الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اني قادمة … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 7 / 6
الادب والفن


لأول مرة .. تُطيل داليا الوقوف امام المرآة ، وتتفحص نفسها جيداً .. ترفع رأسها وتدير عنقها يمنةً ويسرة .. تدور حول نفسها مرات ومرات في خفة الفراشة ورقتها .. لو تركتْ شعرها الناعم ينسدل على كتفيها لبدى مظهرها احسن .. أجل هكذا .. تفتحه وتتركه يتدلى بأريحية .. !
ملامحها جميلة ومتناسقة … عدا بعض الاتساع المحبب في فمها .. لكننا لو اخذنا وجهها في جملته بدون تجزئة لبدى مقبولاً بل جميلاً .. وعندما تضحك يبدو شكلها افضل .. تضحك في المرآة .. تعود فتعبِّس ، تضحك مرة أخرى .. لا شك أن الغمازتين سيضيفان الى وجهها نوعاً من السحر والفتنة !
تضئ اساريرها نور ابتسامة ، ويملؤها شعور مريح بالرضا عن نفسها ، وعن جمالها الهادئ الرصين .. ! تلقي على شكلها نظرة الاطمئنان الاخيرة في المرآة وتخرج .. تبدو متفائلة ومعنوياتها عالية .. تملأ صدرها بانفاس الصباح المنعشة .. تستقبلها أمها .. متهللةً فرحة ، والدهشة تعلو وجهها :
— ما هذا الجمال وما هذه الأناقة .. أذاهبة الى حفلة .. ؟!
تتجاهل ملاحظة أمها ولا ترد عليها .. ربما بدافع الخجل رغم احساسها بالنشوة لما اضافته هذه الملاحظة من دعم معنوي .. تعانق والدتها وتقبلها بحرارة وتغادر .. ترفع الام رأسها الى الاعلى ، وكأنها تخاطب السماء ، وتنطلق دعواتها بالهداية لابنتها ، وبأن تعود الى انوثتها التي اهملتها سنوات … !
لقد اختطت داليا لنفسها حياة تختلف عن أقرانها من الفتيات في مثل عمرها .. لقد نحَّت الجمال جانباً ، وجعلته آخر اهتماماتها ، فهي تعتبره ظلٌ زائل سرعان ما يلقيه الزمن في مكب النفايات .. اما العلم والمعرفة فهم الاصل وهم الاساس .. فانطلقت في هذا المشوار ، وانتظمت في المدرسة ، واخذت تجتاز المراحل قفزاً حتى وصلت الى الجامعة ، ثم عبرتها بتفوق ، وعُينت معيدة ، وهي اليوم تستعد للماجستير .. لم ولن تقف طموحاتها عند هذا الحد بل ستكمل مشوارها حتى منتهاه .
لكن الاخطر في داليا آراءها ، فقد عزفت عن الزواج .. بل ناصبته العداء .. لا تكاد امها تذكر له سيرة حتى تهب فيها كأنها قد كفرت .. فهي لا تتفق مع فكرة الحياة التقليدية التي عاشتها جدتها وبعدها امها في ان تقف في طابور طويل ممل مع آلاف المنتظرات لرجل لا يربطها به شيء .. ليسوقها العمر كله .. وتبقى رهناً لموافقته في كل حركة او سكنة في حياتها .. لمجرد انه قيدها بوثيقة يكتبها شيخ على عجل زوجة له واجبها الطاعة والطاعة فقط !
انها قطعاً ترفض ان تكون عبدة لرجل أياً كان ، ووعاءً لشهواته ، ومجرد أمرأة مهيئة للانجاب لا أكثر ، تريد ان تكون حرة نفسها ، ولها كيانها المستقل بعيداً عن سطوة وهوان الرجل .. لا تريد ان تكون الشريك الأضعف أو الاقل قدراً .. كما لا تريد ان تفقد اعتبارها امام هذه السلطة الذكورية المستبدة التي تهيمن على مجتمعاتنا الشرقية !
بهذه الاحاسيس وتلك المشاعر المندفعة ، وبهذا المنطلق العكسي .. اقتلعت داليا نفسها من عالم الأنوثة ، ووضعت نفسها في سجن نسائي بلا جدران ، واحاطتها بسياج منيع من العناد والاصرار والتكبر ، حتى تصحّر فيها كل شيء بدءً من العبوس الدائم على وجهها .. الى طريقة لبسها وتصفيف شعرها الغريبة .. حتى مشيتها لم تعد لها أية صلة بمشية الفتيات .. خالية من ميوعة الانثى وغنجها ، وهي بمشية الرجال أشبه .. ولا ننسى الصرامة العسكرية التي تُثقل محياها حتى بات الطلبة يطلقون عليها تهكماً العريف داليا !
هذا ما كانت تريده داليا ، أما ما يريده القدر فشيء آخر .. نحن بالتأكيد لا نشكِّل حياتنا حسب مشاعرنا وأهوائنا .. ولا يملك الانسان مهما كان مثل هذا الترف ومثل هذا الخيار .. هناك محدِّدات لا تملك مشاعرنا القدرة على تغيير مسارها كما تريد وكما تشتهي !
والمؤكد في الحياة أيضاً أن لا شئ يبقى على حاله ، ومن الخطأ النظر الى الامور على انها دائمة .. بدليل هذا التحول الذي طرأ على داليا من النقيض الى النقيض ، وأحدث فيها هذ الانقلاب المفاجئ في مظهرها وسلوكها وتطلعاتها .. وهل يا ترى لآرائها نصيب في هذ التغيير موازٍ للتغير في مظهرها ؟ لننتظر ونرى .. !
تفيق داليا من هواجسها وهمومها على صوت المحمول وهو يرن .. تتطلع الى الشاشة فتقرء اسمه .. تتردد في فتح الخط .. لكنها تستجيب لا شعورياً وتفتحه قبل ان تلفظ الاشارة آخر انفاسها بلحظات :
— ما الامر .. لقد انتظرتكِ طويلاً حتى تفككت مفاصلي .. لماذا لم تأتي ؟ ألم نتفق على كل شيء .. وخلصنا ؟
— لم أعدك بشيء .. لا تتسرع وتهيم في احلامك الوردية ! ( لا تزال تكابر وهي تتأرجح … بين الممانعة الظاهرة ، والبهجة الخفية )
— حبيبتي .. اذكرك ِ بأني لازلت .. أنا وقلبي والخاتم وأهلي في الانتظار !
— ……
لا تجيب رغم ان كلمة حبيبتي قد أسكرتها حتى الثمالة … !
يغمرها احساس بالرضا الذي تشعر به أية انثى عندما تدرك ان هناك رجلا يحبها ويرغب فيها .. تغلق التلفون ، وتحاول أن تغوص عميقاً داخل نفسها المتمردة .. الى متى تختبئ تحت جلد غير جلدها .. ؟ اليست امرأة .. ؟ الم تخبرها المرآة قبل قليل انها امرأة وجميلة ومرغوبة ايضاً ؟ فلم هذا العناد اذن ؟ ولماذا هذا الامعان في تعذيب النفس كأنها واحدة من النسّاك الهنود ؟ ثم لمَ تُحرِّم على نفسها ما أحله الله !
لمَ تبقى مرعوبة من الرجل ، وتناصبه العداء ، وتتصوره رمزاً للجنس فقط ، وتضعه دائما في صورة المغتصب والقاسي والمتسلط .. الا يمكن ان يكون صديقاً وحبيباً ، وكتفاً حنوناً ، وحضناً دافئاً ، ووسادةً حريرية ناعمة تجد في أحضانه الامن والأمان والسعادة معاً ؟ .. ثم ما هذا الهلع والفزع من الزواج ، وهو حقيقة من حقائق الحياة إن لم يكن اهمها على الاطلاق ، فبه تدوم الحياة وينبت الزرع ويتواصل الكون .. ام تفضلين البقاء على متعة جسدك السرية مدى الحياة .. أي مفاضلةٍ سخيفة هذه ؟! ام تريدين أن تكوني جثة متحركة لا تشارك ولا تساهم في صنع الحياة ؟! أم ليس لكِ في الطيب نصيب ؟ عيبك يا داليا انك تعيشين ، وكأنك مغمضة العينين ، لشد ما اخشى عليك من أفكارك السلبية هذه .. هكذا كانت تناجي نفسها ، وتنصب لها محاكمة ، وهي القاضي فيها والجلاد .. !
واليوم أمامها فرصة يجب ان لا تفوتها ، وعليها ان تضع عامل الزمن في الاعتبار ، فقد شارفت على الثلاثين .. والسنين تتسرب منها كما يتسرب الماء من بين الاصابع .. معتز .. شاب ممتاز وزميل لها .. صارحها بحقيقة مشاعره ، ومستعد ليتقدم لخطبتها ، وهو بانتظار الجواب ، ويبدو انها تميل اليه فعلاً يفضحها تدافع ضربات قلبها حين تراه في انتظارها ، وحين تتلامس يداهما بشكل عفوي ، وتشعر بأن قلبها يوشك ان يقفز من بين اضلعها عندما تراه .. !
لقد غير فيها اشياء كثيرة ، وعندما تجلس معه ، وتحاول مدَّ حديث معه تشعر بمدى الالفة والتقارب والتوافق بينهما في الغالب من الامور .. اليس هذا حباً ؟ وعجباً لهذا الشعور الذي اسمه الحب .. كيف يقرب غريبين الى هذا الحد الذي يتفوق حتى على قربى الدم وعشرة العمر ؟
ثم تغمض عينيها كالمستغرقة في حلم تختلط فيه اللذة بالالم .. ! تشعر برغبة في البكاء ولا تبكي .. ابكي .. ابكي يا داليا ، فالبكاء يغسل الروح ويبرد الاحزان .. !
يجب ان تذهب للقائه لينتهي الموضوع ، وتعود الى حقيقتها انثى بمعنى الكلمة ! وكفى تصيداً للهموم والاحزان والشوارد ، ووداعاً للتزمت والعناد والاصرار ! من الواضح انها تجد صعوبة في تغيير قناعاتها التي رافقتها سنين طويلة بهذه السهولة ، ولكن الانسان كما قيل ، يا داليا .. كائن متغير ، وبقاء الحال من المحال .. انها بلا شك ضحية صراع محتدم بين ارادتين وعليها أن تحسم أمرها قبل فوات الاوان .. تتعب وكأنها باتت تقف على حافة الاختناق ثم تتنهد .. !
— أُف .. ان راسي يكاد ينفجر .. يا ربي .. !
وبيد مرتجفة ، وبعقل نصف غائب تنقر على الرقم المطلوب ، وكأنها قد حسمت أمرها .. تسمع رنين الجرس .. تتوالى معه دقات قلبها .. مطلقةً لذهنها العنان ، وتمضي لحظة كفت خلالها عن التنفس ، أحست بقلبها ينبض في صخب وضجيج ، ثم اتاها الرد خافتاً متكاسلاً :
— الو .. ثم يكمل :
— أخيراً .. يا داليا ، أهكذا هنت عليكِ ؟!
— لا داعي للعتاب .. اني قادمة .. !
يستفيق الصوت وينشط ، وكأنه غير مصدق :
— الحمد لله .. أنا في الانتظار حبيبتي .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا