الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 تموز الحدث البارز، هل هو انقلاب او ثورة ؟ وما التقييم الصحيح لنتائجه ؟

صبحي حجو

2021 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


صبحي حجــــو
غدا ستمر الذكرى الـ ( 63 ) " لانقلاب" تموز ، ذلك الحدث الذي وصف بالهام جدا جدا في حينه ، وكان بمثابتة البركان في منطقة الشرق الاوسط . ولانه لم يكن متوقعا من السادة الانكليز والاميركان حيث كانوا سادة العالم انذاك ! ولا من السادة الحكام العراقيين ايضا ! اذ كان يسود انذلك لدى قادة الحكم الشعار المشهور ان ( دار السيد مأمونة ) ! . ولان درجة الاطمئنان كانت لديهم كبيرة جدا ، بحيث كانوا قبلها باشهر معدودة قد شكلوا حلف بغداد المركزي، من العراق وتركيا وايران وباكستان . لهذين السببين على الاقل اكتسب هذا الحدث هذه الاهمية المتزايدة جدا .
لن نتطرق الى تفاصيل الحدث والمقدمات التي شكلت الخميرة الاساسية له ، بحكم انه منذ وقوعه وحتى الان ، قد تناوله المئات من الكتاب والشعراء والادباء والسياسيين سواءا بسواء، بمقالات او بحوث او كتب غزيرة ، ولم يبق شيئ من الحدث وكل ما يمت له ، الاّ وتم بحثه ومن وجهات نظر كثيرة ومتعددة متفقة او متناقضة ايضا.
لقد حصل الكثير من الاختلاف في تقييم الحدث واسبابه ونتائجه خاصة ، ولكن ما يسترعي الانتباه حقا هو الاختلاف الكبير في تقييم الحدث نفسه من حيث ان كان انقلابا او ثورة او تغييرا !
لقد كان الاختلاف في بداية الامر وحتى فترات غير قليلة من وقوعه يتمحور حول رأيين اساسيين وهما انه اي الحدث هو ثورة ! لقد كان مع هذا الرأي جمهرة واسعة من التقدميين واليساريين والشيوعيين والوطنيين ومن كل الفئات والشرائح الاجتماعية العراقية ،
والرأي الاخر يقول بان تموز الحدث ما هو الأ انقلاب عسكري كأي انقلاب عسكري يحدث في العالم ، وطبعا كل فريق يقدم حججه واسانيده لاثبات صحة ورجاحة رايه .
طبعا كل المؤيدين للرأي الاول ، هم متفقون بشكل عام على الايجابيات المطلقة للثورة ، ومتفقون تقريبا على الاسباب العامة التي ادت الى نكوصها ثم اغتيالها فيما بعد على يد القوى القومية والرجعية وكبار رجال الدين ! وبدفع من وراء الستار شركات النفط الغربية الكبرى العاملة في العراق وبتوجيه وتواطؤ من المخابرات الانكليزية والاميركية . هذا هو التقييم العام للقوى اعلاه .
وكنت انا واحدا من هؤلاء الذين يؤمنون بهذا التقييم الى قبل اكثر من عقدين من الزمان .
واما اصحاب التقييم الثاني بكون الحدث انقلابا عسكريا ، وهم ينقسمون الى مجموعات متنوعة الاراء ، فمنهم من يعتبره انقلابا عسكريا لانه كان باداة عسكرية ، وان كانت نتائجه قد غيرت بشكل ثوري الاوضاع في اغلب مناحي الحياة
وآخرون يعتبرونه انقلابا عسكريا ويقللون من اهمية انجازاته الى جانب الحكم الفردي الذي صاحبه والاشكالات والسلبيات التي نتجت عنه .



2

وفريق اخر ايضا من اصحاب هذا الرأي، ولكن يعتبرونه انقلابا دمويا لم يكن لصالح العراق . اصلا ، وهم عادة من مؤيدي الملكية وطريقة الحكم السابقة المتسمة بالهدوء وعدم وجود الرجات والخضات السياسية التي تتعب وتدمي المجتمع عامة .

والمهم الان في هذا الموضوع هو تقييم هذا الحدث الذي شكل مفصلا هاما في تاريخ العراق الحديث ، وخاصة عندما تقاس الامور بخواتمها كما يقول المثل .
وانا واحدا من الاشخاص والسياسيين الذين غيروا تقييمهم السابق ، والذي كان يقول باهمية هذا الحدث وايجابياته الكثيرة التي فاضت على العراق ! وكان هذا يلزمنا بالاحتفاء والاحتفال به كلما مرت ذكراه .
وعندما غيرت رأي وقناعتي بتقييم هذا الحدث لم يكن بتأثيرات شخصية او عامة ، وانما بوقائع الاحداث والنتائج التي تمخض عنها الحدث هذا.
اعتقد ان التقييم الواقعي بالنسبة لي على الاقل وبعيدا عن العواطف والالتزامات ( السياسية ) وبعد هذا الكم الهائل من السنين والتجارب التي تراكمت حري بالمرء ان يعيد النظر بتلك التقييمات ولا عيب في تغييرها ان حصلت القناعة له . وقد حصل لي هذا التغيير ليس الان ، انما قبل عقدين من الزمان وكنت دائما في مضمار النقاش مع رفاقي واصدقائي ولكن دون اعلان ذلك في وسائل النشر ،
ان التغيير الذي حصل في 14 تموز عام 1958 هو برأي انقلاب عسكري ، لانه جرى بأداة عسكرية ، وان اجرى في السنوات الاولي تغييرات ثورية هامة في المجتمع ، ادت الى انهيار العلاقات بين طبقة الاقطاع والفلاحين ونشوء محلها علاقة جديدة مغايرة الى حد ما ، كما نشات مفاهيم وافكار جديدة مغايرة لما سبقها على صعيد المجتمع كأفكار المساواة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة وحقوق الانسان والاقليات والاعتراف بشراكة الاكراد للوطن . كما نشأت مؤسسات جديدة لم يكن لها وجود سابقا كالنقابات والجمعيات والاحزاب الجديدة ، كذلك طال التغيير الكثير الاخر كمؤسسة التربية والتعليم والسياسية الخارجية و...الخ .
وهنا يكمن السؤال الاساسي في تقييم الحدث ! هل كان ضروريا قيامه ؟ وهل ادى في محصلة النتائج العامة وعلى المدى الطويل الى استفادة المجتمع على كل الصعد ؟ ام الاضرار به ؟ .
برأي المتواضع ان هذا الحدث وان كان له ايجابيات في بداية الامر او السنوات الخمسة الاولى كما اشرت ، ولكنه انقلب الى كوارث متلاحقة طالت كل المجتمع ولحد يومنا هذا !!
فقد فتح هذا الانقلاب الابواب مشرعة لكل الاحداث الدامية التي مر بها شعبنا منذ ذلك التاريخ ولحد الان .
حيث شرع الانقلاب ، وسمح بحكم الفرد ، اي الانفراد بالحكم ، ورغم نزاهة عبد الكريم قاسم وحبه لشعبه والاصلاح ولكنه تفرد بالحكم ، واسس لمدرسة سيئة في ذلك لما بعده .
بذلك الانقلاب ، فتحت شهية البرجوازية الصغيرة وممثليها من القوميين عامة والبعثيين ( عسكريين ومدنيين ) الى الطموحات غير النزيهة في الاستيلاء على الحكم بوسائل الانقلابات والعنف وحتى بوسائل فاشية ، بغض النظر عن النتائج التي تحصل ! وكما حصل في شباط عام
3
1963 ، ولا حاجة لذكر نتائج الكارثة التي حلت بشعب العراق انذاك ! كذلك انقلاب عام 1968 والذي سمح ( ضمن ظاهرة الانفراد بالحكم ) بانفراد شخصية مثل صدام المثيرة للجدل وخالية

من المؤهلات الفكرية او الثقافية لا بل له سجل اجرامي بالحكم المطلق ، والذي خاض الحروب الكثيرة وضحى بالعراقيين بمئات الالاف ودمر اقتصاد العراق ( صناعة وزراعة ) واسس لعهد جديد من المقابر الجماعية واستخدام الكيمياوي ضد شعبه . ومعروف كل ما جرى بعهده ولا حاجة لتكراره .
وكانت النتييجة ، وهذا ما ينطيق المثل العربي الشهيرعليه ، شر البلية ما يضحك !! ان تلجأ المعارضة العراقية الممثلة لكافة الشرائح الاجتماعية والقومية ، لطلب العون من نفس الدول التي خاض ممثلوا المعارضة في وقت الملكية النضال والكفاح ضدها !!! لتخليص شعبها من براثن الحكم الدكتاتوري الفردي البغيض( ممثلي البرجوازية الوطنية !!) . وهذا ما حصل ، اذ عمل الاميركان والانكليز الى خوض حرب الخليج الاخيرة من اجل ازاحة الدكتاتور ونصب رموز المعارضة ! .
وبفعل تلك المساعدة ، تحكم المعارضة العراقية منذ ذلك التاريخ (9 نيسان 2003 ) واغلبها الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية ، وكما نرى النتائج الواضحة للعيان ولكل ذي بصيرة ، دمار هائل وفساد ساحق وسرقات ونهب علني ليس له مثيل في التاريخ لمقدرات العراق وثروته . وعمالة مكشوفة ويعتزون ويتفاخرون بها !! وميليشيات وقحة تذيق العراقيين الويل والثبور وهي بالاصل صناعة ايرانية !!! وحولت العراق الى حديقة خلفية لايران تنهب ثرواته وتخوض حروبها فيه بعيدا عن اراضيها، لا بل اكثر من ذلك ووفقا لتصريحات الكثير من المسؤولين الايرانيين المعتبرين ، ان العراق اصبح محافظة من محافظات ايران !!! .
اعود واقول اليست هذه النتائج كلها او حتى وان كانت بعضها تكفي للتدليل على ان انقلاب تموز فتح المجال والافاق رحبة لكل ما حدث ؟؟
واذا كان هناك من يقول ان في عهد النظام الملكي ايضا حدثت انقلابات عسكرية ومدنية ! هذا صحيح جدا ، فقد حدثت انقلابات عديدة من انقلاب بكر صدقي في عام 1936 ويصنف على انه اول انقلاب عسكري في الوطن العربي ، وحركة رشيد عالي الكيلاني . ولكن تأثير هذه الانقلابات او التغييرات ونتائجها كانت فقط بين وعلى الطبقة الحاكمة ، ولم تكن لها اية نتائج سلبية او ايجابية على المجتمع العراقي انذاك .
فعلا نحن الجيل القديم نحن الى ذلك العهد الملكي ، وان كان تطور المجتمع انذاك بطيئا ، ولكنه كان ثابت التطور ونحو الامام ودون رجات او هزات او احداث كارثية . والشيء الهام الذي كان يطبع تلك المرحلة بها هو وجود قيم وسلوك راق للحكم وللوظيفة العامة فيه ، وانتفاء الفساد اصلا ، وتصرف كل موظف كبيرا كان او صغيرا بالمقاييس الدقيقة لصلاحياته وعدم تجاوزها . ولم تكن هناك احداث جسام تنعكس نتائجها المدمرة على الشعب مباشرة كما يحصل الان . .وكان هذا التطور مرتبطا بميزانية صغيرة لا تتعدى الملايين ، وتم تحقيق انجازات هائلة بمقياس ذلك الزمن ، من بناء مستشفيات الى فتح الطرق بين المدن والبلدات الى تأسيس سكك حديدية ، الى فتح مدارس متنوعة وانشاء جامعات و...الخ من الانجازات التي لو لم تنقطع بانقلاب تموز 1958 لكان للعراق شأن اخر ولا ابالغ القول انه كان سينافس افضل الدول الاوربية من حيث البناء والعمران والمدنية والتطور في كل المجالات .

4

الرحمة للعائلة الملكية ، ضحايا الانقلاب .
والرحمة لكل شهداء الوطن وهم كثر وبالملايين من بعد الانقلاب
والرحمة للعراق برمته اذ ينحدر الان نحو الهاوية ، دون وجود مؤشرات جادة لايقاف هذا التدهور.

13 / تموز / 2021

صبحي حجو / المانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل