الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


4-ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2021 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


4- الحقبة الفيدرالية وسد النهضة
لم تتفجر صراعات الدين والقومية فى كل تاريخ إثيوبيا ، كما تفجرت فى الحقبة الفيدرالية الديموقراطية التى أسسها ميليس زيناوى ، فقد كان زيناوى ، الذى قاد تحرير إثيوبيا من ديكتاتورية منجستو ديكتاتوراً كبيراً بدوره ، وقد حكم إثيوبيا لنحو عشرين عاماً غير منازع ، وهى فترة أطول من الفترة التى حكمها منجستو فى صراع مع زملائه ، وقد فعل زيناوى ، كل مافعله منجستو من التخلص من خصومه ، ولو بطريقته الخاصة ، فبينما إستخدم منجستو السلاح ، فقد إستخدم زيناوى السياسة والحيلة ، والسلاح أحياناً.
حكمت جبهة التحرير الثورية الديموقراطية إثيوبيا لنحو خمس سنوات إنتقالية بقيادة ميليس زيناوى ، تم أثنائها وضع دستور 1994 ، الدستور الثالث فى تاريخ إثيوبيا الحديث ، بعد دستور هيلاسيلاسى 1930 ودستور منجستو 1987 ، وقد أقر بصيغة الدولة الفيدرالية العرقية ، وهى صيغة فريدة فى التاريخ حاولت فيها الحكومة الإنتقالية ، إرضاء النزعة العرقية المتأصلة فى نفوس الإثيوبيين ، مع منح قدر من الحرية والحكم الذاتى للأقاليم فى نفس الوقت ، لكنها مع ذلك قد حافظت على سيطرة المركز الذى تحكمه الجبهة الثورية من العاصمة أديس أبابا ، بحيث لم يفز فى أول إنتخابات جرت بموجب الدستور الجديد سنة 1995 ، سوى أحزاب الأقاليم الموالية للحكومة المركزية فى العاصمة ، وقد شهدت تلك الفترة ، وحتى قبل الإنتخابات التى شابها كثير من القمع والتزوير، إنشقاق حركة تحرير أورومو، التى تحولت إلى حركة معارضة مسلحة منذ ذلك التاريخ ، وفى هذه الإنتخابات فاز الحزب الحاكم بمعظم مقاعد البرلمان ، وأصبح ميليس زيناوى أول رئيس وزراء لإثيوبيا لفترة خمس سنوات ، كما إنتخب الأورومو المسيحى نيجاسوا جيداد ، وزير الإستعلامات السابق فى الحكومة الإنتقالية ، رئيساً لفترة ست سنوات، فى نظام حكم برلمانى يلعب فيه الرئيس دوراً رمزياً .
سيطر زيناوى على الحياة السياسية لإثيوبيا ، ورغم خلفيته الماركسية ، فقد حاول تحسين الإقتصاد بفتح السوق الإثيوبية للإستثمار وخصخصة بعض قطاعات الإنتاج التى أممت فى عهد منجستو ، بإستثناء ملكية الأراضى الزراعية التى ظلت ملكية عامة بحكم الدستور، وقد تسبب ذلك فى شئ من تحفيز الإستثمار المحلى والأجنيى وفى التقارب النسبى مع الغرب فى نفس الوقت ، وهى السياسات التى أخذت فى التصاعد والإزدياد فى كل الحقبة الفيدرالية حتى أصبحت إثيوبيا من أصدقاء العالم الغربى، وسوقاً هاماً لإستثماراته.
جرت إنتخابات سنة 2000 فى نفس الظروف من القمع والتزوير وشراء الأصوات ، بحيث أدت فى النهاية للإنشقاق الثانى لمكون هام من مكونات الخريطة السياسية الإثيوبية وهو حزب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى ، الذى يقود الصراع ضد نظام أبى أحمد اليوم ، بسبب نفس الظروف ، وبسبب الإنحياز المتزايد لزيناوى بإتجاه إقتصاد السوق، وقد وضع قادته قيد الإقامة الجبرية على أثر ذلك الإنشقاق ، وفاز الحزب الحاكم مرة أخرى بمعظم الأصوات ، وأصبح زيناوى للمرة الثانية رئيساً للوزراء ، وخلف الأورومو جريما ولد جرجس الرئيس نيجاسوا ، الذى لم يعد مرضياً عنه بسبب إنحيازه لموقف الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى.
دخل زيناوى فى صراع طويل مع إرتريا ، كانت إرتريا قد حصلت على إستقلالها من إثيوبيا سنة 1993 بموجب إعلان الجبهة الثورية بالرغبة فى تحويل إثيوبيا إلى ديموقراطية فيدرالية ، وبالسماح للأقاليم التى تريد الإنسحاب من الإتحاد الإثيوبى بالإنسحاب سلمياً ، لكن ترسيم الحدود لم يتم بعد إستقلال إرتريا ، ولذا فقد إندلعت الحرب مرة أخرى بين الدولتين سنة 1998 بسبب النزاع حول بعض المناطق الحدودية فى منطقة بادم ، والتى سرعان ماإنتشر حتى وصل إلى ميناء عصب الإثيوبى الهام ، وفى يونيو سنة 2000 تم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار ، مع وصول بعثة أممية ونشر قوات حفظ سلام للإشراف على وقف إطلاق النار بين البلدين ، كما تم البدء فى ترسيم الحدود، وفى نهاية السنة تم توقيع إتفاقية سلام بين البلدين فى الجزائر، رغم إستمرار توتر العلاقات ، وإستمرار وجود بعثة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة ، وعلى إنسحاب القوات الإثيوبية من المناطق الإرترية التى كانت قد إحتلتها أثناء النزاع، وفى سنة 2002 تم التوصل إلى إتفاقية لترسيم الحدود دخلت فيها منطقة بادم فى حدود إرتريا ، رفضها زيناوى رفضاً تاماً ، وظلت علاقات البلدين فى حالة من التوتر ، كما ظلت قوات الأمم المتحدة على حماية الهدنة حتى غادرت بدورها سنة 2008 دون أن يتم ترسيم الحدود. وأثناء ذلك الصراع الطويل مع إرتريا ، ظلت الجبهة الثورية تحكم البلاد بيد من حديد، رغم الإنشقاقات الداخلية التى أصابتها ، ورغم المجاعة والجفاف ووباء الكوليرا الذى ضرب البلاد سنة 2003.
كانت إنتخابات 2005 علامة مميزة فى تاريخ إنتخابات إثيوبيا الفيدرالية ، وذلك بالعنف الذى سادها وبعشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف الموقوفين الذين راحوا ضحايا لنتائجها المشكوك فيها ، فقد إعترضت نصف الدوائر الإنتخابية فى البلاد على الظروف التى تمت فيها الإنتخابات من تخويف وتزوير، بحيث إندلعت المظاهرات فى أديس أبابا ، وتعطل إعلان النتائج لمدة ثمان أاسابيع ، وإمتنع كثير من النواب الفائزين عن أخذ مقاعدهم فى البرلمان ، وإستمر إعتقال المعارضين من الناشطين والمثقفين ،وظلت الإضطرابات حتى العام التالى 2006 حين تمكن حزب الجبهة الحاكم من التوصل لإتفاق مع النواب المعترضين، بحيث وافقوا على أخذ مقاعدهم فى البرلمان ، وظل زيناوى يحكم قبضته على البلاد ، ولكن بأغلبية قليلة فى البرلمان هذه المرة ، وفى تلك السنة أيضاً دعمت إثيوبيا الحكومة المؤقتة فى الصومال ضد حركات المتمردين الإسلاميين ، وظلت قواتها هناك حتى سنة 2009 ، مما زاد من توتر علاقتها بإرتريا التى كانت تدعم المتمردين ، لكنه زاد من إقترابها من العالم الغربى فى نفس الوقت.
تميزت إنتخابات سنة 2010 بالإعتدال ، لكنها كانت الإنتخابات الأخيرة فى حياة ميليس زيناوى السياسية ، فقد توفى فجأة فى أغسطس 2012 وهو يعالج فى بروكسل من مرض غامض لم يكشف عنه حتى اليوم ، وكان مازال فى السابعة والخمسين من العمر ، وخلفه نائب رئيس الوزراء ، ووزير الخارجية هيلامريم ديسالين ، وهو بروتستنتى من عرقية ولاتيا الصغيرة فى الجنوب ، كما شهد العام التالى أيضاً نهاية الرئاسة الثانية للرئيس جريما ، وإنتخاب الديبلوماسى السابق مولاتو تيسوم كرئيس جديد.
ترك زيناوى خلفه بلداً ممزقاً بالصراعات العرقية والحكم الديكتاتورى ، كما كان قد إستلمه بعد قضائه على حكم منجستو ، نعم بمعدلات نمو إقتصادى مرتفعة ، حيث إستطاع أن يجمع بنجاح بين النظامين الإشتراكى والرأسمالى ، ولكن بسجل حقوق إنسان لايختلف كثيراً عن العصر الذى سبقه ، ففى سنة 2009 تم تمرير قانون لمكافحة الإرهاب أصبح بعد ذلك سيفاً على رقاب المعارضين، وقد تم من خلاله القبض على كثير من الناشطين والمثقفين بتهمة مخالفة ذلك القانون ، حتى إضطر كثير منهم إلى الهرب خارج البلاد ، وفى سنة 2011 أعلنت الحكومة تجريم ثلاث حركات معارضة مسلحة ، منظمة جينبوت 7 ، وجبهة تحرير أوجادين ، وجبهة تحرير أرومو ، وإعتبرتها منظمات إرهابية ومنعتها من النشاط ، وقامت بإعتقال كثير من المتهمين بالتعامل معها.
ترك ميليس زيناوى أيضاً ماهو أخطر من كل ذلك ، فقد أحيا مشروع هيلاسيلاسى زمن الحرب الباردة ، مشروع سد الألفية على النيل الأزرق ، والذى أصبح سد النهضة بعد ذلك ، والذى وضع كل شرق إفريقيا على أبواب عصر حروب الماء وصراع الحضارات بين شمالها وجنوبها ، بحجة إحتياجات التطوروالتنمية المزعومة ، التى لاتحتاج إلا إلى مثل ذلك السد الخطير العملاق ، فى بلد يملك العديد من السدود الصغيرة والمتوسطة ، وإحدى عشر نهراً ، وتيرليون متر مكعب من مياه الأمطار سنوياً ، ولايضيره سوى تلك التدفقات السنوية المحدودة ، من بحيرة تانا إلى النيل الأزرق إلى النيل الكبير، الذى يعيش عليه نحو مائة وخمسين مليون إنسان ، فى مصر والسودان .
تعود جذور مشكلة النيل إلى الحدود الإفريقية التى وضعها الإستعمار البريطانى بين دول وادى النيل، وإشترط فيها عدم إقامة أى سدود أو مشروعات مائية تعرقل جريان النيل إلى مصر والسودان ، التى كانت مستعمرات بريطانية فى ذلك الوقت ، وفى سنة 1929 ، تم تأكيد هذه الإتفاقيات مرة أخرى ، وبعد رحيل البريطانيين وإستقلال السودان عن مصر سنة 1956 ، تم إعادة توزيع حصص مياه الفيضان ، التى كان يعود معظمها إلى مصر سنة 1959 ، بحيث أصبح لمصر 5-55 مليون متر مكعب من الماء ، وللسودان 5-18 مليون متر مكعب ، بمجموع 74 مليون متر مكعب ، وهى النسبة المقررة بها حتى اليوم ، والتى قرر ميليس زيناوى تغييرها عندما جاء إلى الحكم سنة 1991 ، بإنشاء سد عملاق وخزان ، يسع وبالمصادفة الغريبة ، تماماً لحصة مصر والسودان البالغة 74 مليون متر مكعب من الماء ، وربط منذ ذلك التاريخ نهضة بلاده المزعومة من خلال التوسع فى توليد الطاقة بشكل خاص ، بما يعنى إقامة المزيد والمزيد من السدود على أنهار بلاده الكثيرة ، وحرمان مصر والسودان من مياه النيل الأزرق ، أكبر الأنهار.
عبر زيناوى عن تلك الأفكار فى مؤتمر القمة الإفريقية الذى عقد بالقاهرة سنة 1993 ، فتصدى له رئيس المخابرات المصرية آنذاك ، الجنرال عمر سليمان ، سائلاً إياه بحدة ، من تظن نفسك ، لم يجب زيناوى ، لكنه أسرها فى نفسه ، وقال للرئيس الأرتيرى أسياسى أفورقى الذى كان حاضراً المؤتمر ، سأري العرب من أكون ، تبعاً لرواية الرئيس الإرترى نفسه فى أحد برامج التليفزيون الأرتيرى سنة 2016 ، والذى وصف سد النهضة بأنه ليس أكثر من مشروع سياسى ، وقد صدق توصيفه كما أثبتت الأحداث فعلاً ، مجرد صراع حضارات ، وتصفية حسابات ، وترحيل مشاكل ، بدأه زيناوى وتابعه خلفائه.
لم يدخر زيناوى وقتاً ، وأنشأ سنة 1994ماعرف بإسم المؤسسة القومية للطاقة ، والتى تولت إنشاء مجموعة من السدود الصغيرة ولمتوسطة على أنهار إثيوبيا فى كل إتجاه ، عرفت بإسم جلجل واحد وإثنين وثلاثة ، تولت إنشائها شركة سالينى الإيطالية ، التى تولت إنشاء سد النهضة بعد ذلك ، قبل أن تنضم إليها الصين ، وفى عام 1995 وقعت محاولة إغتيال حسنى مبارك فى أديس أبابا و إتهمت مصر إثيوبيا بالتقصير فى حماية الرئيس ، وقطعت العلاقات بين مصر وإثيوبيا ، مما ساعد إثيوبيا على المضى قدماً فى تنفيذ مشروعاتها سراً ، دون التشاور مع الجيران ، وفى عام 1999 تقدم زيناوى بمبادرة مياه النيل ، التى إضطرت مصر لحضورها فى تنزانيا للإتفاق على فكرة وضع أسس للتعاون فى إستخدام مياه النيل ، وفى عام 2005 حول زيناوى المؤسسة القومية للطاقة إلى ماعرف بإسم برنامج التنمية الإثيوبية الشاملة ، الذى يهدف إألى الإنتقال من بناء السدود الصغيرة والمتوسطة إلى السدود الكبرى العملاقة ، ومنها سد النهضة على النيل الأزرق ، الذى كان مكتب الإستصلاح الأمريكى قد حدد موقعه سنة 1964 ، زمن الحرب الباردة فى عهد هيلاسيلاسى ، مع ثلاثة مواقع أخرى صالحة لإنشاء السدود الكبرى، إختار منها زيناوى موقع النيل الأزرق تحديداً ، لكن البنك الدولى ، المانح الرئيسى لبرامج التنمية الإثيوبية فى ذلك الوقت ، إعترض على المشروع ، ووصف الطموح الإثيوبى بالخطورة وعدم المسؤلية ، نظراً لعدم حاجة إثيوبيا لكل هذا القدر الضخم من الطاقة، ولعدم قدرة بنيتها التحتية على تحمل مثل تلك المشاريع العملاقة أيضا. قبل زيناوى رفض البنك الدولى فى صمت ، وبدأ فى وضع لبنات المشروع السرى إكس سنة 2006 ، والذى لم يكن فى الواقع سوى مشروع سد النهضة ، مما دعى الرئيس المصرى حسنى مبارك، عندما وصلته تلك الأنباء إلى دعوة زيناوى للقاء فى منتجع شرم الشيخ 2006 ، حيث هدده تهديداً صريحاً بإستخدام القوة إذا كان ماتردد من أنباء عن بناء السد صحيحاً ، كما طلب من الرئيس السودانى عمر البشير السماح بإنشاء قاعدة جوية صغيرة فى مدينة كوستى جنوب الخرطوم ، يمكن أن تنطلق منها القوات المصرية الخاصة لتدمير السد ، إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود ، وقد وافق الرئيس البشير على طلب مبارك فى ذلك الوقت ، ثم أعلن عن تأييده لمشروع السد بعد رحيل مبارك ، وفى سنة 2010 إمتنع مبارك عن مقابلة زيناوى فى مؤتمر إقتصادى دولى عُقد أيضاً فى شرم الشيخ ، مما أدى إلى الفراق التام بين الطرفين ، وبدأ زيناوى يشق طريقه منفرداً فى سبيل مشروعه الكبير ،فدعى فى نفس سنة 2010 دول حوض النيل لمؤتمر فى عنتيبى فى الكنغو ، والذى رفضت مصر والسودان حضوره ، وذلك لمناقشة إعادة توزيع حصص مياه النيل بحجة أنها تقررت فى الحقبة الإستعمارية خارج إرادة الشعوب الإفريقية، وفى فبراير 2011 خلع حسنى مبارك بثورة شعبية ، وفى إبريل وضع زيناوى حجر الأساس لمشروعه على مرأى ومسمع من العالم ، لكنه لم يكمل أكثر من ذلك ، حيث توفى فجأة سنة 2012 بمرض غامض لم يكشف عنه حتى اليوم.
تصدى ديسالين لمشاكل بلاده بنفس الشكل المعتاد زمن زيناوى ، فبينما كانت إنتخابات مايو 2015 تقترب ، إشتكت جماعات المعارضة من المضايقات الحكومية ، وإتهمت الحكومة بخنق وسائل الإعلام الحرة ، وإضطهاد السياسيين البارزين ، وكسب حزب الجبهة الحاكم ومؤيديه كل مقاعد البرلمان فى هذه الإنتخابات ، وكانت خطة لربط العاصمة أديس أبابا ببعض مناطق الأورومو المجاورة قد أثارت شهوراً من القلاقل سنة 2015 ، فتم التخلى عنها سنة 2016 ، وفى نفس السنة حدث مزيد من الإضطرابات فى منطلق الأمهرة والأورومو والمناطق الجنوبية ، بسسب ثورة تلك القوميات على إعتقال النشطاء والمثقفين والشعور بالتهميش وعدم الرضى عن أسلوب الحكومة العنيف فى الرد على المطالب والمظاهرات بالقتل والإصابة والإعنقال ، حتى إضطرت الحكومة لإعلان حالة الطوارئ فى أكتوبر 2016 ، والتى رفعت بعد نحو عام فى أغسطس 2017 ، وفى أكتوبر أعيد إنتخاب كرئيس للوزراء بالإجماع ، ومع بداية عام 2018 أفرج ديسالين عن كثير من المعتقلين وأغلق كثير من مراكز الإعنقال ، وأعقب ذلك بإستقالة مفاجئة فى فبراير من نفس العام معللاً ذلك برغبته فى إفساح الطريق لقيادة جديدة قد تتمكن من تحقيق المصالحة السياسية فى البلاد ، وفى مارس إنتخب حزب الجبهة الثورية الحاكم أبى أحمد من عرقية الأورومو ، رئيساً للتحالف ، وفى إبريل من نفس العام إنتخبه البرلمان رئيساً للوزراء.
تصدى ديسالين أيضاً لمشروع سد النهضة الذى إعتبره زيناوى أهم المشاريع ، وإستغل فترة اَلإضطرابات التى مرت بها مصر بعد خلع مبارك وتولية محمد مرسى والظروف التى أحاطت برئاسته ، وقام بتحويل مجرى النيل الأزرق سنة 2013 ، بهدف وضع أساسات السد ، وقد إقترح محمد مرسى القيام بعمل عسكرى رداً على ذلك ، لكن وزير الدفاع آنذاك ، عبدالفتاح السيسى، والذى أصبح رئيساً فيما بعد ، أقنعه بالإكتفاء بالضغط الديبلوماسى.
وفى عام 2014 تم اللقاء المباشر الأول بين عبدالفتاح السيسى وديسالين فى قمة الإتحاد الإفريقى فى مدينة مالابو بغينيا الإستوائية ، حيث بدأت مفاوضات مباشرة بين الطرفين ، وأخرى سرية برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة ، إنتهت بالتوقيع على إتفاقية لإعلان المبادئ فى مارس 2015 ، وافقت فيها مصر لأول مرة فى تاريخها ، منذ رفض ناصر والسادات ومبارك ومرسى لمجرد مناقشة الفكرة ، على حق إثيوبيا فى إنشاء سد على النيل الأزرق ، وتلا ذلك التوقيع على وثيقة الخرطوم فى ديسمبر من نهاية العام نفسه ، والتى اكدت إعلان إتفاق المبادئ بشكل نهائى ، ووضعت الخطوط العريضة لإستكمال الدراسات بشأن السد، وبهذا تكون مصر قد وقعت على إتفاق يحق لإثيوبيا إقامة سد قد يعوق وصول مياه النيل إلى مصر ، دون الحصول على أى ضمانات عملية لحقوقها المائية ، مع إشراك طرف ثالث فى الإتفاق بصفة مريبة غير مفهومة ، هو دولة الإمارات العربية المتحدة ، ومبعوثها سئء السمعة محمد دحلان ، والتى أخذ تدخلها فى الشئون المصرية يزداد منذ لك التاريخ بشكل ملحوظ ، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه إثيوبيا تفرض سرية تامة على إستكمال أعمال السد ، ومنحت بعض الشركات الصينية إمتياز إكمال أعمال التوربينات بعد إستبعاد الشركة الهندسية ميليك التابعة للجيش الإثيوبى بسبب تهم بالفساد ، حتى تم إنجاز الجزء الأكبر منه وأصبح أمراً واقعاً على الأرض ، وأصبح معه الوجود الصينى فى عملية التنمية الإثيوبية أمراً واقعاً أيضاً.
وعد أبى أحمد بتحسين الظروف فى بلاده ، بما فى ذلك دعم الديموقراطية ومحاربة الفساد وتنمية الإقتصاد ، كما تعهد بحل الصراع الطويل مع إرتريا ، وبالفعل عمل سريعاً على الوفاء بتعهداته ، فأفرج عن آلاف السجناء السياسيين ، ورفع حالة الطوارئ التى فرضت فى أعقاب إستقالة ديسالين ، كما رفع منظمة جينبوت 7 ، وجبهة تحرير أورومو ، وجبهة تحرير أوجادين ، من قائمة المنظمات الإرهابية ، مما دفع بجبهة تحرير أوجادين إلى الموافقة على إلقاء السلاح بعد نحو ثلاثين عاماً من القتال، وعلى الجانب الإقتصادى عمل أبو أحمد على المزيد من خصخصة الإقتصاد ، خاصة فى قطاع الطيران والإتصالات ، فى محاولة لتشجيع الإستثمارات ، وتوج كل ذلك بوضع نهاية للصراع الإرترى الطويل ، والإعتراف بمعاهدة السلام التى وقعت مع إرتريا فى الجزائر سنة 2000، وبإتفاقية ترسيم الحدود التى تم التوصل إليها سنة 2002 ، والتى كان زيناوى قد رفضها تماماً . وفى أكتوبر 2018 شكل أبى أحمد مجلساً للوزراء ، خفض فيه عدد الوزراء من ثمانية وعشرين إلى عشرين فقط، وجعل نصفهم من النساء ، فى مبادرة فريدة لاقت إستحسانا من المجتمع الدولى، وفى نفس الشهر إستقال الرئيس مولاتو قبل إنتهاء فترة رئاستة الرسمية ، وخلفته الديبلوماسية السابقة ساهيل ورك زويد ، كأول إمرأة تصل إلى هذا المنصب فى تاريخ إثيوبيا، وفى أكتوبر 2019 حصل أبى أحمد على جائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده فى دعم الديموقراطية وتحسين ظروف بلاده ، وإنهاء النزاع الإرترى بشكل خاص، وفى ديسمبر من نفس العام 2019 حل أبى أحمد تحالف الجبهة الثورية الحاكم ، الذى أسسه زينازى ، وأسس مكانه حزب جديد بإسم حزب الإزدهار ألغى فيه نظام الفيدرالية العرقية وأسس لمبدأ الإنتماء الوطنى العام ، بصرف النظر عن الإقليم ، وهى الخطوة التى أثارت الأورومو ، وأدت إلى إنفصال تيجراى.
ورغم جائزة نوبل للسلام ، فلم يكن أبى أحمد رجل سلام ، فقد تصدى لقضية إنفصال تيجراى بكل عنف وإنتقام وتحالف شرير مع عدو الأمس الإرترى ، ضد حليف الأمس التيجراى ، كما تصدى لمشروع سد النهضة بنفس روح زيناوى العنصرية ، فجعل منه مشروعاً سياسيا ، وليس مجرد مشرع إقتصادى ، فبالغ فى التأكيد على البعد القومى للمشروع فى كل خطاب ، حاشداً الجماهير خلفه فى حالة من الحرب ، دون أن يبدى أن مرونة فى المفاوضات ، أو أى إستعداد لتقدير إحتياجات الجيران، وأصر على عملية الملء الأول لخزان السد دون التشاور مع مصر السودان ، كما نص إتفاق 2015 ، ولم يعبأ حتى بالإتفاق الثلاثى الذى تم التوصل إليه فى واشنطن فى فبراير 2020 ، وقام بالملء الأول للخزان فعلاً فى يوليو 2020 ، كما أصر بعد ذلك على المضى قدماً فى الملء الثانى الخطير المفترض فى يوليو 2021 هذا ، وهنا بدا حجم الكارثه واضحاً للمصريين والسودانيين عندما رأوا هذا السد العملاق أمامهم يقطع النيل ، بفتحتين صغيريتين ، تشبه فتحتى الصنبور ، لتمرير المياه إلى مصر والسودان كلما سمحت الظروف ، ومعه السؤال الأخطر الكبير ، ماذا لو أنهار السد ، لأى الأسباب ، وإندفعت مياه البحيرة الضخمة التى تحمل 74 مليون متر مكعب من الماء ، كما حذرت بعض المكاتب الإستشارية ، لتمسح مصر والسودان فى لحظات من الوجود.
وهكذا إنتهى نحو عقد من التفاوض بأسلوب ضحكت عليك ، وحول الملف إلى الإتحاد الأفريقى ، نتيجة لرفض إثيوبيا تدويل قضية السد ، وظل يتأرجح منذ ذلك الحين بين الإتحاد الإفريقى ومجلس الأمن بناء على طلب مصر والسودان ، فى الوقت الذى إستمر فيه أبى أحمد فى إستغلال ورقة السد ، كمشروع سياسى ضد الأعداء ، من أجل حشد شعبه الممزق خلفه ، ونقل صراعات الدين والقومية المزمنة فى تاريخ بلاده إلى خارج الحدود ، وكسب إنتخابات 2020 ، التى تأجلت لنحو عام بسبب جائحة كورونا ، والتى جرت أخيراً فى خضم صراع القوميات المعتاد ، مع نفس الشكاوى المعتادة من التزوير والقمع والإبادة الجماعية فى إقليم تيجراى.
لم يكن سد النهضة فى الواقع سوى تنمية بطعم الإنتقام السياسى ، جاءت فى لحظة وجود رئيس مصرى متآمر، لكن فى ظرف دولى من الصراع على إفريقية ، قد يحبط أهدافها الشريرة فى النهاية.



4-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -