الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلة حيلة

عماد نصر ذكرى

2021 / 7 / 10
الادب والفن



تطايرت من فمه نافورات من عبارات سباب طائشة هائجة مهرولة فى كل اتجاه ممزقة لسكون الليل الهاجع .
كان مستغرقا فى القراءة على ضوء الاباجورة الخافت الذى يضفى جوا من الشاعرية العذبة على المكان . امتلأ وجدانه بسكينة يفتقدها فى صخب النهار الذى يمقته لدرجة الهلع من بزوغ اول خيوط الفجر .
ضوضاء الباعة الجائلين . صراخ ميكروفونات المساجد. كلاكسات السيارات المتحرشة بعضها ببعض . السباب المتبادل بين السائقين النافرة أعصابهم على سطح جلودهم و عابرى الطرق المترنحين الواجمين كمن تلقى لتوه نبأ مأساويا . تجهم ضباط المرور الذين يرهبون البسطاء و ينحنون لذوى الحيثية و لا سيما الشخصيات السيادية المتنقلة فى مواكب مهيبة . كل هذة المنغصات أورثته قلقا مزمنا يتفاقم بنهر رئيسه له و تشكيكه فى قدراته و خوفه المقيم من الفصل من العمل .
الشتائم المكبوتة فى حلقه صباحا طفت على طرف لسانه ليلا حين شعر بمروق كائن غريب على ساقه . رفع بنطال البيجاما فلم ير شيئا . تغاضى عن الامر و عاود القراءة إلا أنه أقشعر حين لمح صرصارا يمر سريعا بجوار قدمه ليتوارى عن انظاره مختبئا تحت منضدة تتوسط الحجرة . لا يطيق منذ طفولته هذة المخلوقات الصغيرة و لا يعرف حكمة وجودها فى العالم . كان يجزع و هو صغير إذا مر بجواره صرصار أو توقفت ذبابة على وجهه متوهما انه مهما اغتسل سيظل متسخا .
أحضر المكنسة و قبض على طرف عصاها موجها لها تحت المنضدة لتقتفى أثر هذا الملعون لعلها تناله و و تخرج به صريعا . حرك المكنسة فى كل الاتجاهات سدى . شحذ كل قواه و رفع المنضدة و أزاحها من مكانها فلم يجد أثرا لعدوه اللدود . تلفت ليجده يعدو خارج الحجرة فجرى خلفه رافعا سلاحه المتأهب لمعركة لن يقبل فيها إلا بنصر مبين . استقر به الامر فى الحمام لاهثا لاعنا الكائن الذى أفسد عليه ليلته . قبع الصرصارالصغير فى البانيو و اصبح فريسة سهلة إلا انه كلما انهال على رأسه بالمكنسة فلت منه بمهارة و رشاقة و رمقه بنظرة تحدى ساخرة . إبتعد عنه قليلا ليوهمه بأن اليأس قد تمكن منه . و بعد ان هدات حركة الصرصار باغته الرجل بضربة قاصمة اصابت رأسه . شعر بإرتياح جارف فأخيرا سيتمتع بما تبقى له من سويعات قليلة هادئة قبل ميلاد النهارالصارخ كالجنين الملفوظ من الرحم . إلا أن الصرصار مازال يحرك اجنحته رافضا الهزيمة , فهبط عليه الرجل بخبطات متتالية لا تعرف رحمة أو هوادة حتى سكن تماما و تشوهت ملامح جثته المفتتة المتناثرة الاعضاء .
سلم جسده للماء ليزيل أثار العرق و القلق و المعركة حامية الوطيس . مرت أمام عينيه نظرة الصرصار الاخيرة . هل كانت متحدية حقا ام متوسلة له ليتركه لحال سبيله . ألم يكن الارحم ان يكتفى بحصاره و دفعه برفق الى البلاعة لتكتب له حياة جديدة مع اقرانه .
أزاحت المياة تلوث الجسد لكنها لم تحرره من تأنيب الضمير لقتله الوحشى للكائن الضعيف بينما هو خانع خاضع قليل الحيلة امام كائنات عملاقة متسلطة تجوب بلا كلل ارجاء المدينة أناء الليل و اطراف النهار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء