الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرة القدم وسد النهضة الإثيوبى!!

حسن مدبولى

2021 / 7 / 18
عالم الرياضة


كعادة المصريين ومنذ فجر التاريخ ، مهما تكالبت عليهم الكوارث والمصائب ، فإنهم سرعان ما يتخطونها ويتغلبون على آثارها ويستكملون طريقهم وحياتهم بسعادة وبرود وأستذة وتفنن فى قلب الحقائق وتعكيسها؟ حتى أن البعض وصف مصر بإنها مقبرة الغزاة وجعل تلك الصفة مدعاة للفخر والمباهاة بين الأمم ، معددا مراحل احتلال مصر من الأجنبى ومرورا باندحار كل جيش من هؤلاء وذهابه غير مأسوف عليه، و لو فكرنا قليلا فى الأمر فسنكتشف أن عبارة مصر مقبرة الغزاة مزيفة وتدعو إلى الخجل والتبرؤ،فغالبية الغزاة المقبورين على أرضنا لم تدفنهم سواعدنا الأبية فور إعتلائهم ظهر البلاد والعباد ، وإنما الغالبية العظمى منهم دفنوا على يد غزاة آخرين حلوا محلهم !
وعلى مر تاريخنا كان كل محتل يقبع مئات السنين آمنا مطمئنا بلا أدنى مضايقة تقريبا، حتى يأتى من يحل محله ،وكان الإستثناء الوحيد لتلك العارات التاريخية هو الغزو الفرنسى،الذى لم يصمد فى بلادنا سوى ثلاث سنوات ، بسبب أن المصريين فعلوها وسلحوا أنفسهم بأنفسهم ، وقاموا بالتصدى للعدو وقدموا التضحيات صابرين، وإستمسكوا بالعروة الوثقى، فإنتصروا بجدارة حتى جاء الإحتلال الإنجليزى الذى ظل جاثما على ربوعنا قرابة ثمانين عاما بدون مقاومة تذكر، بعد أن دخل أرضنا عبر التواطؤ والخيانة، وبالتالى فإن هذه المتتالية المتوالية التى تعددت فيها سيطرة الجحافل الأجنبية على مقدراتنا لفترات كبيرة ، لا تدعوا أبدا لأى فخر ، وإنما تشير إلى وجود شيئ غامض فى الشخصية المصرية نجح بعض المحتلين فى فك شفرته فدامت لهم السيطرة وهانئ العيش والبقاء بدون مشاكل،
ولو درسنا على سبيل المثال اسباب بقاء الاستعمار الانجليزى فى مصر لمدة طويلة ، وتناقض هيمنته على البلاد ، مع سابق إكتشاف المصريون لقدرتهم على دحر الأجنبى عندما قهروا الغزو الفرنسى ، سيتبين لنا ان الإحتلال الانجليزى قد عرف سر الشخصية المصرية ، وسيطر على مفاتيحها، وطوعها وحولها الى كيان راض هانئ سعيد يحمد ربه ليل نهار على نقمة الإهانة والإذلال، لدرجة جعلت محمد عبد الوهاب( الإسطورة الثورى أيام الإشتراكية) يغنى للغالبية العظمى منهم أيام الإحتلال ""ما احلاها عيشة الفلاح، مطمن جلبه مرتاح، يتمرغ (كالحمار) على أرض براح ""!!
ولم تكن شفرة المصريين أو نقاط ضعف شخصيتهم تتمثل فى شيئ عظيم كبير تنهار أمامه كافة الأمم وتستسلم أمام أعدائها ، لكن تلك الشفرة كانت أمرا تافها بخسا لاقيمة حقيقية له ولا يكلف العدو الغازى شيئا ، فقد إكتشف الأجنبى أن غالبية المصريين لديهم شغف بل وشبق فى البحث عن أسهل الطرق للسعادة المجانية غير المكلفة ، لكى يتغلبوا على الشعور بالنقص والدونية نتيجة الهزائم والنكسات التاريخية، وكانت معادلة تلك الشفرة تتمثل فى شقين : الأول هو إسرق المصريين وإنهبهم ، دنس مقدساتهم ، إستولى على ممتلكاتهم ، إهدم بيوتهم ، إقتل أبنائهم ، فرط فى حدودهم ، إسجن خيرة أبنائهم ، لكن على الجانب المقابل إسعدهم بإنتصارات وهمية مزيفة، واسمح لهم بالاحتفالات الصاخبة على لا شيئ؟ ودعهم يرقصون ويثملون وكأنهم قد إمتلكوا العالم بأسره، عندها ستكون النتيجة الحتمية هى منحك كل شيئ بلا مقابل ، وسيتركونك بكل ما إقترفته يداك حتى ولو كرهوك، وسينتظرون منك فقط أن تمن عليهم بالإنتصار الوهمى التالى !!
ولم يجد الإحتلال الإنجليزى أفضل من لعبة كرة القدم لإستخدامها فى هذا السياق الذى يمنح المهزوم المقهور شعورا واحساسا كاذبا بالنصر والتفوق، فساهم رجال الإحتلال فى إنشاء الأندية فى كل ربوع البلاد، وبدأت الصراعات الوهمية حول البطولات والانتصارات، والإحتفالات الصاخبة ، لدرجة إقامة مسابقات لكرة القدم كانت تتشارك فيها أندية القيم والمبادئ الوطنية، جنبا إلى جنب، مع أندية الإحتلال الأجنبى الغازى المجرم ، والغريب أن المواجهات التى دارت بين الاندية الإنجليزية والاندية المصرية كانت تنتهى بانتصار مدوى للاندية المصرية وتخرج بعدها الإحتفالات فى كل ربوع البلاد !!
فكرة القدم لعبة سحرية لها تأثيرها الجهنمى الذى يستلب العقول مهما كانت درجة ثقافة صاحبها ، وتتحكم فى الأمزجة والتوجهات ، وتمنح بعض عشاقها شعورا كاذبا بالسعادة والتفوق والتفرد والعلو فوق الجميع ، وتدشن غيابا وانشغالا كارثيا عن القضايا الحقيقة ذات البعد المصيرى، أو تمهد لقبول ما يتم طرحه من السلطات المستغلة دون إكتراث، وتشيع تغييبا قاتلا يتفوق على أكثر أنواع المخدرات تأثيرا!!

وقد ظلت البطولات الكروية مستمرة إلى ما بعد انتهاء حقبة الانجليز، وحلول الاستعمار الحديث الذى يحكم بالوكالة، حيث يتم استخدامها حاليا لتحقيق نفس الأغراض، ولكن لخدمة الوكلاء هذه المرة ، ورغم أن صخب كرة القدم توارى قليلا خلال فترة الحكم الناصرى فى مصر، لكن تلك اللعبة الكهينة عادت بقوة مع عصور الانفتاح وبيع الشركات وطرد العمال والعلاقات مع الصهاينة والتفريط فى دماء الشهداء ، فتوغلت سطوة كرة القدم بأبطالها وبكومبارساتها داخل عقول المصريين بعد إنتفاضة عام 1977 وسفر السادات الى حضن الصهاينة فى نفس العام،واستمرار الهوس والعهر والتزييف وشراء وغسيل الأدمغة الفارغة، فإنشغل الخلق عن القضايا الكبرى ، وتهلهل كل شيئ حتى وصل الأمر بنا فى النهاية إلى بيع الآثار، والتفريط فى الأراضى والجزر التاريخية ، وصولا إلى تغفيلنا خارجيا وقيام عرة الدول وحثالة الأمم بالسطو على نهر النيل القادم إلينا من الأعالى منذ فجر التاريخ ،بمباركة وتواطؤ من الغالبية العظمى من دول القارة الإفريقية ، ونحن تائهون حائرون لا نمتلك حولا ولا حيلة ! وبالتالى فلم يكن من قبيل الصدف أبدا، إننا قد عالجنا ضعفنا وهواننا على شعوب القارة، بالتمهيد والتخطيط لتحقيق إنتصار إفريقى وهمى فى كرة القدم ، هو لاشك كلمة السر، ووسيلتنا الوحيدة التى سمحت لنا قدراتنا بأن نلجأ إليها ،لتحويل الكارثة إلى إنجاز غير مسبوق ، والهزيمة إلى نصر، والإحباط إلى سعادة غامرة، لإخراج العامة والغوغاء من قاع الخزلان والشعور بالعار، الى رحاب وبراح الفوز المبين ، حيث برقيات التهنئة المنهالة على قادة تاجر السعادة والنجاح، والإستقبال الإحتفالى الصاخب للأبطال الإسطوريين الميامين، الذين حققوا المعجزة الكبرى بهذا الحدث الذى يشبع نهم البسطاء ومحدودى الفكر وعديمى الثقافة ، ويصدر لهم شعورا كاذبا بتطويع القارة الإفريقية وبسط السيطرة على ربوعها ، والهيمنة على مقدراتها وإخضاعها لسيادتنا المزعومة،بينما الحقيقة المرة الثابتة والمنقوشة على قاع نيلنا الذى جدب ،هى أن القارة السمراء لطختنا ولطمتنا على أقفيتنا، وركلتنا بالأحذية ،ونزعت عنا ثوب الكرامة والرجولة ومصدر الحياة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رابطة كرة القدم الأميركية تسمح بفتح قاعات صلاة للمسلمين


.. الدوري الإسباني: مباراة لريال مدريد للاقتراب أكثر من اللقب ق




.. ترقب جماهيري عربي لحسم بطاقتي العبور إلى نهائي دوري أبطال إف


.. مصطفى عسل: الأهلي هيكسب مازيمبي ولو مكنتش في البطولة كان زما




.. نور الشربيني: سعيدة بالتأهل لنهائي الجونة.. وضغط المباريات ص