الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ بسام الهمام

المهدي فكري
كاتب وباحث

(Elmehdi Fikri)

2021 / 7 / 3
الادب والفن


بدراجته الهوائية البهية، ولباسه الأنيق رغما عن كل ظروفه القاسية التي يمر منها، يتوجه "بسام" إلى موعد له مع رئيسة أحد الجمعيات القائمة على تنظيم عملية التربية غير النظامية للتلاميذ المنقطعين عن الدراسة، لقد تلقى اتصلا مفاده أنه مدعو لتعويض أستاذ استقال بعدما وجد وظيفة جديدة، وأن قسم التربية غير النظامية ذاك سيغلق إن لم توفر لهم الجمعية أستاذا في أقرب وقت، تلقى بسام الدعوة بشغف وهو الذي طالما حلم بالوزرة والسبورة وتوقعها فاتحة خير عليه.
قطع بسام ما يناهز خمسة كلمترات بدراجته الهوائية نحو موعده، إلى أن بلغ مبلغه هناك ، وعندها بالتحديد صار أستاذا وحقق حلمه نسبيا، صحيح ليس أستاذا نظاميا ولكنه أستاذ للتربية غير النظامية الأصعب بكثير من الأولى.
في صبيحة الاثنين من الأسبوع الموالي حضر بسام للمؤسسة التي سيدرس فيها ، وفي صدره رهبة عادية تعتري أي شخص في أي موقف جديد عليه، وقد أخفى رهبته تلك بحزم أبداه على محياه ثم دخل على تلاميذ قسمه ذاك، وقدم لهم نفسه ثم بدأ يتعرف عليهم، يتكون القسم الذي يدرسه من عشرين تلميذا وتلميذة، خمسة منهم إناث والباقي ذكور، واثنان من الذكور من ذوي الاحتياجات الخاصة.
دون الأستاذ بسام التاريخ على السبورة ثم بعده الدرس بدأ يشرح لهم، ويذكرهم بأنه سيكمل معهم ما بدأه أستاذهم السابق، فإذا به يسمع من بين الصفوف تلميذا يسب الآخر بكلام ساقط جدا، عندها توقف عن كلامه وبدأ ينظر لذاك الذي تلفظ بتلك الألفاظ وقال مخاطبا الجميع:
رجاء من فضلكم، احترموا سياق التعلم، يمنع منعا كليا التلفظ بكلام نابي في القسم..
فقال أحد التلاميذ : صلى الله عليه وسلم
فابتسم الأستاذ بسام رغما عن أنفه فالتلميذ لايفرق بين النبي والنابي وفي نفس الوقت تيقن يقينا تاما أنه أمام تلاميذ لايجيدون أبدا المهارات الأساس من قراءة أو كتابة، وأحس فعلا بثقل الجهد الذي ينتظره.
مرت أيام قليلة وبدأ القسم يفرغ من التلاميذ ، فلم يعد يحضر للحصص سوى عدد قليل من المجدين ومنهم طبعا التلميذان ذوا الاحتياجات الخاصة، صحيح يعانون من إعاقة بدنية لكن أذهانهم سليمة مكافحة وهذا ما جعل الأستاذ بسام، يصبر لأجلهم ولأجل ألا يضيعوا لعدم توفر أستاذ يدرسهم.
ذات يوم استيقظ بسام على وقع جو ماطر جدا، فلم يعرف ماذا سيفعل، قرر الجلوس وعدم الذهاب إلى المؤسسة ولكنه فجأة تذكر أولائك التلاميذ الذين يأتون من أماكن بعيدة أيضا يطوون الكلمترات من أجل أن يحضروا لحصته، كيف ستكون خيبة أملهم في هذا الجو الماطر، فقرر الذهاب بعدما رأى الأمطار توففت قليلا، حمل دراجته الهوائية ثم شق طريق المؤسسة، ولكنه في الطريق اشتدت عليه الأمطار وبل معها المطر آخر قطعة ثوب على بدنه وصمد مع ذلك حتى وصل المؤسسة ووجد تلاميذه في انتظاره أمام القسم، أنسته رؤيته هذا المشهد كل ما مر معه في الطريق وصبر للبرد الذي يرعش جلده بفعل الماء المبلل لثيابه، فأمضى الحصة جالسا في المكتب حتى لايظهر شكله المبتل لتلاميذه.
صدم الأستاذ بسام بأن إدارة تلك المؤسسة منعت عن تلاميذ التربية غير النظامية فترة الاستراحة خارجا بملعب المؤسسة، فتعجب لذلك، وحينما استقصى الأمر عرف من الإدارة أن هؤلاء التلاميذ مشاغبون ويقومون بأعمال تخريببة في المؤسسة كلما غابت عنهم الرقابة أو خرجوا في استراحة، فألح على الإدارة بأن تعيد لهم حقهم هذا فوافقت الإدارة شريطة ألا تغيب عنه رقابتهم وأن أي سلوك غي أخلاقي من أحدهم سيمنع عنهم الاستراحة كليا. هكذا وافق الأستاذ بسام وحمل معه الخبر المفرح إلى تلاميذه وشرح لهم الشروط كاملة وهكذا اشترى لهم كرة قدم وصار يلعب معهم في فترة الاستراحة التي لا تتجاز الربع ساعة، ولكنها حفزت التلاميذ وجعلتهم يملؤون القسم من جديد.
وفي بعض الحصص المتتالية بدأ الأستاذ بسام يلاحظ شيئا غريبا، لاحظ أن حقائب التلاميذ تأتي للقسم مملوءة بالفواكه لآخرها، فلم يعد يدري أهو يدرس تلاميذ أم بائعي الفواكه، سأل أحدهم حينما استخرج ذلك في الاستراحة من أين له بذلك، فقال له: اشتريته يا أستاذ، وقال للآخرين وأنتم أيضا اشتريتم كل ذلك؟ قالوا نعم، ولكن الله أراد أن يفصحهم بواحد منهم ضحك ثم قال: لا يا أستاذ ، نسرقه من بائعي الفواكه في السوق. عندها صدم الأستاذ بسام صدمة قوية، إنهم يدرس لصوص، إنهم يمتهنوها حرفة وسكوتها عن هذا الأمر بعني موافقته عليه وتشجيع لهم، قرر اتخاذ موقف صارم في الأمر يؤدبهم من خلاله لكن دون أن يتسبب في انقطاعهم عن الدراسة مجددا، اتصل بمديىة المؤسسة وأخبرها بذلك فأخذت معها جميع التلاميذ السارقين وحقائبهم ثم ذهبت بهم إلى السوق وأمرتهم بأن يعيدوا مل مسروق إلى صاحبه، لقد كان لذلك الموقف أثر جميل على خلق هؤلاء التلاميذ وقيمهم، وتعلموا من خلاله أن ما يخص الناس ليس من حقهم إلا بإذن أو ثمن مقابل.
مضت السنة الدراسية تلك في أجواء يغمرها الفرح والسرور وتتخلها بعض المواقف العكسبة حسب الظروف، لكن الغالب فيها كان إيجابيا، واقترب حينها موعد الامتحان الموحد للسادي ابتدائي الذي سيجتازونه جميعا، لم بتبق له سوى أسبوع وجل التلاميذ أخذوا عطلة بأنفسهم ولم يعودوا يأتون للقسم، لقد اقتربوا من الموعد الحاسم هو في غفلة معرضون، تلقى الأستاذ بسام استدعاءات التلاميذ وسبتحمل عناء البحث عن كل واحد منهم هناك وسيسأل عن منازلهم وكأنه ساعي بريد يتجول في الأحياء، واستطاع بحول الله تسليم كل الاستدعاءات لأصحابها إلا واحدة لتلميذة لم تعد تأتي منذ مدة ولا أحد بعرفها سوى مديرة المركز التي أخبرته بأنها ستتصل بوالديها وتخبرها بالأمر
ولم تنته مهمة الأستاذ بسام هنا ، فصباح يوم الامتحان وتحديدا قبله بساعة ونصف، أخبرته المديرة أن تلك التلميذة ستأتي لاجتياز الامتحان ،وأنها في حاجة للاستدعاء الذي مازال في حوزته، فقام من فراشه مسرعا وحمل دراجته الهوائية متجها نحو مركز الامتحان، هناك حيث وجد تلاميذه أمام الباب، طمأنهم وشجعهم ، ثم أعطى الاستدعاء الأخير لصاحبته فأحس عندعا بأنه أدى أمانة كانت ثقلا على عاتقه.
اكتملت فرحة الأستاذ بسام بتلقيه خبر نجاح ستة عشر من تلاميذه من أصل عشرين في الامتحان الموحد، وهم بذلك سيحصولون على شهادة الابتدائية التي ستسمح لهم بالاندماج بشكل عادي جدا رفقة باقي التلاميذ في التعليم الإعدادي، لقد أنقذوا من ضياع شبه محتم في الشارع بعد انقطاعهم عن الدراسة لسنوات وأعيدوا للسكة الصحيحة.
يشهد الأستاذ بسام أن فضل هذه التجربة مازال ينير طريقه إلى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل