الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبقى آلام التفاوض أفضل من شهوة انتصار مزعوم مضرج بالدماء

محمد بركة

2006 / 8 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


* رغم أننا لا نسكن وطننا وحسب بل مسكونون به فأننا.....*

قبل الثاني عشر من أيلول، لم يجر إطلاق قذائف الكاتيوشا على إسرائيل، وعمليا منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان لم تطلق قذائف الكاتيوشا على إسرائيل.
فمنذ الانسحاب في أيار العام 2000 تم تسجيل أقل من مئة تجاوز للحدود الإسرائيلية، بينما سجلت إسرائيل برا وبحرا وجوا خلال الفترة ذاتها 11700 اختراق للحدود اللبنانية.
لذلك فإن إسرائيل لا تستطيع، هي بالذات، أن تدعي أن خرق الحدود وانتهاك السيادة بدأ من عملية حزب الله في 12 تموز الماضي، علما ان إسرائيل هي نفسها التي انتجت استفزازا خطيرا ضد سورية بارسال طائراتها الحربية للتحليق فوق دمشق قبل ذلك بعدة أسابيع.
في بداية هذه الحرب تحدثوا عن أن الهدف الإسرائيلي هو "إبادة حزب الله"، والآن يجري الحديث عن إبعاد قذائف الكاتيوشا عن إسرائيل.
إن حل الأزمة الحالية يكمن في ثلاث قضايا تمثل مصلحة إسرائيلية حقيقية، وتتوافق مع المصلحة اللبنانية الحقيقية: الاولى احترام الحدود الدولية (الخط الأزرق)، بين لبنان وإسرائيل والثانية الانسحاب من مزارع شبعا والثالثة تبادل أسرى بين حزب الله وإسرائيل.
إن هذا الحل يكتسب حيوية استثنائية مع قرار الحكومة اللبنانية بنشر 15 ألف جندي لبناني على الحدود مع إسرائيل، وذلك باجماع كافة القوى في لبنان بما في ذلك حزب الله.
إن قرار الحكومة اللبنانية واضح جدا، ويتمثل بانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وبالاستعداد لوضع مزارع شبعا بيد جهة دولية، أما قضية الأسرى الإسرائيليين واللبنانيين، فيمكن حلها وفق التجربة السابقة، بالمفاوضات، بواسطة طرف ثالث.
ولكن ثمة طرفان يعيقان هذا الحل المنطقي، الذي يساهم في حقن الدماء، وهما رغبة حكومة "المدنيين"، إيهود أولمرت وعمير بيرتس، في استعادة قوة الردع في مواجهة العرب، بمعنى إرساء العلاقة مع العرب على الردع وعلى التخويف، أي على الارهاب.
اما الطرف الثاني فهو الإدارة الأمريكية التي تستعمل حياة ابناء شعوب المنطقة: اللبناني والفلسطيني والشعب في إسرائيل أيضا , قوتا بشريا لمصالحها، ولمدافعها وقنابلها "الذكية" جدا. وإلا ما الداعي وما التفسير لعقد مؤتمر صحفي دراماتيكي يجمع بين بوش ورايس (الاثنين 7-8-2006) بعد قرار الحكومة اللبنانية لترويج مشروع القرار في مجلس الأمن، الذي كان أمريكيا وأصبح امريكيا فرنسيا.
إن هذا المشروع بصيغته المعتمدة، حتى الآن، هو بمثابة اعطاء مظلة دولية لاستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان لأنه يبقي على جميع الفتائل مشتعلة، ولا يقود إلى حل اية مشكلة، لأنه يكرس الاحتلال الإسرائيلي للجنوب ويتعارض مع حق اللاجئين اللبنانيين في العودة إلى قراهم ويترك لإسرائيل الحق المطلق في استعمال القوة ويقفز عن موضوع تبادل الاسرى.
لقد قال أولمرت في بداية الحرب أن الهدف هو تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559، وانتشار الجيش اللبناني، والآن فإن حكومة أولمرت تنتج ذرائع لمواصلة عدوانها، كما جاء في قرار المجلس الوزاري المصغر بشأن توسيع رقعة العدوان على لبنان ردا على قرار الحكومة اللبنانية بشأن انتشار الجيش اللبناني.
إن قرار الحكومة اللبنانية الاجماعي، هو قرار ايجابي ومسؤول، وبدل ان تستغل حكومة إسرائيل كوّة الأمل التي فتحها هذا القرار، فقد سارعت إلى اغلاقها بقرار المجلس الوزاري المصغر.
لقد جرى تدمير لبنان بالكامل، من بنى تحتية واقتصاد الى جانب القتل والتشريد، ولكن هل نعمت إسرائيل بهذا الخراب؟
إن "نعمة" خراب لبنان قد جرّت على إسرائيل خسارة يومية تقدّر بـ 68 مليون دولار، في مجال الصناعة، وجرى انهيار كامل لفرعي السياحة والزراعة إضافة إلى التكلفة المباشرة للحرب التي تقدر بـ 222 مليون دولار اسبوعيا.
ولكن الخراب الأكبر في فقدان حياة البشر، فأكثر من 1200 لبناني قضوا في هذا العدوان، وهناك مليون لاجئ، وهناك قتلى بين المدنيين اليهود والعرب في إسرائيل.
ولكن هل الجنود في إسرائيل والمقاتلين في لبنان مقطوعين، ألا توجد لهم أمهات تبكيهم، ولا أهل لهم بانتظارهم؟
إن العنصريين في الكنيست يتهموننا بعدم "تأييد الحرب"، ونحن نفخر بأننا لا نؤيد هذه الحرب، وفي حزبنا وجبهتنا نفتخر بالتزامنا بالسلام العادل، والتزامنا بالمطلب الفوري لوقف إطلاق النار، ونحن نؤكد ان طريق التفاوض مهما كان ومهما طال فإنه أفضل من شهوة "الانتصار" المزعوم المضرج بالدماء.
لقد قامت إسرائيل بقتل أكثر من مئتي فلسطيني في غزة والضفة الغربية، تحت غطاء الدخان الكثيف للحرب في لبنان، وهذا بحد ذاته يستدعي العودة للتأكيد على أن مفتاح الحل في الشرق الأوسط هو حل القضية الفلسطينية، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

المواطنون العرب ودعوة السيد حسن نصر الله

في كلمته المتلفزة مساء الأربعاء، عبر السيد حسن نصر الله عن قلقه على أهالي حيفا العرب مؤكدا أن "دمكم هو دمنا" ودعاهم إلى مغادرة بيوتهم كي لا يصابوا.
لا شك ان التعاطي مع هذه الدعوة بأخذ أشكال مركبة ومتداخلة، ولذلك يجب وضع الامور في نصابها في هذا السياق.
الموقف من هذه الدعوة يجب ان يكون محكوما بالدرجة الأولى الى الموقف من الحرب والموقف من مشعليها.
فإذا كانت حكومة إسرائيل هي التي تتحمل المسؤولية عن إقحام المدنيين في حرب إجرامية دموية ردا على العملية العسكرية التي نفذها حزب الله، فإن مسؤولية حكومة إسرائيل تضاعفت مرات ومرات، بعد رد الطاقم الوزاري المقلص على قرار الحكومة اللبنانية، بأن يتم توسيع الحرب، وبمعنى آخر رفض وقف إطلاق النار، وبمعنى نهائي زج المدنيين في دائرة الحرب بشكل أعمق واكثر إجرامية.
ولذلك فإن الرد السياسي على دعوة حسن نصر الله يتمثل بتشديد مطالبتنا لحكومة إسرائيل بوقف الحرب فورا، ليس من أجل سلامة عرب حيفا فقط، وإنما من أجل سلامة "يهود كريات شمونة" وبنسبة لا تقارن، من أجل سلامة الشعب اللبناني.
صحيح أنه في سياق تشكل الوعي الجماعي عند ابناء الشعب الفلسطيني المحكوم لروايته عن النكبة فإن دعوة الفلسطيني إلى مغادرة بيته تحمل تداعيات اشكالية للغاية، وخاصة أننا نحن الذين بقينا في وطننا ورأينا الذي حلّ بأهلنا اللاجئين قد قررنا لأنفسنا أن لا نسكن تراب وفضاء هذا الوطن فحسب وإنما ان نكون مسكونين بهذا الوطن حتى النخاع وسنظل نردد مع اميل حبيبي : باقون في حيفا .
ولكن لا يمكن وضع دعوة السيد حسن نصر الله في هذا السياق... فالمعركة ليست ضد إعادة احتلال فلسطين وإنما لدرء خطر احتلال لبنان ... والمقاومة اللبنانية ليست جيش الانقاذ ونحن لسنا ريشة في مهب الريح رغم التهديد بالترانسفير الذي يطل علينا صباح مساء من عنصريي إسرائيل وليس من بلاد الأرز.
أما ردنا المدني على هذه الدعوة فهو مطالبة حكومة إسرائيل بحكم كوننا مواطنين فيها، فهو توفير وسائل الحماية والوقاية لجماهيرنا مثل صفارات الإنذاروالملاجئ والارشادات.... وإلا كيف يتم تفسير حقيقة أن بضعة صواريخ في مجد الكروم ودير الاسد قد أوقعت خمس ضحايا، في حين ان مئات الصواريخ على كريات شمونة لم يقع ضحيتها أحد من المدنيين، الأمر الذي نحبذه ولا نعترض عليه.
أما ردنا الديمقراطي الشعبي فهو يتمثل في تشديد المعركة الشعبية بين اليهود وبين العرب في إسرائيل للخروج ضد هذه الحرب وتنظيم مختلف النشاطات الاحتجاجية ضد استمرار هذه الحرب الاجرامية والعدوانية ونحن إذا نستهجن تأييد اليسار الصهيوني للخروج الى الحرب، إلا أننا نسجل بايجاب معارضته لقرارات المجلس الوزاري المصغر بشأن توسيع رقعة الحرب.
أما الرد الشخصي على دعوة السيد حسن نصر الله فهي محكومة لاعتبارات المواطنين بأنفسهم فنحن كمنتخبي جمهور لا نستطيع أن نقول للناس ابقوا في بيوتكم حتى الموت، ولا نستطيع أن نقول للناس غادروا بيوتكم خوفا من الموت.
خاصة وأن مغادرة البيوت غير مقصورة على العرب فلا يمكن اتهامهم بأنهم غادروا بيوتهم "لافساح المجال أمام حزب الله لضرب حيفا"، أو أنهم لا يريدون أن يكونوا "دروعا بشرية في مدينتهم"علما أن نسبة كبيرة من المواطنين اليهود قد غادروا بيوتهم في الشمال قبل ان يفكر أي مواطن عربي بذلك وقبل دعوة السيد حسن نصرالله.
واذا كانت دعوة السيد حسن نصرالله تهدف للحفاظ على حياة العرب في اطار مواجهته للعدوان الاسرائيلي فإن ردنا السياسي والمدني والديمقراطي والشخصي يهدف إلى الحفاظ على حياة الناس جميعا على جانبي الخط الأزرق.

*الكاتب رئيس الجهة الديمقراطية للسلام والمساواة









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات