الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحابيل الكواليس الغربية ومآلات الربيع العربي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 7 / 15
مقابلات و حوارات


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بأن الدول الغربية وسياساتها لعبت دوراً سلبياً في مآلات الربيع العربي الذي انطلق في العام 2011 وتحول خريفاً أو شتاء بعد حين؟

مصعب قاسم عزاوي: من الناحية المنهجية فإن التغيرات الاجتماعية والثورات الجذرية في المجتمعات عبارة عن مخاضات تاريخية تمتد على حقب زمنية طويلة، وأعتقد أنه من الإجحاف بحق «النموذج المبهر» لانتفاضة الملحمة الاجتماعية للنسيج المجتمعي العربي ضد الطغاة والمستبدين والنهابين والجلادين والعسس والبصاصين اعتبار أفول الربيع العربي حقيقة ناجزة، والتي لا بد أن ينظر إليها من منظار تاريخي، يتعلم من دروس التاريخ وتجارب التغيير الاجتماعي في غير موضع من أرجاء الأرضين، و يستبطن أن الربيع العربي وآلياته الداخلية المحركة له في حالة كمون مرحلي، بانتظار لحظة تاريخية قادحة لزناد الحراك الاجتماعي الجلمودي، كما كان في تضحية شهيد الإفقار والتهميش «محمد البوعزيزي»، أو غيره من عديد السيناريوهات المحتملة لذلك، والتي تبقى آفاقها مفتوحة على النكوص والاشتداد والكمون كما هو الحال في أي حراك مجتمعي ينطوي على عدد مهول من المتغيرات التي تلعب أدواراً متفاوتة في الحجم والتأثير في تكوين ذلك الحراك، مما يجعل التنبؤ بمآلاته ضرباً من «التنجيم» الذي لا بد من اعتبار «عرافيه» بمثابة «كذابين من الناحية المنهجية كحد أدنى» حتى لو صدقوا إلى حين.
أما من ناحية دور المجتمعات الغربية وسياساتها في مآلات الربيع العربي الراهنة، لا أعتقد بأن هناك اختلافاً محتملاً بين أي عاقلين على الدور السلبي الذي لعبه أولئك مجتمعين في جوقة تبادلوا فيها الأدوار المسرحية لإنتاج فعل كان يتجه دائماً بكل عنفوانه في اتجاه معاكس لرغبات وإرادة الشعوب العربية المقهورة في تأصيل الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي ينافح عنها ساسة العواصم الغربية «رياءً» و«دعاية سوداء» بكرة وعشياً.
والسبب المضمر في سلوك أولئك الساسة المرائين نابع من دورهم «الوظيفي» المناط بهم للحفاظ على مفاعيل هيمنة مجتمعات الأقوياء الأثرياء على حطام مجتمعات المفقرين المنهوبين على المستوى الكوني، و الذي يعني بشكل عياني مشخص رهابهم المتأصل من كل ما قد يرتبط بإقلاق استقرار «المستنقع المتعفن الراكد» في أي بقعة من أرجاء الأرضين، وأعني هنا بالتحديد نموذج المجتمعات التي يسيطر فيها ويشرئب الاستبداد والمستبدون؛ حيث أن الاستبداد ونواطيره من الطغاة والمستبدين خير من يقوم ويسهر على حماية مصالح الشركات العابرة للقارات، مالكة مفاتيح الحل والعقد الفعليين في مجتمعات الأقوياء الأثرياء الصناعية في الغرب، عبر تأمين استمرار حصولها على الثروات الطبيعية من مجتمعات الاستبداد بشكل شبه مجاني، وضمان تحقق شفطها البربري لقوة عمل رخيصة بشكل لا يكاد يفترق عن «العبودية بالأصفاد شيئاً» من نفس تلك المجتمعات بقوة الحديد والنار الكامنة في يد الطغاة والمستبدين، و الحفاظ على ديمومة انفتاح أسواق تلك المجتمعات نفسها على مصاريعها وأعنتها دون قيد أو شرط لتصريف نتاج المجتمعات الصناعية وشركاتها العابرة للقارات نفسها في «حلقة شيطانية» متقنة ولصيقة العرى تعمل سرمدياً لتعزيز هيمنة الأقوياء الأثرياء على المفقرين المستضعفين.
وبالتالي، فإن أي حراك اجتماعي يحتمل أن يقود في المآل الأخير إلى كسر تلك «الحلقة الشيطانية» للهيمنة والاستبداد، لا بد من وأده في مهده، والتعامل معه على أنه «أزمة» لا بد من إدارتها وفق نفس منهج الرياء السياسي والمعرفي والخطابي في الغرب، وشروط اللعبة السياسية للديموقراطيات الشكلية فيها، وضروراتها الإخراجية التزويقية من قبيل شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي لا تعني شيئاً في القاموس السياسي الغربي يتجاوز بعدها اللفظي الرنان.
وفي نهاية المطاف فإن مهمة الربيع العربي المهولة في مواجهة المستبدين الذين لا يتورعون عن استخدام كل أشكال التدمير والإفناء والقتل بأشكاله الأمني والحربي والعسكري وصولاً لاستخدام سلاح الإبادة الجماعية و«التطهير» لفئة من المجتمع بأكملها، مثل السبب الموضوعي في حالة «الكمون حين قد لا تنفع الحركة» للجسد الاجتماعي للربيع العربي راهناً، إذ أن الحقيقة المرة هي أن العين مهما كان منظارها «أخلاقياً ومحقاً» يستحيل عليها «مقاومة المخرز» إلا إن تصدر لنصرتها قوىً خارجية تعزز من احتمالات صمودها والتئام جروحها، وهو ما لم يتحقق في الحالة العربية، إذ اصطفت جل القوى الخارجية على اختلاف أشكالها و تلاوينها الظاهرية في فريق «المخارز» من الجلادين والمستبدين جهاراً نهاراً أو مواربة وتلطياً وراء الخطب الرنانة التي لم تغن أو تسمن أو تعضد سواعد وعيون المنتفضين العرب، فتركت مآقيهم مشرعة لجلاديهم ومستبديهم ليتفننوا في «فقأها» ما داموا ملتزمين بقيامهم بدورهم الوظيفي المناط بهم كنواطير ومفوضين سامين عن «السادة المستعمرين القدماء»، والذين لم يرحلوا إلا شكلياً عن المجتمعات العربية.
وهناك سبب آخر لا بد من الالتفات له في هذا السياق مرتبط برعب الساسة في الغرب من نجاح أي حراك اجتماعي في أي من أصقاع المعمورة في تحقيق نفسه بشكل مجتمع مستقر غير مؤوف بتهتكه اجتماعياً و اقتصادياً و سياسياً و باقتتال أبنائه فيما بينهم، وهو ما قد يحدث «عدوى الطموح للتغيير» في المجتمعات الغربية نفسها التي لا يستطيع المتحكمون بها استخدام «الدبابات والطيارات وأسلحة الإبادة الجماعية» كما يفعل مستبدو المجتمعات المفقرة المنهوبة «برعيتهم»، وذلك لتنافيه مع شروط اللعبة الديموقراطية الشكلية في الغرب، وهو ما قد يجعل من أي «حراك اجتماعي» على نهج الربيع العربي و«مسيراته السلمية المليونية» كابوساً لا يطيق تحمله أي من أصحاب الحل والعقد في العواصم الغربية، والذي لا بد من إعمال كل مباضع «الخبث السياسي من وراء الكواليس» لحرفه عن مساره الطبيعي، وضمان تعثره وكبوته، وتحوله فريسة سهلة لكل «الغازيات الانتهازية» وخاصة تلك «المتطرفة» منها، والتي لدى الساسة في الغرب خبرات واسعة في آلية تصنيعها، وغسيل أدمغتها، وإدارتها، و تمويلها، وتشغيلها، واحتضانها كما كان الحال في التجربة «الفائقة» لتصنيع «المجاهدين الأفغان» في ثمانينيات القرن المنصرم «للجهاد ضد الغزاة السوفييت»، و ما سبقهم وتلاهم من «تنويعات دميمة على نفس المقام الشيطاني»، والتي لا تنقطع حتى اللحظة الراهنة في غير موضع جغرافي على الخارطة الكونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا