الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أحد يستطيع خنق الحرية

منى نوال حلمى

2021 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



الى كل مجتمع ، يظن ، أو حتى يخطر فى حلم من أحلامه ، أنه يستطيع بأدواته ، وخبرته التاريخية ، وموروثاته ، والنخبة التى ترقص من حوله ، واعلامه ، وثقافته ، وتشريعاته ، ومقررات تعليمه ، وأكاذيبه المغلفة بأسماء براقة ، أن يخنق الحرية ، أقول ، لن تستطيع .
الى كل مجتمع ، يعتقد أن نجاحه فى خنق الحرية ، قد أتى ثماره ، لبعض الوقت ، نتيجة جهل الغالبية نساء ورجال ، أو خوفهم ، أو عجزهم ، أو لامبالاتهم ، أقول ، لا تبتهج ، فالمسألة مسألة وقت ، حتى تنفضح أدوات قهرك ، ويفيق الناس من خداعك ، وخيانتك .
الى كل مجتمع ، يمارس العقوبات الجنائية ، والمعنوية ، والنبذ الاجتماعى ، والثقافى ، والاعلامى ، والأدبى ، ضد النساء والرجال ، الذين يعبرون عن رأيهم المسالم المختلف عن القطيع ، أقول ، أنك مجتمع
تشعر بالخوف ، والعجز ، وفقدان الحجة المنطقية العادلة ، وتدرك مدى ضعف الأفكار والممارسات والقوانين والمنظومات والموروثات ، التى تدافع عنها ، وتجعلها سوطا على رقاب البشر ، وتعرف أن البساط بدأ يُشد من تحت قدميك .
الى كل مجتمع ، ينغص على النساء ، والرجال ، والأطفال ، حياتهم ، يجند الأوصياء فى كل مجال ، يتسلط باسم الأديان على أكلنا ، وشربنا ، ونومنا ، وعواطفنا ، وزواجنا ، ولبسنا ، وحبنا للفن والجمال والبحر والشِعر ، والموسيقى ، والرقص ، والصداقة ، والفرح ، أقول ، أنت كاذب ، وكذبك أصبح مكشوفا ، فأنت تزعم أنك بممارساتك التزمتية القاهرة ، تحمى الأديان ، وتتجنب الفتن ، والفوضى . بينما الحقيقة ، أنت تحمى خزائن الثروة ، وأراضى النفوذ ، وأطيان الاستغلال . هذا بكل بساطة ، ويسر ، قصة الأمس ، وقصة اليوم . لكنها لن تكون قصة الغد .الى كل مجتمع ، يداعبه كابوس أن بقدرته ، مهما كان جبارا ، أن يغلقأبواب الحرية ، وأن يكتم على أنفاسها ، التى بدأت تشق طريقها ، أقول ،عاجلا ، أو آجلا ، مثلما حدث لمجتمعات أخرى ، سوف تذهب مع الريح ، وتصبح فى خبر كان ، بثرواتك ، وجرائمك ، وأوهامك .
لو استطعت المشى فوق الماء ، أو الحرث فى البحر ، تستطيع اذن أن تخنق الحرية . هذه كلمتى لأى مجتمع ، مازال يعيش فى الوهم .
ما هذه المجتمعات التى تريد جوارى ، وعبيدا ، وليس مواطنات ، ومواطنين أحرارا ، رغم أنها تصدع أدمغتنا كل يوم ، ليل نهار ، بالمواطنة ؟. مجتمعات مريضة بالجشع والعُقد والاضطرابات ، لابد أن تعالج قبل أن تأخذ زمام الحكم .
رغم أننى لا أميل كثيرا الى " المطلقات " ، الراسخة ، وأتردد كثيرا قبل الحديث والدفاع عنها ، الا أن " الحرية " ، استثناء وحيد أتشبث به ، وليس يقلقنى جلوسها وحيدة على عرش المطلق الثابت فى حياتى .
فأنا أؤمن ب " الحرية " ، ايمانا مطلقا ، راسخا ، لا يشوبه شك ، أو تردد ، كما أؤمن بنفسى . بل أن ايمانى بالحرية ، ربما يكون الايمان الوحيد ، الذى يزداد يقينا ، وزهوا ، مع مرور الزمن . ويصبح
مع ذبول كل الأشياء ، وردة فيحاء العبير ، أعلقها على صدرى ، وعلى خصلات شعرى .
أؤمن ب " الحرية " ، ايمانى بأن " الانسان " ، أهم من الفلوس ، وأن " العدل " ، هو الذى يجعل النظام السياسى ،" جميلا " ، وأن " الثورة " ، هى التى تجعل الشعوب ، " نبيلة " ، وأن " شجاعة " القول ، والسلوك ، هى ما تجعل المرأة " شريفة " ، وما يجعل الرجل " شريفا " .
أؤمن ب " الحرية " ، مثلما أؤمن ، بأن الموسيقى ، سر من أسرارالكون . ومثلما أؤمن بأن " الألم " ، هو أهم كتاب نقرأه ، لنتعلم كل ما هو ضرورى لمواجهة الحياة .
ايمانى بالحرية ، مثل ايمانى ، كما قال " غاندى " ، بأن " الفقر " ، موجود ، لأننا نأخذ أكثر من احتياجنا .
أؤمن ب " الحرية " ، مثل ايمانى أن " رق الحبيب " ، من ألحان " القصبجى " ، طفرة جينية فى تاريخ الألحان ، وأن الحضارة التى تقطع من أجساد ، وعقول النساء ، تحمل داخلها بذور الفناء ، ومثل ايمانى ، بأن " العمر" الحقيقى الذى نعيشه ، لا يرتبط بتاريخ الميلاد ، أو زحف التجاعيد .
أؤمن ب " الحرية " ، كما أؤمن ، بأننا لا نستمتع بالحياة ، الا اذا تصالحنا مع " الموت " .. أؤمن بالحرية ، مثلما أؤمن باستحالة انتمائى لهذا العالم ، بكل أفكاره ، وأهدافه ، ومخاوفه ، وعقائده ، ودمويته ، وعنصريته ، وذكوريته ، وغروره ، وغطرسته ، وعنحهيته ، وحماقاته ، وعبثيته .
ايمانى بالحرية ، كايمانى بأننى جئت الى الحياة ، من رحم " أم " ،لا تتكرر ، قالت لى منذ طفولتى : " تكونين حرة أو تموتين " .
أرى " الحرية " ، مصيرا محتما ، علي البشرية ، مسيرة من الضياء ،لابد من السفر اليها . وهى لنا ، ب " المرصاد " ، تراقب ، وتسجل ، وتقرر ، وتخطط . قد نتأخر .. قد نتعثر .. قد نتوه . لكن المسيرة محسومة مسبقا ، لصالح " الحرية " .
ف " كل منْ عليها حر " .. و" كل نفس ذائقة الحرية " ..
اذن التخلى عن الحرية ، ليس ضعفا ، أو يأسا ، أو انهزامية ، أو لامبالاة ، انما " خيانة " للحياة نفسها التى أوجدتنا ، وجعلتنا حراسا عليها.
ولابد من محاكمة وعقاب منْ ارتكب أى شئ ، يعوق الحرية ، فى حق نفسه ، وفى حق الآخرين ، وفى حق الحياة . والخيانة كما نعرف ، جريمة كبرى ، ان استشرت ، تصبح أخطر من الأوبئة .
والسؤال ، من أين يأتى ، الشعب ، بحريته ؟ .
بكل بساطة ، الشعب الحر ، يساوى مجموع ، نساء أحرار + رجال أحرار + أطفال أحرار .
حينما ننطق فى مجتمعاتنا ، بكلمة " الحرية " ، تنتفض ، وتتحفز ، وتتشنج ، و الاتهامات ، والادانات الأخلاقية .
نسأل أول ما نسأل : " يعنى ايه حرية "... " مافيش حرية مطلقة " .. " وايه حدود وسقف الحرية دى " .. " وعايزين الحرية دى ان شاء الله عشان تعملوا بيها ايه " .. " عايزين حرية انحلال زى الغرب الكافر " .. وغيرها من الادانات الحمقاء التى ترادف بين " الحرية " وقلة الأدب ، وقلة الحياء ، وقلة رجاحة العقل ونظافة القلب .
مع أن كل الادانات ، والتخوفات ، الأخلاقية ، لابد أن تنصب على " القهر " ، وليس على " الحرية " . وليس من المفروض ، وليس من الطبيعى ، أن نسأل عن حدود الحرية ، ولكن عن حدود القهر . والذى يخيفنا المفروض أن يكون القيود ، وليس التحرر .
ومن تجاربى ، ومن تأمل صفحات التاريخ قديما ، وحديثا ، يتضح لنا أن أكثر الناس اتهاما للحرية ، وادانة للأحرار نساء ، ورجال ، هم أكثر الناس فسادا أخلاقيا .
هى من نتاج " أخلاق الحرية " . كل فضيلة يمكن أن نتصورها ، وكل رذيلة ، يمكن أن نتوقعها ، هى ارث مباشر أو موروث من أخلاق القهر " . الحرية تصحح نفسها بالتجربة ، والمعرفة المتراكمة ،
والشجاعة ، والتقدم ، والنور والجمال ، والحساسية للحقوق الأخلاقية للآخرين . وبالتالى تنتج " المناعة الأخلاقية " . بينما القهر ، يعيد انتاج المزيد من الجهل ، والخوف ، والتأخر ، والظلام ، والقبح . وبالتالى يقود الى الهشاشة الأخلاقية " .
نقول " الموت علينا حق " ، وكذلك هى " الحرية علينا حق " . الحرية ، هى أول السطر ، وخاتمته .
البشر يمرضون بالروح والجسد ، من " قلة الحرية " ، وليس من " قلة الفلوس " ، أو من " قلة الحب " ، أو من " قلة الصداقة " ، أو من " قلة الأهل ".
وأنبل الثورات ، التى تتغلغل داخل النفوس ، هى الثورات من أجل " الحرية " ، وليس من أجل رغيف عيش ، وزجاجة زيت ، وكيس سكر .
وأجمل ما غنى " عبد الوهاب " من تأليف " أحمد رامى " ، أغنية " أحب عيشة الحرية زى الطيور بين الأغصان " .
ولو كان صحيحا ، ولا أعتقد ذلك ، أننا كلنا نحب الحرية ، يظل السؤال الأكبر الأهم المحير ، لكن " الحرية بتحب مين ؟ ".
الحرية ، تحب منْ يحبها ، ويشتهيها ، ويسافر لها ليلا ، فى عز البرد ، والظلام ، والمجهول ، ودون حقائب ، دون ماء ، أو زاد ، أو صحبة .
الحرية فى منتهى الكرم ، والتواضع ، لا تطلب شيئا ، الا أن نحبها ، حتى تمنحنا كل كنوزها ، وأسرارها .
أغلب الناس ، لا يحبون الحرية ، اما أنه شئ فى الجينات الطبيعية ، أو أنهم استدمجوا القهر ، وتأقلموا معه ، ووجدوا فيه الأمان ، والراحة ،
الى درجة أنهم أصبحوا يكرهون الأحرار من النساء والرجال .
ومعهم حق ، فالحرية ، خطر ، ومتعبة .
قال فريدريك نيتشة ، 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ،
أحد الفلاسفة الذين أحبهم ، " عِش فى خطر " . وأعتقد أنه كان يقصد ضمن ما قصده ، " عِش فى حرية ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحرية هي القدرة على الاختيار
منير كريم ( 2021 / 7 / 18 - 19:21 )
تحية للدكتورة الفذة منى حلمي
الحرية هي القدرة على الاختيار والانسان حر مالم يكن تحت تاثير داخلي او خارجي
الميل العام للبشرية نحو الحرية وقد انهارت الايديولوجيات الكبرى المعادية للحرية وستنهار الاصوليات والسلفيات الدينية ايضا
الحرية تؤدي الى العقلانية والعقلانية تهدد مصالح الفئات المعادية للحرية
لايمكن فصل الحرية عن الابداع وكل جديد وراق يدخل حياتنا انما هو نتيجة الابداع
شكرا على اخيارك هذا الموضوع

اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة