الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هو عمى الألوان أم العقول؟

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2021 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


حقاً إن أمر بعض البشر غريب حيث تجدهم لسنوات وهم يدافعون بشراسة عن قضية ما، ثم فجأةً ينقلبون للنقيض تماماً ليعملوا ضدها بنفس تلك الشراسة وهذه الظاهرة أكثر ما وجدناه هو في الجانب العقائدي الأيديولوجي وبالأخص في الفكر السياسي والديني حيث تجد أحدهم مؤمناً بطريقة عقائدية راديكالية ومكفراً كل الأديان وحتى المذاهب الأخرى وفجأةً ينقلب لشخص “عقلاني مدني” أو ملحد، يكفر بكل الأديان والمذاهب.. وكذلك في السياسة، فإنك تجد بأن أحدنا يدافع وبطريقة عمياء لعقود من الزمن عن حزب أو دين أو أي فكر أيديولوجي ومن ثم الانقلاب على ذاك الماضي والبدء بالهجوم عليه ومرة أخرى بطريقة عمياء، وتفسير هذه الظاهرة ربما تحتاج دراسات معمقة، لكن إن دّلت على شيء فهي تدل على أن صاحبها فاقد للموضوعية والقراءة العقلانية، كون في الحالتين يكون منقاداً بطريقة مؤدلجة وكجزء من “ثقافة القطيع” -مرة مؤيداً والآن حاقداً- وذلك بالرغم من محاولاتهم الدؤوبة في وصف الآخرين؛ بأنهم “لقاليق” و”جزء من الحشد القطيعي” أو “أبواق” وهو دفاع عن سلوكياتهم أكثر ما تكون هجوماً على الآخر أو ما يمكن أن نسميه نوع من الحماية الذاتية لأنفسنا وذلك على مبدأ المثل الشعبي؛ “أتغدى فيه قبل ما يتعشى فيني”.


وهكذا فإننا نلجأ لوصف الآخر بما نحن عليه وما في أنفسنا، كون لا يعقل لأي كائن بشري عاقل “سوي” أن يكون مؤيداً ومناصراً لأيديولوجيا أو تيار فكري سياسي ما لعدد من العقود والسنوات، عقدين أو ثلاث، ومن دون أن يجد فيه أي من الأخطاء والنواقص، بل ويكون خلال كل تلك الفترة مدافعاً شرساً عنه، ثم وإذا به وبعد كل تلك السنوات والدفاع الأعمى، ينقلب بمائة وثمانون درجة ضد ذاك التيار أو الحزب ويصبح من أشد المناوئين الشرسين الذين لا يجدون فيه نقطة أو قضية إيجابية واحدة، فأمثال هؤلاء الأشخاص وكما قلت بالمقدمة؛ هم في الحالتين غير عقلانيين ولا موضوعيين وتسيّرهم الأيديولوجيات الشمولية كجزء من عقلية القطيع المؤيد أو المناوئ، كون لا يقبل العقل أن يقول عن موضوع ما؛ “أي كينونة مادية أو معنوية” الشيء ونقيضه، كأن تقول بأن هذا اللون أبيض، ثم بعد لحظات تأتي وتقول بأنه أسود وفي المرتين تحاول أن تقول؛ بأنك “تملك الحقيقة”، بل وللأسف هناك من كان ينظر إلى لوحته وحزبه خلال كل تلك السنوات بأن يملك لوناً أبيضاً نقياً خالصاً ومن دون أن يشير يوماً لوجود ولو نقطة سوداء واحدة داخل لوحته الحزبية وإذ به فجأةً وبقدرة قادر يريد أن يقول لنا وبعد كل تلك السنوات؛ بأن تلك اللوحة سوداء تماماً ولا وجود حتى لنقطة بيضاء داخلها.. حقاً إنه العماء العقلي.


والخلاصة؛ إن محاولة بعض فاقدي البصيرة والقراءات الموضوعية في أن يتذاكوا كل مرة بأنهم على الحق بحيث يقولوا الشيء ثم نقيضه تماماً؛ كأن يكون أحدهم آبوجياً -أو بارزانياً- للعظم ومدافعاً شرساً عنه لسنوات ودون أن يجد في تياره نقيصة واحدة ينتقدها خلال كل تلك السنوات، ثم وفجأةً يصبح من أشد الأعداء المناوئين لذاك التيار ولا يجد لديه قضية واحدة تستحق الدفاع عنه، فليسمح لنا هؤلاء بأن نقول لهم وبالفم المليان؛ بأنكم في إحدى المرحلتين كنتم كاذبون منافقون -وبالأحرى في المرحلتين- كون ليس من حركة سياسية تخلو من الإيجابيات والسلبيات والمواطن يقدم صوته للبرنامج السياسي الذي يراه يخدم أكثر مصالحه الخاصة والعامة، أما أن يكون هناك حزب سياسي سلبي، شرير، عميل وخائن بالمطلق والآخر إيجابي، خير ووطني بالمطلق، لا والأنكى؛ أن يكون نفس الحزب وطنياً كردستانياً بالمطلق خلال مرحلة ما ثم يكون في مرحلة أخرى -ومن وجهة نظر نفس الشخص- عميلاً خائناً، فليعذرنا صاحبها إن قلنا له: يبدو إنك في الحالتين بوق سياسة بالمطلق.


بالمناسبة هذه ليست إنتهازية أو رمادية في القراءة السياسية أو نوع من النفاق واللعب على الحبلين في قولنا؛ “لا شياطين ولا ملائكة بالمطلق في السياسة”، بل هي محاولة جادة للوقوف على الجوانب والقضايا الإيجابية لدى كل طرف سياسي مع توجيه الانتقاد للأخطاء والسلبيات لدى كليهما وقد مارست نفس المبدأ حتى عندما كنت جزءً من تيار سياسي -البارتي- وعضواً قيادياً في الحزب حيث كتبت عدد من المقالات أنتقدت فيه سياسات الحزب وكذلك منهاجه السياسي، كما كتبت حينها مقالات أخرى أشدت فيه بنقاط وقضايا إيجابية لدى بعض الأحزاب الأخرى ومنهم حزب العمال الكردستاني وذلك بعكس ما يحاول بعض السفهاء تسويقه ضدي من توصيفات ك”صاحب ذو القلمين” أو “اللقلوق”.. والسؤال الآن وبعد ما سبق من توضيح؛ من منا هو “اللقلوق وذو القلمين”، نحن الذين نحاول الدفاع عن ما هو إيجابي لدى كل طرف طردستاني وتوجيه الانتقادات للأخطاء والسلبيات، أم أنتم بدفاعكم -أو هجومكم- الأعمى وكل مرة بطريقة أسوأ من الأخرى مرة عن هذا ومرة عن ذاك الطرف الكردستاني وفي كل مرة تحاولون أن تروا لوناً واحداً لا غير، رغم أن في الحقيقة، فإن أي لوحة تضمن تدرج لوني وليس لوناً واحداً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو