الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمناسبة جريمة احراقه وقتل المرضى الأبرياء فيه .. مستشفى الحسين التعليمي .. الفساد والاهمال والقاذورات!

طارق حربي

2021 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


فصل من كتاب (الطريق إلى الناصرية)
قامتْ شركتا (ماروبيني وتايستي) اليابانيتان ببناء مستشفى حمل اسم المقبور في عام 1980 وافتتح في عام 1983 ، مؤلف من ستة طوابق على مساحة (65.000) متر مربع وبسعة (400) سرير. واعتُبرَ المَعْلَمَ الصحيَّ الأول في مدينة الناصرية. وتم تغيير اسم المستشفى بعد سقوط النظام إلى مستشفى الحسين التعليمي. وشهد في عام 2010 أعمال ترميم وصيانة. ويفترض أي عاقل أن الأحزاب الدينية التي قامت بتغيير اسم المستشفى (وتوجد في محافظات كربلاء والمثنى والديوانية للأطفال مستشفيات حملت نفس الاسم) ستقوم حتماً بتقديم الرعاية اللازمة للمرضى الراقدين فيه، بوحي من اسم أحد رموزها العظيمة!
لكن وكما شاهدتُ ووثَّقتُ فالمستشفى لا يصلح حتى لتخزين التمور! حيث تكثر فيه الرشاوى ويَقلُّ عدد الأطباء وتشحُّ الأدوية وتتدهور الخدمات وتكثر الحشرات! كما ويتم حرق ملفات الفساد فيه سنوياً، أو مرتين خلال أسبوع واحد كما حدث في أواخر الشهر السابع والأول من الشهر الثامن من عام 2014 ، عُزِيَ الحريق كالعادة إلى وقوع تماس كهربائي!
في صيف العام 2014 أتاح لي السكن لبضعة أشهر في مقابل المستشفى الواقع في حي أور، امكانية رصده من الخارج والداخل وزيارته والكتابة عنه، وعما يجري في صالته الكبرى التي شغلتها عيادات الأطباء ومقاعد انتظار المراجعين، وردهاته ومختبراته بل وحتى مراحيضه!
كان المستشفى محاطاً بالأوساخ والقاذورات تتوزع أركانه الأربع مكبات القمامة. كُدِّسَ وراء السياج سكراب سيارات وفي داخله سكراب سيارات وحطام أسرة وكراسي ذوي الاحتياجات الخاصة. ونما القصب والبردي في المستنقعات حول المستشفى حيث تتقافز الضفادع وتطير الحشرات ما يُذكّر بمناطق الاهوار! أما في المراحيض فينتشر البعوض والصرصر والذباب! وتطفو فضلات الإنسان الذي يضطر إلى قضاء حاجته جلوساً على طابوقتين متقابلتين! مغاسلها مكسرة ومراياها محطمة وقذرة ورائحتها كريهة إلى أبعد الحدود وينعدم فيها الصابون والمطهرات. المقاعد في قاعة الإنتظار بين قديم ومُحطَّم ومتهالك. في الممرات القذرة وعلى أبواب الردهات ثمة حاويات بلاستيكية تغلبت القذارة على ألوانها، وامتلأتْ بالثياب المدماة والضمادات المستعملة وإبر وأكياس مادة المُغَذِّي حتى فاضتْ، ولا يحتاج المشهد إلّا إلى مجموعة من القطط للعبث بها كما تعبث الكلاب في مكبات القمامة المنتشرة في شوارع الناصرية وأزقتها وساحاتها العامة!
ولم ألحظ خلال العديد من الزيارات أي مظهر من مظاهر النظافة في المستشفى. لم أشتمَّ رائحة ديتول في الصالة أو في الردهات أو في المراحيض التي فاض فيها البراز واخضرَّ لون البول! وكان العراق دخل في مرحلة التطهير بمادة الديتول منذ الثمانينيات من القرن العشرين، وأصبح برائحته النفاذة عنوان النظافة الأول في المستشفيات والدوائر الرسمية والمصانع والمعامل بل وحتى في البيوت والمتاجر. لكن المستشفيات في أوروبا والولايات المتحدة أقلعتْ عن استخدام الديتول بعد إنتاج العديد من المطهرات والمعقمات الجديدة، سواء المستخدمة في تطهير الجروح أم في غسل بلاط الردهات والممرات في المستشفيات والحمامات وغيرها.
ومن يدري فربما تخطط الأحزاب الدينية الحاكمة في الناصرية إلى العودة بمشروع النظافة في المستشفيات إلى مرحلة الـ (تراب حنطه!) في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما ألجأ الفقر المدقع في الناصرية حينذاك الكثير من النساء إلى جلب (تراب المطاحن) وهو ما يتبقى بعد طحن الحنطة والشعير، لاستخدامها في غسل الأواني والصحون، قبل مرحلة صابون (السلّيت والركَي)!
- الطبيب يلقي نظرة على وجه المريض الذي يتوسل بالمضمدين!
ما يزال الطبيب في مستشفى الحسين التعليمي كما كان قبل عشرات السنين يلقي نظرة سريعة على وجه المريض، ويُدَوٍّنُ في ورقة أمامه كمية كبيرة من الدواء، شاهدتُ المرضى يحملونها في أكياس كبيرة، من تلك التي يحملها المتسوقون مليئة باللحوم والفواكه والخضار! وهو مالم يحدث للمريض في النرويج، فلكل عدد محدد من العوائل طبيب عام يدعى طبيب العائلة (Fast Lege) يحتفظ بالسجل الصحي لكل فرد كأرشيف يعود إليه خلال مرحلة التشخيص، ومن واجبه الاتصال بالمريض تلفونياً أو عبر الرسائل النصية للإستعلام عن صحته أو دعوته مجدداً لفصحه، وفي نهاية المطاف يسجل له وصفة بسيطة لا كيساً مليئاً بأنواع مختلفة من الدواء يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات جانبية وربما الموت! سمعتُ الكثير من المرضى يقولون بأنهم ما داموا يعيشون في العراق وفيه من المآسي ما فيه، فإنهم يتحملون جرعات الدواء الكبيرة حتى لو كانت قاتلة!
تلقيتُ الصدمة الكبرى عندما زرتُ زوج شقيقتي الراقد في قسم الطوارىء! كانت رائحة الردهة التي زكمت أنفي وعافتها نفسي خليطاً من روائح البول والدم وما تبقى من ضمادات مبللة بالمطهرات. كان السرير مكسراً والفراش الإسفنجي عارياً من الملاءة البيضاء كالعادة. وشهدتُ من يتوسل بمضمد حديث التخرج أن يعطيه مسكنات لآلام قلبه وآخر كان يحتاج إلى المُغَذِّي. السرير المجاور لسرير أبي علي كان يرقد فيه رجل كان شديد الهزال. قال ابنه الشاب المرافق له بأنهما من سكنة مدينة الرفاعي وكان الأب مصاباً بعجز في الكليتين.
- هل تصدق بأني أقوم بغسل ما حول سرير أبي يومياً؟!
قال الشاب متحسراً
- هل يعقل ذلك؟
- نعم فلا أحد يهتم بالمرضى هنا ولا بتنظيف الردهة!
وأردف قائلاً
- يُرمى المريض في صالة الطوارىء كيفما اتفق مع مرافقه ولا أحد يهتم به!
- أكثر من ذلك عليه جلب ملاءات الأفرشة والوسائد من بيته! فهي عارية ولا أحد يغيرها إذا اتسختْ!
- وفي حيرة الطوارىء وروائحها الكريهة ومتاهتها يجب على المريض أن يتنقل بنفسه أو مع مرافقه إن وجد، بين صالات الأشعة والسونار والمختبر وجلب الدواء من الصيدلية!
وأخبرني صديق ساخر يعمل موظفاً في المستشفى أن جزءاً مما يخصص من موازنة المستشفى يذهب إلى طلاء جدرانه! فلكل مدير جديد لونه المفضل يُسهل له أمر طلاء جدران المستشفى بطانتُه! حتى إذا استقال ذلك المدير أو طُردَ من منصبه بعد فضيحة فساد ذهب مع لونه وجىء بمدير جديد ولون جديد! وليت كل مدير يأتي مع اللون الجديد بكادر جديد متدرب ومسؤول ونزيه، لينقذ المستشفى مما يرزح تحته من القمامة والروائح الكريهة وملفات الفساد!
ممرضون ملتحون ومُتَخَتِّمُونَ ومن يمشي سنوياً على قدميه إلى كربلاء في موسم زيارة الأربعين. نظراتهم شزرة ونغمات هواتفهم المحمولة لطميات! وقد لا يباشرون المريض متعللين بوقت الصلاة أو أنهم توضأوا للتوِّ ولا يرغبون ببطلان الوضوء! ومن انشغل بقراءة القرآن أو الأدعية الدينية أو الدردشة في التلفون المحمول وغيرها.
في الباب الرئيس ذي العارضة الحديدية ثمة غرفة مقسمة إلى نصفين لتفتيش النساء والرجال. ويقف شرطي شاكي السلاح يقرأ وهو يدخن سيكارة أوراق سائق سيارة يحمل مريضاً فيؤشر له بحاجبيه أن ادخلْ!
نقالات مرضى محطمة نتأ حديدها وتقشط طلاؤها وتيبست عليها دماء قديمة رسمتْ خرائط المأساة العراقية! كلاب سائبة تَهِرُّ هنا وهناك وتختفي في دغل المستشفى. أو تستظل بشجيرات قصيرة شاهدتُ تحتها في أحد الأيام بعد خروجي من زيارة زوج شقيقتي، ثلاثة من العمال البنغاليين غاضبين! ولما سألتهم عن سبب غضبهم قالوا بأن إدارة المستشفى لم تمنحهم مرتباتهم لمدة ثلاثة أشهر (كان مرتب العامل الواحد منهم 300 دولاراً)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو