الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة بين تجريف الذاكرة وذكريات الألوان (10)

زاهر بولس

2021 / 7 / 18
الادب والفن


(10)
السرديّة العاشرة: "نَصّ بلا لون"، وهو نَصّ عاشر من بين واحدة وعشرين سرديّة، لأنّها تتحدّث عن عراقة ما قبل النكبة، عن الفترة العثمانيّة، فسرديّات الكتاب لا تسير بانتظام على محور الزمن كما يفعل المؤرّخ، فللسرديّات محورها الزمني الخاص، تمليه اعتبارات فنيّة- جماليّة، وكذا اعتبارات ادراكيّة لطفلة تحوّلت إلى كاتبة أدركت حسّيًّا ما عايشته، يُضاف اليه مع مرور الزمن طبقات ذاكرة الجيل الأوّل (الجدّ والجدّة) وذاكرة الجيل الثاني (الوالد والوالدة)، فكَتَبَتْ:

"هناك في اسطنبول دَرَس القانون، وهي دَرَسَت علم الاجتماع، أُخت عَلَمٍ من أعلام فلسطين، شيخ الإسلام الذي كان له مقام رفيع عند السلطان العثمانيّ".. " عادا إلى فلسطين وكوّنا أسرة كريمة، مارس مهنة المحاماة، فكان من أوائل المحامين في فلسطين وشرقيّ الأردن، وصاحب أول مكتب محاماة في الناصرة، كان مدافعًا عن أبناء عشيرته أمام الاحتلال(!) العثماني، ثم الانتداب البريطاني".. "إنهما جدّي وجدّتي"

رغم الجماليات في نصوص الكتاب، فإنّ على القراءة النّقديّة أن تُنعم النظر وأن تقوم بتفكيك وإعادة تشكيل مصطلحات ذوّتها الاستعمار فينا، وهنا تستعمل الكاتبة مصطلحًا متداولًا، ألا وهو "الاحتلال العثماني" وهو ما فرضه الاستعمار/ الإحتلال البريطاني والفرنسي وال"إسرائيلي!" في مناهج تعليمهم الإلزامية في مدارسنا العربيّة في الإقليم، وتداولته بعض التيّارات القوميّة العربيّة واليساريّة العلمانيّة في معرض مناكفاتهم السياسيّة مع التيّارات الإسلاميّة، وبالتالي تداولته النّاس وردّدته، ما بين موافق ومناهض. بقناعاتي يجب إعادة النظر فيه واستبداله ب"فترة الحكم العثمانيّ"، ولن أثقل هنا على النّص.

ويوغل النّص في الذاكرة المتناقلة شفاهًا من جيل إلى جيل، فتَكْتُب:

"كنّا نسمع بحكايات أبي وتوثيقه للتاريخ الشفوي. كان حذرًا لئلّا ينسى أيّة معلومة، وكانت أمي تشاركه بتصحيح المعلومات.. وكانت تذكّره بأن والدها درس أيضًا في اسطنبول، وكان مفتّشًا للتربية والتعليم، ومديرًا لمدرسة في يافا، وأنّ أمّها تركيّة الأصل، كانت من محبّي الثقافة والفنّ. بيتها العامر في يافا كان مزارًا لحفلات الاستقبال لسيّدات يافا".

يوغل النّص حتّى يصطدم وجاهيًا بسرديّات التزوير التي ابتكرها الاستعمار وكرّرتها ربيبته الصهيونيّة:

"كم جميل إصرارنا على العلم والحضارة.. لم يدخل المحتلّ إلى فراغ مزعوم، بل دخل أرض الحضارة والثقافة والعلم، وأهل العلم، والمحتوى، وصدّرنا الكفاءات إلى الخارج وملأنا العالم إنجازات".

من جهة، هذا يعيد لذاكرتنا عراقة فلسطين وعراقة مدنها وعلى رأسها القدس ويافا بجماليّة وحنين، ويموضع النّص كخلفيّة لإبراز بشاعة الإحتلال البريطاني وجرائم العصابات الصهيونيّة في النكبة والتهجير.

لقد بسطت الكاتبة العراقة في مخطوطات لوحاتها، فتجاوز النّص الأدبي تجريف الذاكرة، وبهذا تكمن أهميّة النصوص التوثيقيّة بأشكالها، وأهميّة تقنيّة الريشة الناعمة المستخدمة في سرديات هذا الكتاب، ضمن مشروع التصدّي الجَمْعِي، ولكن بصياغات جميلة جاذبة لا يمكن إلّا الوقوف عندها والتمعّن فيها.
(زاهر بولس/ انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب