الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدى الواحة بين الماء والذاكرة بجنوب شرق المغرب

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2021 / 7 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


سلف لواحة غريس بجنوب شرق المغرب أن رفعت صوتها، وصدعت بمعاناتها لما تقدم أحد المقاولين لإنجاز، في شهر مارس (آذار) الماضي ملف الاستثمار الزراعي الذي زكته السلطة ورخصت له، فوق عين يشرب منها سكان الواحة المذكورة وعددهم حوالي سبعين ألف نسمة. سُمع صداها بفعل الحملة الإعلامية التي شنها المناضلون بالواحة، ولولا تلك الحملة لاستعد السكان للرحيل. وللأسف الشديد أعرضت بعض الهيئات عن الحدث، لأن تدخلها لن يرضيَ السلطة المحلية. وبعد أشهر قليلة برز «صدى الواحة» ثانية، يروي العطاش للمعرفة. ولا غرو، فلا فرق بين الماء والثقافة بجنوب شرق المغرب. فالواحة في فهم اليونسكو هو الوسط الذي أنشأته الثقافة، وحينما تنعدم الثقافة تنعدم الواحة. ظهر «صدى الواحة» سمة كتاب للأستاذ محمد واحد، وهو كتاب يصف الواحة أنها هالة محففة بالمزرعة والتقاليد الشفاهية منها ما يتصل بالغذاء ومنها ما يدور حول العرف، ومنها ما موضوعه الطقوس والمعرفة، دون إغفال المهارات، المهن والحرف.
صدى الواحة، كتاب من الحجم الصغير، 146 صفحة، صدر عن مطبعة الاقتصاد بأكادير، في شهر يوليوز من العام 2021، ينطوي على 14 فصل، فضلا عن المقدمة، والإهداء. صورة الغلاف لباب قصر أغفل الكاتب نعته. و«الكتاب يورث التفكير، وحب الماضي، والاعتداء بالأصول. وفهم الحاضر والنور الوضاء على مرأة الزمن الممتد»، كما ورد في التقديم، بقلم مولاي الحسن الحسيني.
لم يعرف الأستاذ محمد واحد الواحة بشكل مباشر، ولكن لمسها في بغض الفقرات، نحو السكن المتراص، أي: وجود السكان داخل «مجال مشترك «القصر»، وفي دور متلاصقة ومتداخلة»، مما «يفرض التواصل والتعايش والتقارب» بين السكان (الصفحة 19). ونحو اعتماد اقتصاد السكان «على الفلاحة المعاشية الهادفة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي»، فضلا عن اهتمامهم بتربية المواشي «دون أن ننسى ظهور بعض المهن المرتبطة بالمعيش اليومي للسكان. نذكر منها الحدادة والنجارة والصناعات السعفية التي تعتبر النخلة مصدر موادها الأولية» (الصفحة 20). ومن ذلك أيضا، التربية على نمط الواحة إذ «تعلمك الصبر والتحمل وتنمي فيك التأمل وتدربك على احترام قواعد العيش داخل القصر». والواحة وجهها في لحظات الدورة الزراعية. فالأستاذ محمد واحد يبث مجموعة من اللقطات تذكرنا أن الواحة وسط منشأ ثقافيا بدورته الزراعية وبتقاليده الشفاهية وبنمط السكن والتضامن والتآزر. فالواحة وحدة سوسيو مجالية متجانسة. وكلما أردنا ملامسة وحدة من نوعها فإن عملنا سواء أردناه سيرة ذاتية، أو نمطا أدبيا ما، فيندرج بالضرورة ضمن عمل الذاكرة.
ما هي العناصر المكونة للذاكرة الجماعية بقصر مونحيا بحوض غريس بجنوب شرق المغرب؟
ـ القصر أحد المكونات الرئيسية في الوحدة السوسيومجالية المتجانسة. يسمى القصر بالأمازيغية «إغرم»، ومن ذلك «تاغرما» أي المدنية، والوسط الحضري. والقصر أحسن ما اهتدى إليه الإنسان بجنوب المغرب. بناية القصر، من «التراب المدكوك «التابوت»»، وسقفه جذوع النخل وسعفها (الصفحة 17). ويدور الكتاب حول المجموعة القروية «واقا» بحوض غريس عامة، وعلى قصر «مونحيا»، مسقط رأس الكاتب خاصة.
ـ الجانب الأمني مكون مهم في القصر، بما هو نسق ثقافي، وبما هو، أيضا، وحدة سوسيومجالية متجانسة. وتعتمد الحماية بالقصر على السور الذي يعد سدا منيعا لحماية السكان (الصفحة 18). وإنه «حماية أهله من غارات العدو وهجماته» (الصفحة 26). ولم يشر الكاتب إلى العناصر الدفاعية الأخرى، نحو العازل «أطراز» بالأمازيغية، إن وجد، والتحصين بالخنادق التي تتميز بها مجموعة «واقا» القروية بحوض غريس.
ـ الأبراج: فصل الكاتب القول في الأبراج وصلتها بحق الدفاع الذاتي، وأشار إلى وجودها (الصفحة26)، وهي «للمراقبة والعسس يبيتون يراقبون جنباته ببنادقهم». ذلك أن قصر «مونحيا» الذي «لا يشبه القصور المجاورة في تركيبته الإثنية»، أي: إنه فسيفساء «من الشرفاء بمختلف أصنافهم حقاويون، فيلاليون، أيت سيدي بويعقوب، وهناك السود (إقبلين) من أيت يفغ، أهل تغفرت، وأهل أسرير من نواحي تنجداد....وهناك أيت مرغاد»، (الصفحة 23)، وحينما لا يكتسب القصر صبغة عصبية لا يحق له اكتساب الأبراج، أعني يتجرد من حق الدفاع الذاتي. صحيح أن أيت مرغاد يملكون حق الدفاع الذاتي، ويبدو أن سبب دخولهم قصر مونحيا كان لحماية الدرع البشري بعد معركة تيلوين. والناظر في صورة غلاف الكتاب يتبين أن البرج مجرد من رموز الشموخ والكبرياء. ويبقى لغز الدفاع الذاتي بين الفعل القائم والحق المفترض حلقة أحوج إلى مزيد من التوضيح.
ـ موقع القصر منذر، يحمل في طياته ثقافة الخوف لقد «تعرض للغزو من طرف قبيلة «أيت عطا» في بداية الأمر فسكنوه»، ويبدو أن ذلك حصل سنة 1853، «ليتعرضوا بدورهم لغزو من طرف قبيلة «أيت مرغاد»»، ويبدو أن ذلك جرى سنة 1886، «وهو ما جعله يعرف توافدا سكانيا من جهات مختلفة، ويعرف غنى إثنيا يميزه عن جميع قصور واقا» (الصفحة 23). وإن موقع القصر اهله ليصبح درعا بشريا بين مجال أيت عطا وأيت مرغاد، وأن وجود أيت مرغاد في القصر كان لحراسة الدرع البشري العازل، وليس لإعطاء القصر الغلاف العصبي.
ـ ثقافة الخوف غائبٌ ذكرها في الكتاب، وإن كان موقع القصر بين جاذبيتين «أيت عطا» و«أيت مرغاد» إلى عشية دخول المستعمر الفرنسي. ومعنى ذلك أن ثقافة الخوف ستبدو واضحة في معمار القصر، في التوزيع العشائري للأحياء، وفي المتاهات، والعوازل، والدروع البشرية، والمخازن العميقة.
ـ المجال المعمر بالقبور، بما هو امتداد للمجل المعمر بالدور، وما ينطوي عليه من طقوس التبرك والإطعام والعجائبية. ففي مدخل أحد الأضرحة «بئر تفيض ماء قبل الفجر فتمتلئ عن آخرها. ولا تعود إلى أصلها إلا بعد أن يلمسها المقدم «بقطعة فضية»»، الصفحة 86.
ـ المجال الزراعي المحروس تحت إمرة حارس المزرعة، «أمغار ن إكران» بالأمازيغية الي يحرس «أرجاء الغابة المترامية الأطراف في جميع الأوقات» (الصفحة 119).
ـ التنظيم العرفي لقبيلة القصر في «ست فخذات (إغص بالأمازيغية)»، وهو تنظيم شاذ لتكوينه من عدد زوجي، لكن الأستاذ محمد واحد يضيف أن «هؤلاء الأعضاء الستة ينضاف لهم خمسة أعضاء لقصور الشرفاء ونواحيها نسميهم «لجماعت»»، (الصفحة 116). ومعلوم أن المجموعة القروية واقا تداني المجموعات القروية الأخرى بجنوب شرق المغرب.
ـ التعدد العشائري سمة استثنائية في قصر مونحيا. ذلك أن طبيعة القبيلة، في أغلب مناطق المغرب، يغلب عليها طابع القرابة بين أسرها... لكن في قصر مونحيا، يختلف الأمر تماما. غذ جل الأسر وافدة على القصر من وجهات مختلفة ولكل أسرة حمولتها الثقافية، وعاداتها وتقاليدها... فيعتبر هذا العنصر نقطة قوة وغنى ... كما يمكنه أن يكون عكس ذلك...»، (الصفحة 115).
هذه العناصر المتناسقة فيما بينها، والمتجانسة تجانسا منطقيا، والممتدة في الماضي جعلت القصر في الواحة فضاء للذاكرة. لذلك فكلما أريد الحديث عن القصر يطفو الحنين على السطح، وتكاد الذات تزيح الموضوع جانبا. فكم «انتشيت وأنا على ظهر الحمار المرقط أشد زمامه بين يدي، وكم يحلو لي أن أتسلق أشجار الجنينة، رمانها، زيتونها، ونخيلها. لم أنس شجرة الورد البلدي السخية بورودهاـ فأوزعها كل صباح من أصباح الربيع الطلق الجميل على أصدقائي عربونا على الود والمحبة»، (الصفحة 28). ودون البحث عن مزيد من الأدلة فالكتاب «فسح المجال للذاكرة أن تفتح كوة على ذاك الزمان الجميل الذي ولى ت مأسوفين عليه ـ محاولا في هذا السرد التاريخي للأحداث والوقائع، التي حافظت عليها ذاكرتنا لمدة تربو على أربعة عقود ونيف من الزمان، فكان من الضروري، والأمر هذا أن تشوبها ضبابية ويعتريها نقصان، ويعلوها النقع، فيطولها النسيان...»، (الصفحة144).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر