الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقصاء السياسي حتى القتل

صبحي البدوي
كاتب

(Sobhi Albadawi)

2021 / 7 / 4
القضية الفلسطينية


يتمثل الاقصاء السياسي في انكار حقوق المواطنه بكل اشكالها مثل المشاركة السياسية وكذلك الامن الشخصي وحرية التعبير وتكافؤ الفرص. لقد تعدد نظريات علم الاجتماع في هذا المجال حيث يرى بعض علماء الاجتماع بان الاقصاء السياسي يتضمن سلوك النظام الحاكم والذي لا يتحلى بالحيادية او تقبل الصوت المعارض بل يعمل لصالح الفئات المهيمنة في المجتمع لحد الغاء الاخر وهذا يؤثر على المجتمع بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة مع مرور الوقت، وقد يكون علائقيا اي نتاج علاقات قوة غير متكافئة في التفاعلات الاجتماعية مما ينتج عنه تمزق في العلاقات بين فئات المجتمع الواحد وقد يسبب صعوبة في الاندماج بين السلطه الحاكمه والشعب وهذه الغرابه تقود السلطة الى حد القتل والتعسف والتشهير والتخوين. تعزز النظريات مفهوم العلاقة الوثيقة بين الاقصاء السياسي والصراع وانعدام الامن احيانا. لذلك يكون الوعي بالاقصاء وعدم المساواة الخطوة الاولى لاي حراك سياسي اجتماعي فردي او حزبي. ففي الحالة الفلسطينية سلوك السلطة الحاكمة يتمثل بالاقصائيه لفئات متعددة في المجتمع والتي ادت الى مستويات من التوتر بين الاحزاب السياسية والافراد واحيانا اخرى الى حالة دائمة من القمع لدرجة القتل وكان اخرها عملية اغتيال الناشط السياسي والاجتماعي نزار بنات.

بنية الاقصاء في الثقافة السياسية الفلسطينية

مرت الثقافه السياسية الفلسطينية بمراحل مختلفة وتحولات سريعه نقلتها من ثقافة الوحدة الوطنية حتى نهاية الانتفاضة الاولى الى ثقافة الاختلافات والتفرد والحزبيه ما بعد اوسلو. يتوافق هذا الطرح مع ما اشارت اليه اميره دياب (2015) بان اتفاقية اوسلو خلقت هذا التفتت حيث تشكلت طبقه سياسية اجتماعية جديدة تعتمد على ثقافة الحزب الواحد. تناقش الكاتبه بان الثقافة السياسية قبل اوسلو تمثلت في نمط الثقافة السياسية المتكاملة مبنيه على مفاهيم المقاومة والتحرير والوحدة الوطنيه في حين ثقافة ما بعد اوسلو تميزت بمرحلة التفتت والانقسام والتصارع على المراكز والوظائف. بالمقابل يرى البعض ان الخلفيات السياسية والثقافية للنخب السياسية في فلسطين وغياب البرنامج الوحدوي الوطني كان عباره عن محطة اولى لخلق بنية الاقصاء السياسي في الثقافة السياسية الفلسطينية حيث باتت الثقافة تخدم وتمجد القائد او امين الحزب على حساب القاعدة الجماهيرية او الوطن بشكل عام.
في هذه المرحله اصبحت التعددية السياسية قاصره واصبح الخلاف بين الاحزاب السياسية الفلسطينية اكثر وضوحا مما خلف في الجسم الفلسطيني معسكرين متباعدين. المعسكر الاول كان معسكر السلطة الفلسطينية الراغب في التفاوض مع الاحتلال لبناء سلطة حكم ذاتي منزوعة الامكانيات والمعسكر الثاني كان يضم فصائل المقاومة ومن ضمنها حركة حماس وهذا المعسكر كان يرى في المقاومة والتمسك في الثوابت الوطنية طريقا للتحرير . تميزت الحالة الفلسطينية الداخلية الجديدة بعد انشاء السلطة الفلسطينية بالتناقض والالغاء والاقتتال والملاحقة والشعور بالخذلان لشريحه واسعه من الفلسطينيين في كل اماكن تواجدهم. هذا الاستفحال بعدم الاقتدار عند فئات واسعه من الفلسطينيين حسب زبيدي ( 2003) تطور سلبا على الثقافة الفلسطينية السياسية وتزعزعت الثقافة ما بين الاحزاب السياسية الفلسطينية والسلطه الحاكمة . السلطة الحاكمة الجديدة سيطرت على كل نواحي الحياة وظهرت فئة جديده تفاوض المحتل وتخاطب العالم دون الرجوع للجماهير وتوسعت الفجوة بين معارض وموالي وتكرست ثقافة التخوين والاستدوال والشك لدرجة الاقصاء والقتل والتهميش.

اقصاء نزار بنات

نزار بنات لاجئ فلسطيني مورست بحق اهله كباقي الفلسطينيين ابشع انواع التطهير العرقي ، نزار ينحدر من اسرة تنتظر العودة الى قرية عجور المغتصبه منذ العام 1948، نزار كان يحكي في الهم العام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، هذا الكادح كان متمسكا بحبه لفلسطين كل فلسطين حتى النفس الاخير وكان يرفض كل ادوات القمع ومفاهيم استدخال الهزيمه وتمرير مشاريع الاحتلال عبر الوكيل الفلسطيني المتمثل في السلطه الحاكمه ، نزار كان يرفض التطبيع والخيانه والمواربة والانحناء وعرى تجار الدم القتلة وحارب الفساد. نزار ايقونة فلسطينية على حد تعبير المفكر الاجتماعي بلال سلامه، اي اقصاء جسد نزال كان معاكسا لما خططت له السلطة القاتله في حين اصبحت افكار نزار ثابته في وجدان الاف الفلسطينيين وستتناقلها الاجيال. هذه الهويه الوطنيه بكل سماتها وخصائصها حسب منظري علم الاجتماع تاجفيل وتيرنر (1986) و لم يبخل نزار على تعميدها بدمه بل صنع من الاقصاء السياسي المتعمد هوية نادرة في الحيز الفلسطيني.

لقد اختلف الشارع على نزار وكان هذا الاختلاف حسب الموقع من السلطة الحاكمه اي الاختلاف كان يتميز بالعلائقيه، للشرح اكثر فانصار السلطة الحاكمة مارسوا سلوك السلطة نفسها من حيث الذم والقدح والتشهير والسحل في حين الاخر الفلسطيني كان يقترب من نزار كاقترابه من المقاومة وهنا شدني تعبيره حيث قال اقترابه من الكل كان يقترن بالمسافه من المقاومه.

لماذا نزار بنات

كثر الحديث عن اسباب القتل والة القتل فالبعض استند على اخر تسجيلات نزار التى كشف فيها المنظومة السياسية الفاسدة وصفقة لقاحات فايروس كورونا الفاسده والبعض الاخر اخذ على عاتقه بالتحليل بان هناك تراكمات بين نزار والسلطة الحاكمة لانه رفض الالتزام بقوانين اللعب مع الكبار حين تطرق لعملية اغتيال المعارض السعودي ناصر السعيد وتورط بعض رموز السلطة الحالية في عملية بيعة للنظام السعودي انذاك. فاصحاب علم الاجتماع كبلال سلامة (2021) ربط عملية الاغتيال بالمنظومة السياسية التي استباحت كل شي مقدس حتى الدم الفلسطيني مقابل امتيازات خالصة لسلطة تحمي فئة متفردة بالقرار الفلسطيني وان عملية الاغتيال جاءت لحماية مشروع السلطة من التعرية. اتفق مع سلامه بان السلطة الحاكمة فتت المشروع الوطني الفلسطيني وعملت جاهدة على اقصاء فئات واسعه من المجتمع حد القتل والسحل للحفاظ على سلطة في سياق استعماري. اذا من الطبيعي جدا ان نعتقد ان الاقصاء حد القتل كان الوسيلة الافضل لهذه الفئه المستثمرة لصالح الخاص والكيان الصهيوني في ان واحد.

الشارع الفلسطيني من الاقصاء
بينت الدراسات السوسيولوجيه بان الدول او الحكومات التي تمارس الاقصاء هي اكثر البلدان عرضة لحراك سياسي مضاد متطابق مع مطالب الجماهير وقد يكون عنفي في بعض الحالات. يقول بيزا و شيوا (2016) ضمن الطبيعي جدا عندما تستفرد السلطه الحاكمة بمقدرات الشعب وتزج بمعارضيه بالسجون وتعاقب اكاديميه ان تولد حالة مضاده تدعو للخلاص من هرم السلطه كما حدث في مدن الضفة عندما طالب المتظاهرون برحيل رئيس السلطه محمود عباس. يؤكد سيلفر (1994) في حال اقصاء مجموعات عريضه من المجتمع او المشاركة السياسية او التمثيل الحكومي هذه المجموعات قد تحول الشارع او المكان من الصمت الى المطالبه وفي معظم الحالات يكون سقف المطالب عالي وبحجم الخساره. يتطابق هذا الافتراض مع الحاله الفلسطينيه وتحديدا بعد اغتيال نزار وما يشكله من اقصاء سياسي متعمد. مما لا شك فيه هذا الاقصاء تكون مؤسسات الدولة تعيش في حالة من الفوضى واللالتزام الاخلاقي تجاه المؤسسه والدولة ناهيك عن المحسوبيه المفرطة والمتمثله حسب العاميه الفلسطينيه "بعظام الرقبه". يقول قار واخرون (2010) بان المشكله تقع في مؤسسات السلطه محددها كسبب رئيسي في ممارسة الالغاء السياسي والفوضى. يحق للبعض التفكير في مؤسسات السلطه الامنيه وغيرها انها اتخذت على عاتقها حماية النخبه السياسية المتخمه بالفساد وتهميش شرائح واسعه من الشعب لدرجة ادخال مفاهيم توهم البعض ومن المحسوبين على السلطه ان السلوك عباره عن حماية لمشروع وطني اكبر. للتوضيح تعمل ماكينة الفوضى لتضخيم النخبه على حساب الحدث لخلق ردات فعل تخلق حالة جديدة من الفوضى ويكون فحواها الغاء جديد ومبطن تحت مسميات التخوين وبطريقة اخرى شرعنة الفساد. التخوين هو الوجة الاخر لحالة الاقصاء السياسي في الحالة الفلسطينية من قبل السلطة الحاكمة وهنا يتطابق التعبير الشعبي " كل اناء بما فيه ينضح" علما بان بعض الاحزاب السياسية وان
تعاركت فالامور لا تصل الى حد التخوين لان قواعد ومعايير النضال تقوم على اسس التضامن الاجتماعي. ليس من الغريب ان يكون للتزاوج بين المؤسسة الامنيه والسلطة الحاكمة في رام الله والتلاعب بفتح كفصيل حاضن للجماهير وسيلة اخرى لتمرير قواعد الاقصاء وبلون حزبي وبغطاء من حاضنة الجماهير اذا امكن . هذا التلاعب بالقوة واستخدام حركة فتح لعب دور المشرع للإقصاء لان اي حراك فلسطيني تشعر فية السلطة بنوع من الانهيار او فلتان الامور تلجأ للفصيل المتنفذ في مؤسسات السلطة وهذا كان جليا ما بعد الاغتيال عندما استخدمت السلطة النفوذ الفتحاوي حتى تخرج بحراك مضاد لصوت الجماهير. في كل الحالات تعمل الفئه الحاكمه على بقاء الوضع على حالة وانتاج سياسات تهميشية اكثر تعقيدا قد تعبث بنسيج المجتمع والامن السلمي وهكذا تتم عملية الاقصاء الممنهج . يقول لواتي (2007) ليس الموسسات السياسية وحدها التي تحدد وتمارس الاقصاء السياسي بل عدم التفاعل الممنهج بين الرسمي وغير الرسمي و عدم تناغم القواعد مع المعايير والممارسات السياسية ويعلل ايضا بان الموسسة الرسمية اي الدولة تلعب الدور الفعال في الاقصاء وصاحبة القرار ايضا. ومن هنا يحق لي ان اعتبر ان اغتيال نزار بنات كان عبارة عن تمثيل سلوك رسمي للمؤسسة الرسمية " الدولة " يعني قرارا سياسيا وهذا الرسمي ازداد وضوحا بعد الاغتيال وهذا تمثل في حديث الرسمي احمد مجدلاني الوزير الحالي للتنمية الاجتماعيه وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حين شرعن القتل وقال شارع مقابل شارع اي دعوة للتهميش العلني للحراك الفلسطيني المندد بقتل نزار.

الخاتمة
هذا الخطاب الرسمي المؤسساتي الاقصائي يعزز التاثير الاقصائي للعوامل الاجتماعية في المجتمع كما تعرقل المؤسسات الاقصائية الجهود التي تبذلها الفئات المحرومة نحو الاندماج او التعبير عن موقف سياسي اجتماعي كحالة نزار بنات قبل الاغتيال وسلوك الشارع ما بعد الاغتيال . حالة الاغتيال شكلت منعطفا جديدا في الشارع الفلسطيني بشكل عام ولدى الحراكيين بشكل خاص كون السلطة الحاكمة ترفض اتخاذ اجراءات ضد مرتكبي الجريمه . بعبارة اخرى هذا عزز بوضوح الاقصاء السياسي في ظل نظام حزب سياسي يتمتع باغلبية خاصه به تحمي مشروعه السلطوي في سياقه الاستعماري كما اشار بلال سلامه .

المراجع



Choi, S. W., & Piazza, J. A. (2016). Ethnic groups, political exclusion and domestic terrorism. Defence and Peace Economics,󉉷(1), 37-63.


Tajfel, H. and Turner, J. C. (1986). The social identity theory of inter-group behavior. In S. Worchel and L. W. Austin (eds.), Psychology of Intergroup Relations. Chigago: Nelson-Hall


Lawoti, M. ed., (2007). Contentious politics and democratization in Nepal. SAGE Publications India

Ezbidi,B (2003). Palestinian Political Culture, MUWATIN, the Palestinian Institute of Democracy, Ramallah, Palestine

Goldstone, J.A., Bates, R.H., Epstein, D.L., Gurr, T.R., Lustik, M.B., Marshall, M.G., Ulfelder, J. and Woodward, M., 2010. A global model for forecasting political instability. American Journal of Political Science, 54(1), pp.190-208.

Silver, H., 1994. Social exclusion and social solidarity: three paradigms. Int l Lab. Rev., 133, p.531.

اميرة، دياب (2015). دور الثقافة السياسية في الوحدة الوطنية، جامعة النجاح، فلسطين.

بلال، سلامه ( 2021). هتاف الدم وقرقعة العتلة: نحو محاصرة المجتمع الهجين في السياق الفلسطيني، الحوار المتمدن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية