الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيال الرباعى ( ترجمة مقالة لمارك فيرنون منشورة بمجلة Aeon )

أبوالحسن محمد على

2021 / 7 / 22
الادب والفن


الخيال الرباعى
تراءت لوليام بليك(1) الملائكة و الأشباح وهللوليا شروق الشمس حتى فى أحلك الأيام. ما أحوجنا للتحلى بتلك الروح التى كانت سائدة لديه.

بقلم /مارك فيرنون *
ترجمة /أبوالحسن محمد على
العنوان الأصلى للمقال The four-fold Imagination و نشر فى مجلة Aeon , عدد4 سبتمبر 2020

إن رؤيا طفولة وليام بليك فى بيكهام راى Peckham Rye معروفة للجميع . فأثناء سيره يرنو ببصره لأعلى فإذا به – حسبما يقول أحد كتاب سيرته الأوائل - " يرى شجرة تغص بالملائكة , أجنحة ملائكية براقة ترصع كل غصن و كأنها النجوم. " وفى واقعة أخرى نجده يندفع الى منزله معلناَ أنه رأى النبى حزقيال تحت شجرة من الأشجار.و يُروى عن زوجته كاثرين Catherine أنها قالت أن بليك رأى الله أول ما رآه و هو فى سن الرابعة . لكم تعجبنى كلمة " أول" تلكم .
صور الكتاب المقدس و نبوؤاته الجلية عن نهاية العالم التى كان يؤمن بها و يتمثلها كانت حافزاً له أيضاً . و يقول بيتر أكرويد Peter Ackroyd فى سيرته" بليك " (1995) أن تلك الصور " بثت الخشوع فى مخيلته" فما انفك " يراها مجسدةً فى كل ما حوله . و حينما بلغ أشده و أصبح نحاتاً و فناناً مصوراً و شاعراً,كان ثمة ما يدفعه دفعاً لتمكين الآخرين من فهم تلك المناظر. ففى إحدى قصائده الملحمية " أورشليم: انبثاق عملاق ألبيون (بريطانيا)" (1804-20)يقول:
...إننى لا أكل من مهمتى العظيمة
أن أفتح عوالم أبدية, و أفتح عيون
الإنسان الخالدة...
فى ذلك الوقت لم يكن ثمة عيون تبصر و لا آذان تصغى له.كان العصر الصناعى قد بدأت تتأتى ثماره و تتجلى فيه فِراسة الثورة العلمية و كان المجتمع يشهد تغيراً محسوساً و مرئياًويكتنفه اهتماماً لايكاد يُقاوَم بالجوانب المادية للواقع وقد عبر بليك عن ضيق الأفق فى ذلك الوقت فى إحدى صوره الشهيرة بعنوان " نيوتن" (1795-1805) و التى صور فيها فيلسوف الطبيعة(2) فى قاع البحر ,منكباً على مخطوطة , و ممسكاً بيده فرجار ويرسم دائرة. و رغم أن ذلك عملاً إبداعياً إلا أن الإبداع فيه مستغرق فى العالم المادى وحده, ومكرس لدراسة ما يمكن قياسه.كان بليك يرى أن اسحاق نيوتن يمثل عقلية حبيسة دوائر الفكر , و بينما يدعى أنه يدرس الواقع إلا أنه فى حقيقة الأمر ينفصم عنه و يبعث ما أسماه نيوتن فى رسالة إلى راعيه وولى نعمته تومس بتس(Thomas Butts) " الرؤية الأحادية و رقاد نيوتن"
كان الكثير من معاصرى بليك ينظرون إليه على أنه شخص مجنون او غريب الأطوار لكن الحالة السائدة تختلف الآن. الإخفاقات واضحة جلية شانها شأن النجاحات. الحضارة نفسها تبدو كما لو أنها تترنح على حافة الهاوية. يظهر الآن من نقد بليك لِ" المصانع الشيطانية المظلمة " (3) أنه كانت لديه قدرة على التنبؤ,ويبدو دفاعه عن الحاجة إلى " النضال العقلى " لتحرير الخيال و كأنه رسالته التى اضطلع بها. وقد تجمع المئات من الناس فى إحدى أيام الآحاد الرطبة عام 2018 ليشهدوا ازاحة الغطاء عن كتلة من الحجر البورتلاندى ذات نقوش جميلة وُضِعت شاهداً على قبره فى بنهيل فيلدز Bunnhill Fields بلندن . و قد توافد أولئك الناس بعد أن سمعوا بالخبر حينما تناقلته الألسن و قد خطب فيهم بروس ديكنسون Bruce Dickenson قائد فرقة " أيرن مايدن Iron Maiden" الموسيقية الذى وصف بليك بأنه أعظم شعراء الإنجليز الأحياء قاطبة و قد استخدم كلمة " الأحياء " و كان يعنيها فنجم موسيقى الروك يرى أن بليك لم يمت قط.
إن الإحساس بخلوده ينشأ و معه اعتراف بالقناعة التى رهن بليك عليها حياته : ألا و هى أن المخيلة الإنسانية ليست فقط محلاً لاستضافة الخيالات و الأوهام فحسب, بل إنها إذا ما اقترنت بالمهارة الإبداعية و الفكر الثاقب بإمكانها الكشف عن حقائق الوجود و الحياة و تحويل وقائع الحياة اليومية إلى مدركات غنية قد ترقى الى ثورة على مستوى الخبرة الإنسانية .و قد عزز ذلك رسالة بليك كصاحب رؤية و مفكر حيث أكد ذلك نورثروب فراى Northrop Frye فى دراسته عن الرجل بعنوان " الإتساق المخيف "(1947). إنها تَعِد بِهِبة ما اطلق عليه بليك " الرؤية الرباعية "و التى يمكن أن نحصل على شئ من مذاقها بتأمل ما كانت تتيح له رؤيته عند النظر الى شروق الشمس فيجعل محاوراً يسأله فى محادثة خيالية " عندما تشرق الشمس ألا ترى قرصاً مستديراً من اللهب يشبه الى حد ما الجنيه الذهبى؟ فيرد عليه بليك قائلاً" كلا!ا كلا! بل أرى حشداً لا يُعد و لا يُحصى من الملأ الأعلى يتصايحون قدوس ٌ قدوسٌ !قدوس هو الرب العلى القدير "
إن ظهور الكائنات السماويةdivine intelligences مع انبلاج النهار- أو ما أطلق عليه فراى " رؤية جوقة الشمس المسبحة لله- يبدو لمن يتوقعون أن تبدو الشمس كقرص ذهبى فى كبد السماء نتاج ضرب من الجنون لعقل تشطح به الأوهام . و لكن بليك كان يستطيع أن يرى أكثر مما يراه غيره لأنه كان يدرك أنه يرى شروق الشمس ( وكل ما عداه)ليس بعينيه ولكن من خلالهما . لذا فإن بليك لا يبشرنا برؤية المزيد فى الشمس إذا ما شملنا الخيال بعنايتنا فحسب , بل بأن نرى المزيد مع الشمس و خلالها و لكأنما الخيال يسقط صوراً لملائكةً تبتهل فرحة على جِرمها المتوهج . فهو يتفهم أن العين المادية ليست هى التى تمكننا أن نرى ما نراه بل عين البصيرة : فما الشبكية و العصب البصرى و المخ إلا عبيد و ليسو سادة للإدراك الحسى .و نحن جميعاً نواجه نفس المعضلة ,إلا أن المرء الذى يرى الشمس أشبه ما تكون بجنيه ذهبى ليس إلا قد اختار أن يراها كذلك فحسب ربما ظناً منه أنه بتفادى الدور الذى يلعبه الخيال فيما يراه يستطيع أن يصل إلى صورة متحررة من الخيال عن جارتنا النجمية.
إن ذلك يعنى أن ننغلق على أنفسنا , أو ذلك معنى ما يقوله بليك فى قصيدته" قِران النعيم و الجحيم Marriage of Heaven and Hell"(1790-93). أن نرى كل شئ من خلال الفُتحات الضيقة فى مغاراتنا الغائرة و ذلك لأننا نقبل و كأنه قرآن منزل مبدأ المادية العلمية القائل بأن الطبيعة مادية بحتة. و لكن كل ذلك لا يلبث أن يتداعى ما أن ندرك أن انطباعاتنا الواعية لا يمكن أن تنفصم عن روءانا الذاتية و كأنما الأولى كانت ظاهرة خارجية متوهمة.إن القضية هى بلأحرى ما مدى دقة و شمولية موقفنا من العالم –ذللك الموقف الذى يتنوع و يتسع باتساع الخيال و تطوره. فبليك يقول " أن الأبله لا يرى نفس الشجرة التى يراها العاقل" ويستطرد فيقول" لو أننا طهرنا أبواب الإدراك , لرأى الإنسان كل شئ كما هو على حقيقته: لا متناهٍ". و ما ذلك برجاء وليد الهلاوس ولا طموح حالم فبليك فيلسوف و فنان فى آن وهو يعرف الكيفية التى يعمل بها الإدراك سواء من حيث النظرية أو التطبيق. و هناك سُبُل للإنفتاح على العالم و الفرار من المغارة.
يصف بليك فى شعره أربع حالات عقلية تتجلى فيها مواقف متباينة من الخيال ومن ثم تتباين فيها رؤية العالم.بالتعرف على الحالة التى يجد فيها الفرد أو المجتمع نفسه يصبح فى الإمكان شمول الإخرين و استيعابهم فى تلك الحالة. و قد أعطى بليك مسميات لهذه الحالات ألا وهى : أولروUlro (4) و جينيريشن Generation (5) و بيولاه Beulah(6) و إيدن Eden أو إتيرنيتى Eternity (7).تلك المسميات بمثابة الفيصل لفهم بليك : فطالما أنك تنشد الرؤية الرباعية , فلابد لك من أن تعرف التباين و الإختلاف الواضح فيما بينهم.
Ulro هى حالة الرؤية الأُحادية و كما تقول الباحثة المتخصصة فى شعر بليك سوزان سكلارSusanne Sklar " فى حالة الأورلو Urlo ليس هناك وجود لما لا يمكن التعبير عنه كمياً." ضالة الحكمة تُنشد فى الأرقام و المنطق و النقاش يقابل بالصراخ لطلب المزيد من الأدلة. إنها الحالة التى نجدها عند نيوتن القابع تحت الأرض و الذى يُحجِّم عكوفه على القياس وعيه فيستغرق خياله فى جمع البيانات . إن من يمر بهذه الحالة العقلية أشبه ما يكون بسائح مهووس بالتقاط الصور , فهو يلتقط اللقطة تلو اللقطة دون أن يخرج بشئ جديد من رحلته.الشمس فى تلك الحالة العقلية هى شكل شبيه بالجنيه الذهبى ,نجم من النجوم فى مجرة من المجرات تسبح فى رحابة الكون.
تلك العقلية ثبت أنها مرغوبة بدرجة كبيرة . ففى وقت الجائحة تبعث تلك العقلية على اتخاذ اللازم لتسطيح المنحنى flatten the curve أو زيادة عدد الفحوصات و هى بشكل عام تنظم الحياة حول قياسات مثل النمو الإقتصادى و إجمالى الناتج المحلى. إلا أنه لا يتجلى بشكل واضح فيما تستخدم هذه المؤشرات البادية لنا فيؤول المآل بالناس و المجتمعات الى أن يجدوا أنفسهم عالقين فيما وصفه بليك بِ" دائرة الأورلوUrlo الرتيبة". يعيش الكثير من الناس و قد انتابهم هاجس بأن شيئاً ما قد خرج عن مساره الصحيح و أن الحياة َ تفتقر إلى المعنى و البعض الآخر يستغرقه الإنشغال بعالم الحياة هذا حتى أنهم يرفضون مجرد التفكير فى أنهم ربما يفتقرون إلى الرؤية.
و مناط هذا من وجهة نظر بليك هو أن المخيلة الإنسانية ارتدت فى الإتجاه المعاكس و ما انفكت تعمل – دون وعى منها – لإسقاط ما أطلق عليه " التفاصيل الدقيقة" التى يتألف منها نسيج الحياة مفضلةً عليها وجود يوصف فى صورة تعميمات و إحصاءات. كما أن عقلية الأورلو Urlo ليس لديها ما تقوله عن تجارب الحياة الحرجة كالمعاناة أو الموت سوى أنها نتاج ثانوى مبهم لعمليات طبيعية . و هذا فى حد ذاته يزيد المعاناة و ينتج عنه " حياة مضنية , فى همومٍ جاثمة , و مساعٍ شاقة , ليست إلا هشيم تذروه الرياح" . و رغم أن بليك دائماً ما كان يثق أن الأمل يمكن أن ينبثق من خضم القنوط إلا أنه كان يرى أن تلك الرؤية الأُحادية تعمل فى نهاية المطاف على تسليط الضوء على ما يعتور هذه الحالة العقلية .فبتعمق الأزمة يمكن أن تصبح الإضطرابات فى حالة الأرلو Urlo العقلية جلية بشكل أكبر مما يحفز تحول الوعى إلى الحالة التى أطلق عليها بليك جينيراشن Generation .
حالة الجينيراشن Generation يسيطر عليها روح التوالد و تستوعب رؤيتها المزدوجة طبيعة الحياة بشكل أفضل.فهى تتفهم الدورات البيولوجية و مواسم الخصب و فى كنفها حدثت تطورات عظيمة فى الصناعة و الزراعة . و كثيراً ما نجد شخصية لوس Los فى شعر بليك فى تلك الحالة العقلية و هو يلوح بملقطه و مطرقته , تلك الأدوات التى تُشكِل و تصوغ , بخلاف فِرجار نيوتن الذى يقتصر على القياس فحسب . ولوس Los يعمل جاهداً لبناء جولجونوزا Golgonooza- تلك اليوتوبيا ( المدينة الفاضلة ) المرجوة,لتكون مدينة تعمها السكينة بحق على وجه الأرض. و وتحدو النبى الأزلى لوس Los رغبة فى أن يُمد له فى عمره فينشد ذلك فى مقولات categories من بينها طول العمر و الصحة و هى مقولات يُقيد و يُحد فيها الخيال. لذلك تظل الهواجس المتعلقة بمغزى الحياة باقية لا تبرح.
أما بالنسبة للشمس فإن الناس فى حالة الجنيراشن Generation العقلية سوف يقولون أنهم جُبلوا من الغبار النجمى stardust و أنه فى أفران نووية سماوية شكلت نجوم شبيهة بالشمس لبنات بناء الحياة building blocks of life مثل الكربون.و سوف يشرعون فى مناقشة كيف أن نجماً عادياً , كشمسنا الأرضية , هو عين المطلوب لنشؤ الحياة . بل و الأدهى أنهم سوف يعجبون لتلك الحقيقة. و ما تلك الحالة إلا ارتقاء عقلى متواضع نحو تقدير رفيقتنا المتوهجة .
لذا فإن حالة الجينيراشن Generation أكثر اتساعاً و ورحابة من حالة الأورلو Urlo فهى تضفى على المنطق فى حالة الأورلو نسقاً و غاية بيد أنها تظل غير قادرة على رؤيةأابعاد الحياة السامية . إن الإحساس المؤرق بأن الحياة ينبغى أن تنطوى على المزيد يعنى أن ثمة خطر دائم بانزلاق حالة الجينيراشن Generation إلى السعى للتوالد من أجل التوالد, الإنزلاق نحو التناسخ المحض .و حينما يحدث هذا تمتلئ المجتمعات بالمصانع الشيطانية المظلمة و تكتظ محال السوبرماركت بأنواع لا حصر لها من حبوب الإفطار و معجون الأسنان فتختنق الأرض بمجال الوعى noosphere بسلاسل محلات بيع السلع فتسود ثقافة الإستهلاك.
يمكن للأمور أن تصبح أكثر قتامة, فعندما يعى الناس أن الموارد شحيحة , فإنهم لا يلبثون أن يشرعوا فى الحديث عن البقاء للأصلح و كأن الندرة شريعة لا تُقاوم.و يصبحون مقتنعين أن خير تمثيل للحياة هو متتالية ألعاب " معضلة السجينprisoner s dillema " (8)أو " المحصلة صفر Zero-sum " (9) فتعاود عقلية الأورلو Urlo التسلل مجدداً وينتاب الناس القلق حيث يلوح الإستنساخ كطحالب الصيف التى تخنق البحر . و على نحوٍ مناقض, قد يسعون لتخفيف حدة القلق بطلب المزيد من السلع المادية في عادات شبيهة بما أطلق عليه سيجموند فرويد Sigmund Freud عام 1920 التكرار القهرى Compulsion Repetition . و بخروج الأمور عن السيطرة , تبدو الحياة و كأنها تتعقد بمعدلات تصاعدية و يحل الفزع. و هذا غير حقيقى , فالحياة لطالما كان دأبها التعقيد , انما الأصح أن الناس ضلوا طريقهم بسبب الإفتقار إلى الخيال .و لكن الأزمة_-كما فى السابق – تتيح الفرصة لرؤية المزيد و عندئذ يمكن للرؤية الثلاثية البزوغ.
هذا هو مفهوم الحالة التى أطلق عليها بليك " بيولا Beulah " . إنها تطرح وعياً بِالعلاقات المحسوسة و رغبةً فيها .فتحتل الحساسية و الرعاية, السعادة و التعاطف مكان الصدارة و يكون فى طليعة كل شئ, المودة و الحب فتفتح لحالات العقل الأقل رحابة نوافذ على آفاق جديدة للحياة : بيولا Beulah يمكن أن تبعث الدفء فى منطق أورلو Urlo قارس البرودة و تعطى وجهة لتوالد جينيراشن generation المتخبط . فتتكشف خطوط اتصال غنية للمعان و القيم , وللطموحات و الترويح عن النفس إلى الحد الذى سوف يعرف فيه الناس فى حالة بيولا Beulah بالبداهة ما معنى أن يُقال أن الحياة ذات جوهر و روح . فإذا بنا نجد أن ما كان علاقة " أنا و الشىئ I-It " تحول الى علاقة " أنا و أنت I-Thou" فتستعيد اذهاننا آراء الفيلسوف مارتن بوبر Martin Buber (11). و من فرط سعادة الناس فإنهم سوف يناجون الشحارير و يغنون للأنجم و يعانقون الدوح . أما الشعراء فإنهم سوف ينظمون القريض للشمس المغتبطة الآن كما انهم سوف يقرنونها غرامياً بالقمر و لسوف يسبحون حمداً لدفئها و نورها اللذين تمنحهم للجميع سواسية . فى حين أن البعض الأخرين قد يتراءى لهم آيات البركة الربانية فى ذلك النسق.
و تولى بيولا Beulah الآداب و الاخلاقيات عنايتها حيث انها تقدر التفاصيل الدقيقة فى الحياة . و تحاول ان تعرف المبادئ التى يمكن أن تذود عما تعده عزيزاً و محبباً إليها , خاصة عندما تتفسخ العلاقات كما هو محتوم دائماً.فى هذه الحالة يكون العدل و الإنصاف شيئين جوهريين و يردد فيلسوف مثل امانويل كانت Immanuel Kant و هو مستغرق فى تأملاته " شيئان يملأن قلبى دوماً بالإعجاب و الخشوع , وهو شعور لا يفارقنى كلما أطلت التفكير فيهما : قُبة السماء المرصعة بالنجوم من فوقى و القانون الأخلاقى فى ضميرى " (12)
إلا أن الرؤية الثلاثية لحالة بيولا Beulah لها جانبها المظلم ايضاً . فهى قد يفسدها ما أطلق عليه بليك " إيثار الذات" حيث يجنح الحب للتملك و السيطرة على العلاقات , فيستشهد الناس بالقوانين بدلاً من التسامح , و يلجأون إلى المحاكم بدلاً من التصالح , و حينما تندلع الحروب الثقافية يحولون آداب الأخلاق المتعارف عليها إلى أسلحة لإلحاق العار و تقديم كباش فداء . إيثار الذات يلفح مشهد الود فى حالة بيولا Beulah و يخلف وراءه ما يسميه بليك بِ " قِفار الشريعة الأخلاقية "إن إيثار الذات يبعث على الفُرقة و الإقصاء و تبنى الريبة حينما يتطلب اعتناق نسخة متزمتة عقابية تختلف عما كانت عليه وجهة نظر حالة بيولا Beulah الرحبة .فتغرق تغريدات الرجاء فى موضوعات الكراهية .
إنه زمن خطير . و لكن إذا استطاعت حالة بيولا Beulah أن تتعلم من قهرها و تتملص من قبضة إيثار الذات فإنها سوف تكتشف آفاق أوسع و تساهم فى الحياة بحرية أكثر مما كان يُرى قبلاً .عالم حياة رابع يمكننا أن نتوقعه بإعمال خيالنا :إنه عالم إيدن Eden أو إتيرنيتى Eternity .
رؤية بليك الرباعية تحقق الإنطلاق فى النهاية فى حالة إتيرنيتى Eternity العقلية : الإدراك الحسى متعدد المعانى الذى ينفتح على آفاق الحياة اللامتناهية و يصبح المكان نمط كسورى fractal و الزمان مائع fluid . يحدث هذا حينما نثق فى الخيال كطاقة ابداعية حية يمكن أن نتعاون من خلالها . حالة إتيرنيتى Eternity لا تسهم بنصيب فيما هو أدنى من الحياة الربانية .حينما لا تكون عبقرية الخيال رائعة و ممتعة فحسب , بل خلاقة و دائمة .و كما قال معاصر بليك صامويل تايلور كوليريدج Samuel Taylor Coleridge فالتوهم يعيد ترتيب ما يعرفه بالفعل , و يكون ذلك بشكل عشوائي إلى حد ما , و غالباً ما يكون ذلك لمجرد إحداث التأثير بينما الخيال يولف و يُصنع و يُنشئ جسور بين ما هو ذاتى و ما هو موضوعى ويرى حيوية العالم الداخلية كما يرى مظاهره الخارجية المتداخلة .
حالة إتيرنيتى Eternity تشمل و تتفهم خير ما فى الحالات الأخرى : فطنة حالة أورلو Urlo , و رحابة حالة جينيرايشين Generation , و الحس المرهف فى حالة بيولا Beulah و تلك علة أن الفنانين و ذوى الرؤى يثقون بها .فعندما رسم فينسينت فان جوخ Vincent van Gogh الليالى المرصعة بالنجوم , لاح الكون الساحر مجدداً. و حينما تخيل ألبرت أينشتاين Albert Einstein السفر عبر حزمة ضوء , و هو إعمال الخيال الذى تمخضت عنه نظرية النسبية الخاصة , كشفت الفيزياء عن عوالم جديدة . فعباقرة العلم و الفنون يعملون يداً بيدِ فى حالة إتيرنيتى eternity , فينيرون الدرب لبعضهم البعض . و قد احتفى بليك بتلك اللحظات فى أبيات من قصيدة أورشليم :
عند صليل سهام الذهن ,
لاحت فى الأفق عجلات العلى القدير الحربية التى لا تُحصى ,
و ظهر باكون و نيوتن و لوك و شكسبير و ميلتون و تشوسر

و تنال مبادئ الأخلاق أهدافاً أسمى نتيجةً لذلك . فالأمر لم يعد يتمحور حول تحديد المبادئ الأخلاقية و الذود عنها بل يتحول إلى ما أسماه بليك " حروب العشق " , و الجهود المتبادلة للتسامى على أنماط السلوك القديمة و تجسيد خصال التشخص personhood المسماة فضائل و يحدث ذلك عن طريق " فض مكنون القلب / فى حروب إحسانٍ متبادل " فى عملياتٍ من " التسامح النهم " على حد قول سكلار Sklar : نهم لأنه مسرف فى صدقه ,و متسامح لأنه رحيم تجاه كل ما يُكْشَف ستره , فهو يحكم على الآخرين ليفهم لا ليدين ليحرر لا ليُخضِع. و هو يرحب بالأخطاء كفرص لضرب من ضروب التعلم التى تُغير القلب و العقل فى آن.
و سلاح إتيرنيتى Eternity الخفى هو نمط من أنماط الصداقة استطاع أن يمسك به و يعرضه علينا فى سطر من قصيدته قِران الفردوس و الجحيم : " المعارضة هى الصداقة الحقة" كما أن الأصدقاء المعارضين يعارضون أنفسهم أيضاَ فهم يعتنقون ما أطلق عليه بليك " إفناء الذات " : النضال العقلى مع النفس , و ذلك لا يعنى إذابة الأنا ego بل دحر الرغبة فى تملك الحياة و السيطرة على الآخرين . فى قصيدة " أورشليم " يصف بليك ألبيون Albion و هو يشرع فى حروب العشق فيلقى بنفسه طواعية فى أتون لوس Los النارى .
و هذا أمر فى غاية الأهمية لرؤية ما تبشر به حالة إتيرنيتى Eternity حيث أنها تجعل المرء شفافاً للحقيقة . و ربما أن هذا هو ما أدركته الكاتبة فرجينيا وولف Virginia Woolf فى كتابها " غرفة تخص المرء وحده " حيث نوهت فى معرض تأملها لعبقرية عقل وليم شكسبير و كيف أنه " مستجيب, كثير المسام " , كما أنه " خلاق, و متوهج , و غير منقسم " و قد تأتى له هذا لأنه " أقصى عنه كل رغبة فى الإحتجاج على واقعه أو فى الوعظ , أو الإعلان عن أذى أصابه , أو الإنتصاف لنفسه , أو لجعل العالم شاهداً على مظلمة أو مُلِمة ألمت به "
كما أن حروب العشق تغير أدراكنا الحسى بالموت . ففى حالة أورلوUrlo يصيبنا الموت بالحيرة , و فى حالة جينيراشن Generation فإنه صورة شائهة ممسوخة travesty , أما فى حالة بيولا Belah فإنه مأساة ولكن فى حالة إتيرنيتى Eternity فإنه بوابة للحياة الكاملة . فبليك يقول أن " كل عمل بار يكون بمثابة موت صغير " ليس لأن البر مكلف , و لكن لأن البار حينما يقوم بفعال التضحية و الخير يستشعر فى تلك اللحظات بأن الحياة فانية و ليست ملكاً له . بل بالأحرى أن الحياة تهب نفسها لنا . و تنكشف طبيعة كينونة الحياة على أنها " تمازج " من التضحية المتبادلة بالذات . الأخذ و العطاء ينبثق عنهما " نبوع مياه المحاياه " و بالنسبة لبليك المسيحى فإنهما يكشفان مغزى موت يسوع و موتنا نحن أيضاً. وفى حالة إتيرنيتى Eternity يكشف كلٌ من الموت اليومى الذى ننقل عبره الحياة و الموت الذى يبدو فى ظاهره نهائى عن أن هناك مصدر للحياة . إنه العشق المجرد من الزمن الذى يكتنف الموت و يتسامى عليه .
عندئذ يتجلى معنى مغاير للحرية أيضاً. و لكنه قد يربك أو ينال من الحالات العقلية الأخرى التى نسختها حالة إتيرنيتى Eternity . ففى حالة أورلو Urlo يُفترض أن الحرية تزداد بازدياد قدرتنا على فهم العالم , و فى حالة جينيراشن Generation تكون الحرية مكافئاً لمزيد من القدرة على الإختيار , أما فى حالة بيولا Beulah فإنها تعنى القدرة على التعبير و الإحترام . و لكن فى حالة إتيرنيتى Eternity فإن الحرية تعنى الخدمة و الإنقياد – و هو معنى راسخ فى الأصول السنسكريتية لكلمة " يوجا " :أن يربط أو أن يقرن . و ذلك لأنه عندما يُدرك العطاء على أنه نبع مياه الحياة الأبدى , يسعى الناس جاهدين للإنحياز إلى ذلك العنصر من عناصر القوى المحركة . و قد تغنى بليك بذلك النعيم فى مقطوعة رباعية يمكن أن يفنى المرء عمره ليفهم مغزاها:
من يربط نفسه بالفرحة,
فإنه يدمر الحياة المُجنَّحة
و من يُقْبِّل الفرحة المحلقة ,
يعش أبدا فى ضوء الشمس المشرقة
و هناك نوع آخر من العطاء مطلوب للحياة الأبدية فى ضوء الشمس المشرقة و فى الأساطير التى ابتدعها بليك ذلك يعود بنا لجهود لوس Los لبناء المدينة التى تعمها السكينة , أى مدينة جولجونوزا Golgonooza . و يتضح لنا أنه عندما يدرك لوس Los حالةالإتيرنيتى Eternity فإنه فى الواقع يتوقف عن النضال . فهو يدرك أن الفردوس ليس مكاناً على الأرض و ما كان من الممكن أن يكون . فكما رأى الكتاب الذين كتبوا عن " اليوتوبيات" أو " المدن الفاضلة " منذ أفلاطون , فإن محاولة تحقيق تلك الآمال فى المكان الخاطئ كانت خطأٌ جسيم فذلك يستنزف الأرض بجسم متنامٍ لا يشبع .و يزيد من معاناة الطبيعة و البشرية . و بيت القصيد فى بناء مدينة جولجونزا Golgonooza هو تركها و التخلى عنها عندما يثبت فشلها , رغم أن ذلك المسعى يُكتسب منه شئ باقٍ ولايقدر بثمن : ألا و هو القدرة على إدراك قيمة حالة إتيرنيتى Eternity و نيلها . فإذا بلوس Los يصيح أثناء مساعيه و نضاله ," لابد لى من وضع منظومة خاصة بى و إلا فإننى سوف أصبح عبداً لمنظومة إنسان آخر." وليس مناط هذا أنه فردى النزعة و لكن لأنه يرغب فى ما هو ربانى و هو يدرك أن الخيال الخلاق هو أهم ما يؤهل له .
و بالمثل فإن حالة إتيرنيتى Eternity تتناول من زوايا مختلفة الشواغل المعاصرة بالدمار الإيكولوجى " البيئى " . فهى تبين أن العالم المادى أصغر من أن يتسع لنا . و قدرتنا على التسامى تعنى أننا مخلوقات لا متناهية . فبإمكاننا أن نلحظ " الفردوس فى زهرة برية" و " الأبدية فى ساعة زمنية " . بيد أن الإدراك الحسى ينبغى أن يكون تحذيراً لنا حيث نجد بليك يؤكد قائلاً , " المزيد !المزيد! تلك هى صرخة الروح الضالة , فالإنسان لا يرضيه ماهو دون الكل "
لذا فإن رؤيته للبيئة ليست الإستغلال المنظم ( حالة Urlo) و لا الإستهلاك المنظم ( حالة Generation) و لا حتى التعاون المنظم ( حالة Beulah ) بل هى تهدف بدلاً من ذلك إلى نشر الوعى و بشكل جذرى بالبيئات التى نحن نمثل جزء منها و هى تعنى ألا نحتضن البيئات و الكائنات الدقيقة التى تدرسها العلوم الطبيعية فحسب , بل و الملائكة و المخلوقات الربانية divine intelligences التى يدرك قيمتها أصحاب الرؤى بالإضافة إلى كافة الآلهة و الأرواح و الشياطين التى اتخذها أسلافنا مادة للقراءة .
لقد رأى بليك الملائكة و الأشباح و هللوليا (تسبيح) شروق شمس . إن تطهير أبواب الإدراك الحسى و إستعادة الإتصال الجاد بتلك الأبعاد للحقيقة أمر مهم ليس لأنه يجابه متطلبات العالم المادى المهلك بأسره فحسب و لكن لأن قلوبنا أيضاً جُبِلت على الإستمتاع بالبعد الروحى و إقصاؤ يُعد بتر لجزء من ذواتنا .
و تخمينى أننا فى معظم الأوقات , و فى أحسن الحالات , نرى لمحات من حالة إتيرنيتى Eternity من حين لآخر . تلك اللحظات هى إشارات . أما على المدى الطويل فنحن لا نستطيع حتى أن نعيش فى حالة بيولا Beulah عاملة بشكل جيد ناهيك عن أن نخفف من حدة المغالاة فى المنظومتين المغلقتين لكل من حالتى أورلو Urlo و جينيراشن Generation , الحبيستين داخل نفسيهما . لكن أوصاف بليك , و حيوية نظمه , و خياله المبدع , كل ذلك يمكن أن يساعدنا على أن نمد بصرنا فى ضوء الإشارات الت نستقبلها , تماماً كما استطاع هو أن يرى الكثير من رؤيته الملائكة فى طريق بيكهام راى Beckham Rye . فالكون نابض بالحياة متعدد الأشكال و البحث عن أكوان مناظرة له يمكن أن يكون جزء من الحياة .
التحلى بذلك الأمل يبدو هاماً إلى حدٍ ما فى تلك الآونة .فمن الممكن أن نولى اهتمامنا للحالات العقلية التى نعيش فيها و نتنقل فيما بينهم بانسيابية كانسيابية السوائل . و بليك يقدم لنا المِران و خرائط الطريق . أنه عمل , تماماً كأى تحول حقيقى فى الوعى . و لكن البشر بإمكانهم أن يتعاونوا مع الخيال و يصحون من سُباتهم حيث تشحذ حواسهم على نحوٍ لم تكن عليه من قبل . وبليك يقول أن " الأبدية /إتيرنيتى تعشق مخرجات الزمن " وذلك لأن حالة الإتيرنيتى Eternity تعرف أنها قدرنا .


الهوامش
*مارك فيرنون :كاتب و معالج نفسى يعيش فى لندن ويعمل مع جماعة perspectiva البحثية .فيرنون حاصل عى درجة الدكتوراة فى الفلسفة الإغريقية القديمة بلإضافة إلى مؤهلات أخرى فى اللاهوت و الفيزياء . أحدث كتاب صدر له هو : A Secret History of Christianity: Jesus, the Last Inkling, and the Evolution of Consciousness. (2019)
1- وليم بليك William Blake : شاعر انجليزى (1557-1827) يعد واحد من أهم شعراء المدرسة الرومانتيكية فى الأدب و الفنون قاطبةً " المترجم"
2- كان علم الفيزياء يسمى قديماً الفلسفة الطبيعية Natural Philosophy و كان عالم الفيزياء يسمى فيلسوف الطبيعة natural philosophy . " المترجم"
3- العبارة من قصيدة وليم بليك ( أورشليم Jerusalem ) " المترجم"
4- Ulro : تعنى الصرخة فى اللغة الإيطالية " المترجم"
5- Generation : تعنى التوليد أو التوالد . " المترجم"
6- Beulah: الكلمة مأخوذة من العبرية و تعنى ذات بعل /مقترنة / متزوجة . " المترجم"
7- تعنى كلمة Eden جنة عدن , أما كلمة eternity فتعنى الأبدية . " المترجم "
8- معضلة السجين prisoner s dillema: هى لعبة يشارك فيها متهمان و لا يملك فيها المحقق أدلة كافية لإدانة أى من المتهمين. و الخيارات المتاحة للمتهمين هى إما أن يشهد كل منهم على الآخر أمام القاضى أو التزام الصمت . لو التزم المتهمان الصمت أمام المحكمة يحكم على كل منهم بالسجن لمدة ستة أشهر أما لو شهد أحدهما على الآخر , يخرج الشاهد دون حكم بالسجن فى حين يسجن الآخر لمدة عشَر سنوات, أما لو شهد المتهمان على بعضهما البعض فيسجن كل منهما خمس سنوات . تتمثل المعضلة فى أن كل منهما يتم التحقيق معه بمعزل عن الآخر فلا يستطيع أن يعرف أياً منهم قرار الآخر . " المترجم"
9- لعبة المحصلة صفر أو المجموع الصفرى zero-sum game: هى الحالة التى يكون فيها مجموع ما يخسره أو يكسبه طرف مشارك يساوى مجموع ما يكسبه او يخسره الطرف الآخر بمعنى أن الطرف الذى يكسب مبلغ معين فى مقامرة يربح الطرف الآخر الذى كسب نفس هذا المبلغ. " المترجم "
10- التكرار القهرى repetition compulsion: هى عملية نفسية يكرر فيها الشخص حدث ما أو ظروف حدوث ذلك الحدث مراراً و تكراراً و قد يكون ذلك التكرار فى الأحلام أو فى الواقع حيث يكرر الناس أنماط السلوك التى كانوا قد مروا بها فى ظروف صعبة أو مؤلمة . " المترجم"
11- مارتن بوبر Martin Buber : فيلسوف نمساوى ولد فى فيينا عام 1878 لأسرة يهودية ملتزمة بالتعاليم الدينية لكنه خرج عن تقاليد الأسرة و قرر أن يدرس الفلسفة العلمانية . أُشتهِر بوبر بفلسفة الحوار و هى فرع من الفلسفة الوجودية تعنى بالدرجة الأولى بالتفرقة بين علاقة " أنا و أنت" و علاقة " أنا والشئ" . تُوفى مارتن بوبر فى القدس عام 1965. " المترجم"
12- - العبارة من فقرة شهيرة يختم بها الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانت Immanuel Kant كتابه " نقد العقل العملى " و هى منقوشة على شاهد قبره قرب كاتدرائية كالينينجراد." المترجم"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/