الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


30 يونيو حياةٌ … والقراءةُ حياة

فاطمة ناعوت

2021 / 7 / 7
حقوق الانسان




بعضُ المحنِ الكابية، تمنحُنا المنحَ الجميلة. لأول مرة منذ عقودٍ طوال يتغيّر موعدُ تدشين "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، ليقفزَ من "يناير" (غُرّةَ العام)، إلى "يونيو" (غُرّة الحياة) في مصر الجديدة. بسبب جائحة فيروس كورونا، تقرر هذا التأجيل لحماية وتأمين الحشود التي تزور معرض الكتاب. وكانت فكرةً في غاية الذكاء اختيار يوم "30 يونيو" تحديدًا للاحتفاء بالكتاب. فليس أجملَ من يوم "ثورة المصريين ضد الطغيان الإخواني" ليغدو يومًا لثورة العقول ضد الجهالة بحيازة كتاب يجلو عن العقل سحابةَ التغييب. ولهذا كان رائعًا اختيار وزيرة الثقافة الفنانةُ الجميلة "إيناس عبد الدايم" عنوان معرض الكتاب هذا العام 2021: “القراءةُ حياة".
دعوني أذكّركم بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2013، حين كان الإخوانُ جاثمين على قلب مصر. كانت القاعاتُ خواءً شاغرًا وتقريبًا "لم يأت أحد”. كتبتُ وقتها في مقالي عن معرض ذاك العام التعس ما يلي: [ها أنا في معرض الكتاب. الفضاءُ الآسرُ الأثير. فأين الناس؟! أين الزحامُ الحاشدُ الذي اعتدنا عليه؟! ولماذا تكسو وجوهَ المصريين تلك السحابةُ الغائمة من الحَزَن؟! هل هم، مثلي، حزانى لأنهم يزورون معرضَ الكتاب دون أمهاتهم، اللواتي غيبهنَّ الموتُ أو الحزن؟ أم تُراهم حزانى مثلي على أمٍّ أكبرَ من كلِّ الأمهات، توشكُ أن تموت؟ أقرأ في عيون الناس أنهم يبحثون عن مصرَ التي يعرفونها، فلا يجدون إلا جسدًا مهزومًا مهزولا يكاد يُسلِم الروح! هل تموت البلدانُ كما تموت الأمهات؟ حتى وإن كانت البلدانُ تموت، فهل تموت أمُّ البلاد وأمُّ الدنيا؟ فليمُتْ كلُّ من يرومُ لها الموتَ، ولتحيا مصر.]
في زمن الأخوان بمصر (يونيو 2012- يونيو 2013)، كانت السماءُ مغبّرةً مكفهرّةً بالصُّفرة في نهارها، سوداءَ حالكةً بلا قمر ولا نجوم في ليلها، والوجوه كابية. كان الهواءُ خانقًا مشبّعًا برذاذ الدسائس والخيانات والأكاذيب، والأطفالُ لا يلعبون. كانت الأشجارُ تأبى أن تورق، والبراعمُ ترفضُ أن تتفتحَ زهورًا، والزهورُ.... لا ترقصُ على أغصانها. اختفتْ من لوحة مصر مشاهِدُ فاتناتٌ ظلت على مدى التاريخ تحيّرُ الشعراءَ كيف يصورونها في قصائدهم، وكان الرسامون يعيشون أعمارَهم بحثًا عن ريشة ترسمها. مشهدُ: "يدٌ في يدٍ في لحظة حبٍّ"، "يدٌ تمتدُّ لتصافحَ يدًا"، "يدٌّ تحمل وردةً ليدٍ تنتظر الوردةَ”. وأنّى يكون الحبُّ؛ والأحبةُ حزانى والعشاقُ منهزمون؟! كانت الصبايا كسيراتٍ، والشبابُ فاقدَ الرجاء في الغد. وكان العجائزُ يشكرون الله أن أيامَهم القادمةَ أقلُّ عددًا من تلك التي مضت. وأن ما سيشهدون من حكم الإخوان، أقلُّ مما سيشهد سواهم من الكهولُ والرجالُ والفتيان والأطفال. العجائزُ محظوظون لأنهم أوشكوا على الرحيل عن الدنيا، وعن مصر حبيبتهم. ولن يتبقى لهم إلا أن يُلوّحوا لتلك الحبيبة الحزينة تلويحةَ الوداع وهم يدعون اللهَ أن يزيحَ عنها هذا البلاء العظيم، بلاء الإخوان الخونة.
ثم جاء معرض الكتاب في 2015 وكتبتُ مقالا عنوانه: “الجمهورُ هو البطل". قلتُ فيه: [فماذا عن حال معرض الكتاب هذا العام 2015 في مصر؟! إن حكيتُ لك عزيزي القارئ، فسيظلُّ الكلامُ كلامًا، لا تقوم له قائمةٌ إلا بالمشاهدة البصرية والرؤية رأي العين. لابد أن تذهب بنفسك إلى أرض المعارض بشارع صلاح سالم، لكي ترى مشهدًا لم نعهده إلا في مباريات كرة القدم. طوابيرُ عملاقةٌ على جميع شبابيك التذاكر. هديرٌ بشريٌّ يتسابق على دخول حصن الثقافة السنوي وعُرس مصر التنويري الذي يحتفل بعيده السادس والأربعين ذلك العام. ورغم الدواعي الأمنية المشددة على بوابات الدخول بسبب الإرهاب الإخواني المجرم، لم يضجر الزوارُ ولم يتمردوا على عمليات التفتيش الدقيقة لكل حقيبة وكل جيب. بل رحّب روادُّ المعرض بالتشديدات الأمنية التي لم يعتادوها في كل الأعوام السابقة، وهدرت إلى حرم المعرض حشودٌ بشريةٌ غير مسبوقة في السنوات العشر الماضية على الأقل.]
كان ذاك العُرس المدهش، ردًّا عمليًّا حاسمًا من شعب مصر، يقولُ لسانُ حاله: "مصرُ متمسكةٌ بالثقافة، في وجه أعداء الثقافة. الشباب يحملون حقائبَ ملأى بالكتب. وداخل كل قاعة ندواتٌ حاشدة بالجماهير. وفوق كل وجه ابتسامةٌ طافرةٌ تكادُ تقول: مصرُ عادت شمسُكِ الذهبُ. 30 يونيو حياةٌ 2013، والقراءةُ حياة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحمي الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور محمد أبو سلمية: هناك تعذيب شبه يومي في السجون الإسرا


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج




.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا


.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال




.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام