الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما في الجزائر - 5

محمد عبيدو

2006 / 8 / 10
الادب والفن


وفي التسعينات، حملت تغييراً جديداً في هيكلة السينما الجزائرية، ففي تشرين الأول 1993 منح المخرجون أعضاء المركز الجزائري لفنون وصناعة السينما ما يوازي مرتبات 36 شهراً في دعوة لهم من الدولة لتشكيل كيانات إنتاجية خاصة بهم، وباشر المركز مهامه متيحاً الفرصة أمام المشروعات الواعدة للخروج إلى حيز التنفيذ بناءاً على قراءة لجنة يرأسها الكاتب رشيد ميموني.
لقد تزامن هذا التغيير مع تغييرات سياسية هددت جدياً الإنتاج السينمائي الجزائري. ومع ذلك فقد شهدت التسعينات ميلاد جيل جديد. تصدره ابن لخضر حامينا، مالك حامينه بفيلمه (الخريف – أكتوبر في الجزائر). وكذلك شهدت التسعينات ميلاد مخرجين جدد مثل ربيع بن مختار، ورشيد بن علال، ورشيد بن إبراهيم الذي أخرج (الفصل الثالث ) عام 1992 الذي يقدم عملاً شديد التركيب ، يدور في معظمه فوق خشبة مسرح وداخل كواليسه .. عرض مسرحي وصراعات مستترة وواضحة بين الممثلين . رغبات جامحة وإرادات متصادمة . دسائس ومؤامرات ومواجهات ومصائر غامضة . ولا يحتاج المشاهد إلى جهد كبير كي يدرك أن كاتب السيناريو ، المخرج ، إنما يرمي إلى التعبير عن " المسرح الكبير " أي المجتمع الجزائري وأن يلخصه ، ويختزله ، ويتأمله ، بعد أن يضعه أمامه وأمامنا ، فوق وحول خشبة المسرح .
بالإضافة إلى الكاتبة والروائية حفظة زين القوديل التي قدمت فيلم (المرأة الشيطان) 1993 والذي أثار ضجة كبيرة في الوسط الثقافي الجزائري وقد استمر عدد من مخرجو السبعينات والثمانينات كذلك في تقديم أعمالهم في أوائل التسعينات منهم إبراهيم تاسكي الذي أخرج (أطفال النيون) في فرنسا ومحمد زموري الذي أخرج (شرف القبيلة) 1993 وبلقاسم حجاج الذي أخرجه (ماشاهو) 1996 وعز الدين مدور الذي أخرج (جبل باية) ورشيد بو شارب الذي قدم (شاب) 1991و(السنوات الممزقة) 1992 و (غبار الحياة) 1995 و (شرف عائلتي) 1996... إبراهيم تساكي ورشيد بو شارب ، يقدمان في " أطفال النيون " .. و " شاب " نماذج من جبل حائر ، قادم من الجزائر إلى فرنسا ، لا يستطيع أن يتواءم مع مجتمعه الجديد ، القاسي ، فيعيش مغترباً في مكان لفظ الغرباء ... وإذا عاد إلى جذوره ، وطنه الأول – الذي لا يزال يرزح تحت عنت تقاليد الماضي وعبء التخلف – فإنه يعيش مغترباً في زمان لا علاقة له بمدخل القرن الواحد والعشرين ... إن الفيلمان يعدان ،على نحو ما ، مرثية لجيل تعس ، يترنح غريباً .. في المكان والزمان .
و سيخوض المخرج محمد شويخ غمار الفانتازيا في فيلمه المميز "يوسف، أسطورة النائم السابع" 1993والذي يدل عنوانه على توجهه الأسلوبي واعتماده على الأساطير والخيال ليناقش من خلال ذلك المآل الذي آلت إليه الجزائر بعد الاستقلال وانحرافا ت رجالات ثورة الاستقلال عن أهدافها.
من حيث الشكل والتركيب السردي، فإن هذا الفيلم يستفيد من مزج حكايتين، إحداهما هي حكاية أهل الكهف، أو أحدهم فقط، وثانيهما رواية الكاتب الإسباني سيرفانتس الشهيرة "دون كيشوت". فيوسف، بطل الفيلم أحد أشخاص أهل الكهف الذي استيقظ بعد سنوات ليتحول إلى الفارس دون كيشوت الذي يرى الفساد حوله ويعمل على إصلاح الأنام.
يوسف، مناضل سابقاً من مناضلي حرب التحرير، أصيب في رأسه أثناء إحدى المعارك، فتدهورت صحته ورمت به الأيام في مصح للأمراض النفسية والثورة في أوجها، حيث توقف به الزمن، فنام في هذا المصح ما يشبه نومة أهل الكهف، ليستيقظ بعد ما يزيد على الأربعين عاماً ويهرب من المصح، فيتحول إلى دون كيشوت، فارس يجوب البلاد وقد أصبحت الجزائر دولة مستقلة يحكمها رفاقه السابقون في حرب التحرير، وإذ يكتشف الفساد من حوله وخيانة رفاقه لمبادئ الثورة واستغلالهم لمناصبهم في سبيل المكاسب الشخصية، فهو يشهر سيفه في محاولة لاستنهاض الهمم وإصلاح ما فسد.
وهكذا تصبح جولة يوسف ولقاءاته من رفاقه المسؤولين الجدد، نوعاً من الكشف عن الانحرافات التي أصابت مسيرة الثورة الجزائرية بعد الاستقلال. ونرى في الفيلم كيفي يصبح إصرار يوسف على تقويم الأخطاء وإصلاح رفاقه أمر مزعج ومقلق لراحة من تربعوا على سدة الحكم.
ينتهي الفيلم باغتيال يوسف من قبل أقرب رفاقه القدامى إليه. ومشهد الاغتيال، واحد من أجمل المشاهد وأقواها في السينما العربية المعاصرة. فبعد أن يأس المسؤولون من تهدئة يوسف، يوهمونه بأنهم يوافقونه على كل مطالبه، بل إنهم يريدونه زعيماً للبلاد مصلحاً للعباد. ويهيئون احتفالاً رسمياً وجماهيرياً ضخماً وحاشداً لتنصيبه زعيماً قائداً. ويصل يوسف إلى مكان الاحتفال مبهوراً ويسير في طريق الشرف نحو المنصة التي ينتظره عليها المسؤولون، وقبل أن يعتلي درجات المنصة يغتاله الرصاص أمام أعين المحتفلين فيخر صريعاً على أيدي رفاقه وسط هرج المحتفلين به.
إنه مشهد تراجيدي صاعق ومباغت في نهايته غير المتوقعة. في بداية الفيلم نتعرف على فتاة جميلة بيضاء تقيم في المصح مع يوسف ونعرف أنه يعشقها، وهي تظهر له باستمرار خلال مسيرته الإصلاحية، وها هي تظهر أمام عينيه وهو يودع الدنيا مذهولاً. وتبدو صورة الفتاة رمزاً للطهارة والبراءة المفقودين والحلم المنشود المستحيل. وكما يقدم محمد شويخ فيلم (عرش الصحراء) 1996.. و مرزاق علواش الذي أخرج باب الواد سيتي) 1994 يقدم (سلاما يا ابن العم) 1996: وهو فيلم يقترب بقصته من الحكايا الشعبية لعلواش الذي يصرح دائماً برغبته ( في متابعة عرض شهادته من الجزائر ) يروي الفيلم الصعوبات التي تعترض شاباً جزائرياً وابن عمه في العاصمة الفرنسية واللذين يعيشان من بعض الأعمال الصغيرة المشتركة . والفيلم مبني على التناقضات القائمة بين هاتين الشخصيتين عالميهما . يصل عليلو من الجزائر العاصمة إلى باريس ليعمل بتجارة مشبوهة ، يستقبله موك ، ابن عمه الذي ولد وعاش في باريس طوال عمره ، يضيع عليلو عنوان مراسله في باريس ، فيبدأ بسياق لاهث يدوم خمسة أيام بحثاً عن الحقيقة التي سيأخذها معه إلى الجزائر . خلال هذه (( الإقامة الفرنسية القسرية )) يصوّر لنا الفيلم الضغوط في المجتمع الجزائري من خلال الانبهار الدائم الذي يبديه عليلو ، وقسوة الحياة الباريسية من خلال الأعمال التي يضطر موك للقيام بها ، ويبقى عليلو الجزائري في باريس لأنه يلتقي فتاة يحبها ، ولا يعلم أن ابن عمه قد أبعد عن فرنسا وتمت إعادته إلى الجزائر لتورطه في عملية مشبوهة .
(( شرف عائلتي )) للمخرج رشيد بوشارب 1996: تدور أحداثه في مجتمع العرب المهاجرين في فرنسا أيضاً . حيث نرى الفتاة الجزائرية (( نورا )) التي تكذب على والديها للتمتع بقدر أكبر من الحرية فتوهمهم أنها تعمل كممرضة بينما هي تعمل في بار مع صديقتها الفرنسية التي تشاركها رغبتها بالتحرر والتمرد على المجتمع ، ولكن كل شيء يتغير عندما تكتشف أنها حامل .. فتسارع والدتها بعد معرفتها الأمر إلى العمل على تزويجها من (( حميد )) صاحب أكبر متجر للألبسة الجاهزة في البلدة ، وهو على الرغم من أنه شاب طيب ، لكنه يعيش مع والدته ويبدو عاجزاً عن تحقيق طموحات (( نورا)) لكن خبر حملها يذاع في الحي والبلدة كلها ، وتهرب نورا مع صديقتها الفرنسية .
وعام 1997 يقدم عبد الكريم بهلول فيلمه (ليلة القدر) يتحدث الفيلم عن رجل عربي مسلم مسن يعيش في باريس يدعى السيد سليماني يكون شاهداً على جريمة قتل وقعت في الحديقة العامة التي يجتازها كل يوم للوصول قاعة الصلاة في الحي الغربي . وهرباً من المجرمين الذين يلاحقونه يختبئ في المسجد بين حشود المصلين الذين يرتدون نفس الزي الذي يرتديه فيضيع بينهم ، الأمر الذي ينقذ حياته . إلا أن العدالة تريد شهادته ، ويكلف أحد المفتشين بالعثور عليه . وخلال بحثه في المدينة المسلمة يعجب المفتش بنورا وهي فتاة شابة سمراء وديناميكية ويحاول أن يستفيد من مساعدتها وقدرتها على الترجمة إلى العربية ، كما يغرم بها ، إلا أنها لم تبادله الشعور ذاته فتختفي عن الأنظار . وأصبح بذلك يفتش عن شخصين اثنين في الحي . وبعد أن يكتشف السيد سليماني أن منفذ الجريمة هو إحدى الشخصيات المتنفذة في البلد ، وذلك أثناء مشاهدته لأخبار التلفزيون يعود سراً إلى وطنه الجزائر ليدخل ابنه الصحفي في خضم البحث عن الفاعلين الحقيقيين للجريمة ويصاب بطلق ناري ، فيعود السيد سليماني إلى فرنسا ويشهد على المجرم الحقيقي . و يقدم يوسف حميدي فيلمه (مالك تعيس الحظ)، ويقدم عز الدين مدور (( جبل بايا )) عام 1997: تنمو قصة حب عنيفة بين بايا وجندل المحارب الأسطورة والذي يهزم كثيراً ، وعلى الرغم من ذلك يقاوم الموت ، القصة تدور في القرن التاسع عشر حول الشابة بايا التي يقتل زوجها على يد أحد أعدائه أمام عينيها .. وحقناً للدماء ، يحاول والد القاتل شراء جريمة ابنه بإعطاء الزوجة الشابة مبلغاً كبيراً من النقود الذهبية . نحن أمام أنشودة تتغنى بها السيدات اللاتي يدافعن عن بلادهن ، تبدو البطلة بايا غير منسجمة مع مجتمعها وواقعها ، لأن ردود أفعالها ليست فقط سريعة ، ولكنها مدمرة أيضاً ، وعلى الرغم من أن الأحداث تدور في القرن التاسع عشر ..إلا أنها تعكس أوضاع بعض الأمم المحرومة من ممارسة حريتها في الزمن الذي نعيشه .
فيلم "العيش في الجنة" (عام 1998) للمخرج بورلام فرجو الذي يتطرق لواقع المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا. والذي تدور أحداثه في إطار تاريخي يعود لزمن السنوات الأولى من حرب الاستقلال الجزائرية،ونرى فيه الزوجة الجزائرية التي تمكنت من فرض حقها في الخروج من طوق بيوت الصفيح التي يعيش فيها المهاجرون وفي التأقلم مع المجتمع الجديد وممارسة حياتها عن طريق الانخراط في النشاطات الداعمة لاستقلال الجزائر.
وقام المخرج عبد الرحمن بو قرموح بتحقيق فيلمه " الربوة المنسية " عام 1998عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب الراحل مولود معمري
ويقدم عمار العسكري فيلمه (زهرة اللوتس). عام 1999 إنتاج مشترك جزائري/ فيتنامي.وفيه نرى صحفية في التلفزيون الفيتنامي اسمها حورية . تأتي الى الجزائر لعمل ريبورتاج . والدها "علي " جزائري جند في الفرقة الفرنسية بفيتنام حيث قابل امها ليان وتزوجها . التحق علي بالمقاتلين الفيتناميين بعد مذبحة 1945 . وفي عام 1954 تخلى علي عن زوجته وابنته كي يلبي نداء الثورة بالجزائر . لم تكن حورية تعرف شيئا عن والدها . وفي الجزائر تعرف كل شئ عن الأب .
ونرى في (( عربي مائة في المئة )) للمخرج محمود زموري المنتج في فرنسا عام 1999 : يافطة إعلانية ضخمة مهلهلة مكتوبة عليها (( عربي مائة في المئة )) على أبواب حي شعبي فقير حيث تتعدد الجنسيات واللغات وأنماط الحياة . موسيقى (( الرأي )) وأغنيات الشاب خالد والشاب مامي تطغى على سائر الاهتمامات ، خصوصاً الدينية منها ، مما يثير غضب وحنق سليمان ومجيد العاطلين عن العمل . يبدو الفيلم وكأنه صراع خفي بين أصولية دينية ما ، لا تتوانى عن ممارسة العنف ضد من لا يكون معهم ، وبين مجتمع إنساني يرغب في التحرر والعيش وامتلاك حقه باختيار مسارات حياته . صراع خفي يقلق عمدة المنطقة ، المقبل على انتخابات بلدية فإذا به يضطر إلى استغلال الأصوليين لتحقيق أهدافه السياسية والسيطرة على الشباب المأخوذين بالموسيقى سخرية لاذعة وقوية وجريئة اعتمدها (( الزموري )) عبر لغة مبنية على الطرافة والاقتضاب . سخرية وزعا على وجوه لم تعبر عن أي رغبة في الحياة أو أي طموح سوى الاستمرار بأقل قدر من العذاب .
فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم