولا هى جديرة بهذا الوصف- حتى تنشأ لها فنون وتصبح مصدر إلهام الشعراء فى عصرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي حول مقال تدني الذائقة الفنية.
أحمد جدعان الشايب ( 2021 / 7 / 3 - 01:10 )
هذا الموضوع فيه تجن شديد على تطور الشعر بمراحل متعددة .. من أبي تمام والمعري اللذين كانا أول مجددين في الشعر.. ومن يقرأ تاريخ الشعر العربي.. يعرف ذلك.وكما جدد هؤلاء جدد
اللاحقون. ورأيي أنك لم تعلم أن شوقي غار وجد كتاب الأغاني ( رامي وبيرم وحجاب وغيرهم.) فكتب عدة أغاني لمحمد عبد الوهاب بالعامية. هذا المقال مليء بالمتناقضات.. ولو كانت المساحة تتسع لتفنيدها وخطأ ما ضمه المقال.. لقلت الكثير... لو كان يتحدث عن رداءة المعاني والمواضيع والإسفاف نحو قضايا تافهة .. وبأساليب ضعيفة وركيكة كان حقه.. ولكنه يذكرني برأي مصطفي الرافعي حين تهجم على كتابات قصص الأطفال.. وطلب أن ترمى جميعها لأنها تعلم الأطفال الكذب.. فهل سمعتم بقول شهير( أجمل الشعر أكذبه؟). يريد الرافعي أن نتعامل مع الطفل كرجل بسن الأربعين.فأين الخيال؟.. كل تجديد فيه تطور وتغيير نحو الأفضل.. وأي عمل فني يتعامل مع الذوق والحس والعواطف والمشاعر .. يجب أن يكون راقيا ومحترما ونبيلا.. أيا كانت لغته.. وما لغتنا العامية إلا جزءاً من لغتنا العربية..وهل يعقل أن نرفض كل روائع أم كلثوم وفريد وعبد الحليم وأسمهان وعبد الوهاب لأنها عامية؟.

اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض