الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بطرس … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 7 / 10
الادب والفن


بطرس هذا .. ليس ملكاً ولا قيصراً ولا رسولاً من الرُسُل .. لا يتعدى أن يكون نجاراً بسيطاً في حيّنا الصغير .. دكانه متوسط الحجم .. بالكاد يستطيع التحرك فيه عندما يُطلب منه نحتَ غرفة نوم .. أو ( طخم قنفات ) أو غيرهما .. وفي داخل الدكان توجد غرفة صغيرة بسرير واحد لراحته وقيلولته ، وربما لأشياء أخرى .. وأسمه يكشف ، ويؤكد هويته ، ولا داعي لإشهارها .. شاب وسيم في الثلاثينات من العمر .. لم يسبق له الزواج رغم أحواله المادية الجيدة .. لكنه يستمتع بحياته ، ويعيشها لحظة بلحظة ، ولا يبخل عليها في شيء !
كان يزغلل بشبابه ووسامته عيون النساء .. ليس في الحي وحده بل حتى من خارجه .. تأتيه انواع مختلفة من السيدات والآنسات بأغراء من شهرته التي ضربت الآفاق ، كونه نجاراً ماهراً ومبتكراً ذكياً ، ولوسامته أيضا ان كان فيهن من ترمي الى أشياء خاصة ، ورغم زحام العمل ، ورتابة الأيام الا ان حياته لا تخلوا من مغامرة عابرة هنا أو هناك .
حتى جاء ذلك اليوم الذي قلب حياته عاليها سافلها .. عندما أقبلت عليه إمرأة متوسطة العمر لا يخلو وجهها من حُسن .. عززته ببعضٍ من لمسات التجميل الخفيفة .. لقد كان لها كما يبدو نصيباً كبيراً من الجمال في عز شبابها .. ذهبت السنين بجزء يسير منه ، ومازال الباقي صامداً !
يبتلع بطرس ريقه الجاف مأخوذاً بما يرى ، وقد بدا الارتباك واضحاً على محياه وحركاته .. يحتويه احساس غريب بأن شيئاً ما سيحدث بينه وبين هذه المرأة ، وبأنها قد دخلت قلبه منذ اللحظة الأولى .. يُسرع على الفور الى أقرب كرسي .. يسحبه ويقدمه لها ، وهو يمط بابتسامة الترحاب على آخرها .. مردداً ما يحفظ من كلمات المجاملة .
تجلس وابتسامة خجلى تحتل وجهها ، وبعد حوار لا يطول كثيراً ، يكتشف بخبرته غرضها الاصلي ، وما طلبها له بالقدوم الى بيتها لإصلاح بعض الأثاث الا تمثيلية بات يعرفها جيداً وملَّ من تكرارها .. القصد منها التمويه على ذلك الغرض !
يرفض الذهاب الى بيتها .. لأنه لا يريد المخاطرة في دخول البيوت في هكذا مجتمع قبلي محافظ ، وحتى لا يفقدها ولا تضيع هذه الفرصة النادرة التي جاءته الى عقر داره ، وأقرب ما تكون الى متناول يده .. يتفق معها على ان تنقل ما تريد اصلاحه الى المحل .
يتحول اثاثها الى مسمار جحى ، تتفقده كل يوم تقريبا .. حتى كان يوماً .. يمد بطرس يده ، ويجذبها الى الداخل - ويا ليته ما فعل - ليقينه بأن الطبخة قد نضجت وآن أوان التهامها .. تسايره بسهولة ، وكأنها كانت تتوقع منه ذلك .. يغلق الباب بسرعة ، ويصبحون لوحدهم في ذلك الحيز الضيق من غرفة الاستراحة ، تحملق فيه بعينين واسعتين من الدهشة المصطنعة ، لكنها سرعان ما تُطرق برأسها كأنها عروس في خدرها ، وتتركه يتحسس جسدها كما يشاء ، فتتسلل اصابعه الى اماكن تعرفها ، وكأنها تمهد الى باقي الجسد ، ثم تُنكس رأسها ، وهي تلهث من شدة الانفعال والرغبة وتقول :
— لا استطيع ان ابقى الا دقائق معدودة ، فخذ ما تريد .. وافعل بجسدي ما تشاء !
لكن الدقائق المعدودة امتدت الى أكثر من ساعة .. أنستهم مرور الزمن وحساباته .. جال فيها بطرس في عوالم مدهشة من جسد لم يرى مثل جماله ومرونته واستجابته !
بعد أن ينتهي كل شيء ، وتغادر زبيدة .. تطفح من عينيه سعادة غامرة ، وتحتل وجهه ابتسامة واسعة ظلت تتموج في وجهه لفترة ، ثم يستلقي على الفراش منهكاً ، ويغرق في سباتٍ عميق !
يتواصل الطقس الحيواني بين الإثنين دون توقف … !
وبمرور الأيام .. تشعر زبيدة بغثيان شديد في الصباح ، وثقل في صدرها ، ولم تعد تطيق العديد من الاطعمة .. تتوقف العادة الشهرية بعد ان كانت منتظمة .. انها تعرف ما بها ، فهي لم تعد فتاة غِرةً غشيمة !
تأتي مسرعة الى بطرس ، وتلقي بحملها الذي حرمها النوم ليالٍ ، وتعلنها في وجهه بدون أي مقدمات بأنها حامل .. تصدمه الكلمة التي صفعته بها ، ويبقى صامتاً ، وفمه مغلقاً لا ينطق بحرف .. مستلاً من صدره تنهيدة عميقة ، ويرتمى على أقرب مقعد .. منهاراً ، ثم يخرج منديلا من جيبه ، ويمرره على وجهه الشاحب المصفَّر .. ليمسح به العرق الذي بدء يقطر على جبينه ، ويتسلل الى باقي وجهه ورقبته !
— سوف تكبر بطني ، وتصير فضيحة ما بعدها فضيحة !
تحني رأسها على صدرها ، وتنخرط في بكاء صامت ، تحملها شهقة وتضعها شهقة ، وهي تدب على صدرها ورأسها .. ثم تسحب منديلها وتضمد به دموعها .
يدرك بطرس مدى الورطة التي أوقع نفسه فيها في لحظة ضعف انسانية سيدفع ثمنها الاثنان غالياً .. !
— خلاص الفاس وقع في الراس ، ونحن الآن في مصيبة الحمل .. ساعدني لنجد حلاً قبل أن تكبر بطني .. انا مازلت في الاشهر الاولى ، ولا أحد منا يريد الطفل .. ولا يمكننا الزواج والأسباب تعرفها كما أعرفها … !
— وماذا بيدي أستطيع فعله ؟
— لا أدري … تحمّل حصتك من المسؤولية .. !
وهمَّ أن ينطق ، وكادت الكلمة أن تغادر فمه .. ليقول لها بأنه لم يضربها على يدها ، ولكنه لحق نفسه ، وابتلع الكلمة ، وابتلع معها ريقه الناشف ، لأن الموقف والظرف لا يسمحان بهكذا مهاترات .
يتأملها في حيرة ، ثم يقدم لها اقتراحاً يائساً فيقول :
— لابد ان تكون هنا عجوزاً يمكن ان تساعدك على تفريغ حملك … !
تجيب مولولةً :
— ستفضحني بالتأكيد .. أُستر يا رب .. !
— طيب .. لم لا نترك هذا الحي اللعين ، ونرحل لنتزوج في مكان آخر ؟
— ولمن اترك ما ضحيت بشبابي من أجله .. ؟ ثم هل أنت مستعد لأن تترك دينك ، وتعتنق ديناً آخر من اجل أرملة لا تعرف عنها شيئاً ؟
يصمت .. وكأنه قد تفاجأ بسؤالها ، فيجيب مستنكراً :
— يا له من شرط غريب .. ! ألا يشبع دينكم هذا ، أم هو مثل المنشار صاعد ياكل نازل ياكل .. ؟ إن أراد أحد من غير ملتكم أن يتزوج منكم .. عليه أن يترك دينه ويلتحق بدينكم .. لماذا لا يحتفظ كل واحد بدينه ، وهذا دين ، وذاك دين ؟
— لم آتي بشيء من عندي .. هذا هو ديننا ، وهذه هي تعاليمه ، وأنت حر .. !
في الأيام الماضية .. سأل ، وتقصى عنها فعرف انها أرملة تاجر كبير في السن .. توفي .. فورثت ثروته ، والبيت الكبير الذي تعيش فيه وأثاثه .. لكن هواجس قد بدأت تراود أشقاءه بأنها لا تصون اسم شقيقهم وعائلتهم .
يشعر بطرس بأن جميع الابواب قد أُغلقت في وجهه .. وبدء يدرك ان الامر غير ما كان يتصور ، وان عرف الاشقاء بحملها ، وانه هو من نفخ بطنها .. عندها سيقتلونها ، ويلتهمونه حياً .. أية مصيبة هذه !
وتمضي الايام ثقيلة ثقل الجبال .. تذهب فيها زبيدة وحيدة الى الأطباء في قلب المدينة ، لكنهم رفضوا جميعا إجراء عملية الإجهاض ، رغم ما عرضته عليهم من اغراءات مادية ، فيتعقد الموقف أكثر ، وقانون الطبيعة لا يتوقف عند حد ، والطفل مستمر في النمو ، وبطنها تكبر يوماً بعد يوم ، والحال هو الحال .. !
تدرك أن المهمة الذاهبة اليها تستدعي منها المزيد من الحذر والحرص حتى لا تطير رقاب ، ورغم ذلك فقد بدأت تشك ، ويركبها الوسواس بأن أشقاء زوجها قد بدأوا يراقبونها في كل خطوة من خطواتها .. وفي مرة من المرات كأنها لمحت احدهم يتحدث مع سكرتير الدكتور ، اصيبت بالهلع وكاد قلبها ان ينخلع من مكانه ، ويتهاوى في جوفها .. !
تتوالى الايام ، وتنقطع زبيدة عن المجيء ، ويبقى بطرس يضرب اخماساً بأسداس .. تاركاً افكاره المشحونة بالهواجس ترعى على مهلها في تيه ليس له قرار ، لا يعرف ماذا يفعل .. حتى داهمته أكثر من مرة الرغبة في الهرب .. أو أضعف الايمان أن يُغلق الدكان ويخزن نفسه في البيت بانتظار ان تنجلي هذه الغمامة .. لكنه صمم أخيراً ان يلقي الامر وراء اهتمامه ، ويواصل العمل ، وكأن شيئاً لم يكن حتى لا يلفت له الأنظار ، وليكن ما يكون ..
كان يعيش حالة من الرعب بانتظار الموت في أية لحظة ، والموت أهون من انتظاره .. ولم يقدَّر له ان يعرف الا فيما تلا ذلك من أيام .. قضاها وكأنه قابع في قعر جهنم .. بأن الاشقاء قد عرفوا بحمل زبيدة من احدى القابلات التي اتفقت معها زبيدة على اسقاط طفل الزنا ، فقتلوها غسلاً للعار .. !
ويمر الوقت بطيئاً مملاً ، ومؤلماً ..
يبقي بطرس سادراً في حزن عميق على المرأة الوحيدة التي أحبها ، وكم شعر بالشفقة عليها ، والاسف على نفسه ، وكم بكاها في سره ، ولم يجد في النهاية بُدٌ من الرحيل ، ومغادرة الحي دون رجعة ، بعد أن فقد كل شيء فيه - المرأة التي أحب - ولكن القدر كان أسرع بخطوة فقد انفرد به الأشقاء الثلاثة ، وهو يهم بالخروج ، وكانت فيها نهايته .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا