الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الله والقوى الوطنية العربية

ناهد نصر

2006 / 8 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


من أهم الدعاوى التى يطرحها المؤيدين لحزب الله تأييداً غير مشروط القول بأنه حركة تحرر وطنى تتبع تكتيك حرب العصابات لزعزعة أركان العدو مع الإدراك الكامل لتفوق العدو عسكرياً، حتى أن نصرالله فى حوار تلفزيونى قال بأن الإنتصار بالنسبة له يعنى القدرة على الصمود والحفاظ على الكرامة، ولم يكن رومانسياً بقدر مؤيديه الذين يهتفون له بأن يدمر تل أبيب.

وعلى الرغم من أن الكثير من مؤيدى حزب الله "الآن" يعلمون بوجود خلافات أيدولوجية معه ومع توجهات حزبه، إلا أن حصاراً فكرياً بات يفرض على مجرد التفكير فى توجيه أى نوع من أنواع النقد لحزب الله على أساس أنه ينبغى فى الوقت الراهن توحيد الجبهة الشعبية خلف سماحة السيد وحزبه فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الأمريكى.

على أن دروس التاريخ علمتنا، أو هكذا ينبغى لها، خطورة أن نغض الطرف عن اختلافات جوهرية ومبدئية فى لحظة من اللحظات لصالح ما نعتقد أنه يحقق مصلحة عامة. ودروس التاريخ تلك حاضرة لم يطمسها الزمن. فلا يخفى على أحد أن نظام الحكم الإسلامى فى إيران قام على رقاب المؤيدين للحزب الشيوعى الإيرانى الذى مهد للثورة على نظام الشاه، والذى سلم الدفة مختاراً للإسلاميين بلا رجعة. والمئات المتبقية من قوى اليسار المصرى لازالت تجرع حتى الآن مرارة إلتفافها غير المشروط حول السادات بعد إعلانه قرار الحرب فى أكنوبر 73، والحال نفسه إذاء موقف القوى الوطنية من إنقلاب عبد الناصر العسكرى وغير ذلك من الأمثلة كثير.

إذاً التاريخ أثبت أن الرؤية الواضحة والتحليل النقدى هو السبيل الوحيد نحو الإتساق مع الأهداف من جهة ومع الجماهير من الجهة الأخرى. وهو الموقف نفسه الذى ينبغى إتخاذه بشأن حزب الله. الآن. فإرادة الشعوب لهى أجدر بأن تحترم، لكن حين تتحول جل القوى الوطنية والمجتمع المدنى دون أى نقد أو تحليل إلى جماعة من المتذيلين للوعى الذى تصنعه آلة الرجعية والتسلط الطائفى والدينى التى ترفع الشعارات البراقة للتحرر الوطنى ومعاداة الإمبريالية. فإن ما تقدمه تلك القوى فى الحقيقة ما هو إلا خيانة لهذه الشعوب لا إحتراماً لإرادتها.

وبالنظر إلى الحرب الدائرة الآن فى لبنان فقد أعلنت إسرائيل أنها لا تهدف منها إلى إحتلال جنوب لبنان وإنما إبعاد حزب الله إلى حدود نهر الليطانى. فإذا كانت إسرائيل قد تمكنت عن طريق الإستخدام المفرط للقوة من إبعاد حوالى مليون لبنانى وتهجيرهم وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة على هذه المساحة من الأراضى اللبنانية. بينما لم تتمكن من القضاء على حزب الله. وإن كان حزب الله بكل صواريخه التى وصل بعضها إلى العمق الإسرائيلى لم يتكمن من حماية المدنيين اللبنانيين من القتل والتشريد فمن هو الخاسر ومن المنتصر فى هذه الحرب؟ لقد كان نصر الله واقعياً حين عرف الإنتصار بأنه الصمود. صمود نصر الله شخصياً وصمود منصات صواريخه، وصمود مصادر تمويله. أما الشعب اللبنانى الذى يهدى نصر الله "إنتصاره" إليه فهو بين قتيل وجريح ومشرد. أما الشرف العربى والكرامة العربية فهى أمور لا تهم سوى المتابعين لأحداث الحرب خلف شاشات التلفزيون، لا من يكتوون بنيرانها حقاً.

حزب الله،وصراع الإمبرياليات الكبرى والصغرى

فحزب الله الذى يبدو وكأنه يصارع قوى الإمبريالية الممثلة فى الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه فى الوقت نفسه يخدم مشروعاً إمبريالياً آخر، وإن كان على نطاق أصغر، يمسك بخيوطه النظام الشيعى فى إيران التى ترعاه وتدعمه. والتى لم يحرك رئيسها أحمدى نجاد المنشغل فى برنامجه لتخصيب اليورانيوم صاروخاً واحداً من طهران إلى تل أبيب على الرغم من التصريحات النارية التى تنهمر من المسئولين الإيرانيين منذ إشتعال الأزمة فى غزة. وهو الحال نفسه مع حليف إيران فى المنطقة النظام السورى الذى رفضت وزيرته لشئون الهجرة توصيف خطف نصر الله للجنديين بالخطوة غير المحسوبة بينما رداً على سؤال لها حول متى ستتحرك سوريا، وذلك بعد إسبوع واحد من القصف الوحشى على جنوب لبنان، قالت إن التدخل السورى ينبغى أن يكون مبنياً على حسابات دقيقة. وبينما يطلق وزير الخارجية السورى وليد المعلم تصريحاته مؤخراً فى زيارته للبنان حول لبنانية مزارع شبعا لم يتحرك الجيش السورى لتحرير الجولان التى تحتلها إسرائيل. ألا يستدعى الموقف الإيرانى والسورى الرأى القائل بأن تحركات حزب الله هى تصفية حسابات سياسية إقليمية أو تمهيد لها بدماء لبنانية؟ وما الذى يعنيه تصريح المندوب الأمريكى لدى الأمم المتحدة مؤخراً بأنه يمكن التعامل مع حزب الله فى المستقبل كقوة سياسية لا كقوة عسكرية؟

فإذا تم إقرار وقف إطلاق النار هل سيواصل حزب الله هجماته الصاروخية على إسرائيل؟ وإذا كان حزب الله كما يصرح زعيمه يتصرف كردة فعل فقط للهجمات الإسرائيلية على لبنان فما الدور الذى سيلعبه بعد وقف إطلاق النار، بعد أن فشل فعلياً فى حماية اللبنانين ولم ينفذ وعيده بقصف تل أبيب على الرغم من الدمار الذى لحق بالعاصمة بيروت؟

أغلب الظن أنه بعد فشل إسرائيل فى تدمير حزب الله على الرغم من نجاحها فى إخلاء مناطق واسعة من الجنوب من سكانه فإن مسرحية فرد العضلات التى لعبها النظام الإيرانى- السورى عن طريق حزب الله سوف تتمخض عن دور سياسى أكبر لحزب الله فى لبنان من جهة والدفع بالدبلوماسية الأمريكية لضم كل من إيران وسوريا فى الحوار حول الخارطة الجديدة للشرق الأوسط "الجديد". بينما تحتفظ الآلة العسكرية الإسرائيلية - الأمريكية بدورها فى ترويع السكان اللبنانيين وقت الحاجة. فحزب الله ورعاته يتصرفون بسياسة يد تحمل الصاروخ والأخرى تصافح، أو تحاول المصافحة، مهما اقتضت الضرورة من عبارات رنانة أمام الكاميرات. بينما يطمئن سماحة السيد الشعب اللبنانى المنكوب بخزائن رعاته قائلاً سنساهم فى إعادة الإعمار، وكأنه يشارك كونداليزا رايس الرأى حول أن الشعب اللبنانى ينبغى أن يحتمل القتل والتشريد كثمن لمخاض الشرق الأوسط الجديد.على إختلاف ما قد يعنيه مفهوم الشرق الأوسط "الجديد" بالنسبة للإمبريالية الأمريكية عنه بالنسبة للإمبريالية الإيرانية الإقليمية. فأى وطنية تلك التى يدين بها حزب الله.

المقاومة بين المشروعية والفاعلية

على الرغم من الإدعاءات الإسرائيلية والأمريكية التى تحاول خلط الحدود بين الإرهاب وبين المقاومة فإن مقاومة الإحتلال وسيطرة القوى الإمبريالية ستظل حقاً لا غبار عليه للشعوب التى تعانى من تلك السيطرة. فما مدى فاعلية المقاومة على طريقة حرب العصابات التى يخوضها حزب الله فى لبنان وعدد من فصائل المقاومة المسلحة فى فلسطين المحتلة؟ إن السؤال الذى ينبغى أن يطرح فى هذا الشأن لا يتعلق بمشروعية المقاومة وإنما بفعالية آليات المقاومة تلك. فكل عمليات إطلاق الصواريخ والعمليات الإنتحارية التى تتم من قبل الفصائل الفسطينية المسلحة لم تكن قادرة فى أى وقت على منع الإجتياحات الإسرائيلية للقرى والمدن الفلسطينية وما تعمله من مذابح بشعة للمدنيين هناك. فضلاً عن أن المقاومة الفلسطينية المسلحة لم تتمكن من فرض أى مطلب من المطالب الفلسطينية على الحكومات الصهيونية المتتالية. كما تمكنت إسرائيل من إبتلاع كل إحتفاليات حزب الله منذ العام 2000 وحتى الآن بدعوى تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الإسرائيلى. حيث أثبت الهجوم الإسرائيلى الوحشى على جنوب لبنان مؤخراً جواً وبراً أنها قادرة على العبث فى الجنوب "المحرر" وقتما تشاء.

فجماعات المقاومة المسلحة رغم حصولها على تعاطف الكثير من الناس إلا أن غالبية المتعاطفين معها لا ينخرطون كأعضاء فعليين فى تلك الجماعات، بل وتقع مصالحهم فى أغلب الأحيان تحت سيطرة القوى المعادية (مثل الإحتلال) أو تحت سيطرة القوى التى لا تؤيد آلية حرب العصابات (مثل الدولة). وكمحاولة لإضفاء بعض التوازن على تلك المعادلة يصبح لزاماً على حركات المقاومة المسلحة توفير بديلاً إقتصادياً خدمياً وخيرياً كما تفعل حماس فى الأراضى الفلسطينية. ومن ثم عليها الإعتماد على قوى خارجية لها مصالحها الخاصة لكى تتمكن من الحفاظ على نسبة تأييد لها وسط الجماهير. حتى يتأتى لها اللعب بورقة الجماهير كلما اقتضت الحاجة لذلك. لقد حصلت حركة المقاومة المسلحة حماس على أغلبية فى التشريعى الفلسطينى ببرنامج خدمى محلى وليس ببرنامج تحريرى ثورى. وهو الحال نفسه فى العلاقة بين حزب الله وسكان الجنوب اللبنانى من المتعاطفين معه.

إن جماعات المقاومة المسلحة هى جماعات تحارب بالوكالة ليس فقط عن الشعوب ولكن أساساً عن القوى التى تقدم لها الدعم. ومن ثم فإنها لا تمثل حركات شعبية حقيقية. وإما أن ينتهى الحال بتلك الجماعات كطرف على مائدة المفاوضات على الحد الأدنى من المطالب كما هو الحال بالنسبة لجماعة الشين فين الآيرلندية أو أن تمسك بزمام السلطة بالوكالة أيضاً لتعيد إنتاج السيطرة ولكن هذه المرة بثوب جديد مثلما هو الحال فى كوبا كاسترو وفيتنام هوشى منه. وهى فى كل الأحوال تظل مرهونة بمصالح مموليها وداعميها التى لا يمكنها الإستغناء عنهم بقدر يتجاوز تعبيرها عن مصالح المتعاطفين معها من الشعوب.

إن المقاومة التى نحتاج إليه فى حقيقة الأمر هى تلك المقاومة الواعية والفعالة فى آن معاً. فحمل السلاح ليس هدفاً فى ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل المقاومة. وإن كان قطاع واسع من الشعوب العربية بل وفى بعض أنحاء العالم ينظرون نظرة إعجاب وتعاطف لحسن نصرالله وأحمد ياسين وحتى بن لادن والظواهري فذلك لأن البدائل المطروحة أمام تلك الشعوب على قدر من التخاذل والتواطؤ بما لا يتفق وأمانيها. على أن هذا التعاطف لا يتعدى فى الحقيقة كونه تعاطفاً مع بطل بالوكالة أو "مخلص".

فإسرائيل وامريكا وحلفائهما يمكنهم خلق رأى عام معادى لقضيتنا بالخداع والتدليس لكن الشركات عابرة الجنسيات ورجال الأعمال الغربيين والعرب سيدفعون دفعاً للضغط على تلك الحكومات فى حال تعرضت مصالحهم للتهديد إثر مقاطعة منتجاتهم أو توقف فروع شركاتهم عن العمل بسبب إضرابات عمالية واسعة. واثر اعلان العصيان المدنى الذى يهدد مصالح هؤلاء وحلفائهم والمتعاونين معهم.

فإن تمكنت الشعوب من مواجهة قمع الأنظمة البوليسية بكافة وسائل المقاومة السلمية، وإن كانت قادرة على إستخدام كافة وسائل الضغط لفرض مطالبها لن تكون فقط قادرة على تحرير فلسطين ولبنان والعراق من الإحتلال بل وتحرير بلادنا من الاستغلال والديكتاتورية والفساد.

وهى المهمة التى تحتاج إلى قدر من الوعى والقدرة على الحشد والوصول إلى أوسع قطاعات ممكنة من الناس ليس فقط فى الداخل، وإنما فى الخارج أيضاً. وذلك فى الحقيقة هو ما تفتقر إليه القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدنى لدينا.

القدرة على الحشد والتماسك والإقناع. صحيح أن ترديد الشعارات البراقة "للمخلّصين" أسهل بكثير وصحيح أن دعوة الحكومات لفتح باب الجهاد أسهل بكثير غير أن محاولة الوصول إلى الناس واقناعهم باهمية اتخاذ خطوات حقيقية على طريق المقاومة الشعبية الحقيقية يظل هو التحدى والسبيل الوحيد نحو التغيير الحقيقي الذى يعبر عن مصالح الشعوب لا عن مصالح طغاة الحاضر أو طغاة المستقبل.

فهل القوى الوطنية والمجتمع المدنى العربى لديها الإستعداد لخوض معركتها الخاصة للوصول إلى الجماهير؟ أما أنها تفضل البقاء كفقرة ضمن فقرات نشرات الأخبار وهى تتظاهر وتغضب وتهتف بالوكالة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي