الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسؤولية المحكم

ناجي سابق

2021 / 7 / 3
دراسات وابحاث قانونية


من الثابت قانوناً ارتباط السلطة بالمسؤولية، والمسؤولية دون سلطة أمر تأباه العدالة حيث يفتح الباب على الحريّة في التصرّف والسيطرة، وهنا لا بد لنا من بيان مدى المسؤولية المدنية للمحكم عن أخطائه التي يرتكبها أثناء تأدية مهمته التحكيمية. لأن المسؤولية تعني المحاسبة وهي بوجه عام حالة أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته، وهي في جوهرها التزام شخصي بالخضوع لشيء أو التزامه به ضد إرادته
لذلك تمكن الفقه من أن يحدد مدى إمكانية مساءلة المحكم عن الأخطاء التي قد يرتكبها فإذا كان يجوز مساءلة المحكم، فما هي تلك الأخطاء التي توجب مساءلته عنها، وما هو المعيار الذي يميز هذه الأخطاء عن غيرها، وهل توجد للمحكم في حالة مساءلته بعض الضمانات الأساسية كتلك التي يقررها القانون للقضاة، فما هي إذن المسؤولية المدنية عن الأخطاء التي يرتكبها أثناء تأديته المهمة تجاه أطراف المهمة التحكيمية.
يمكن القول أن الإجابة على هذه التساؤلات يتزاحمها اتجاهان فقهيان الأول منها يرى بأن المحكم هو شخص اعتيادي ولا يعد قاضياً بالمعنى الحقيقي، إذا أخطأ فإنه يسأل بالتعويض عن كل الأخطاء التي ارتكبها بحق الطرفين، شأنه شأن أي شخص يسأل بالتعويض إذا أخطأ ومن ثم فإن المحكم وفق هذا الاتجاه لا يتمتع بأي من الضمانات المقررة بالنسبة إلى القضاة وأن الخصوم لا يلزمون بإتباع إجراءات الشكوى من القضاة عند مطالبة المحكم بالتعويض عن الأخطاء التي ارتكبها بل على العكس ترفع دعوى التعويض كأي دعوى عادية وفق الإجراءات القضائية وبحسب القواعد العامة وأصول المحاكمات المدنية.
ويذهب الاتجاه الآخر إلى مساءلة المحكمين لنفس الأسباب التي يجوز فيها مساءلة رجال القضاء، وبالتالي لا يجوز مساءلة المحكمين في غير هذه الأسباب.
وعليه يبدو أن المحكم هو قاضي ولكن لا يمارس الوظيفة العامة أي يمكن القول أنه قاضي اتفاقي – قاضي خاص – اختير من قبل الخصوم أو المحكمة من أجل فض نزاع معين واحد فقط. ونرى بأن المحكم وإن كان لا يتمتع بالضمانات الخاصة بإجراءات المخاصمة لأنه ليس بالقاضي الحقيقي الذي يمارس وظيفة القضاء العامة، إلا أنه يجب أن لا يسأل إلا في الأحوال التي نصت عليها المادة (286) من قانون العقوبات اللبناني، ذلك لأن أساس اتفاق التحكيم هو قبول الخصوم بالخضوع إلى حكم هذا المحكم ورضاؤهم بما يصدر عنه، فليس من المقبول أن يخاصم أي من الطرفين هذا المحكم لأي خطأ بسيط يصدر منه ولاسيما أنه في الغالب الشائع في اتفاقات التحكيم يكون المحكم معروفاً من الطرفين كليهما من حيث عدله وحياده. مما يضفي على مهمة المحكم شيئاً من الهيبة والاستقرار، إذ يوفر الثقة الكاملة لدى شخص المحكم حتى يستطيع أن يقضي بالنزاع دون طعن أو شك في المهمة التي يقوم بها. ومن الأخطاء التي توجب مسؤولية المحكم على سبيل المثال لا الحصر:
الحكم بدون أي مسوغ أو تخطي المدة الزمنية المتفق عليها دون إصدار قرار تحكيمي لحل النزاع وبسبب إهماله وتقصيره، وغيرها من الأخطاء التي يمكن اعتبارها ضمن الأخطاء المهنية الجسيمة التي توجب مسؤولية المحكم.
ولابد من الإشارة إلى أن تقدير الخطأ يختلف من محكم إلى محكم آخر، وذلك حسب شخصية المحكم وثقافته القانونية ومدى علمه بالموضوع محل النزاع.
ووفق هذا الاعتبار يمكن القول أن المعيار المتبع للتمييز بين الأخطاء التي يسأل عنها المحكم، هو معيار الخطأ الجسيم والذي يعرف بأنه الخطأ الذي لا يرتكبه حتى الرجل المهمل ويلحق هذا النوع من الخطأ بالغش أو القصر.
إذن فالمحكم يكون مسؤولاً مسؤولية مدنية عن الأخطاء المهنية الجسيمة التي يرتكبها بحق الطرفين، فهل يسأل وفقاً لأحكام المسؤولية العقدية أم أنه يكون مسؤولاً وفقاً لأحكام المسؤولية التقصيرية؟ فالمسؤولية العقدية هي التي تقوم نتيجة الإخلال بالتزام عقدي قائم بين الطرفين، أما المسؤولية التقصيرية فهي التي تكون جزاءً للإخلال بالتزام قانوني عام.
وعليه فإن المحكم يمكن أن يسأل إذا أخطأ وفق أحكام المسؤولية العقدية على اعتبار أنه قد أخل بالتزام عقدي منصوص عليه في عقد التحكيم والذي وافق عليه المحكم بالكتابة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الدعوى لا تقبل إلا ممن أصابه ضرر نشأ عن خطأ المحكم يبرر المطالبة بالتعويض تطبيقاً للقاعدة المعروفة في القانون المدني وهي "لا دعوى من غير مصلحة". علماً أن الدعوى تقام أمام الجهة القضائية المختصة أولاً بنظر النزاع التي تحكم بالمصاريف والتعويضات القضائية.
نشير أيضاً إلى أن قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (قواعد الاونسيترال) لعام 2010، قد استبعدت المسؤولية من خلال تنازل الأطراف إلى أقصى مدى يسمح به القانون المنطبق، عن أي ادعاء على المحكمين أو سلطة التعيين وأي شخص تعيّنه هيئة التحكيم بسبب أي فعل أو تقصير متعلق بالتحكيم، باستثناء الخطأ المتعمد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و