الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصوات.. مسرحية من دراما اللامعقول

حكمت الحاج

2021 / 7 / 3
الادب والفن


الشخصيـات
ــــــــــــــــــ
الشاعر: في العقد الرابع من عمره. شاعر وممثل مسرحي سابق، وعاطل عن العمل حالياً.
العجوز: امرأة في عقدها السادس. قوية البنية وترتدي ملابس عسكرية. يمكن أن تكون ممرضة في مستشفى أمراض عقلية، أو زوجة نكدية، أو عريف أول في إحدى سجون الإصلاح، أو أما متسلطة، أو حتى أختا كبيرة تخطاها الزمن برحمته.
الساكن: رجل بلا ملامح. يمكن أن يكون شبحا أو ظلا أو صوتا إلا إنه بالتأكيد سيكون هـو الشيطان نفسه.
المنظـــر
ـــــــــــــــــ
غرفة في طابق أعلى لمنزل قديم. على يسار المسرح ثمة باب يؤدي إلى الخارج. وعلى اليمين، هنالك شباك كبير يطل على حديقة. وإلى الوسط، في مواجهة الجمهور تماما، صورة شخصية كبيرة جدا يحيطها إطار خشبي لذلك الذي سيقوم بدور "الشاعر". ويقطع الزاوية اليسرى للصورة شريط أسود كعلامة على وفاة صاحبها. وهناك سرير معدني يستعمل للمرضى في المستشفيات، وإلى جانبه منضدة صغيرة عليها دورق ماء وقدح زجاجي. علب أدوية مختلفة الأنواع والأحجام. أوراق متناثرة على الأرض. أوراق أشجار متيبسة صفراء تحت السرير. وأمام الشباك كرسي قديم. وبكلمة واحدة فإن الجو العام هو الكآبة والظلام والضجر.
الوقت الآن بعد غروب الشمس بقليل. عند فتح الستار، يظهر من سيمثل شخصية "الشاعر" مرتديا ما يشبه بدلة العمل الموحدة الزرقاء التي يجب أن تعطي، ما أمكن، إحساسا لدى المتفرج بأنها ربما قد تكون في الأصل بدلة سجين، مع طاقية رأس من قماش البدلة نفسه ولونـها. تظهر العجوز وفي يدها سوط أسود اللون ومميز، من النوع الذي يستعمل لترويض الجياد، وطبق طعام كبير سيبقى فارغا طيلة زمن العرض.
عندما يفتح الستار:
(صوت كورال، رجال ونساء، في إنشاد شعري متناغم)
تبلغنا الأصوات
ولا نبحث عنها.
نأخذ منها،
ولا نسأل عن الواهب.
تنبثق الفكرة فجأة مثل برق،
وفق ضرورة مطلقة،
من دون تردد أو بحث.
(فريدريك نيتشه، بترجمة شربل داغر)
تخفت أصوات الكورال، وتلقى حزمة ضوء قوية، وسط المسرح، بينما تغرق الخشبة في الظلام.
الشاعر: (لنفسه) ربما لم يكن هنالك من صوت. نعم. ربما. لماذا أنا أرتعد. يجب أن أتماسك. يجب ألا أشعر بالخوف مطلقاً. مطلقاً.
(يرتعد من الخوف)
الشاعر: ربما لم يكن هنالك من صوت أبدا.
(صمت)
الشاعر: كان عليَّ أن أكتب شيئا ما. ولكن من المستحيل الآن معرفة ما إذا كان الصوت الذي أسمعه هو صوت حقيقي أم لا. إن إدراك ذلك أمر بالغ الأهمية. بالغ الأهمية.
(صمت)
الشاعر: كَمْ مِنْ جدارٍ للرأس؟ إنني أتساءل. كَمْ مِنْ جدار؟ ولكن، لماذا أسأل؟ ومن أسأل؟ وَمِمَّ أخاف؟ ولماذا أخاف؟ الأصوات في رأسي، تهمس، تدق، تضرب، تثقب، تخرب، تمشي، تحرق... يااااااااااااااااهٍ أيتها الكلمات، تراقصي في المكان الخالي تراقصي تراقصي تراقصي.
(تدخل العجوز وهي تحمل الطعام. إنها مقطبة وعابسة)
العجوز: خُذْ. هذا طعامك.
الشاعر: من الذي كان يغني قبل قليل؟
العجوز: (متسائلة) يغني؟
الشاعر: نعم. في الطابق الأسفل. لقد بدا لي وكأنه صوتُ طفلٍ يغني.
العجوز: ربما.
الشاعر: ربما؟
العجوز: تَنَحَّ وَقِفْ جانبا. عليَّ أن أكنس الأوراق الصفراء تحت السرير.
الشاعر: تفضلي. تفضلي.
العجوز: (تنظر عبر النافذة) امتداد لانهائي من أشجار تصرخ في وجه الريح.
الشاعر: أية ريح؟
العجوز: (وهي تصرخ) أيتها الأشجار الخبيثة، المسنة، الشائخة، القاسية.
(تغلق النافذة بعنف)
الشاعر: إنها لا تؤثر إذا ما عرفنا كيف نتجاهلها. وفي كل الأحوال، فإنه من الأفضل أن نتركها وشأنـها.
العجوز: (تـهمُّ بالخروج) كفى. لقد تكلمتَ كثيرا.
الشاعر: بدأت اليوم أسمع أصواتا.
العجوز: أنت دائما تسمع أصواتا.
الشاعر: ولكن السؤال هو، متى بدأت أسمعها؟
العجوز: أنت لم تبدأ بسماع الأصوات. هذه أوهامك. الحقيقة هي أنها معك دائما. على أطراف حياتك دون أن تتمكن من إدراكها. فإذا ما حاولت ذلك زالت على الفور.
الشاعر: ولكن، لماذا؟ لماذا لا يمكن الإمساك بها؟
العجوز: الأمر هكذا. لقد خلقنا هكذا. نسمع أصواتا بشكل مفاجئ وأحيانا أثناء النوم. ولكن، لو كنت ذكيا وحاولت أن تصغي، فإنك لن تسمع سوى أصوات صادرة عن جسدك.
الشاعر: لا أعتقد أننا نتحدث عن نفس الأصوات.
العجوز: انتبه، ها أنت ذا تجادلني وأنا لا أحب ذلك.
(تخرج العجوز. يبقى الرجل وحيدا مرة أخرى)
الشاعر: (لنفسه) ذات صباح شتائي، كان الأطفال يلعبون بالحجارة، تحت الأشجار، في نهاية الحديقة، بالقرب من الطريق، ليس بعيدا عن المنزل. كنت ألعب، وكان رئيس فريقنا سَـميناً بعض الشيء. سألني السمين قائلا: لماذا تنظر هكذا إلى الأشجار؟
قال السمين: لا تخف من الأشجار يا أبله.
قال السمين متوسلا ماذا ترى؟ ماذا ترى في تلك الشجرة؟
قال السمين: هذا ليس عدلا. أنا أخبرك بكل شيء، وأنت لا تخبرني بأي شيء. هذا ليس عدلا.
قال السمين: إنك تفسد علينا سعادتنا.
قال السمين للآخرين: انظروا انه لا يريد أن يخبرنا ماذا رأى في الشجرة.
قال الآخرون: هيا قل لنا ماذا رأيت.
قال أحدهم: إنه خائف، والخوف يمنعه من الكلام.
كل الفريق أنشد بصوت واحد: هيا أخبرنا ماذا رأيت؟ هيا أخبرنا أخبرنا هيا هيا هيا.
سألني السمين: لم أنت خائف؟ لا شيء هنا يدعو للخوف.
صاح أحدهم: إنه خائف من الشجرة.
سألني السمين: لماذا أنت خائف من الشجرة؟ ما الذي تخشاه، في شجرةٍ عجوز؟
قال السمين: إما أن تخبرنا بالذي يبعث فيك الخوف، أو أنك لن تلعب معنا بعد الآن.
(صمت).
(ويفضل أن يستمر الصمت لمدة تقرب من الدقيقتين أو أكثر، بغية بعث الملل والترقب لدى المتفرجين).
تدخل العجوز وبيدها طبق عليه الطعام.
الشاعر: اسمعي، لقد كتبت قصيدة.
العجوز: جئتك بالطعام.
الشاعر: كنتُ مريضا ليلة أمس.
العجوز: أنت لست مريضا.
الشاعر: إنني أسمع دائما صوت النزيل في غرفة الطابق الأسفل، كما إن هناك من يعزف موسيقى في الحديقة.
(تنظر العجوز إلى الحديقة)
الشاعر: حدثيني عنه. أرجوك. أرجوك.
العجوز: ليس لدي الكثير لأقوله لك. كانت هناك حديقة تتوسطها بحيرة. وكانت الأشجار تعرش فوقها لترى صورتها منعكسة على صفحة الماء تلوح لها. جاء الشتاء وأحاط بالأشجار سجن من الثلوج حجب رؤية حدود أغصانها بوضوح. كانت تعلم إنها مسجونة، هناك في الأسفل. وعندما طلعت الشمس الباردة البيضاء خافت الأشجار من صورتها المنعكسة، لكنها لم تستطع أن تتحول عن المكان. وكان ثمة فتاة صغيرة حينها، فتجمدت على الفور بجانب الأشجار. صبية غامضة لا شكل لها. وفي الوقت الذي تسلقت فيه جدران نفسها، لم تتمكن من إشاحة وجهها بعيدا، ولم تتمكن، ولم تستطع إلا أن ترى، وظلت أبدا غير واضحة المعالم.
الشاعر: ما هذا الهراء الذي أسمعه؟ أنا لم أسألك الحديث عن نفسك، بل عنه.. من أنتم؟
العجوز: وما الفرق؟ الأمر سيان. وأنت أيضا. ما الفرق؟ هذا عنك أيضا. من أنتم؟
(تترك العجوز المكان، بعد ان تبصق على الأرض)
الشاعر: ما هذا الهراء؟ أسألها عن شخص يسكن في الطابق الأسفل ويطلق أصواتا طيلة الليل، وهي تتحدث لي عن ذكريات شبابها.. هذا إذا كانت قد مرت أصلا بمرحلة الشباب. تففف.
(صـــــــمت)
الشاعر: إنها تتدخل في حياتي منذ أمد بعيد، هذا الكائن، وقد آن الأوان لتكون ميتة. لقد تعبت من سماع الأصوات، وأريد أن أرى الأطفال يلعبون في الحديقة. ولكن الأشجار العالية تحجب عني رؤية الحديقة. وربما ابنتي هي التي تختفي. ولم لا؟ وهل ذلك مستحيل؟ كبدي، فلذة كبدي، روحي، جرحي!
(تدخل العجوز)
الشاعر: لقد بدأت الكلمات تصبح أثقل.
العجوز: (بازدراء) الكلمات؟ كيف يمكنك التفكير بشكل مناسب، إذا كانت الكلمات تشغل رأسك دوما؟ ألا ترى أنها تندسُّ لك في الطريق؟
الشاعر: لا. إنها تتكاثف. إنها تتدحرج من فمي وتنزلق على صدري وتسقط على الأرض دون أن تعطيني فرصة النظر إليها أو الإحساس بها بعد ذلك.
العجوز: الكلمات مضحكة. إنها تتبدل، تتمدد، تستيقظ، تحلم.
الشاعر: لقد سمعتك.
العجوز: عبر كل هذه الجدران؟
الشاعر: ولكن ألم تسمعي صوتي أنت أيضاً؟
(صمت)
العجوز: نحن لم نتكلم مع بعض كثيرا. أليس كذلك؟
الشاعر: (موافقا) كلا. لم نفعلها.
العجوز: ربما كنا نبحث طوال الوقت عن كلمة يمكن أن تنقذنا.
الشاعر: تفكرين كثيرا في الإنقاذ. بينما أنت لم تسألي نفسك أبدا لماذا يجب أن تنقذنا الكلمات؟
العجوز: ذلك لأنـها آخر ما نـملك.
الشاعر: إنها كل ما يملكه الآخرون. وكلماتهم لن تنقذنا أبدا.
العجوز: عفوا. لقد اختلط الأمر علي، إذ إنني عبرت عن أفكارك، وأنت عبرت عن أفكاري. يحصل هذا في بعض الأحيان.
الشاعر: عندما يعرف شخصان بعضهما جيدا، يكون الأمر هكذا غالبا.
(إظـــلامٌ تامٌّ لعدة ثوانٍ. ثم يُــنار المسرح بشكل فجائي. في الطابق الأسفل يظهر شبح الساكن ويتم سماع صوته فقط)
الساكن: إنه الظلام، ذلك الذي تخشاه. إنه يستر عيوبنا دوما. جرب، أشعل النور، تظهر العيوب. جرب، أطفئ النور، تختفي العيوب.
العجوز: لا تحاول أن تغرر به، المسكين، كي يسلم، ويصدق بك. ربما لا تزال النوبات المرضية تلاحقك، إنما ذلك ليس سببا كافيا لنستنتج أننا قد تأثرنا بك.
الساكن؟: لا توجد طريقة لمقاومة النوبات المرضية، إلا بالقدرة على إعطاء الحياة ومنحها للآخرين.
العجوز: لكنك تجعله يخاف الآن.
الساكن: صدقيني، إنه هو من يبعث الخوف فينا.
العجوز: إذا لم تسكت فسوف أعاقبك بقسوة.
الساكن: ولماذا أسكت؟ كل شيء مثلما كان. البيت، السياج، الأشجار، الأطفال. كل شيء كما هو. فقط، ذلك الشعور عند تخوم الجسد، هو الذي تغير. إنه أكثر من شعور. إنه ظل وراء الأعين.
العجوز: وكم يبعد؟
الساكن: نفس المسافة دائما.
العجوز: أية مسافة؟
الساكن: المسافة المستحيلة.
العجوز: ومتى بدأت الأعراض بالظهور؟
الساكن: ذات يوم. بيد أنها كانت موجودة من قبل. وهذا شيء أكيد.
العجوز: والآن قل لي ماذا أنت فاعل؟
(صمت)
العجوز: إذا كنت لا تعرف الجواب، قل لي كي أتدبر الأمر.
الساكن: فيما بعد، فيما بعد.
(إظــــــــــلامٌ تامٌّ)
الشاعر: عندما يقول شخص ما انه سيقوم بعمل شيء ما فيما بعد فهذا يعني أنه سيقوم به في وقت ما. ولكن هذا الوقت يقع ما بين اللحظة التي قطع فيها الوعد على نفسه، وبين لحظة مماته. وهنا، السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه هو، أليس فيما بعد، تعني، من جملة ما تعنيه، وقت فوات الأوان؟
العجوز: آه أيها الواعظ المدهش. أيها الفقيه الفذ.
الشاعر: لقد انفجر رأسي. هناك الكثير جدا من الكلمات.
العجوز: لماذا لا تأكل؟ كُلْ. هيا كُلْ. تناولْ طعامك.
الشاعر: شيء ما ينفجر في داخلي. اتركيني أرجوك.
العجوز: ربما هي أحشاؤك. يبدو أنك لا تملك سيطرة كافية عليها.
الشاعر: متى سأموت؟
العجوز: هذه ليست طريقة مناسبة للكلام.
الشاعر: هل أنت خائفة حقا؟
العجوز: من؟ أنا؟
الشاعر: أخبريني. ما الذي قاله عني؟
العجوز: من؟
الشاعر: ذلك الرجل في الطابق الأسفل.
العجوز: أولا، إنه ليس رجلا. ثانيا، إلى الجحيم أنت وهو، والطوابق كلها.
الشاعر: أمور كثيرة لم أعد أفهمها، وأخشى عندما أموت ألا أكون قد فهمتها.
العجوز: تلك هي شخصية الفنان في داخلك. لا تستطيع أن تتخلص منها مهما حاولت. فمن الذي يستطيع الهروب من قدره ومصيره؟
الشاعر: من الصعب دائما تقدير نسبة التهكم والسخرية عندك يا عزيزتي.
(إظــــلام تام)
الشاعر: يبدو أنه لا يوجد أحد.
العجوز: ليس ثمة رجل يحتضر في الطابق الأرضي.
الشاعر: إنه لشيء كريه، وجود شخصٍ مَا، يموت في منزلك.
العجوز: وكما قال الشاعر الذي لا اعرف اسمه: الله في عليائه وكل شيء على ما يرام.
الشاعر: لا شيء كان أو سيكون. إنما تفكيرنا هو الذي يجعله هكذا.
العجوز: آه يا شكسبيري الجميل، أيها الشاعر، عندك استشهاد واقتباس على كل شيء. بينما أنت عديم الرحمة في داخلك.
الشاعر: نعم، صدقت. إنه يقتل شخوصه بعيدا عن المسرح.
العجوز: من؟
الشاعر: شكسبير.
العجوز: هذا الحديث عن الموت، كم هو كريه يا إلهي إنه يبعث على الكآبة.
الشاعر: اسمعي. لقد تبين بوضوح إن شكسبير لم يكن سعيدا منذ 1593 وحتى 1598. وانه كان حزينا منذ 1598 وحتى 1608. وانه مات صامتا منذ 1608 وحتى 1613.
العجوز: ما هذا الكلام؟ أنا لا أفهم ماذا تقصد.
الشاعر: لقد ثبت ذلك فعلا. إن القوانين التي تتحكم بالأعمال الخالدة، مثل أعمال شكسبير، لا يمكن أن نختصرها ونبتسرها بأمور ساذجة، كالتي تـُحشى بها عقول الطلبة. إننا أكثر حكمة من آبائنا.
العجوز: لا أريد أن أقول ذلك عن نفسي.
الشاعر: الأطفال أعقل دائما من آبائهم.
العجوز: لا يمكن لي أبدا أن أوافق على مثل هذا الكلام.
الشاعر: الأطفال لديهم الإصرار.
العجوز: لا. إنما الآباء هم الذين يصرون.
الشاعر: يبدو إننا نتكلم عن أولاد وآباء مختلفين.
العجوز: نحن دوما هكذا.
(صمت)
الشاعر: هل هناك أحدٌ مَا في الطابق الأسفل؟
العجوز: سألتني من قبل وأجبتكَ لا، فارحمني قليلا، ارحمني أرجوك.
الشاعر: لقد سمعت صوتا آتيا من الأسفل.
العجوز: لتعلم انه تحتك تماما، وكفى. أقصد، في الأسفل، وحسب.
الشاعر: وهل تظنين انه هو؟
العجوز: من هو؟
الشاعر: الشيطان.
العجوز: لا. لا أظن ذلك. فما الذي يأتي بالشيطان ليسكن غرفة بائسة في الطابق الأسفل من هذا المبنى القديم؟
الشاعر: كنت أعتقد بأنه هو.
العجوز: ماذا؟
الشاعر: الشيطان، هناك تحت في الأعماق السفلية.
العجوز: أوه، دعنا من هذا. تلك مسألة أخرى.
(إظــــــــلام تام)
(تمضي عدة ثوانٍ ثم يُسمع صوت وقع أقدام. صوت باب يفتح ثم يغلق. يظهر شبح الساكن خلال الظلام).
الساكن: أتيت لأريك نفسي. أتيت لأريحك من خوفك ورعبك وأسئلتك. الموت، من بين كل الأشياء، يحدث مرة واحدة فقط. أما أن تتحدث عنه وتتخيله، فذلك أمر عابث. عندما تكون الحقيقة صعبة، ومعقدة، يصبح الموت محتملا. إن التنبؤ بالموت عن طريق المخيلة هو شيء لا جدوى منه.
الشاعر: كفى، أرجوك. لا تتكلم هكذا.
الساكن: شيء ممتاز أن نتكلم ونفسر. أنت متفق معي، أليس كذلك؟
الشاعر: شريطة ألا نخوض في مثل هذه الأمور.
الساكن: ولماذا؟
الشاعر: لأن هذا لا يجوز.
الساكن: ومن قال إن هذا لا يجوز؟
الشاعر: صاحب هذا المنزل قال.
الساكن: (بضحكة هستيرية) صاحب المنزل؟ هاهاهاها..
الشاعر: اسمع. إنك ترتكب خطأ فادحا الآن. ومن واجبي أن أحذرك.
الساكن: المهم. دعنا من ذلك يا عزيزي. أريد أن أشرح لك شيئا.
الشاعر: أي شيء؟
الساكن: الأشجار.
الشاعر: الأشجار؟
الساكن: نعم، الأشجار يا عزيزي. وكذلك، الخوف، والرعدة، والبرد. إنه شيء بسيط تماما، وغير مؤذ. أرجو أن تثق بي.
الشاعر: أنا لا أثق بالغرباء.
الساكن: ولكننا لسنا غرباء مطلقا. نحن أكثر من أقرباء.
الشاعر: ابتعد عني. إنك تثيرني بكلماتك هذه.
الساكن: كلماتي؟ وهل كلماتي هي التي تثيرك؟
الشاعر: أسلوبك مقزز. ورائحتك كريهة.
الساكن: رائحتي؟ وما شأن رائحتي بكلماتنا؟
الشاعر: كل شيء فيك يبعث على الكراهية. ابتعد عني.
الساكن: أرجو أن تهدأ وتستريح قليلا يا عزيزي. أنت متعب جدا هذا اليوم.
(صمت)
الساكن: والآن، وبعد أن استمعت إليك جيدا طوال الوقت، هل بدأت تشعر بالراحة؟
الشاعر: دعني أغمض عينيَّ. أريد أن أرتاح.
الساكن: هل بدأت تشعر بالراحة؟
الشاعر: نعم. أنا أشكرك من صميم قلبي.
الساكن: الصدق في كلامك واضح ولا يحتاج إلى إثبات. هيا، نَمِ الآن وارقد، ولتكن رقدتك هذه طويلةً طويلة.
(ظلام، ويسدل الستار)
-------------
تنويه:/
* قام المخرج والشاعر التونسي جلال حمودي بإخراج هذه المسرحية في تونس، وتم عرضها الأول في غرة مارس 2019، بعد أن قامت د. زينب بن ضياف بنقل النص الى العامية التونسية، وأدى البطولة فيها الممثلان المسرحيان، أماني محضاوي ومبروك محضاوي، وأنتجت العمل فرقة الإشراق المسرحي في بني خداش من ولاية مدنين.
* ظهرت هذه المسرحية في كتاب بعنوان "جن أو الموعد القاتل، ثلاث مسرحيات من أدب اللامعقول"، تأليف حكمت الحاج، ومن منشورات دار مومنت للكتب والنشر، لندن 2018.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان