الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بايدن يريد تقليد معجزة البنية التحتية الصينية لكنه لن يستطيع. إليكم السبب.

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


فورين بوليسي
5 مايو 2021

يوكون هوانغ ، زميل أقدم بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وجوشوا ليفي، زميل مستجد بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

في مارس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطة لاستثمار أكثر من 2 تريليون دولار في ترميم وبناء بنية تحتية جديدة للولايات المتحدة. لكنه في معرض حديثه عن الخطوط العريضة لسياسته الداخلية ألمح أيضاً إلى عقبة تعترض مسار سياسته الخارجية- "التنافس الكوني مع الصين." من الواضح أن بايدن كان يقصد من وراء تلميحه ذلك إلى تغذية مخاوف الهيمنة الصينية المتجذرة بالفعل في أروقة العاصمة الأمريكية أملاً منه في حشد الدعم لمبادرته.

هذه العقدة الصينية ليست حكراً على واشنطن، بل هي منتشرة كذلك في الهند والبرازيل وغيرهما من اقتصادات الأسواق الناشئة التي تحسد النهضة الصينية وتمني النفس بتقليدها، لكن طموحاتها تتهاوى على صخرة سوء الخدمات الحضرية وتقادم أنظمة النقل، وتهالك شبكات الطاقة. هذه الدول أيضاً ترى أن التنافس الحقيقي مع الصين يكمن في الاستثمار في البنية التحتية.

لكن ثمة عامل مشترك يوحد بين واشنطن وهذه الدول: معضلة من أين ندفع لهذه الاستثمارات. هناك بالفعل تشكك كبير حيال مصادر التمويل الممكنة لمقترح بايدن، الذي يقول إنه يستطيع تدبير نفقاته من خلال جباية ضرائب أكثر على مكاسب رأس المال، وضريبة جديدة على المواريث، وتحسينات في نظام تحصيل الضرائب- وهي المقترحات التي تواجه جميعها إما معارضة قوية في الداخل أو جدوى متوقعة محدود للغاية.

بالمقارنة، هناك اختلاف جوهري بين البنية الاقتصادية وآليات التمويل في الصين وبين ما يجري في الولايات المتحدة، وبالتالي لا تفيد تجربة الصين في الاستثمار في البنية التحتية بأكثر من تسليط الضوء على مدى الصعوبة التي ستجدها الولايات المتحدة إذا ما اختارت المنافسة على هذا الصعيد.

في الصين، نصيب الفرد من الدخل لا يتعدى سُبع نظيره في الولايات المتحدة، والأنظمة الضريبية والمالية الصينية أقل تقدماً بكثير. رغم ذلك، استطاعت الصين إيجاد الموارد اللازمة لإحداث تغيير جذري لواقعها الاقتصادي. فالمدن الصينية الحديثة تستوعب الآن أكثر من نصف سكان البلاد، والسكك الحديدية فائقة السرعة وشبكات الطرق السريعة تفترش البلد طولاً وعرضاً، والشركات الصينية تتحدى المنافسين الدوليين رأساً برأس. وقد استطاعت الصين تحقيق كل ذلك بفضل قدرتها على تأمين الأموال اللازمة لاستدامة مستويات الاستثمار المرتفعة. في الحقيقة، بلغ متوسط هذه المصروفات حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار العقود الثلاثة الماضية. في المقابل، كانت حصة الولايات المتحدة لا تتعدى 20 بالمئة. وحتى في البلدان المتوسطة الدخل التي تحاول اللحاق بالركب الصيني ظلت هذه النسبة تتراوح بين 25 إلى 30 بالمئة فقط.

من كل ما سبق، ثار الجدل حول مغزى الاستثمارات الصينية في البنية التحتية لمقترحات بايدن، وفي ذات الوقت فرض السؤال الآتي نفسه: كيف استطاعت الصين جمع كل تلك الأموال بينما كانت الحكومات حول العالم عاجزة عن توفير الموارد ولو حتى لبرامج متواضعة سواء من خلال الإيرادات الضريبية الأعلى أو من خلال طرق أبواب الأسواق المالية؟

الحل الصيني يكمن في ظاهرة لم تأخذ حقها من الفهم: نجاح الحكومة في ثبر القيمة الخفية للأرض التي أصبحت متوفرة للتطوير لدى تحول الصين من اقتصاد اشتراكي لآخر يعمل وفقاً لآليات السوق. ففي الحقبة الاشتراكية السابقة على الإصلاح، كانت الأرض في الصين ذات قيمة تجارية محدودة حيث لم تظهر العقارات السكنية والتجارية سوى في أواخر التسعينات حين خصخصت الحكومة قطاع الإسكان وافتتحت المزادات لبيع قطع الأراضي للاستخدام التجاري.

كان من نتيجة ذلك حدوث طفرة في أسعار الأصول المرتبطة بالأرض لدى سعي الأسواق لتعيين قيمتها التجارية الحقيقية. وهكذا وجد من امتلكوا اسمياً قطعاً من الأراضي- الأفراد والشركات والحكومات المحلية- أنفسهم فجأة ينعمون بأصول قيمتها ترتفع بسرعة. تشير مؤشرات سعر الأرض السكنية الصيني إلى زيادة متوسط قيمة الأرض ثمانية مرات بين 2004 ونهاية 2017. (شهد سوق العقارات الروسي ديناميكية مماثلة في السنوات التالية لتفكك الاتحاد السوفيتي وخصخصة مخزونه السكني، حيث ارتفعت أسعار العقارات في موسكو إلى اثني عشر ضعفاً بين عامي 1990 و1996.)

أعطى الارتفاع في أسعار الأراضي لحكومات الأقاليم والبلديات أيضاً الفرصة لإنشاء ما تسمى أدوات تمويل الحكومات المحلية (LGFVs) لجمع الأموال واستثمارها في مشروعات البنية التحتية. وبفضل هذه الأدوات، أصبح باستطاعة الشركات المملوكة للدولة رسمياً الاستفادة من أصول الأراضي التي حصلت عليها في الأصل كمنحة من الحكومات الأم كضمان للاقتراض أو لإصدار سندات جديدة، الذي وفر لها الأموال اللازمة لبناء كل شيء، من محطات الطاقة إلى أنظمة الأنفاق.

طالما ظلت قيمة الأرض ترتفع بمعدلات أسرع من الارتفاع في سعر الفائدة التي تفرضها البنوك أو أسواق سندات الشركات، كان باستطاعة المقترضين مواصلة الاقتراض بالدين لتسديد قروض أكثر عمراً. بيد أن هذه الحيلة لا تغني للأبد، حيث قد يستمر الارتفاع فعلاً في قيمة الأرض لبعض الوقت، لكنه لا يرجح أن يستمر في تجاوز أسعار الفائدة للأبد لدى اقتراب أسعار الأرض من مستويات استقرارها. فحين تواجه الأجيال الشابة خيارات استهلاكية أكثر تنوعاً، فهم سيختارون ادخار أقل مما كان يدخره آبائهم، بما يؤدي إلى دفع أسعار الفائدة نحو الارتفاع. علاوة على ذلك، تشهد العوائد على الاستثمارات تراجعاً في العديد من مشروعات البنية التحتية الحكومية، التي، لدواعي إستراتيجية وإنسانية، يتم توجيهها بدرجة متزايدة نحو الأقاليم الداخلية، ما يقلص أكثر من هامش الملاءة المالية. وهكذا تسببت مخاوف بكين من الارتفاع في مستويات الدين إلى تراجع الاقتراض بواسطة أدوات تمويل الحكومات المحلية. كما يرجح أن تشهد وتيرة الاستثمارات في البنية التحتية تراجعاً في السنوات القادمة.

في أنحاء أخرى من العالم، ظلت الأسواق العقارية عامرة ومزدهرة بالفعل لعقود إن لم يكن لقرون من الزمن. وهو ما يعني أن معظم الحكومات لا تستطيع أن تركن على سقط الريح الذي صادف أن وقع في حجر الجيل الحالي في القيادة الصينية بفضل إصلاحات السوق.

بالنسبة لبايدن، هذا يعني أنه سيضطر لأن يدفع بالدين لمعظم الإنفاق الجديد إذا لم يستطع زيادة الضرائب. وفي هذه الحالة، قد يضطر بايدن للاقتراض ليس مقابل أصول محسوسة فحسب لكن مقابل الجدارة الائتمانية لوزارة الخزانة الأمريكية أيضاً. معنى ذلك أن الولايات الأمريكية قد تحصل على فرصتها لبناء وإصلاح بنيتها التحتية، وربما اغلاق الفجوة المتصورة مع الصين التي بدأت تواجه نفس القيود المالية التي تواجهها الدول الغربية.

إذا نحينا جانباً ضغوط التضخم المقلقة، قد يكون الركون على اعتمادية أذون الخزانة الأمريكية حيلة جيدة مثلما كانت حيلة تمويل الأراضي الصينية. لكن ما لم يبقى الدولار الأمريكي عملة الاحتياط العالمية الحاكمة، فهو أيضاً له تاريخ نهاية صلاحية.

_______________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://foreignpolicy.com/2021/05/05/china-infrastructure-debt-land-prices-biden/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ