الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماسونية ... الحلقة الثانية

راغب الركابي

2021 / 7 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


 
 
 
 تقدم  الماسونية  نفسها  كشريك  أساسي   في  حياة الناس  لتسهيل  مهمة  الإيمان بالإله  الواحد  ،  محترمة في ذلك  كل  مناهج  القوم   وطرقهم  في  الإجتهاد  و البحث  والتنقيب    ،    والماسونية  لا تُلزم  الناس بإتباع  طريقا  معيناً  ومحدداً   في  الفهم  بل تترك ساحات  البحث مفتوحة  وهذا ما أشرنا إليه  في الحلقة الأولى  ،   فالشرط  الموضوعي للإيمان بالإله  الواحد  لدى الماسونية  ،  هو الشرط اللازم الذي  تعتمده  في ذهنية الإجتهاد والنظر  لدى  كل  طرف  ،   وهذا  يوضح  المعنى الدلالي  لفكرة الإيمان  -  بالكائن الأسمى -  الذي تحدثنا عنه سابقاً   ،  ومفهوم   الإيمان  جدلي بطبعه   لدى  أصحاب   كل  الديانات  السماوية والأرضية   ،    وهو كذلك  مادام  يحقق  معنى الإيمان  في  وحدانية الإله الخالق والإله المعبود    ،   والذي يؤدي إلى   تجريد  كل الكائنات من صفة الإله الشريك أو المتعدد  ويركز  قيمة الوحدانية  ،  وطبعاً  يسري  هذا الحكم  على كل  الآلهه  الُمدعاة  مهما علت  وسمت وتقدست في ذهن اتباعها والقائلين بها  . 
  يقول ادغار فوهر :  -  إن الماسونية  تواظب  على  الربط  الدائم  بين الإنسان  و عمله   ،  فكل إنسان مسؤولاً  عن تصرفاته ونتائج أفعاله   -  ،  و الماسونية   تعمل  على  دحض الفكرة  الميثيولوجية  و السلبية  المنشأ   والتي تقول   :  -  إنما  المسيح   هو  الذبيحة عن الخطايا أمام الله عندما  (  سفك دمه ومات  )  ليدفع ثمن خطايا كل   المؤمنين  به  -  جاءت    هذه  المقولة   عند  (أفسس 2: 8-9؛ رومية 5: 8؛  ولدى  يوحنا 3: 16)  ،   هذه الفكرة السلبية  نفت  ان يكون الإنسان مسؤولا  امام  الله  عن تصرفاته   ونتائج  أعماله   ،    لكن  لماذا   قالوا بهذا   ؟   ،  لأنهم  قالوا بان  المسيح    قد  تدارك ذلك وأزاله بفعل دمه   والذي كان  بمثابة الثمن الذي دفع عن كل خطايا المؤمنين به  في كل زمان وكل  مكان !!!   ،   هذه المقولة نفتها   الماسونية ودحضتها   وعززت  بدلاً عنها   المقولة  المغايرة  لها  ،   والتي تقول  :  بان  الإنسان  مسؤولاً عن أفعاله ونتائج أعماله    ،  وهذا التوجيه  العقلاني  من الماسونية  يلتقي  مع  المقولة القرآنية التي  تقول   : -  كل نفس بما كسبت رهينة -  أو -  كل أمرء بما كسب رهين -  أو -  وكل إنسان إلزمناه  طائره بيمينه -   ،  وبذلك  ينتفي هذا الإلحاح  التصوري الساذج   في  كون  المسيح  هو  المخلص  من العواقب  لجميع المؤمنين به    . وفي ذلك  يدخل المسيح  عليه السلام  في دائرة الإنسان المسؤول عن أفعاله ونتائج أعماله      ،   شأنه في ذلك شأن  كل البشر  الأخرين وبانه   مخلوق مثلهم   ،   وهو   لا يمثل   إلاَّ  نفسه   ،  وأما  دمه المسفوح  فكان بسبب   فعل متهور   لحاكم موتور   في زمانه    ،  فالماسونية   إذن   تمهد الأرضية   لجعل    ميكانيكية  الخلاص من الخطايا   مرتبطة و مرهونةً  بالعمل الصالح   من الإنسان   ، وفي ذلك  تلتقي  الماسونية   مع القرآن  مرة أخرى   وهي  تحدد هذا الشرط الموضوعي في قبول الأعمال  تحت بند  -  والعمل الصالح يرفعه  - فاطر 10   -  . 
 وفي المتابعة  لما مضى  يمكننا  القول :  - إن  المدرسة الإسلامية   ربما تأثرت   وعلى نحو ما   في شروحاتها للكتاب المجيد   من نفس المتلقيات  والمواقف   التي أثرت   بتفسير  الإنجيل   -  ، كالقول  مثلاً  :  بأن الكتاب المجيد  كله  معجزة    !!   ،  والصحيح   إن هذا القول مزاجي  وعاطفي  ولا يحمل في طياته  الكثير  من  الهدوء    ،  ذلك لأن  الكتاب  المجيد ليس كله   كذلك  ،  وليس كل فصوله  تحسب بنفس الدرجة من هذه الجنبة ،   إنما  فيه  باب واحد  أو فصل واحد  يمكننا وصفه  بذلك وهو -  باب القرآن المجيد أو فصل القرآن  -   ،    طبعاً  هذا لا ينفي   تلك  المقولة التي تصف الكتاب  كله  بانه معصوم ، كذلك ويجب التمييز بين  كونه معصوماً  وبين كونه معجزاً  ،   فالقول بأنه   -  لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه -  فصلت 42   ،   يدل على عصمته   ولا يدل على كونه معجزاً   ،   و المستمسك الذي يؤيد هذه المقولة  هو الإيمان بصحة صدوره   ،  وما يستند فيه   إلى قوله   تعالى  -  وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى -  النجم 3   ،  وسلامة الإستنتاج هذا تكون فيما لو أعتبرنا ذلك مرهوناً فقط بالدلالة والمصدر وصحة الصدور ، ولا يخلو الأمر  هنا  من  توقف معرفي  ذهب  إليه  نفر من الدارسين الجدد   بالتفريق بين الكتاب  و القرآن   ،   والذي  يُراد منه حصر مادة العصمة والإيمان  بموضوعتي  الكيف والأين  ،  وتجريد الإسترسال الذي كان سائداً في المدرسة الإسلامية  ،  والذي يمثل رؤية أصحاب الكنيسة في نظرتهم للكتاب كله على أنه مقدس ومنزه ومعجز   ، وهكذا تقول المروية عن ثيموثاوس الثانية 3 : 16  على إعتبار إن  الكتاب كلمة الله !!  . 
 ولكن هل تتيح صفة  القدسية هذه إلغاء باقي الكتب من أهل الديانات الأخرى  ؟  ،   تجيب الماسونية بالقول :  لا يجب  ذلك ولا يصح إعتماده  فليس  ثمة  إدعاء جماعة بقدسية مالديهم  يمثل نسخا وإلغاءً للغير  ،  ولكن الصحيح  هو إحترام الجميع لكن بشرط  صحة الإيمان ومايؤدي إليه    ،    والقرآن  المجيد تبنى في ذلك  مقولته  عن   – الكلمة السواء -  بعد توثيق ما لدى الأخرين من كتب ومعلومات  . 
من هنا تبدو   رؤية الماسونية  أكثر واقعية وفهماً  لمعنى القدسية المُدعاة عند كل طرف ،  وتبدو أكثر عقلانية حين ترفض التزاحم والتعارض مادام الغرض والهدف المطلوب  واحد   ،  يعتبر القرآن   المسيح  -  كلمة الله  -    ،  والعبارة  كما هي  في لغة العرب  ثنائية الدلالة  والرسم واللفظ     -  فالكلمة  شيء  و الله شيئ أخر  -   ،  و مفهوم الكلمة  :  من المفاهيم  اللسانية  ذات القيمة الرمزية  والقيمة الدلالية  التي تتميز بها     ،  [  فهي   من جهة  المفهوم  تبدو  بديهية  التصور  ،  ولكنها  من جهة  المصداق  تبدو  صعبة   التحديد  ]   ، وقد أولت دائرة  المعارف  البريطانية -  الإنسيكلوبيديا -  أهمية  معينة   في ذلك  معتمدة  على ماقدمته  كتب الأولين  وحتى بعض الدراسات الحديثة   ،  وأما  -  كلمة الله -   ومعناها  في القرآن المجيد    ،  فقد وردت   وصفاً   في هذا الباب  لولادة   المسيح   وكيفية  خلقه  ،   وقد   صار  هذا الوصف   -  كلمة الله  -    معجزة   حينما تدخلت  في سياق المعنى الدلالي لقوله تعالى   - إنما أمره أذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون -  هذا من  جهة    ، ومن جهة ثانية    ربما تكون هذه العبارة قد  إشارة إلى  معنى  البشارة بولادته  ، ويكون  قول  البعض  فيها  دال  على معنى   خلق  الله   ، وبما أن المسيح هو  واحد  من  مخلوقات الله فهو  إذن  كلمة منه   ،  و أما  لفظ   -  الله  -  ودلالته   فهو  لفظ عربي خالص  غير قابل للإسشتقاق  ودال على الإله  المعبود   ،   وقد  دلت على ذلك أشعار العرب وتراجم الأقدمين   ،  ولم أجد فيما أعلم إن لساناً أخر قد أتى بهذا اللفظ ،  وحتى  الجذر الكنعاني  لمعنى الإله  إنما ورد على نحو  -  إيل -  . 
 ورد  في  الإشعار  التالي  عند  كورنثوس  الأولة  10: 14  : -  إن  بولس الرسول  يرفض  مبدأ  تعدد الآلهة ويعتبرها  خطيئة بشعة    -  ،  وكذلك  قال يوحنا : -  إن من يعبدون آلهة متعددة سيهلكون في الجحيم -  رؤيا 21: 8  ، ونفس  الشيء  ورد  في القرآن الكريم في رفضه  لفكرة تعدد  الآلهة  ودعوته  للوحدانية  و التوحيد   ،  وفي هذا السياق  نصت وصايا الماسونية المعروفة   على وجوب أن يؤمن كل الأعضاء بإله ما واحد ، و تدعو الماسونية الناس من مختلف الديانات إلى الإيمان بإله  واحد   ،   ولكن كيف  يتم الإعتراف  والدمج  بين  دعوة بولس  لوحدة الإله ونظرية -  الثالوث  المقدس -  المعمول بها   ؟  ،  والتي وصفها   أنجيل متى  ويوحنا   بان -  المسيح هو الله في صورة إنسان -  1 : 18 إلى 24 ، 1: 1  ،  ويعتبر مرقس  إن  -  يسوع  هو الأقنوم الثاني في  الثالوث المقدس -  1 : 11 إلى 19  ،  إذن  كيف تتم  المزاوجة بين كونه إنساناً كاملاً وإلهاً كاملاً  - يوحنا  20 : 28  -   ؟   ،   كما إن الصلاة المعترف بها  لا  تكون  إلاَّ  بهذا الثالوث ، وإن أغضب ذلك غير المؤمنين  -  أعمال  4 : 18 إلى 20  - . 

 الماسونية  كما القرآن  : لا يؤمنون بكون  المسيح  هو الله  ،  كما لا يؤمنون بكونه أبن الله  ،  وهذا الدمج  بين هذه الأقانيم  الثلاثة - الآب والإبن والروح القدس   -  ،  هو دمج  سياسي وقد برر فلسفياً  أو روحانياً  لطبيعة المسيح  المختلفة في الخلق  ،  وربما مالت الماسونية إلى جوهر تكوين المسيح الذي ورد وصفاً في القرآن بقوله : - إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ..-  آل عمران  59  ،  لذلك عمدت الماسونية إلى جعل المسيح  في نفس درجة القادة الدينين والربانيين   ،  وتؤدي الماسونية دور المصحح لما طرأ على الفكر الإنساني من معنا هلامي  ،  حول قضية  : هل الإنسان مخطئ بطبعه  أم إن الخطأ نتيجة فعله  ؟  ،  فالمروية الإنجيلية  تعتبر  الإنسان يولد مخطأً  - روميه 3: 23  - ، وإن الإنسان ليس لديه القدرة الذاتية على الكمال الأخلاقي  -  يوحنا  1:  8 -10  -  ،  لكن هذا التصور الخطير المفزع  دحضته الماسونية  ، وأعتبرت الإنسان يولد وهو يحمل جينات للخير والشر ،  والغلبة في ذلك تكون من خلال العمل الذي ينشط هذه الجهة على  تلك  ،  ثم إن للعامل البيئي والتربوي وطبيعة فعل الجماعة وما يتبنى من أفكار هي التي ترجح هذه الصفة على تلك ،  وتبقى قضية الكمال الانساني قضية نسبية تحددها شروط العمل ونتائجه وليست هي اشياء محددة سلفاً  ،  وكما القرآن  جعلت الماسونية إن شرط الخلاص والنجاة بالعمل الصالح  ، كذلك في رؤيتها للمسيح على انه نبي من انبياء الله الصالحين ، ولا تخرج الماسونية عن  ما يريده القرآن في مفهومي التورية والكلمة الطيبة والإبتعاد عن  الزوايا الحرجة ، بل تعمم مقولة  ومفهوم – المؤلفة قلوبهم  - ، ويبقى أن نقول إن شعار الماسونية الأزلي هي بهذه العلاقة  الدائمة  بين  المخلوق  والخالق  ،  علاقة تقوم على الوضوح والصراحة والعلم  ، ولهذا تبنت الماسونية أدوات العلم والعمل وجعلت العين شاهداً ودليلاً  .. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في