الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيرة

محمد مزيد

2021 / 7 / 19
الادب والفن


قصة قصيرة
هاهو يتبعها وهي تقود سيارتها ، ترتعش أصابعه على مقود سيارته ، ينظر الى تسريحة شعرها ، لقد خرجت من الشقة بتسريحة ذيل الحصان ، لا يدري متى غيرتها بهذه السرعة ، ينساب الآن شعرها الذهبي على كتفيها، يعرف إنها نادرا ما تنظر الى المرآة الامامية، وبالتالي لن تتمكن من معرفة تفاصيل صغيرة في السيارات التي تسير خلفها ، لكنه بالرغم من تأكده من ذلك ، يتخفى خلف سيارات كثيرة يزدحم بها الشارع ، قلبه يخفق بسرعة ، نزع ربطة عنقه ، تعرف إنه لايخرج الا مع الربطة والبدلة حتى في عز الصيف التركي ، نزع السترة ووضعها على الكرسي الخلفي ، صار من الصعب عليها اكتشافها متابعته لها ، اليوم بالذات سيكتشف ، هكذا كان يقول لنفسه ، وقلبه يخفق بشدة ، سر أهتمامها الزائد عن حده ، بـالمصمم الجديد للازياء الذي يعمل في ورشة الخياطة الصغيرة ، كانت زوجته قد طردت قبل اسبوع المصممة زاعمة إنها تسببت بخسارة كبيرة ، حين أتلفت سبعين مترا من القماش النادر ، تم تدارك الخسارة بسرعة أو في الحقيقة هي التي أستطاعت بدبلوماسيتها انقاذ المعمل من تلك الخسارة حين أقنعت مدير شركة النسيج تعويضهم عن تلف القماش تحت المقص الاوتوماتيكي ، وكانت لما عادت من شركة النسيج أبلغت زوجها بان مدير المعمل اقترح عليها مصمما جديدا ، " لم ألتق به في اليومين الذي باشر به عمله ، ولكنني في اليوم الثالث لاحظت أهتمامها الزائد بملابسها، وطريقة رش العطر على وجهها وتحت ابطيها فضلا عن إعتنائها بإناقتها " . كان يراقب زوجته، قبل خروجها الى المعمل، وهي تجلس الى منضدة الزينة تغير تسريحتها بين لحظة وآخرى . منذ عشرين سنة وهو يعرف أدق تفاصيل سلوكها ، لا يتورد خداها في الصباح ، لكنها منذ يومين ، رأى على وجنتيها احمرارا ، مما يؤكد له انها في حالة نفسية مختلفة، عشرون عاما مضت لم ير توردا على خديها مثلما رآها في اليومين الماضيين . مازال يسير خلفها حتى أنعطفت الى فرع يؤدي الى ساحة صغيرة ، يعرف تماما خارطة هذه الشوارع ، فهي حتما ستعود الى الشارع نفسه الذي يسير فيه الان ، لذلك ابطأ في سيره وانتظر خروجها الى مسار الشارع الفرعي الآخر ، أوقف سيارته قبل مئة متر من مدخله ، يعلم انها لن تستطيع الذهاب أبعد من هذا الشارع ، ذلك لان المعمل في هذا الاتجاه الذي يسير فيه ، وما فعلته الا مناورة غبية لتعرف من يسير خلفها ، بقي واقفا يراقب مدخل الفرع الذي ستخرج منه ، أراد أن يدخن لكنه تذكر إنه اقلع عن السيجارة يوم امس ، تشاغل بتقليب مجلة للازياء كانت موضوعة على الكرسي بجانبه ، لم يكن ينظر للمجلة، انحصر تركيزه على الفرع الذي ستخرج منه عجلتها ، يقلب أوراق المجلة باصابع مرتعشة ، تركز عيناه الى مدخل الفرع ، يشعر ثمة بدبيب خيالات مزعجة تحاصره من كل الجهات ، تذكر انها ، في الصباح شربت قهوتها بالحليب على عجل ، وتركت نصفها في الاناء ، وليس هذا من عادتها ، فهي تحب ان ترتشفها الى الآخر ، وتحب أن تدخن سيجارتها نوع كنت وهي تنظر عبر الشرفة الى الحديقة المجاورة في الحي ، لاول مرة يراها تدخن في سيارتها ، ويراها تخرج من دون ان تبلغه بشراء خضار اليوم ، خرجت من الغرفة ترتدي البنطلون الحليبي ، طالما حذرها من ارتداء هذا البنطلون الابيض الذي يكشف عن جمال ردفيها ، لكنها اليوم لبسته غير مبالية بتحذيره ، ولم يعترض ، لايريد أن يعكر مزاجه بتفصيل صغير مثل هذا . خرجت بعجلتها من الفرع ، واستدارت يمينا ، فلحقها ، أيقن انه قد عرف لعبتها ، لذلك اخذ الحذر في تتبعها ، تتميز سيارتها باللون القرمزي ، لون يختلف عن بقية الوان السيارات المطروحة في الشارع ، لا يصعب عليه ملاحقتها وتتبعها ، توقفت في الاشارة الحمراء ، احتسب المسافة بينه وبينها بحدود خمس سيارات صغيرة ، ربع دقيقة ثم اضاءة اللمبة الخضراء ، فانطلقت السيارات ، لم تتوقف أصابعه عن الارتعاش وقلبه عن الخفقان بسرعة ، تذكر ليلة البارحة عبارتها الغامضة عن المصممة التي طردتها قبل اسبوع ، لمحّت له عنها وهي تستعد للجماع ، " تخيل ما تشاء ، حتى لو كانت المصممة " ثم التهمته بجسدها. وصلت الى مفترق طرق ، انحرفت الى اليسار ، أيقن أن هذا الشارع لايؤدي الى المعمل ، أزداد خفقان قلبه ، بدأت لعبته تتصاعد وتائرها ، لحق بالافلات من الاشارة الحمراء وانحرف خلفها ، كانت هناك سيارات قليلة ، حاول ان يبطأ سيره لئلا تكتشف ملاحقته لها ، انعطفت الى فرع اخر يتميز بوجود فندق الاكساتير الشهير ، توقف في بداية الفرع ، وتوارى عنها بالانشغال في البحث عن شيء ما في جوف المقعد بجانبه ، وعندما رفع رأسه ، وجدها قد دخلت الى الفندق ، ضرب المقود بقوة واطلق زفرة حارقة " الى اين أنت ذاهبة يا مجنونة ؟ " اطفأ محرك السيارة وبقي مترددا ، هل يترجل حتى يفاجئها ، ام يستمر في المراقبة ؟ ركن الى الحل الثاني ، فلا يريد ان يفضحها او يفضح نفسه ، وتذكر ليلة الامس ، كانت تنظر اليه تلك النظرة الثاقبة ، وهي تجلس فوقه تؤدي رقصة الحياة الشيقة ، لم تنسجم نظرتها مع مشاعرها الشبقية المتدفقة ، خشي أن تكون المصممة قد افرطت بفضح سرهما المشترك ، ولكن كيف يمكن لإي أمرأة في العالم ان تكشف سرها لغريمتها في الفراش ؟ بقي ينتظر خروجها من الفندق مدة ساعة ، ولما خرجت ، صعدت سيارتها ، وسارت بها على مهل ، شغل محرك سيارته وسار خلفها ، يعرف أن هذا الطريق يؤدي الى كورنيش البحر، اذا أنعطفت يسارا فأنها ذاهبة الى المعمل ، واذا انعطفت يمينا ، فإنها ستذهب باتجاه شقتهما ، أستغرب من بطء سيرها ، حتى أنعطفت الى اليسار ، فأدرك إنها ذاهبة الى المعمل ، تساءل :، هل يمكن أن يسكن المصمم الجديد في هذا الفندق ؟ لماذا لم يصعد معها ؟ سأذهب فورا الى المعمل وأسبقها ، عاد أدراجه الى الشارع الرئيسي الذي يوصله الى المعمل ، وقاد سيارته بسرعة ، وصل قبلها خلال ربع ساعة ، فدخل المعمل ، حيا العاملين والعاملات ، نهضت السكرتيرة ترحب به قبل أن يدخل مكتبه . بعد دقائق دخل رجل في الستين من العمر الى غرفة السكرتيرة ، شعره رمادي ضعيف البنية ، شاهده عبر الزجاج الفاصل يطفئ سيجارته عند نفاضة لدى السكرتيرة قبل دخوله عليه ، القى تحية الصباح وجلس على الكرسي من دون أن يسمح له بذلك " انا المصمم الجديد ، وددت التعرف عليك " كاد قلبه يخرج من صدره فرحا به ، فليس هو الشاب الوسيم المربوع كما تخيله ، وظهر أن السجائر تأكل صدره بسعال حاد ما أن نطق جملته ، شرع الزوج يتفحصه وأخذ يكتم ضحكات مزمجرة لسوء ظنه بزوجته ، غير أن ذهابها الى الفندق كتم عليه مرحه وسروره وأشاع في نفسه القهر ، تحدث بغير تركيز مع المصمم ثم طلب منه الانصراف ، في تلك الاثناء التي خرج بها المصمم، دخلت زوجته ببنطلونها الحليبي الضيق على ردفيها وهي تبتسم ، جلست بجانبه من دون أن تتفوه بكلمة، ثم نهضت فأغلقت الباب حتى لا تسمع السكرتيرة ، قالت له " أكملت احتساء قهوتي بالحليب في مقهى الفندق الذي رأيتني أدخله" .
١٥








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل