الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة الطب وعصابات الجرائم المارقة

وليد خليفة هداوي الخولاني
كاتب ومؤلف

(Waleed Khalefa Hadawe)

2021 / 7 / 18
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


مدينة الطب مؤسسة صحية تقع على شاطئ نهر دجلة في باب المعظم وسط بغداد، أكبر مؤسسة صحية في العراق، وتضم 7 مستشفيات باختصاصات مختلفة و11 مركز تخصصي واقسام طبية مختلفة ومعهد عالي للمهن الطبية واعدادية للتمريض، أنشأت المدينة عام 1961.وانا أكبر منها سنا، لي معها ذكريات كثيرة، نقلت اليها بعض اهلي للعلاج، فقضى الاجل على بعضهم، فيما تشافى اخرون.
يؤدي هذا الصرح المتميز خدمات جليلة للمواطنين ويراجعه الاف المرضى كل يوم. رغم ضعف الامكانات ونقص الأجهزة والمعدات والادوية. اما ضهور عصابات اجرامية للسرقة والخطف داخل المدينة فهذا لا تؤاخذ عليه الإدارة الصحية.
لا تتوفر لديّ احصائيات عن عدد الناس المراجعين يوميا بين مرضى ومرافقين، فأحيانا يدخل مع المريض شخصان او ثلاثة او أكثر. لذلك فالتصور هو دخول عشرات الالاف من الناس بين مريض ومرافق ومراجع. ويبدو ان بعض المجرمين وأصحاب السوابق وجدوا لهم بيئة مناسبة للدخول والتجوال وسرقة أغراض وحاجيات المرضى ومصاريفهم والخروج بين تلك الاف من الناس. ضيق المصاعد وتعطلها وتجمع الناس المنشغلين بمرضاهم وغفلتهم، يُمَكّنَهم من تنفيذ جرائم النشل والسرقة. لا تأخذ هؤلاء اللصوص لومة لائم ولا مخافة الله ولا اعتبار للقيم والاخلاقيات السائدة في مجتمعنا العراقي، ولا رحمة لأناس يعانون سكرات الموت.
عند دخولي لداخل مستشفى بغداد في احدى مستشفيات مدينة الطب، لتفقد زوجتي الراقدة هناك، وهي بحالة خطرة، كان عليّ الصعود في أحد المصاعد للوصول للطابق المقصود، وأول ما وقع نظري عبارات داخل المصعد كتبت على جوانبه "احذر اللصوص". قلت ربما "أي كلام ". فالمدينة تحت حراسة القوات الأمنية (شرطة محلية، مكافحة اجرام، استخبارات، الخ). ولم يخطر ببالي ان تكون عائلتي احدى ضحايا هؤلاء الأشرار.
وفي اليوم الخامس من رقودها في المستشفى، وفي تمام الساعة السادسة والربع صباحا، اخذ التعب مأخذه على ابنتي المرافقة لامها المريضة، وسرقها النوم للحظات، جراء التعب والسهر وعندما افاقت لم تجد جهازي موبايل بجانبها. حيث سرقها أحد اللصوص، ومن عجب كيف لهم ان يتجولوا في ردهات المرضى في الساعات الباكرة ويسرقوا ما يشاؤون دون رقيب او حساب.
يبدو ان اللصوص يسرقون داخل الزحمة في المصاعد، ويتفقدون الردهات ليسرقوا من المرضى ومرافقيهم على حين غفلة ما خف حمله وغلا ثمنه. وفي اوقات مبكرة وربما ليلا. وعلمت بإن هؤلاء اللصوص يهددوا من يقدم بلاغا ضدهم في حالة القبض عليهم، بإن يتنازل والا يعرض نفسه للويل والثبور وعظائم الأمور. وذلك يشير لتكوينهم عصابات منظمة، لقد كنت رجل شرطة وما تركت مجرما طليقا في منطقة عملي، ولم أكن أخشى لصا او مجرما قاتلا، وكان لرجال الشرطة فرسان وقادة شجعان في مجال مكافحة الاجرام يصولون ويجولون، تحت مضلة القانون وفي مقدمتهم الشهداء اللواء عبد المحسن عبد السادة، واللواء طارق عبد لفتة واللواء إبراهيم خماس وغيرهم الكثير. وكان في ثمانينات القرن الماضي "المفوض حسن العامري" يدير الجانب الأمني في المدينة كلها، وكانت المدينة كما هي، لكنه كان فارضا لسلطة القانون ورجل يحترمه الأطباء والمراجعين، ولم يجرء اللصوص على اقتحام المدينة.
لم أكن انوي نشر هذه المقالة لكن قراءتي لخبر اختطاف الطفلة نسرين البالغ عمرها يومين من الطابق الرابع في مدينة الطب في الساعة الواحدة والنصف ليلا بعد ولادتها بيومين فقط (في الخبر المنشور من قبل قناة دجلة بتاريخ 18/7/2021) ومرورها بجميع نقاط التفتيش. هذا الخبر أكد لي ان هذه الجرائم مستمرة، وان هذه العصابات موجودة وتمارس جرائمها، لكن ان يتطور الحال من السرقات الى الخطف فذلك امر دونه خرط القتاد.
كان اللصوص في الزمان الماضي لا يسرقوا من امرأة، ولا من محتاج او فقير ولا اعتقد ان غيرتهم تسمح لهم بالسرقة من المرضى، ويعلمون ان المريض بحاجة للعلاج، كان اللص صاحب
غيرة، كانوا يسرقون من الأغنياء وممن لا يدفعون الزكاة، "ويندرج في "ميثاق شرف اللصوص" ما كتبه القاضي التنوخي عن زعيم إحدى جماعات اللصوص في بغداد يدعى "ابن حمدي اللص" (قـُتل سنة 332هـ/944م)؛ فقد قال إنه كان "إذا قطع [الطريق على المارة] لم يعرض لأرباب البضائع اليسيرة التي تكون دون الألف درهم، وإذا أخذ ممن حاله ضعيفة شيئا قاسمه عليه وترَك شَطْر (= نصف) ماله في يديه، وأنه لا يفتش امرأة ولا يسلبها". غير ان لص اليوم فاقد الغيرة والشرف والحياء والناموس، حكى لي أحد الأصدقاء ممن يعملون في المدينة، ان أحد الرجال جاء من مدينة العمارة لمتابعة علاج ولده الذي قطعت احدى ساقيه، وعند صعوده في أحد المصاعد داخل المدينة ونزوله في الطابق المقصود وجد ان ما جلبه من نقود والبالغة 2،5 مليون قد سرقت.
ولعله من عجب ان تقتات عصابات على حساب مرضى لا حول لهم ولا قوة الا بالله، وهذه العصابات ان لم يتم متابعتها واستئصالها سَستَتَجذّر وستهدد الأطباء والموظفين وستعبث بالأمن وبحياة الناس مستقبلا، ولا بد من تدارك الامر قبل استفحاله، وسيتم تقاسم المستشفيات بين عصابات الاجرام فاقدي الشرف والغيرة والضمير ان لم يردعهم رادع ويمنعهم مانع. ولا بد من وضع الخطط الامنية الكفيلة بالحد من هذه الجرائم واستئصال البؤر الاجرامية العاملة في هذا المرفق الصحي الأكبر والاهم في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو