الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية وينسن المجنون الباحث عن الحقيقة لزهرة ديكر

محمد ارجدال

2021 / 7 / 17
الادب والفن


مسرحية "وينسن" تضم بين ثناياها 74 صفحة مكتوبة بالحرف اللاتيني و هي من إصدارات تيرا رابطة الكتاب بالأمازيغية لسنة 2016، بمطبعة سونتر أمبريموري أيت ملول / أكادير.
من خلال أول نظرة على الغلاف نلاحظ رسم لحرف من حروف تيفيناغ "ياز" يحمله وجه امرأة باسم و قد تزينت بحلي فضية أمازيغية جميلة، في أعلى الحرف وجه آخر حزين يغلب عليه الهدوء يبكي و قطرات من دموعه تسقي وردة "فليلو" - شقائق النعمان-، في أقصى اليمين في الجانب السفلي شجرة مثمرة بحروف تيفيناغ، و الملاحظ سيرى أن الشجرة مكونة من كلمات و ليس حروف فقط: "أكال- افكان- تيفوكنا /الأرض – الإنسان - الإنسانية.... " ، بالنسبة لألوان الغلاف نجد في الأسفل ألوان قوية: بني و حمرة فاتحة -لون الأرض- و في النصف الأعلى ألوان هادئة مزيج بين ألوان السماء و الشمس، من كل هذا يمكن أن نستخلص موضوع المسرحية الذي يمكن أن تكون تيمته الإنسان، الأرض ، الهوية ، الجذور .... ، يمكن للقارئ من أول وهلة أن يطرح عدة أسئلة ليفهم غور و ماهية العنوان فيتساءل هل "وينسن" اسم علم؟ هل يحمل رمزية لشيء أو شخص معين ؟ و ماذا يقصد به؟ و ما العلاقة التي تربطه بصورة الغلاف؟ أسئلة كثيرة ستجيب عنها فصول و مشاهد المسرحية.
"وينسن" بطل هذه المسرحية و الذي اختار الجنون في انتظار ظهور حقيقة قاتلي والده أمغار القبيلة. تتكون هذه المسرحية من فصلين : الفصل الأول : يتكون من أربعة مشاهد ، الفصل الثاني من مشهدين اثنين، بالنسبة للشخصيات هناك شخصيات رئيسية : تزرزيت ، وينسن ، بالنسبة للشخصيات الثانوية نجد : تاماكيت ، بابا ماسين ، أمغار و أسافو و هو ابن أمغار الجديد-بابا ماسين- و يده اليمنى. نجد أيضا شخصيات ذات ظهور بسيط : توسمان، تالاسين ، اغوليد، ءيتري، أمالو ، شخصية "تودرت" مثلتها عجوز في ظهور وحيد .
ولتحليل مضمون المسرحية، سنبدأ بالفصل الأول : المشهد الأول:حيث نكتشف وجود مؤامرة خفية طرفها الأول أسافو، وهنا نلاحظ رمزية الاسم أسافو المشعل/النار، شخصية أسافو في هذه المسرحية كاسمه يتسم بالحقد ، الكراهية، يحيك الدسائس .... ، بعد ذلك تتضح مؤامرة أكبر أدت لقتل –باديس-أمغار القبيلة السابق الغني جدا ، فيتزوج أمغار الجديد-بابا ماسين- بابنة باديس "تيدت" التي ستموت أثناء المخاض قبل أن تلد، و هذا ما يُرَوجُ له في القرية ، لكن الحقيقية أن "تيدت" توفيت بعد أن ولدت توأمين في يوم يغيب فيه بابا ماسين -عن القرية- ليتدخل ابنه الشاب "أسافو" ليضع حدا لحياة أخويه التوأمين عبر دسهما في كيس زبالة و يطلب من "وينسن " مجنون القرية أن يرميهما بعيدا ، "وينسن" هو الابن البكر لباديس أمغار المقتول غدرا و هو نفسه شقيق "تيدت" الأكبر.
"وينسن" بطل المسرحية يمثل شخصية معقدة جدا ،تصرفاته متشابكة و أقواله غير مفهومة، وجوده يؤثر بشكل كبير على تطور أحداث المسرحية، تعرض لصدمة أفقدته عقله و بات مجنونا هائما يجوب القرية كحال المجانين، لكن الحقيقة عكس ذلك فوينسن فضل الجنون على العقل تحسبا للقادم من الأيام، فقد علم بفطنته أن قاتل أبيه لا بد و أن يقتله هو الآخر ليستولي على أملاكه و منصبه.
خلال المشهد الثاني يجد أهل القرية العائدين من الرعي و سط الطريق مهدا لرضيعين يتمتعان بصحة جيدة، و بسبب غياب أمغار عن القرية تلك الليلة، لم يستطيعوا أن يجدوا حلا للمشكلة خوفا من تبعاتها.
شخصية" تماكيت" في المسرحية متشبعة بحب الأرض و الناس و هي والدة "تزرزيت" -بطلة المسرحية - التي ورثث عن والدتها هدوءها و رزانتها، و تشبعت منها بالكثير من القيم و ظلت متشبتة بها رغم الظروف و الصعاب، نراها تختار أن تتبنى التوأمين و تعتني بهما حينما استغربت مغادرة أهالي القرية من الرعاة كل صوب بيته و قد تركوا الصغيرين وحيدين للعراء عرضة لوحوش الليل دونما أدنى رحمة، "تزرزيت" تعلم جيدا ما ينتظرها من سوء تفكير أهالي القرية، و كلامهم الجارح ، ستتعرض للكثير من التوبيخ و يُساء بِسمعتها و سينعتها الجميع ب "إليس ن تسوكت" –عاهرة-. الأم "تماكيت" لم تُثنِ ابنتها عن قرارها و كانت بجانبها دائما بالنصح و الارشاد ، و أحيانا بالتوبيخ و كثيرا ما تنصحها بالتسلح بالمزيد من الصبر.
المشهد الثالث: في حوار يضم "تزرزيت" و صديقتيها توسمان و تالاسين، نجد حديثها يحمل كمية كبيرة من المنطق و العقل، و هي لا تتوانى بتشبتها بأخلاق عالية و هي على دراية تامة بكل ما يحدث من حولها ، لكنها غير مبالية، لأنها على يقين أن ما فعلته من مصلحة الجميع، و تدري جيدا أنها ستعاني لكنها ستظل قوية متشبة بقناعاتها و ستتغلب على كل الصعاب.
شخصية "وينسن" شخصية عاقلة جدا عكس ما يظهر سلوكه و أفعاله من جنون، فأقواله تنم عن عقل كبير و شخصية قوية عالمة باستحالة بقاء الأمور على ما هي عليه فبمرور الزمن يتغير الكثير و تَظهر حقائق و تُطمس أخرى ، و هو بانتظار ظهور حقيقة قاتلي والده أمغار و كثيرا ما نجده يردد عبارة: "تيدت ءور تموت ... تيدت راد تمغي..." أو " ءيزيماز ءار تكريويلن ..ءازكا راد ءيلال ف تيلّي ن ءيمضل وول....ءازكا راد مّغينت توفراوين ءي تيدت ...ءيكتي تن د ءوفكان..."
أسافو ابن أمغار و يده اليمنى يحاول جاهدا أن يخفي حقيقة التوأم عبر بث كلام يشين بعفة تزرزيت، و هو بهذا يضرب عصفورين بحجر واحد فبابا ماسين بعد وفاة زوجته الثانية"تيدت"، يرغب ب "تزرزيت" زوجة له ، و "أسافو" رافض لزواج أبيه مجددا.
يشهد المشهد الرابع : ثورة بعض أهالي القرية على ما قامت به تزرزيت -حين تبنت التوأم – فالجميع ظن أنها أم الرضيعين مطالبين باعترافها عن حقيقة الأب فما قامت به يعتبر غير مقبول به في مجتمع محافظ يحكمه الدين و الأعراف، في حين نرى أن أغلبية الأهالي كان حاضرا و رفض تحمل مسؤولية الصغيرين المنبوذين وسط الطريق ،دون أن ننسى أن الجميع يعلم بأخلاق تزرزيت العالية، هنا يتضح نوعية المجتمع الذي تحاول الكاتبة زهرة ديكر تقريبه للقارئ.في هذا المشهد نرى أن "تماكيت" حذت حذو أهل القرية و تنكرت لابنتها و باتت تستفسرها أو بالأحرى تستفزها أن تخبر الجميع عن أب الرضيعين ، رغم كل شيء تبقى تزرزيت قوية و متشبتة باختياراتها .
يستمر "وينسن" بجنونه الذي يحمل كلام العقلاء أو الحكماء إن أمكننا القول ،كثيرا ما ينادي باقتراب ظهور الحقيقة، و أحيانا يخبر تزرزيت بضرورة التسلح بالصبر و التحلي بالايمان ، و ينادي و يطلب من الجميع برغبته بإحداث تغيير في محيطه و يقول :
- imal ann ad righ …. Gwmrgh t id… tiwwurga nu s uzkka .. igh trit ndru tnt … mad iran ad nssghus iswak nngh nklu tn s tiddukkwla d tgwmat? .. s tayri d ufra … awd yan is iri … awd yan is sul ira !

تزداد الوضعية سوءا و تتحطم معنويات" تزرزيت" بعد زيارة أمغار رفقة ابنه "أسافو" لمنزلها و استفسارها عن الحقيقة الضائعة.
في الفصل الثاني : المشهد الأول: تنجح "تزرزيت" بمساعدة "وينسن" في وضع خطة محكمة تغير تفكير القرويين جذريا ، فيرغب جميع رجال القرية شبابا و شيوخا بالزواج منها و إعطاء اسمه للرضيعين.
و في المشهد الثاني و الأخير: تظهر الحقيقة التي طالما انتظرها "وينسن" و "تزرزيت" ، بعد أن دخل "أسافو" في صراع مع والده بعد أن تأكد هذا الأخير أن ابنه البكر أراد طمس حقيقة ولادة ابنيه التوأمين من زوجته "تيدت" حَيَّيْن يُرزقان ، و قد علم من "وينسن" أنه من تدخل و أنقذهما في الوقت المناسب.
مسرحية "وينسن" مسرحية اجتماعية جميلة جدا بكمية الأفكار و الرسائل المبثوتة بين مشاهدها و فصولها، تناولت حب الأرض و الناس ، الهوية ، الأخلاق ، الصراع الطبقي ، مكانة المرأة في المجتمع في ظل ظروف صعبة تحكمها، العلاقت الانسانية ، تدني الأخلاق ..... ، لغة الكتاب معيارية بمعجم غني بديع ، احترمت الكاتبة مقومات الكتابة المسرحية، بناء درامي ممتاز ،ربط أجزاء المسرحية ببعضها البعض وصولا لتحقيق تأثيرات انفعالية مثيرة ،حيث نشاهد حدث ينطلق و يتصاعد لبلوغ قمة التأزم ثم بلوغ الحل في النهاية .فجاء أسلوب المسرحية محترما لكل مقومات المسرحية بحوار شيق يؤدي إلى تطوير الحدث و يعبر عن ما يميز الشخصية، ثم تصوير لمحنة الإنسان في أبعاد مختلفة ،كُتبت المسرحية بأسلوب شاعري جميل نختار منه هذا المقطع :
TaZRZit : uhmgh i yan yugwin tidt ad tt yasi ….uhmgh i yan isiggiln gar ifl afulki … mqqar nit d isqurri alln ar isghuyyu … max … max a ayt tmazirt inu trwlm tflm tarwa n wakal nngh gh iswak? … is kwn tffgh tmlla .. is d is kwn tffgh tayri d ufra …. Mad iz tsiggilm gh wul n TZRZit igh ar sul allan …. ar nTTRrn s wafulki.

زهرة ديكر كاتبة قصصية بالأمازيغية كتبت للطفل و الكبار، نالت جوائز مهمة عن أعمالها الأدبية، نخص بالذكر هنا حصولها على جائزة رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية لسنتين: الأولى سنة 2012 عن قصتها للطفل "يوفتن غ تاكانت ن ءيسافارن"yuftn gh tagant n isafaran, ،و الثانية سنة 2015 عن مجموعتها القصصية للكبار "كيي د نتات د ءودفاس" kiyyi d nttat d udffas، لها اصدارات أخرى: قصة للطفل بعنوان azmumg imicki"" و قصة مطولة تناولت أدب الخيال العلمي تحمل عنوان "adrghal n tagut" ، كما فازت بجائزة دعم السيناريو عن السينايو المعنون ب" تيتريت ن تودرت" بمهرجان ءيسني ن وورغ السينمائي الدولي ، و كما تكتب زهرة ديكر بالأمازيغية ، تكتب أيضا بالعربية و قد سبق و فازت بالجائزة الأولى لقصص على الهواء مجلة العربي الكويتية.
مسرحية "وينسن" تستحق القراءة والتشخيص على الخشبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل