الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والحرب بالقرن الأفريقي

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


خرج علينا رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد منذ أسابيع بتصريح مثير وهو عن نوايا أثيوبيا ببناء 100 سد على النيل الأزرق في تحدٍ واضح للسودان ومصر، فالمنطق يقول أن السد الأول خلق مشكلة كبرى قد تؤدي لحرب مدمرة لكنه بهذا التصريح قفز على الواقع الفعلي لصالح أوهام قومية لا يمكن تحقيقها ، بل تدخل في عداد الحشد والتجييش للأثيوبيين ليس أكثر، واستفزازا لخصومه في القاهرة والخرطوم بشكل ثانوي قد يدفعهم للخطأ في لحظات غضب..

ما لم يدرسه الأثيوبيون وربما السودانيين والمصريين أن الولايات المتحدة عينت مبعوثا "مشبوها" ذو تاريخ مثير للجدل (مبعوثا أمريكيا للقرن الأفريقي) هو "جيفري فيلتمان" صاحب الدور البارز في إشعال الحرب على لبنان عام 2006 واغتيال الحريري قبلها بعام وما تسمى بثورة الأرز ضد السوريين في لبنان، حيث كان سفيرا أمريكيا في بيروت كان له الدور البارز والمؤثر في تشجيع طوائف لبنان وأحزابها على الاعتراك، وقبلها في انتفاضة الأقصى عام 2001 كان نائبا في القنصلية الأمريكية بالقدس، وفي ثورات الربيع العربي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية وقتها "هيلاري كلينتون" لشئون الشرق الأدنى ،وهو المنصب الذي ساعده في إشعال الحرب على سوريا والعراق ودعم الجماعات المسلحة باعتراف هيلاري لاحقا في جلسة تحقيق بالكونجرس، وداعما رئيسيا لجماعة الإخوان المسلمين والحركات الأصولية الإسلامية في عهد أوباما..

تاريخ فليتمان يقول أن وجوده متعلق دائما بإشعال الحروب والنزعات، ومن ثم يكون قرار تعيينه مبعوثا أمريكيا للقرن الأفريقي يعبر عن نوايا أمريكية في إشعال منطقة القرن الأفريقي عسكريا، ولن يكون ذلك سوى بثلاثة أمور:

أولا: إشعال حرب قبائلية بين الأثيوبيين بدأت مقدماتها في تيجراي المدعومة أمريكيا والتي نجحت قواتها في السيطرة على الإقليم مؤخرا بمساعدة أمريكية وتهديدات مبطنة لحكومة أبي أحمد بدعوى حقوق الإنسان في تيجراي.

ثانيا: إشعال صراع عسكري بين السودان وأثيوبيا على أحقية كل منهم بإقليم "بني شنقول" المتنازع عليه بين الدولتين، والتي أفضت ملكيته لأثيوبيا بموجب اتفاق عام 1902، وقد رأينا مقدمات ذلك الصراع بمواجهات حدودية عسكرية منذ أشهر بين الشعبين.

ثالثا: دفع قضية سد النهضة للنزاع العسكري وعدم التدخل نهائيا لصالح التصعيد المتوقع والذي قد يؤدي لحرب مصرية على أثيوبيا، ومن ثم إشعال منطقة القرن كلها بتشجيع أقاليم أثيوبية أخرى على الانفصال تحت ظلال ضعف الجيش وتورطه في صراع خاص مع مصر

والنقطة الأخيرة قد تكون هدفا أمريكيا لإضعاف الجيش المصري أيضا لفتح الطريق أمام التنظيمات والحركات الأصولية لتهديد مصر وزعزعة الاستقرار فيها الذي تحقق بفضل الجيش المصري آخر 5 أعوام، فعلى ما يبدو من وظيفة فيلتمان وتاريخه أن مصر مستهدفة أيضا لكن هذه المرة من الجنوب لا الشمال كما عمل الأمريكيون على ذلك من سوريا ونقل الإرهابيين إلى سيناء وتأمين قياداتهم للوصول، وليس معنى ذلك أن القيادة المصرية غير واعية بتلك التحركات ، فلربما بلغت مسامعها هذه الخطط فاختارت الحل الدبلوماسي مع أثيوبيا طوال 6 سنوات ماضية كان الجيش فيها يخوض صراعا عنيفا ضد إرهابيين سيناء، والآن بعد استقرار الوضع السيناوي بشكل كبير صارت الفرصة مهيئة لردع أثيوبيا لكن ليس كما يريد الأمريكيون، وعلى الأرجح أن القيادة المصرية تملك خططا بديلة واستراتيجية تحفظ مياة النيل دون تهديد الدولة.

نعود لتصريح أبي أحمد غير المدروس فهو موضوع ضمن خطة إشعال وإذكاء للصراع في القرن الأفريقي، وربما شخصية أبي أحمد لها قبول في الإدارة الأمريكية بوصفها خير من ينفذ تلك الأهداف، حيث يملك أبي أحمد شخصية عنيدة جدا وغير دبلوماسية، ولسان خطابي جيد وشعارات أذكت روحا قومية عند الأثيوبيين، ومن ثم صارت قضية سد النهضة لديه مفتاح البقاء في السلطة والسيطرة على كل أثيوبيا ..بل وربما إلغاء النظام الفيدرالي الجمهوري والعودة للملكية والإمبراطورية السائدة في عهد النجاشي وورثها الإمبراطور الأسبق "هيلا سيلاسي" وعلى ما يبدو أن طموحات أبي أحمد تهدف لتحقيق تلك الإمبراطورية التي لن تتحقق سوى بإلغاء الفيدرالية الأثيوبية التي تأسست على نظام قبلي صرف، وبالتالي فالدولة الأثيوبية الجديدة يتعين عليها محاربة القبائل والأقاليم التي تريد الانفصال أو المدافعة عن النظام الفيدرالي.

نقطة ضعف أثيوبيا في أي مفاوضات أنها أعلنت تنكرها لاتفاقيات (1902 – 1929 – 1959) وهي التي تأسس بناء عليها نظام حوض النيل وتوزيع حصصه المائية، وفي كل هذه التواريخ كانت أثيوبيا دولة مستقلة وقعت عليها دون ضغوط، أي أن أثيوبيا تتنكر للتاريخ في الحقيقة وتريد استبداله بدعاوى حاجتها للتنمية ومؤامرات الاستعمار، فهي تريد بناء السد بشروطها كاملة ومصالحها كاملة دون النظر لشروط ومصالح دول المصب، بل سياسيا جرى تصنيف السلوك الأثيوبي على أنه خرق للسيادة المصرية السودانية والمساومة على أمن هذه الدول القومي، وتلك النقطة بالذات تمثل عند مصر والسودان أحد الحجج القوية المانعة لبناء السد أو بالأحرى انفراد أثيوبيا ببنائه وإدارته، فسوف يصبح ذلك السد ورقة سياسية خطيرة تجعل أثيوبيا ملكة على نهر النيل ، بينما السودان ومصر (خَدَم وتوابع)..!

نعود إلى فيلتمان ونسأل سؤالا مهما وهو : ما المصلحة الأمريكية في إشعال الحروب بالقرن الأفريقي؟ والجواب على وجهين:

الأول: تشغيل مصانع السلاح الأمريكية وملايين الوظائف التابعة لها بعد هدوء الأوضاع في الشرق الأوسط، فالإدارة الديمقراطية للرئيس بايدن لا يبدو أنها تنوي خفض ميزانية السلاح والدفاع البالغة سنويا فوق 700 مليار دولار..

الثاني: التصدي للنفوذ الصيني وتحجيمه، فأثيوبيا والسودان ومصر من أكبر شركاء الصين في أفريقيا ، وتمثل منطقة القرن الأفريقي بوابة هامة للصينيين في اختراق القارة ، فضلا عن مرور التجارة بين أوروبا والصين من منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي صار التحكم في هذه المنطقة يتطلب إضعاف كل القوى فيه والذي يتوقع أن تتورط فيه أريتريا والصومال أيضا.

نفوذ الصين في أفريقيا صار هدفا أمريكيا يتطلب مقاومته شتى الطرق، علما بأن الصين تشتري وتستغل سنويا موانئ ومناجم للذهب والنحاس والزنك وغيرها في القرن الأفريقي، إضافة لاستثمارات النفط بالسودان منذ عهد عمر البشير، فمعنى إشعال الحروب بتلك المنطقة يعني تحويل الثروة الصينية في أفريقيا إلى خسائر وربما أزمات إذا تبين ضعف الصينيين عن التحكم والسيطرة سياسيا، ومن يستغرب هذه الطريقة الأمريكية في مقاومة النفوذ الصيني بأفريقيا فلن نذهب بعيدا ونذكرهم فقط كيف تصدى الأمريكيون للنفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لقد أشعلوا حروبا مجنونة وبخلفيات مذهبية دينية للقضاء على ذلك النفوذ وقد نجحوا، فما المانع من تكراره مع الصين..خصوصا أن الصينيين بمقياس القوة لا يملكون الأيدلوجيا الكافية والعابرة للحدود التي تقنع شعوب أفريقيا والعرب، لكنها تملك فقط الاقتصاد وهذه الجزئية لصالح السوفييت حصرا الذين دعموا أفريقيا والعرب اقتصاديا وأيدلوجيا أيضا.

فضلا على طموح الصين العسكري الذي نجح في إنشاء أول قاعدة عسكرية صينية في جيبوتي عام 2017، فيكون إذكاء الصراع بالقرن الأفريقي يمثل مصلحة أمريكية عظمى وضربة استباقية ضد النفوذ الصيني كان مخططا له منذ زمن طويل ، لكن جرى الحديث بشأنه في عصر ترامب وجاء بايدن لتنفيذه، ومن يقرأ تصريحات مصر بين السطور فالأرجح أنها تعلم بهذه النوايا وتحذر من إشعال الحروب بالقرن الأفريقي مقدما ، من ناحية استبراء الذمة ومن ناحية أخرى دفع أبي أحمد للتنازل وعدم العناد الذي سيؤدي في آخر المطاف حتما للصراع، فإذا كان فيلتمان هو العقل الأمريكي المدبر لهذا المصير فأبي أحمد سيكون الاداة التي ستنفجر بها منطقة القرن الأفريقي بأسرها ،إلا لو جدّ جديد أو نجحت الصين في احتواء الموقف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة