الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : وداعا ً ايتها الغيوم

بديع الآلوسي

2021 / 7 / 20
الادب والفن


كان الموسيقار (جبريل ) بن الأربعين عاما ً ، ذا اللحية الكثة السوداء ، والضخم الجثة ، والمفعم بالحيوية ، معتادا ً على التنزه بمحاذات النهر ، وفي عصر كل ثلاثاء يذهب ليلتقي بصديقه الشاعر( آرني ) في بيته . ولكن ما لم يكن بالحسبان في هذه الاجواء الربيعة ان يكون الطقس ممطرا ً، لذا سار على عجل ولم يتوقف طويلا عند الباب الخارجي ودلف الى الممر الداخلي للحديقة وهو يصيح بأعلى صوته
ــ اينك يا آرني ...
وما ان فتح الباب له ودخل الصالة حتى خلع معطفه المطري وبدأ يثرثر بصوته الأجش ، بعدها صب كل منهما لنفسه قدحا ً من البراندي لترطيب المزاج ، وجلسا يتبادلان الحديث ، وهما يراقبان النوارس من خلال النافذة الكبيرة ، عند ذاك بدت على محيا جبريل لحظة احساس بالارتياح ، دفعته ان يبدأ حوارهما بهذا السؤال :
.هل حقا ً ، انك لا تخاصم أحدا ً يا صديقي !! .
ما كان يدري او يتصور ان آرني ذو الانف الكبير والعينان العسليتان والشعر الرمادي ، قد استبد به الألم وأستوطن قلبه الحزن بسبب زعل أعز صديق له منذ شهر، لكنه وعلى الرغم من ذلك ، ردد وكأنه يحدث نفسه  :
ــ يبدو ان القدر يلعب لعبته معنا ، مع ذلك يجب ان لا نيأس .
اما جبريل وبعد فاصل من الصمت ودون تردد عرج على نفس العبارة : ــ لا اراك تخاصم احدا ً ...
أجاب آرني وهو يبتسم :
ــ العالم ملئ بالمتاعب ، والذي يخاصم الآخرين يتألم .
ــ هل معنى هذا انك بلا أعداء ؟
ــ من قال لك ذلك ، كل ما في الأمر اني ما زلت اعتقد ان المحبة تُنبت المحبة ، كذلك هي الكراهية .
صب جبريل قدح اخر من الشراب ، واعاد الزجاجة الى مكانها، وحدق بآرني ، وظن في خلده انه يعاني من وعكة صحية ، لذا سأله بلطف :
. ولكن كيف تحب من قاطعك ؟
ــ الحب الحقيقي بلا اطماع او مخاوف ، اني احب كرجل حر .
همس الشيطان في اذن جبريل ليستأنف اسئلته :
ــ ولكن كيف يحب الأحرار ؟
احتار قلب الشاعر المفعم بالمودة بماذا يجيب ، لكنه رد قائلا ً :
ــ بطاقة الحب الهائلة يكتشف الاحرار العالم وانفسهم ، لذا تراهم لا يبحثون عن نقاط ضعف الآخرين ، بل يجدون الاعذار لهم ، المحب الحقيقي من يبتعد عن العصبية والغضب ولا يجعلهما يسيطران عليه .
غير ان جبريل قاطعة وعيناه تتسعان :
ــ حسنا ً ، هل هذا يعني ان لك فلسفة في التعامل مع من تحب ؟
داهمت آرني تفاصيل تلك الحادثة ، التي اختلف فيها بالرأي مع صديق له مما ادى بذلك الصديق ان يستشيط غضبا ً .... اراد آرني ان يسترسل موضحا ً ، لكنه اكتفى بالقول :
ــ لكل منا له فلسفته الخاصة ، لكني احاول ان لا اتعامل مع الأحداث بقسوة ، واسعى جاهدا ان لا اوقع الألم بمن احبهم ، مؤمنا بشكل مطلق : انه بالمحبة لا بالعنف يقهر الشر ، تذكر ذلك يا جبريل .
تجاذبا اطراف الحديث في امور حياتية عامة ، ولكن ليس هذا ما حمل جبريل للمجيء بهذا اليوم الماطر ، فختم حديثه بهذا السؤال الذي اتى لأجله :
ــ ولكن بعض الاصدقاء متطرفي المزاج ، كيف تتصرف ان غضب منك صديق قديم تكن له المودة ؟
توجه ارني الى الشباك متأملاً زخات المطر التي بالرغم من جمالها كانت بالنسبة له مدعاة ً للحزن ، هم ان يخبر جبريل بما يحس به من ضيق ، لكنه لامس الموضوع من زاوية اخرى :
ــ سينتابني حزن عميق ، وربما اصاب بالكآبة ، لكني سأحاول ان انتهز الفرصة المناسبة وابتسم له وابلغه اني احبه ، بعدها نضحك ونتكلم متجاهلين زمن الجفاء غير المبرر .
كان جبريل سعيدا ً وهو يعبث بشاربه ، مٌطيلا ً التأمل بوجه صاحبه ، كانت الأضواء تتلألأ مع حمرة الغروب ، ربما لهذا رغب ان يثير سؤالا ً يصيب صميم المشكلة ، كمن يريد ان يحرج مضيفه :
ــ لكن يا آرني ، ألا تعتذر له او تطلب منه الاعتذار ؟
في ذا الأثناء ، راح الشاعر يحدق مرتابا ً بصاحبه ، وأخذ يتفحص ملامحه على مهل قبل ان يبادر قائلا ً :
ــ الاصدقاء الحقيقيون ، إذا ما حدث سوء فهم بينهم ، يجب ان ينتبهوا لذلك الجرح الصغير قبل ان يكبر ويتقيح ويصيبهم بمقتل ، وبرأيي مَن يبادر ويداوي الجرح هو الأكثر حكمة وشجاعة ونقاء .
نهض جبريل ، و قبل ان يغادر تمتم آرني بشفتيه الشاحبتين وبصوته الثمل :
ــ هل ترغب ان اصب لك قدحا ً آخر ؟
استجمع جبريل قواه ، وهو يغمض عينية متسائلا ً :
ــ نعم ، و لكن هل تخاف من فقدان الأصدقاء وجفائهم ؟
هنا طفق آرني يسرد له قصصاً عن اشخاص تعرضوا لفقدان اصدقائهم بسبب امور تافهة ، لكنه اختتم حديثة بحسرة طويلة  :
ــ نعم .. اخاف ذلك الفقد ، لأنه صنو الموت ، وما الاصدقاء في هذه الدنيا القصيرة إلا عصافير ، ربما لهذا علينا ان نترك الشبابيك مفتحة ً اكراما لهم ، علنا بذلك نستطيع ان نقول : وداعا ً ايتها الغيوم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع