الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمرحل السياسي والنظرية اللوئية

جعفر المظفر

2021 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كيف يتحول التقدمي في المرحلة السابقة إلى رجعي في المرحلة اللاحقة.
في مقالتي السابقة كنت قد تحدثت عن أخطاء النظرية اللوئــية على صعيد قراءة التاريخ السياسي للعراق بعد تشكيل دولته الحديثة عام 1921 وتوقفت في تلك المقالة أمام مشهد ثورة الرابع عشر من تموز مؤكدا على ضرورة الإلمام بنظام المراحل التاريخية والحكم على كل مرحلة بمجموعة القوانين والعوامل التي تتحكم بها, ومركزا بالتالي على خطأ النظرية اللوئية التي تحكم على (ما سبق من خلال ما لحق) والتي تتعدى على حقيقة أن (ما لحق) يشكل مرحلة سياسية أخرى تتميز عن (ما سبق) بمجموعة العوامل والمعطيات التي تجعل منها مرحلة قائمة ومستقلة عن سابقتها الأمر الذي يستدعي الحكم عليها من بمساطر وفراجيل هي غير التي أستعملت في تحديد الأحكام على المرحلة السابقة.
ولعل العراقيين هم أكثر الشعوب إستعمالا لكلمة ال (لو) في قاموسهم السياسي. فلولا إنقلاب أو ثورة الرابع عشر من تموز لكان بإمكان النظام الملكي أن يخلق دولة عراقية متحضرة ومتقدمة على كل دول المنطقة. أما الشيوعيون وبعض أنصار التيار اليساري فيؤكدون على أن إنقلاب البعثيين أو ثورتهم ضد نظام عبدالكريم قاسم هي التي كانت وسوف تظل السبب الحقيقي للدمار الذي نشأ بعدها, و (لو) أن جمهورية الزعيم كانت قد إستمرت لصار حال العراق غير حاله الآن. وأما أعداء البعثيين فيرون أن فترة الرئيس عبدالرحمن عارف كانت من أكثر الفترات إستقرارا وأملا بعراق ديمقراطي ناهض ولولا إنقلاب القصر في السابع عشر من تموز لكنا الآن (فوق السطح) حسب التعبير العراقي المقصود به (في أفضل حال).
أما عراقيو هذه المرحلة حيث الفساد الذي لا يصدق وحيث العمالة وإنهيار المنظومة الأخلاقية والدينية والأمنية وتشعباتها فيؤكد الكثيرون منهم, وحتى من بين الذين عانوا كثيرا من نظام صدام حسين, على أن هذا الأخير (لو ) كان قد إستمر لكان هناك على الأقل أمان وكهرباء وحصة تموينية ولما كانت إيران قد تجرأت على مد إصبعا واحدا في الشأن العراقي الداخلي, ولما رأينا وجوها بائسة مثل عمار والمالكي والصدر والخزعلي والعامري يتمشون على وجه الأرض.
وأعود لأقول أن إستعمال كلمة الـ (لو) سيكون مشروعا لو أن هذا الإستعمال يأتي لغرض التمني وفي أثناء عض اليد, أما حينما يأتي من باب التأكيد على أن (اللاحق المر) هو الذي ألغى (السابق الحلو) فهنا ستكون المشكلة لأن قراءة مرتدة كهذه لا تحسن تقسيم التاريخ السياسي إلى مراحل ولا تعير إهتمام للمعطيات التي تحدد بداية ونهاية كل مرحلة.
وأجدني مضطرا هنا لإستدعاء المثال التالي لغرض توضيح فهمي لمعنى (التمرحل) التاريخي : نوري السعيد مثلا كان أحد أبرز العراقيين الذي رافقوا الملك فيصل الأول في رحلته إلى العراق وكان أحد أبرز ضباط الثورة الشريفية ضد الدولة العثمانية, فهو, بمساطر وفراجيل تلك المرحلة, كان يعتبر من أبرز الوطنيين العراقيين, أو الثوريين, الذين ساهموا بتأسيس العراق الجديد, وكذلك كان شأن العديد من الذين رافقوه في تلك الثورة والذين قدموا مع الملك الفيصل.
وبكل تأكيد فإنه ليس من الحق أو العدل نسيان الدور البارز لثوار (العشرين) في تأسيس العراق الجديد. إن كثيرا من أولئك الثوار قد حفروا لهم مكانا متقدما وبارزا في قائمة وطني تلك المرحلة التاريخية الحاسمة. غير أن تأسيس دولة العراق الذي جرى إقراره في مؤتمر القاهرة والذي حضره السياسي البريطاني الشهير تشرشل وزيرالمستعمرات آنذاك سرعان ما أدت إلى زحف بعض أسماء الثوار المعروفين إلى قائمة أعداء الشعب العراقي بعد ان تحول هؤلاء إلى إقطاعيين وآمري قبائل وذلك بفعل طبيعة النظام السياسي الملكي الذي إعتمد على القوانين العشائرية وعلى نظام الإقطاعيات, وبهذا تحول بعضا من ثوار الأمس إلى رجعيين وإقطاعيين في اليوم الذي تلاه, وكذلك فقد تحول نوري السعيد الثائر ضد العثمانيين إلى تابع موال للبريطانيين.
وإنه ليس من الحق, حينما نتصدى لكتابة تاريخ العراق الحديث, أن نمسح ما سبق بممسحة ما لحق.
ودون إعتماد نظرية (التمرحل التاريخي) فسوف يجري مسح إسم نوري السعيد الثائر الوطني بممسحة نوري السعيد التابع للإستعمار البريطاني لتضيع علينا بالتالي فرصة تدوين التاريخ بعدالة وبمهنية عالية. وإن ذلك لن يحدث ذلك ما لم تكن لدينا قدرة وضع اليد على بداية كل مرحلة وعلى نهايتها إعتمادا على عوامل ومعطيات تحدد بشكل واضح ودقيق يوم الشروق مثلما تحدد يوم المغيب.
إن للتاريخ جغرافيته أيضا, وأرى أن الألمام بـ (جغرافية التاريخ) سوف تمكننا من تحديد المساحة الزمنية لكل نظام, وهذا سوف يمنحننا قدرة عالية على تشخيص عوامل النهوض أو عوامل الإنهيار الخاصة بكل مرحلة, حريصين على أن لا تدخل علينا (النظرية اللوئـــية) لتأسيس قراءت خاطئة وأحكام ضالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج