الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفونة ذهنيكم ترهق أرواحنا

ليلى موسى

2021 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


استفاق أهالي الحسكة، و الإنسانية جمعاء على وقع جريمة نكراء، راح ضحيتها الطفلة عيدة الحمودي السعيدو ذات الأربعة عشر ربيعاً، التي قُتلت بذريعة الشرف، بعد أن تم توثيق الجريمة بالفيديو من مرتكبيها، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وقعت الجريمة باجتماع العشرات من رجال عشيرتها ( الشرابية) بحجة العار الذي لحق بقواعد العائلة، بعد رفض المغدور تزويجها من ابن عمها في إطار ظاهرة الحيار المنتشرة بين العديد من القبائل.
لقد ظهرت بشاعة الجريمة بشكل علني، حيث شاهدنا كيف يشجع الأخ على إطلاق المزيد من الرصاص على رأس أخته، ليتأكدون من موتها الذي يشفي غليلهم للانتقام منها، بينما استغاثتها كانت تهز عرش السماء ولكن مع الأسف لم تهز ضمائرهم الميتة، معلنين النصر باستقوائهم على طفلة قاصرة لم تشبع من طفولتها البريئة الطاهرة. جريمة متكاملة الأركان هزت ضمائر الإنسانية ولم تهز وجدانهم، هؤلاء القتلة ليسوا سوى امتداداً للعديد من شذاذ الأفاق الذين عاثوا فساداً وخراباً ودماراً بالبلاد – منذ عشر سنوات- وسبوا النساء واستباحوا الإنسان والحجر والبشر و لم يرف لهم جفن.
أبناء شمال شرق سوريا ومنذ الأيام الأولى من حراكهم الثوري كانوا مؤمنين بأن يكون النضال على عدة جبهات؛ بالتزامن مع محاربة ومكافحة الإرهاب والفكر السلفي الإخواني القاعدي الداعشي وشوفينية النظام البعثي من جهة، و محاربة الذهنية الذكورية السلطوية والموروث الثقافي المتخلف، من جهة أخرى؛ انطلاقاً من إيمانهم بأن التغير والتحول الديمقراطي لن يحصل ما لم يحدث تغيير في الذهنية وإزالة المسببات التي أوصلت المجتمع على ما عليه.
لطالما كان أول انكسار للمجتمعات عبر تاريخ البشرية استهداف المرأة من خلال حصر دورها من قيادة وإدارة المجتمعات، ومن مكانة اجتماعية تحظى بالقدسية والاحترام إلى إلى الأدوار التي تؤدي بها إلى عاهرة وجارية وآلة لانجاب الأطفال وتأدية الأعمال المنزلية، وإشباع رغبات الجنس الآخر، من كائن منتج مبدع إلى مكنة آلية تدار من قبل الأخر.
لذا كانت أولى الخطوات هي استعادة المرأة دورها الطبيعي في المجتمع؛ وكان ذلك يتطلب محاربة الموروث الثقافي البالي والمتخلف والمضاد للطبيعة البشرية عبر توعية وتدريب النساء أولاً والمجتمع ككل من خلال تنميتهم باستحداث أكاديميات المجتمع الديمقراطي؛ وأكاديميات خاصة بالمرأة، وإشراك المرأة بشكل موسع في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والتربوية والعسكرية، وإحداث هيئة خاصة بالمرأة، ودارة للمرأة ووحدات حماية للمرأة، وقوات أمن داخلي خاص بالمرأة " اسايش المرأة"، وقرية المرأة، ومؤسسات حقوقية وتأهيلية تعني بشؤون المرأة؛ وتنظيم خاص لها داخل كل مؤسسة من مؤسسات الإدارة الذاتية، وتأسيس علم المرأة ( جنولوجيا) وإحداث نموذج الرئاسة المشتركة، وتحقيق نسبة كوتا 50% في جميع مراكز صناع القرار، وكانت النتيجة بالفعل أحداث ثورة داخل ثورة والتي سميت بثورة المرأة التي ازدهرت وتطورت مع ثورة 19 تموز وتحولت إلى أيقونة ورمز وأمل لجميع النساء المضطهدات في العالم.
تغيير الذهنية كان يلزمها رادع قانوني يحمي ويحفظ حقوق المرأة بموجب العقد الاجتماعي، وقد تكلل هذا النجاح الظافر بتصديق المجلس التشريعي بتاريخ 22-تشرين الأول- 2014 على حزمة من المبادئ والأحكام العامة تضمنت 30 مبدأً سميت بقوانين المرأة، وتم تعديلها بتاريخ 17-شباط- 2016، ومازال العمل والنضال مستمراً لجعل هذه القوانين مبادئ فوق دستورية في دستور سوريا المستقبل.
سنقوم بإدراج بعض هذه القوانين في العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تخص حالة الطفلة عيدة، وهي كالتالي:
• المادة 10: يمنع تزويج الفتاة بدون رضائها .
عقوبتها :السجن من شهر حتى ثلاثة أشهر وغرامة مالية من 50000- 100000 ليرة سورية إذا
تم الادعاء قبل الزواج .
- السجن من ثلاثة أشهر حتى سنة والغرامة من 100000 – 300000 ليرة سورية إذا تم الادعاء بعد الزواج. ويحق للمرأة الادعاء بذلك خلال سنة من الزواج .
• المادة 16:منع حيـار الفتـاة وزواج الشغـار وزواج الـديـة .
أ‌- حيار الفتاة عقوبتها نفس عقوبة المادة العاشرة .
• المادة 17: تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان المادية والمعنوية والـقـانـونيـة ويعاقب مرتكبهـا بـالعقوبـات المنصوص عليهـا فـي قـانــون العقوبــات كجريمـة قتـل قصـد أو عمد والغاء أية أعذار قانونية لارتكاب هذه الجريمة .
• المادة 20: يمنع العنف والتمييـز ضد المــرأة ويعد التمييز جـريمـة يعـاقب عليـه القانــون وعلى الإدارة الـذاتيـــة الديمقراطية مكافحة كــل أشكـال العنف والتمييز من خلال تطوير الآليات القانونية والخدمــات لتوفيــر الحمايـة والـوقايـة والعـلاج لضحايـا العنف .
• المادة24: يمنع تـزويج الفتـاة قبـل إتمـامهـا الثـامنـة عشر مـن عمـرهـا .
وعقوبتها السجن من ثلاث سنوات حتى سبع سنوات على ولي الفتاة والزوج والجهة التي عقدت القران واعتبار الولي والزوج ونفس الجهة شريكان في التزوير .
بالرغم من إسهام هذه الأحكام وتحقيق نتائج ملموسة على الواقع، وتقليل معدل قتل نساء بدواعي الشرف حيث شهدت مقاطعة الجزيرة خلال ستة الأشهر المنصرمة جرائم قتل لستة نساء. بالرغم من الظروف التي تمر بها سوريا، وحالة الحرب والصراعات، والأوضاع الاقتصادية المتردية، كل تلك الأسباب مجتمعة ساهمت بتدهور الحالة النفسية لدى البعض ودفعهم لارتكاب الجريمة، لكن كل ذلك لا يبرر بأن المماس بحياة الإنسان أيٍ كانت الأسباب، وربما النسبة المذكورة قليلة جداً بالنسبة إلى المناطق التي تشهد عادة الصراعات والنزاعات إلا أنها نسبة كبيرة ومرفوضة بكافة المقاييس؛ وهذا يتطلب المزيد من العمل والإجراءات الاحترازية التي تمنع وقوع هكذا جرائم.
ومن قتل عيدة هو نفسه من اغتال هفرين، وهند، وسعدة، وزهرة ومثل بجسد بارين كوباني، وأصدر حكم المؤبد بحق جيجك كوباني، وسبوا وباعوا النساء الأيزيديات في سوق النخاسة.
هؤلاء يرفضون التغيير والحرية والديمقراطية لأنهم يجدون أمنهم الوجودي في استبداد واستعباد المرأة ومجتمع يسود فيه الاضطهاد والعبودية؛ مجتمع تكون فيها المرأة صماء وبكماء وعمياء، و آلة لتلبية رغباتهم وغرائزهم التي أخرجها من طبيعتها الإنسانية، ولن أشبههم بالحيوانات لأن الحيوانات براءة منهم كونهم يمارسون للحاجة وكوسيلة لضمان البقاء.
أصحاب الذهنية الذكورية المتسلطة التي لا تعرف سوى القتل والدمار والقضاء على التنوع، وعلى مدار خمسة آلف سنة لم يجلبوا للإنسان سوى الدمار والكوارث والحروب؛ وما نعيشه في سوريا هو جزء من تلك الذهنية وليست منفصلة عنها، تلك الذهنية التي ترعبها وجود المرأة الحرة وصاحبة الإرادة والشخصية والهوية، ويرعبها التنوع والحرية والديمقراطية.
لذا قضية الطفلة عيدة ليست قصة عابرة أو حالة فردية، أنها تعبير عن حالة ذهنية عمرها يرجع إلى آلاف السنين؛ وهناك شريحة كبيرة تتغذى وتحافظ على بقاء هذه الذهنية. لذلك هناك حاجة إلى رفع وتيرة النضال النسائي وعلى كافة المستويات، وفي جميع أرجاء المعمور، والعمل معاً كون قضية المرأة واحدة من خلال زيادة تمكين وتنمية وتوعية المرأة والمجتمع معاً وتقديم الجناة للعدالة.
طفلتي عيدة فلترقد روحك بسلام، فأنت المنتصرة عندما قلت لا، ولقنيتهم درساً بأن جسدك ملكك وليس شرف أحد والشرف هو الوطن، وبوقفتيك هذه نجحت بكسر تابوهات العشيرة، ولم تنصاعي لرغباتهم رغم صغر سنك، ففضلتي الموت على العيش عبدة مشلولة الإرادة، بقرارك وإرادتك بالرغم من صغر سنك، هذا ما أرعبهم وسيظل يلاحقهم.
عيدة بوقفتك هذه، ربما تكون بداية وعيد للاحتفال بالقضاء على جرائم الشرف، وتكون السبب بمنح الحياة لأخواتك في الإنسانية في جميع أرجاء المعمورة وتكوني السبيل لخلاصهن وتحريرهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم