الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا أيها القرد1978(ماركو فيريري):كل شيء ممكن حتى نحكي فيلم

بلال سمير الصدّر

2021 / 7 / 12
الادب والفن


لافييت،شاب يعيش في قبو في مدينة نيويورك-الممثل غيرارد ديبويه-مهندس كهربائي وبالكاد أنا عرفنا انه مهندس كهربائي،يعمل في متحف للشمع يديره شخص غريب الأطوار يدعى فليكس مان مغرم بالذاكرة التاريخية للماضي الروماني القديم(الحضارة الرومانية).
نيويورك-في الفيلم-مدينة فارغة تقريبا تنتشر فيها الجرذان بحيث أصبح عدد الجرذان معادل لعدد الافراد فيها-جرذ لكل فرد-ويلتقي لافييت لاحقا بلويجي الذي يعمل نحات-بالكاد عرفنا بأنه يعمل نحات-وهو شخص في أواخر العمر غريب الأطوار ايضا،دائم الحزن والبكاء من دون سبب واضح،وفوق كل ذلك هناك تمثال كبير لقرد-كينج كونج-أو جثة-نحن نفترض بأنها جثة وليست تمثال-مسجي في منطقة انشائية معزولة...وغير هذه المعطيات بحيث لايوجد شيء في الفيلم يسير بشكل منطقي تقريبا...
فيلم وداعا ايها القرد هو فيلم كبير فوق كل شيء وقبل كل شيء،سوريالي مغرق جدا في التلميح والكناية والرمز،ويستعيد الكثير من افكار ماركو فيري القديمة،الأمر الذي يجعل مه بالمجمل،غارق في تكرار ولا يقول اي شيء جديد،إلا اذا فهمت من خلال التلميح،فالأمر مفتوح على مصراعيه في هذا الفيلم...
إذا،علينا أن نعيد سرد المعطيات أعلاه بطريقة أكثر تفصيلا وتأنيا للوصول الى نتيجة محكية...
إذا،مع جيرارد ديبويه مرة أخرى في دور لافييت الذي يعيش في قبو ويعمل ككهربائي في متحف للشمع يديره فليكس مان في عالم برمته يبدو بأنه عالم خيالي أو افتراضي ينتشر فيه الجيش الأبيض لتطهير المدينة من الفئران التي هي ليست الا رمز للتآكل الحضاري أو الانهيار الحضاري...عالم يتقبل بهدوء تكاثر الجرذان من دون اي ردة فعل فوضوية لابد أن تقابل هذا التآكل الحضاري بالعادة...
البشرية تسير نحو حتفها...هذا أمر طبيعي،مسير فيه العالم وليس مخير على الاطلاق،والميزة الواضحة المثيرة للجدل،بأنه ليس من هناك اي ردة فعل مبالغ فيها في مواجهة هذا الانقراض للجنس البشري.
يلتقي لافييت بصديقه لويجي-مارسيلو ماستروياني-الذي يعمل كنحات-أو شيء من هذا القبيل-في متحف الشمع،وهو شخص في أواخر أواسط العمر،وأول ما يتحدث عنه هو سبارتكوس:
سبارتكوس هو رمز بالنسبة لماركو فيريري للقدرة البشرية على التمرد،أي على التطور،وسبارتكوس هو بطل فيلم ليزا الذي شارك في بطولته كل من كاثرين دينوف وماستروياني نفسه....
وهنا يأتي تعليق فليكس مان على ما يحدث في المدينة،وعلى ىالغالب تعليقاته ذات علاقة بالديباجات الشهيرة(التراجيديا) لروما القديمة:....لتحرير المدينة من السلطة الملكية للقوراض...
لتحرير المدينة من السلطة الملكية للقوراض..الملكية...في ذلك الحين كانت السبب للتضور جوعا بين الشعوب(يوليوس قيصر)...الحضارة تلاشت والفئران بقيت...المستقبل هو للفئران
ماهي هذه الفئران بالضبط:
الفئران هي الظروف التاريخية البشرية التي تحكم على الحضارة بالانهيار،وليس الظروف العارضة مثل انفجار بركان فيزوف،بل مثل الحروب التي قد ترفع أمة وتسقط من شان أمه أخرى،أو الانهيار أو الشطط الأخلاقي.
وهذه الجرذان هي تنخر في عملاق الحضارة-المكان-فهناك ظروف تاريخية طبيعية مهيأة لانهيار حضارة العصر الحديث...
هناك عوالم في الفيلم،هي عوالم افتراضية،خلقت من اجل خدمة الفكرة الهدفية الفلسفية للفيلم التي هي مقصد خلق هذه العوالم.
أنجيلكا صديقة لافييت-بالمناسبة هي ممثلة بورنو معتزلة-تعمل في فرقة للمسرح الايمائي ومسرح الظل مكونة من النساء فقط،وهي تقترح ما يلي من خلال هذا الحوار:(لنكتب الحوار بشكل مفصل):
احدى المشاركين بالفرقة تقول:يجب علينا أن نلتقط موضوع واحد للعمل عليه
(الفيلم ناطق باللغة الانجليزية وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ ماركو فيريري)
تقول غيرها:يجب علينا الحديث عن الاغتصاب...الاغتصاب عصري جدا...فكرة جيدة
هل اغتصبت ذات مرة في حياتك....الجواب القطعي هو لا
هل اغتصبت احداكن ذات مرة...؟
المتحدثة الآن تبدو وكأنها رئيسة الفرقة:كيف سنتحدث عن الاغتصاب وهو لم يحدث ابدا لأي واحدة منكن
أنجيليكا:حسنا،يجب علينا ان نمارس خبرة الاغتصاب بطريقة ما
هل تقصدين بانه يجب أن نغتصب...؟
أو نغتصب أحدهم،ليس من المهم بأي جانب نكون...الشيء المهم هو التجربة
هل تقصدين ان نغتصب أحدهم...بالتأكيد لما لا...!
تعود المقترحة الأولى للحديث:أن لا اعرف ان كان علينا أن نقوم بعمل استعراض يركز على الاغتصاب،النساء يجب ان يلهمو هذا النوع من العنف
لماذا يجب علينا ان نصور النساء دائما مفتقدات للمعونة...؟!
المرأة قادرة على العنف مثل الرجل تماما
هناك محاولة اغتصاب رجل تتم في غاية النعومة ومفتقدة الى اي نوع من العنف..زاغتصاب غير حقيقي مطلقا حتى الرجل يستطيع أن يقيم عنفا أكثر من ذلك في لحظة عصبية عادية...في اي ممارسة عادية،ثم:
هل هذه العوالم المتحررة أخلاقيا هي عوالم طبيعية،ام هي مجرد عوالم لتقديم نظرية؟!
ربما كانت الفكرة اعلاه غاية في الاصالة...ماذا لو انقلب فعل الاغتصاب الموصوم تاريخيا باسم الرجل...؟
لازالت هذه الفكرة تلاحق ماركو فيرير كوصمة...اشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة،فليس من الغريب إذا-وهذا يعتبر رد على الكثير من الأسئلة اعلاه-من ان تكون افلامه مليئة بالعراء المصحوب بالكثير،بل بالكثير جدا من الجنس المضطرب.
إذا كانت بدايات مخرجنا الجيدة ذات علاقة واضحة بفرويد وعالم التحليل النفسي-خاصة فيلم رجل مع بالونات-ولكنه يبدو الآن بانه يحاول أن يخلق نظرية أكثر عمقا وأكثر كثافة من نظريات فرويد نفسه،أكثر تركيزا من شمولية فرويد في التحليل النفسي،أكثر تحيزا للرجل،أكثر تطرفا في الارتباط،اي الكانبالية كحل للاتصال غير القابل للانفصال،واذا اردنا الانسحاب من هذا الارتباط علينا ان نستنبط حلولا أكثر سادية ومازوشية،كما راينا كيف ان بطل فيلمه السابق يقوم بقطع عضوه الذكري بينما قادت الطبيعة البطلة بان تصبح أما.
هنا-مجازا-يبدو العالم اقل تأثرا بالارادة-شوبنهور-وعلى الرغم من كل العنف في افلام ماركو فيريري،إلا ان الطبيعة هي التي خلقت بتلقائية-كما نعتقد مسار هذه العلاقة،اي من دون تدخل أو عارض تاريخي،بل تدخل عمدي من قبل المرأة نفسها،ولا تستطيع المراة مهما حاولت أن تخرج على نطاق الطبيعة من الناحية البيولوجية،خاصة في مقابل الطبيعة الاسدية التسلطية للرجل...
في الحقيقة...كل ما بقوله ماركو فيريري يبدو احيانا غارقا في التكرار
هناك نمط سوريالي غير مألوف في افلام ماركو فيريري بالشكل العام،وهناك نظريات وهناك حضارة وجرذان،وهناك سبارتكوس ايضا-في اشارة الى فيلم سابق-وهناك لويجي الذي عندما ترفض امرأة شابة ان تعطيه قبلة يبدأ بالبكاء...
جثة قرد عملاق في منطقة انشاءات معزولة تقريبا داخل المدينة...لكن ماهي الدلالة المعرفية لهذا القرد؟
هل هو شكل من اشكال العملقة عند نيتشة...؟
خاصة بانهم يأكلون لحمه الآن...القرد هو انتهاء البيولوجيا المؤسسة للعلاقة البشرية....أي من ضمنها فكرة التكوين العائلي برمته...هو الوحش البيولوجي لآلية التطور الذي يقول عنه لويجي انه بين اقدامه
يخرج قرد صغير من بين يدي هذا القرد الكبير...
ينصح فليكس مان لافييت بالتخلص من القرد قبل ان يفقده حريته،وتستند النصيحة الى اقتباسات ("آنشستية)
هل القرد هو رمز للطفولة....لن نعطي هذه الجملة الأخيرة أي عنفوان آخر:رمز للطفولة،اي نوع من الارتباط القسري.
الفيلم غائص تماما في الرمزية،ولم يحقق نجاحا نقديا يذكر على الرغم من حصوله على جائزة من مهرجان كان،وهذه المراجعة النقدية هي محاولة ليس الا لفهم الفيلم.
تبدأ حكاية أخرى للفيلم...حكاية الالتقاء بين الماضي والحاضر
هل من الممكن ان تلتقي الاجيال...هل من الممكن ان نقيم تفاهم بين جيل حاضر وجيل سابق،وبين حضارة عصرية وحضارة غارقة في القدم....؟
يقتحم متحف فليكس مان شخصية تجبره على ان يغير وجوه تماثيله الى وجوه عصرية...هناك جرذان تنهش في القديم...تحاول ان تقيم تشكيل حضاري تصحيحي للواقع البشري نفسه،كما ان الزمن لايعترف بالقدرة والقوة الماضية ....هناك معطيات أخرى للزمن أو قل للعصر
اضافة لمسات على صورة يوليوس قيصر ليحل مكانه وجه الرئيس كنيدي...هل هذه محاكاة للعود الأبدي؟
عندما يدور حوار بين لويجي وفتيات الفرقة عن الحبوب-حبوب منع الحمل الذي ابتدعها عصره-فالحبوب بالنسبة اليه تخلص من عبودية السلطة البيولوجية ولكنها بالنسبة اليهن شيء انتهى عصره.
ثم يبدا لويجي بالبكاء...لويجي يبكي زمنه الماضي...زمنه الجميل
مداخلة للناقد:
في الحقيقة،كل جيل ينتهي في لحظة ما يبكي جيله،ويعتبر ان جيله هو الجيل المثالي الجميل وافضل الاجيال التي مرت على الاطلاق،او على الأقل هو افضل من هذا الجيل الذي يعيش فيه الآن بعد ان يمد الزمن في عمره...هذا التكرار يدل على ان كل هذا عبارة عن كذبة تاريخية ابتدعها الفرد نفسه.
ثم هل من الممكن ان يلتقي القديم والحديث،عندما يحاول لافييت ان يقيم علاقة مع سيدة عجوز يصدم لويجي،وتنسحب هذه السيدة منها بحجة انها غير مجدية وقد جربت مثلها في السابق،ولاحقا هذه السيدة هي التي سوف تلفت الانتباه الى انتحار لويجي.
انتحار لويجي كان سببه عدم قدرته على التماشي والتكيف مع البيئة والعصر الذي يعيش فيه،وثيمة الانتحار تظهر لأول مرة في افلام ماركو فيريري.
تقول انجيلكا(عن علاقة لافييت بالقرد):كلاكما مخطئان،هي تظن بانك قرد وانت تظن بانك طفل حقيقي
ولكن لابد ان تحصل الغلطة البيولوجية الكبرى عندما تقول انجيلكا:انا على وشك الحصول على طفل
تفترس الجرذان القرد الصغير-في نهاية مأساوية حقا على انها شرط اساسي لأكتمال الفكرة عند ماركو فيريري-وعندما يشاهد فليكس مان لافييت يبكي على قرده،يحضر تمثالا لرجل ما قبل التاريخ:
انظر الى نفسك،هذا الذي كنت عليه،انه ليس بوحش..انه ليس بانسان...غلطة خلقية...انسان غير مكتمل الصورة الاكثر احراجا في التاريخ...
يتبع ماركو فيريري-على مايبدو-نظريات داروين في التطور،فالانسان تطور في الشكل من القرد الى الانسان،وخلق هذا التطور شيء من البيولوجيا في علاقة التكوين بين الرجل والمراة،ولكن،ان كان هذا الفيلم عن انسان لازال غير مكتمل فهناك اشعاع تاريخي تفاؤلي،فهناك جرذان تنهش في التكوين البيولوجي للانسان الذي كان اصله قرد،ومن الطبيعي ان يقيم الانسان علاقة مع اصله الانساني غير المكتمل،اي ان يقيم علاقة مع قرد،ولكن هل اصبح الانسان كاملا عندما تحول الى شكله الانساني الحالي.
عند ماركو فيريري الاجابة بالتأكيد سوف تكون:لا
ولكن،ما هو الداعي اصلا لمثل هذا السؤال،فالانسان السوبرماني العملاقي النيتشوي قادم...
يبدو ان الجرذان هي امنية عالم تكويني مختلف قادم...
10/04/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال




.. الفنان السعودي سعد خضر يكشف لـ صباح العربية سبب اختفائه عن ا


.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله




.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع