الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقييم لسياسة الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة 14 تموز/الجزء الثاني

فاضل عباس البدراوي

2021 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء ألثاني
لم تمض سوى أيام قليلة على الثورة، حتى بدأ الخلاف يدب بين أطراف جبهة ألاتحاد الوطني، خصوصا بين الحزب الشيوعي من جهة وحزب البعث والقوميون من جهة أخرى. فقد نظم البعثيون والقوميون تضاهرة انطلقت من منطقة الفضل قدرت بعدة مئات، اخترقت شارع الكفاح ثم اتجهت الى شارع الرشيد، كانوا يحملون خلالها صورا لعبد الناصر وشعارات وهتافات تطالب بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، لقد خلت التظاهرة من أية صور لقادة الثورة ولا هتافات بحياة الجمهورية الوليدة، انتهت التضاهرة بسلام.
جاء الرد من الحزب الشيوعي سريعا، ما ان انتهت التضاهرة الاولى، حتى اوعز الحزب الى منظماته وأعضائه بتنظيم تضاهرة بعد تلك التضاهرة بعدة أيام. بالفعل انطلقت تضاهرة الشيوعيين واصدقائهم من باب المعظم قدرت بثلاثة ألاف متضاهر ربما أقل أو أكثر بقليل، مخترقة شارع الرشيد، رفعت فيها صورا للزعيم عبد الكريم قاسم، كما تخللتها شعارات وهتافات تدعوا الى أتحاد فيدرالي مع العربية المتحدة وصداقة سوفيتية، انتهت التضاهرة ايضا دون أي تعكير لصفو ألامن.
الحقيقة ان شعارات وهتافات التضاهرتين كانتا خاطئتين، فيهما خرق لميثاق جبهة ألاتحاد الوطني الذي لم يتضمن أي نص فيه للهدفين المعلنين من الطرفين، حيث ان أحد بنود الجبهة كانت تنص على دعم حركة التحرر العربية واقامة أفضل العلاقات مع العربية المتحدة، ليس فيه تحديد لشكل العلاقة، كما كانت تتعارض مع المبادئ الديمقراطية، وهي الاحتكام الى ارادة الشعب عبر مؤسساته الدستورية المنتخبة، فهي المخولة بأسم الشعب على تحديد شكل العلاقات مع دول العالم. أما شعار الصداقة السوفيتية فلم يكن في مكانه، حيث ان حكومة الثورة قامت عمليا منذ الايام الاولى لها باقامة أفضل العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وبقية دول المعسكر الاشتراكي واعترفت بجمهورية الصين الشعبية فلم يكن هنا من داع لرفع ذلك الشعار الذي استغلته القوى المناوئة لهم في الصاق تهمة العمالة بهم للاتحاد السوفيتي.
ان الصوت الحصيف الوحيد الذي ارتفع وسط تلاطم الشعارات انذاك، جاء من قبل الزعيم الديمقراطي المحنك الراحل كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي حيث كان يؤكد على الدوام سواء في تصريحات شخصية له او عبر المقالات الافتتاحية التي كانت تكتب في جريدة الحزب صوت الاهالي، باشراف وتوجيه منه، ثم عند لقائه بالزعيم مباشرة انتقد فيه أداؤه في ادارة الدولة. كان الجادرجي يؤكد على ضرورة انهاء فترة الانتقال باسرع وقت والانتقال الى اقامة المؤسسات الدستورية التي ترسم سياسات العراق الداخلية والخارجية. ليس غريبا على الجادرجي اتخاذه لتلك المواقف السياسية الرصينة، وهو الذي له تجربة مريرة مع العسكر، عندما استوزر في حكومة حكمت سليمان بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936، على أمل تحقيق شعارات الانقلاب في اجراء اصلاح للاوضاع السياسية والاقتصادية للبلد، عندما لم يلمس تغيير حقيقي في ادارة الحكم استقال من الوزارة معه عدد اخر من الوزراء الوطنيين، لذلك كان يتوجس التعاون مع العسكر وخوفه من انفرادهم بالسلطة، وكان أستقراؤه للاوضاع فيه جانب كبير من الصواب والتي اثبتت الاحداث صحتها بعد انحراف الثورة عن مسارها الديمقراطي.
كلما كان الوقت يمر كان يزداد شعور الحزب الشيوعي بالغبن والاجحاف من قبل حلفائه في الجبهة، لقد كان الحزب على حق في ذلك الشعور، حيث انه الحزب الاطول عمرا والاوسع قاعدة حزبية وجماهيرية، من بين أطراف الجبهة باعتراف الجميع، وقدم تضحيات جسام من أجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار والرجعية. لكنه كان الطرف الوحيد الذي تم استثناؤه من التمثيل في حكومة الثورة، اذ مثلت الاحزاب الثلاثة ألاخرى في الحكومة، الوطني الديمقراطي بوزيرين والاستقلال بوزير وعضو مجلس السيادة والبعث بوزير. أكثر من ذلك ان عبد السلام عارف حاول عرقلة اصدار عفو عام عن السجناء والمعتقلين السياسيين وهو ما نص عليه بند من بنود جبهة الاتحاد الوطني، لم يكن حزبا البعث والاستقلال متحمسين لاصدار العفو، في الواقع لم يكن في السجون والمعتقلات أي سجين سياسي اخر من غير الشيوعيين، الا ان اصرار الشخصية الديمقراطية وزير العدل مصطفى علي على اعلان العفو واقناعه للزعيم بضرورته، تم اصدار العفو بالتدريج واستمر بعض السجناء في سجنهم بعد الثورة بحوالي الشهر. اضافة للسببين الانفتي الذكر للغبن الذي اصاب الحزب الشيوعي، انه الحزب الوحيد الذي لم يمنح رخصة لاصدار صحيفته، الى نهاية عام 1958 بينما ألاحزاب الاخرى منحت حق اصدار الصحف، لقد صدرث جريدة صوت الاهالي عن الحزب الوطني الديمقراطي وفي اليوم الثاني للثورة أصدر البعثيون جريدة الجمهورية ورئيس تحريرها سعدون حمادي اضافة لحزب الاستقلال كانت جريدة الحرية ناطقة بلسانه. هذا أيضا كان خرقا اخرا لميثاق الجبهة التي كانت أحدى فقراته تنص على حرية الصحافة والنشر.
كلما كان يمضي الوقت كان يزداد هوة التباعد بين القوى السياسية لكنها حتى أواخر عام 1958 لم تحدث احتكاكات بين تلك الاحزاب الا ما ندر واقتصرت على شعارات وشعارات مضادة، ومناكفات سياسية.
في خضم تلك الاحداث وبعد ازاحة عبد السلام عارف عن موقع المسؤولية، تفتحت الابواب امام الحزب الشيوعي ليمارس نشاطه بشكل علني ويستقطب أعدادا كبيرة من المواطنين، بعضهم مع الاسف لم ينتموا للحزب ايمانا بمبادئه انما لاهداف انتهازية، حيث كان البعض منهم يتصور بان الحزب على وشك الاستيلاء على السلطة في الوقت الذي لم يكن هذا الهدف في بال الشيوعيين، كان على الحزب ان يدقق أكثر في طلبات الانتماء اليه ليجنب اغراقه بالانتهازيين والوصوليين.
ومن الممارسات الخاطئة التي وقع فيها الحزب، هي انه اصيب بهاجس المؤامرات ضد الجمهورية، فلم يكن يمراسبوع حتى يتم ابلاغ رفاق الحزب ومنظماته بالانذار وابلاغهم بالقيام بخفارات ليلية في الشوارع والساحات العامة، بذريعة ان هناك مؤامرة ضد الجمهورية ربما تنفذ هذه الليلة! ان تلك الممارسة انهكت اعضاء الحزب ومنظماته ولم يكن لها داع ، فلو كان لدى الحزب معلومات صحيحة عن تلك المؤامرات كان عليه ابلاغ الزعيم بذلك حيث ان العلاقة بينه وبين الزعيم في تلك الفترة كانت أكثر من حسنة، ثم الشيء بالشيء يذكر، عندما كنا نقوم بالخفارات لم نكن نحمل أي سلاح لا ناري ولا أبيض حتى ولا عصي، فلو افترضنا ان مؤامرة حدثت في ليلة من تلك الليالي، وخرج المتامرون بدباباتهم والياتهم المدرعة كما حدث في 8 شباط الاسود، كيف بنا من التصدي لها ونحن عزل؟ .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة