الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع المتنبي ومدينة البندقية

هدى حسين عويد

2021 / 7 / 18
الادب والفن


طلبتُ من سائق الأجرة أن يوقف السيارة، نزلتُ منها، أردد بين نفسي:
- أخيرًا، اليوم كتب لنا حكايةً ولقاء، وحظوتُ بعناقٍ يشبه عناق الورق للأغصان .
كم كنتَ تنبض بالحياةِ اليوم؟
أهذه هي سحب سماءكَ أمْ هذه هي ذراعكَ تشابكَ أصابعي، تراقصني؟ تدور بي والتف حول ذاتي مُحلقة، متلفهة، حالِمةٌ نحوَ سركَ المهيب.
عمياء الخطى، مسروقة القلبِ، مشدوهة العقل، رحتُ استنشق رائحة كتبكَ كما وأنها الهواء ، وأتلذذ في حروفِها جوعى تريد المزيد.
أهكذا يكون حبكْ؟
فجدران مقهى الشابندر العتيقة تتكلم وتشهد إنَّ هنا "صدقي الزهاوي" قد جلسَ، أشعر، وأطرب العاشقين حينَ قال: "عرضَ الحب لسلمى وتألى".
وهناك يقفُ "الرصافي" حائرًا في أمرِ تلك الأرملة حيث قال: "لقيتها ليتني ما كنت ألقاها! تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها"
وعند المكاتبِ وجدتُ أجناسًا حرّة النَّفس، أبيّة، فانية الروحِ تعشقُ حرف القاف قومية،
وحرف الواو وطنية،
وحرف العين تهتف بصوتًا عاليًا عراقية.
بين هنا وهناك لمحتُ منارة القشلة شاهقة المدى، هائمة، مغرمة في حب ألة القانون ولحن المقامات البغدادية.
وعند المفترق رأيتُ رجلًا شامخًا يدعى "الجواهري"، يُناظر دجلةَ، ياخاطبها همسًا: "يادجلةَ الخير يا أمّ البساتينِ".
وعلى يمينِه يُحاوره "المتنبي" متعاليًا: "الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا".
تهندتُ قائلة:
- ارتويت الوَلهَ ها هنا.
أما
شارع المتنبي في الأبعاد المستقبلية هل يكون كمدينة البندقية على الأرضِ العراقِيَّة؟
يوم أمس كانتْ زيارتي الأولى إلى شارع المتنبي العريق، الذي تعود بداياتهِ إلى الحقبة العباسِية، منذ ذلك الوقت و إلى وقتِنا الحاضر يمثل هذا الشارع أوكسجين يستنشقهُ المواطن العراقي و بحر المعرفة يغرف منه كلّ من شعرَ بالضمأِ نحوَ المزيد من العلمِ، حيث تتوافد إليه جميع الفئات العمرية والطبقات الأجتماعية من داخل العراق و الخارج أحيانًا.
فقد ترى الأديب والمثقف والإنسان البسيط، وربما حتى الطفل الذي يحاول صعود سلم الأرتقاء الثقافي.
توجد بينَ تفرعاتهِ الكثير من المعالم الأثرية القديمة منها: الشانشيل، المباني المعمارية ذاتَ تصاميم عباسية، فضلًا عن الأزقة المنحنية الضيقة، والقشلة أو ما كانتْ تعرفُ بالمدرسةِ الموفقية، ومقهى الشابندر كانَ حافل سابقًا بالشخصياتِ المعروفة من الشعراء والأدباء، ينتهي الطريقة عند نهر دجلة.
كل كذلك جعلني أتساءل، ماذا لو كان شارع المتنبي كالبندقية؟
المدينة الإيطالية الأثرية، معلم سياحي عالمي، يذهب إليها 14مليون سائح في اليوم الواحد، أي أنها تحقق ثروة لا غنى عنها بالنسبة إلى إيطاليا.
أما بالنسبة للعراق فأن السياحة تكاد تكون معدومة أتجاه هذا الشارع بسبب أفتقارهِ للكثير من المقوماتِ التي تجذب أنظار السائحين إليه.
لذا نحن نفتقر اليوم مايعرف بالثقافةِ الأقتصادية وكيفية أستغلالها وأستثمارها في أعمار وتطوير التراث العراقي ليس على المستوى الأقتصاد والسياحة بل كافة المستويات التي ترتقي بالمجتمع العراقي نحو التقدم.
فعلى الرغم من الأصلاحات وأعادة تأهيله من جديد في 2008، إلا أنه تنقصه الجمالية والعناية المستحقة من قبل الدولة والمواطن نفسه.
أين وزارة الثقافة والسياحة من ذلك؟ حيث يمكنها أنشاء منظمات مختصة أو الأستعانة بالحملات الطوعية، تكون مسؤولة عن أعماره وخلق روح جمالية لائقة بتراثنا.

أثناء تجولي هناك رأيتُ الكثير من المباني يكسوها الخراب والتهديم، يمكن أعادتها للحياة مرة أخرى وجعلها متاحف مخصص للزيارة والاحتفاء بمنظرها.
كما وأننا نمتلك الكثير من المواهب الشابة المتخصصة في مجالات عدة منها: الرسم والنحت والموسيقى......الخ، ماذا لو تم إسقاط تلك الأبداعات الفنية على جدران الأزقة الضيقة وجعلها طرقنا تعبر عن ثقافتنا؟
ولا ننسى مفترق نهاية الشارع الذي يجمعنا بدجلةِ، كنا لشعرنا بالغرامِ لو أن تلك الأطراف تم تزينتها بالأشجار والورود، وأضافة مقاعد مطلة على النهرِ بدلًا من ذلك السياج الصخري المتحطم، وتمثال المتنبي الذي يغطيه الغبار في حين من الممكن وضع بعض الأيادي العاملة لتنظيفِه يومًا، وغير ذلك من اللقطاتِ التي تثير تساءلات الزائرين حول: هل من الممكن أن نرى شارع المتنبي كالبندقية.
ياترى هل كانت صدفة أم تخاطر حيث تم اليوم بأول مبادرة لترميم المكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟