الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تذكُّرِ من تأبَّى الذلَّ والظُّلمَ

سماح هدايا

2021 / 7 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


البشرُ قدرُهم الفناءُ وكلّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ. لكنْ هناك من يصلُها مرفوعَ الرأسِ، وهناك من يصلُها ذليلا. هناك من يسيرُ إلى النهايةِ مجاهداً لكرامتِه وقيمهِ الإنسانيّةِ، وهناك من يضحّي بحياته دفاعاً عن أهلِه وأرضِه. وهناك، مقابلَ ذلك، أوغادٌ مجرمون يقتلون البشرَ ويفسدون ويعادون الإنسان. مقامُ الموتِ شرفٌ أحياناً، وأحياناً خلاصٌ وراحةٌ كبرى، وأحياناً غدرٌ وضيعٌ، أو عقابٌ وتشفٍ وشماتةٌ. وفي كلِّ الحالاتِ يستدعي الموتُ ومقامُه التفكيرَ والاعتبارَ فيما فعلَه الإنسانُ في حياتِه؛ أبخيرٍ بناها أو بشرٍ. أبمحبةٍ أم كرهٍ؛ فالفرقُ كبيرٌ بين موتِ العزيزِ وموتِ الوضيعِ، موتِ الكريمِ وموتِ الذّليل، موتِ الشّهيدِ وموتِ القاتل.
تخلّلتْ أحداثٌ مفجعةٌ المشهدَ السّوريَّ بعقدٍ من الزّمن الطاحنِ، ودارتْ نوائبُ الدّنيا على السّوريين بحربٍ قاسية، والمصائبُ تتابعُتْ اشتدّت فيها مرارةُ الحياةِ، خصوصاً، بفقدانِ الأهلِ والمحبّين والأقارب والأصدقاء. وهزّ الموتُ الناسَ بمشاعرِ الحزنِ والخوفِ والنقمةِ. ورحلَ مع توالي الأيامِ والسّنين كثيرون ممنْ ظهروا في مشهدِ الثورةِ وكافحوا أو حاولوا تمثيلَها بإخلاصٍ فتركوا برحيلهم فراغاً معنوياً يراه جمهورٌ من السّوريين الوطنيّين خسارةً كبيرةً.
موتُ الرّموزِ الوطنيّةِ الوفيّةِ في واقعِ الضّعفِ والخذلانِ هو خسارةٌ مؤلمة؛ لأنّ الناسَ في محنتِها الوطنيّةِ تستندُ عليهم لتقوّى معنوياً وتستمدُّ من مصداقيةِ نضالِهم أملاً وشجاعة. وعلى الرّغم من رحيلِهِم، فإنّهم يبقون في مخيّلةِ الناسِ رموزاً، فقد استمرّوا حتى النّهايةِ في نزالِ الحياةِ وصراعِ الطّاغيةِ يجاهدون بثباتٍ وعزيمةٍ دفاعاً عن كرامتِهم وحريتِّهم الإنسانيّةِ وحريّةِ بلدِهم وشعبِهم. على النّقيضِ من ذلك، الذين ظلموا وطغوا وأجرموا وتورّطوا في دماءِ الأبرياء، فهم مستمروّن حتى النّهايةِ أنذالاً وهمجاً، محمّلٌ موتُهم بالاشمئزازِ والاحتقارِ مربوطٌ بالتّشفّي واللعنَ.
أخبارُ الموت كثيرةٌ والقصصُ متباينةٌ بين الفجيعةِ والجريمةِ والشّهادةِ والقتلِ. الخيارُ الحرُّ في النّكباتِ والحروبِ ضمنَ ميزانٍ أخلاقيّ إنسانيِّ، أمرٌ صعبٌ جداً لكنّه جوهرُ النّبالةِ في الثّورةِ، وهو من يرفعُ شأنَ الناسِ او يحطُّ من قدرِهم وذكرِهم، وهو منْ يسمو بمغزى مبادئهِم أو يسقطُها. وليسَ الجميعُ في المشهدِ سواء، فهناك متسلقون وانتهازيون ومتعصبون. بونٌ شاسعٌ بين موتِ الحرِّ صاحبِ الفكرِ الواعي المناهض للظلمِ وموتِ الوضيعِ الذي تسيّرُهُ أهواءٌ خسيسةٌ وعاداتٌ مذلّةٌ، بين الباحثِ عن الحقيقةِ العامِل على كشفِها خدمةً لحقوقِ الانسان، وبينَ مزّورٍ للحقيقةِ صانعٍ للأكاذيبِ التي تؤذي الإنسانَ وتخرّب عيشَه وتذلّه. بين من يرقدُ في كسلِه وتقاعسِه، ومن يكدُّ ويجتهدُ ويجاهدُ. بين من يفكرُ بغيرِ عقلِه ويوكل أمرَهُ لغيرِه، ومن يبحثُ عن الحقيقةِ ويعملُ وفقَ وعيٍ وإدراكٍ. وفي هذا ينقسمُ الناسُ إلى فريقين متناقضين فريقِ حقِّ وفريقِ باطلٍ وبينَهما فرقٌ وجماعاتٌ كثيرةٌ تمتدُّ من منطقةِ الحريّةِ من يمتْ في دريِها يمتْ حراً، إلى منطقةِ العبوديّةِ من يمتْ في حدودِها يمتْ عبدا، وينكشف معدنُ الإنسانِ ومعتقدُه وإرادتُه...فنضالُ الانسانِ لحريتهِ الكريمةِ هو امتحانٌ لمسيرتِه في الحياة...
معارضون سياسيّون سوريّون لهم تاريخٌ نضاليٌّ طويلٌ في مناهضةِ الاستبداد، ومعهم ثوارٌ أوفياء قاوموا الاستبدادَ ورفضوا المهانةَ والانصياعَ للطّغاةِ، يقابلهم موالون للطغاةِ والأعداءِ من عصابةِ النظامِ وحاشيتِه والمتورّطين في قتلِ الشّعبِ السّوريّ، يواجهون، كلّهم، امتحانَ الإكرامِ والاحترامِ . والنّاسُ تقفُ من حدثِ موتِهم مواقفَ مختلفةً ومتباينةً باختلافِ أحوالِهم وصفاتِهم؛ بينَ منْ يلعنُ ومن يبجّلُ، ومن يعزّي ويبكي ومن يضحكُ ويسخرُ، ومن يبالغُ ومن لا يبالي. وهذه طبيعةُ البشرِ أينما كانوا، خصوصاً في بلادٍ وأزمنةٍ تخوضُ وتشهدُ حروبَ استقلالٍ وثوراتٍ مضادّة. لكنْ، من العدلِ والصّوابِ وجودُ أسسِ ومبادىء دقيقةٍ يقيمُ عليها الناسُ أحكامهَم وتقديرَهم وتذكّرَهم. فشتان بين النّقدِ الموضوعيّ والهوى، بين النّقدِ وفقَ الأصولِ وبين السّبِّ والهجاءِ والهجومِ الأعمى.
لا شكّ أنّ الذين يقفون في صفِّ الثّورةِ ليسوا ملائكةً ولا أنقياء بلا خطأ؛ لكنّهم أصحابُ قضيّةٍ محقّة. ومن المؤكّدّ أنّ الذين في صفِّ النّظامِ وحلفِهِ مجرمون بكلّ المقاييسِ؛ لذلك سيكون ابتهاجاً للمظلوم وأهلِهِ أن يهلكّ ظالموه ويزيلوا من الوجود ويسقطوا في الجحيم... من اختارَ الكفاحَ لحقّهِ وكرامتهِ ورفضَ الخضوعَ لعصابةِ الاستبدادِ والطّغيانِ ودفع الثمنَ غالياً، وهو يناضلُ لقضايا وطنيّةٍ محقّةٍ؛ اعتقالاً أو استشهاداً أو تشرّداً وبعداً عن الوطن والأهلِ؛ فموتُه محلُّ تقديرٍ واحترام. أمّا المبالغة في التبجيلِ فخطأ مثلُ التّشويه وتحقيرِ الشّأنِ فكلاهما يُبعدُ عن الحقيقةِ والحقِّ ويزيدُ في الانقسامِ والكراهية.
من قرّرَ النّضالَ فلأنه آمنَ به، ومن قرّرَ الخيانةَ فلأنّه لم يجدْ من يحاسبُه. ومن قرّرَ الشّهادةَ فلأنّه آمنَ وضحّى من أجلِ مبادئِهِ وعقيدتِهِ، ومن قرّرَ الوقوفَ في صفِّ المستبدِّ لدعمِه وتأييدِه؛ فملعونٌ والتاريخُ لن يسامحَه. قد يأتي يومٌ قريبٌ تتحقّقُ فيه المحاسبةُ الوطنيّةُ. ومن قرّرَ أنْ يصمتَ أو ينأى بنفسِه عن الصّراعِ، فقد أُجْبِرَ على ذلك أو جبن، ولنْ يُحسبَ لصالحِه. فالبشرُ، خلالَ الأزمنةِ وعبرَ الأمكنةِ، منقسمون على الحقِّ والباطلِ وبين البسالةِ والجبنِ.
الذين قرّروا أنْ يعاكسوا تيارَ الظّلمِ القويّ ويقاوموا الاضّطهادَ فهؤلاء اتّخذوا قرارَهم بشجاعةٍ وتحمّلوا النتائجَ وصَمدوا حتى محطّة الرحيلِ الأخيرة، بغضّ الّنظرِ عن صلاحيةِ النّهجِ الفكريّ والعمليّ، فهم حاولوا وسعَوا، ويستحقّون لحظةَ تقديرٍ لما قاموا به وصمدوا في أسوأ الظّروفِ التّاريخيّةِ والسياسيّةِ... الأجيالُ القادمةُ هي الأقدرُ على تقييمِ التّاريخِ الحاضرِ والأشخاصِ والأفعالِ، فالتجريةُ تكتملُ بالزّمنِ وتتبلور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام