الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ اتحاد

علي قاسم مهدي

2021 / 7 / 9
الادب والفن


قلبا واتحاد
في لحظةِ حب تهشمت ، متناثراً بلورات تلمع ،اختلطت برمال احذية رواد الحانة. لكنني لم اشعر لحد اللحظة بموتي على الرغم من تناثري . المتغير الوحيد انني تشتت دون الم .وتملكني شعور الراحة من حياة مؤلمة كنت اعيشها منذ لحظات، بداية جديدة ،اشبه بعالم روحي ، يوفر قناعة انفعالية لذيذة ، صفاء ، وهدوء ، وسكينة؛ عالم جميل، حررني من قلق الموت. ومن كل الافكار المرتبطة بالاحتضار.
- يا الهي اهذا هو الموت ؟ انه ميلاد في حياة جديدة، لا لم أمت اين نسمة الاحتضار التي ترفرف حول المحتضر. الاحتضار الوجع المبرح العنيف، اين خوفي من الموت ،الموت الفعل المنتهي الذي لا رجعة فيه ، لا اعرف ماذا حل بي ،الموت ابعد من الخيال والتصور ،ليس في مقدوري ان اصف تخيلي او تصوري فعلا ، ما الذي يمكن ان يكون عليه عدم الوجود التام . او ان يحدث انعدام الشعور الى الأبد، شيء لا يتكرر حدوثه إلا عند الموت ، مستحيل ادراكه او تصوره ، وكل ما قيل عنه مجرد تخيلات لا صحة لها ،هل انا في الموت ،هل لازلت في طور الاحتضار...
انا الان في مواجهة اكبر سر ، سأبوح بكل شيء. لأنني اشعر بوجودي بصورة مغايرة عما عشت سابقا . الموت حادث غريب ،عنيف ،من نوع فريد ،لا يناظره حدث من احداث الحياة لأنه خارج عنها .
منذ زمن بعيد جدا تكونت في رحم الأرض صنعتني مادتي الاولى من الرمال ، نعم من الرمال ،لهذا موتي لا يشبه موتكم ،عدت الى أصلي،الرمال. اراها تتحد مع بلوراتي الصغار تحتضن حباتي بحنو يشبه حنو أم.. اشعر بدفئها وحنانها .تحفز بي نوم عميق ، وان اختبئ بين جنباتها. في بداية وصولي هذا المكان، سمعت ضحكة رفعني صاحبها بيده ، نظر إليّ ، استحسن قوامي ولوني، وقال هذا شكلي المفضل ، نعومة يده وترافتها دليلا على غناه ،انزلني برفق على طاولة طويلة من خشب الزان ،تتوسط قاعة انتظمت كراسيها الخشبية بإتقان يوحي بخبرة اصحابها في عملهم . خرج صاحبي. وبقيت وحيدا ساكنا ، والليل يخيم على المكان ،إلا من ضوء خافت يبثه مصباح يتدلى وسط القاعة . متأملا حالي ، ترى من اي الاماكن جئت ولماذا شعرت بوجودي الان ،قبل قليل لم اكن ، وهكذا الى ان سرقني النعاس ونمت بعمق .
صحوت على ضحكات عمال المكان ،فركت عيوني وأنا بيد احدهم ، كأنهم يستعدون لحفل كبير ، بدا عليهم النشاط والمرح ،سكب على راسي ماء الصنبور غسلني مزيلا غبار ليلتي ، صحت به الماء حار لكنه لم يسمع كلماتي ، مسح عني بقايا الماء وحملني من جديد ، وضعني على رف مرتفعا قليلا تتوزع من حولي بشكل منتظم اقداح وزجاجات خمر، اقلقني الانتظار وانشغال الكل لساعات طويلة عني ، لكن ما ان حل المساء ،بدا صوت الموسيقى يعلو، وتوافد المدعون ببدلاتهم الانيق وعطورهم الفاخرة ،كان مساء باردا لان معظم السيدات الداخلات كن يرتدين المعاطف الثقيلة، ما ان يدخلن مشبكات ايادهن بأيادي رجالهن يخلعن المعاطف كاشفات عن اكتاف ناصعات البياض وصدور مكتنزات بالدلال. تضفي اضواء القناديل الزجاجية الملونة ، نوع من الالفة على الجميع. وأنا انظر نحو الباب لأشبع فضولي باكتشاف الصدر الاروع من الصدور والكتف الانصع من الاكتاف ، دخلت امرأة وحيدة ترتدي كنزة وبنطال من الجنز ، مظهرها يوحي انها ليست من المدعوين، تقدمت ببطء تتلفت حولها، تلاقت عينيّ بعينيها، حاولت ان اشير اليها بنظرة توسل، فهمت نظرتي وبدأت لغة العيون بيننا. اقتربت اكثر ،احسست بامتلاك اخر للحياة وصورة مغايرة لما انا عليه ، كأننا نطل على بحر من السكون والمكان تحول الى شرفة ممتدة في عمق الكون تتلألأ بأنوارها المدهشة . بدأتُ اسمع وجيب قلبها تنبعث منه اناشيد تردد عذابها وآهاتها ووحدتها، احسست بحجم الالم داخلها . ما ان استقرت على احدى الكراسي المنتظمة، وضعت يدها على الطاولة شبه المستديرة، الفاصلة بينها وبين الساقي، الذي بدا منشغلا يسمح بقايا الخمرة المتناثرة على الطاولة. وأشارت اليّ برفق، وضعني العامل امامها وسكب فيّ الخمر، تناولت ما بي، صحوت مع شربها لم تمضي بى الخمرة ،شعرت بنشوة تلامس شفتي ،سكرت من طعم شفتها الباردة..اي حكمة جعلت مني هكذا. شفاه لينة تلامسني اي قدر يتحكم بي . انا المجرد من الروح . ما هذا الاحساس الذي يتملكني، وأنا بلا حواس . حواسي مجرد شعور . وكيف يتم شعوري للمدرك وانا بلا حواس امر عجيب فعلا . لا يوجد منطق . سوى انها مجرد ردة فعل لحالة عاطفية، لا يُعرف او يُفهم جوهرها. جاءت من السماء اكيد تحمل لحظة حب صادقة . بثت داخلي روح من الوجود مبهمة عن التصور والمنطق . لكنها جاءت، ومضة تجلي أبدي تؤكد للعالم بان ((الله لطيف يعطيك ما ان سألت ويزيل عنك ما عانيت، ويمحو ما تخشاه من غدك، ويهبك بلا مقابل)) . سكرت معها وذابت لحظتي الوجودية بلحظتها الروحية. تماهى كل شيء. حقيقية مدهشة، جانبها مضيء يعكس روعة العالم، معانيها تدفقت نحو ما لا ينكشف من الإسرار، فيراها ويستلذ بها من عاشها، يشتري عودتها بكل ما ملك، صفاء وطاقة يستشف العالم منها سموه، التي لا يعادل لذتها شيء في الحياة...هنا علي ان أمضي، مصغيا لنغمها، لان ثمة مكان شاسعا ينتظرني يؤذن للحب، تدفعني نحوه.. ملاني الساقي من جديد، رشفت مني قليلا، احسست بخفوت روحها وضعف نبضها، ما ان تلامست شفتينا، غرقتُ من جديد بعسل رضابها، واضطربت مساماتي متباعدة فيما بينها، كأنها مستعدة للتحرر من ضيق افقي ، احسست ببرودة يدها ،حاولت ان امنحها من دفئي شيء بسيط، عبثنا حاولت لعدم امتلاكي ما يكفيها ، حاولت ان افتح جفنيها برفع يدها عني ، اغمضت عينيها بفتور تام وانهارت على الارض بقوة، سقطنا معا ارتطم رأسها برخام الحانة وأنا من شد السقوط ارتفعت الى الاعلى متناثرا على وجهها حبات من بلور ناعم رسمت على شفتيها لحنا من حزن . وعلى جبينها زهرة من نرجس، وتطايرت بلوراتي الاخرى تتلامس مع حبات الرمل بمودَّة ،امتزجة باعجوبة لصنع قلبا للحب، يمتد نحو الافق . عندها ادرك بأنني بت في مكاني الصحيح، وأثمرت نهايتي بجدوى الاتحاد بجسد لازال ينبض بالحياة ...

انتهت
بغداد 8/7/2021
() بين القوسين تناص لحكمة رائعة للسيدة فاتن الزاملي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته