الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المُلام؟ كيف نشأ الخلاف بين قادة الصين الماويين، والاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأُخرى

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2021 / 7 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الكاتب: الصحفي السوفييتي أوليغ ايفانوف

ترجمة مالك أبوعليا

في الآونة الأخيرة، لم تدخر قيادة بكين وأجهزة الدعاية الغربية والتحريفيين من جميع الألوان أي جهد في تشويه التاريخ الحقيقي للعلاقات السوفييتية-الصينية. انهم يجهدون من أجل اعادة كتابة الصفحات المجيدة في تاريخ الدولتين والشعبين ولجعل الشعب الصيني والرأي العام العالمي يُشككان في صدق سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية الأممية تجاه الحزب الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية.
يسعى الحزب الشيوعي السوفييتي بلا كلل، تفيذاً للقرارات المُتخذة في مؤتمره، الى تطبيع العلاقات السوفييتية الصينية. لم يكن الحزب الشيوعي السوفييتي يقوم بمُجرّد اعلان نواياه عن تحسين العلاقات، بل اتخذ مراراً وتكرارً خطوات عملية مُحددة لتحقيقها. في المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي الذي عُقِدَ عام 1976، على سبيل المثال، أوضح تماماً أنه ان كانت الصين ستعود الى المسار الماركسي-اللينيني الحقيقي وتتخلى عن سياساتها العدائية تجاه البلدان الاشتراكية وتسلك طريق التعاون والأممية مع العالم الاشتراكي فان هذا سيلاقي رداً ايجابياً من الاتحاد السوفييتي ويفتح امكانيات تطوير العلاقات مع الصين بالتوافق مع السياسات الأممية. أعاد المؤتمر السادس والعشرون الذي عُقِدَ عام 1981 التأكيد على الموقف المبدأي للحزب الشيوعي السوفييتي بشأن جميع العلاقات الدولية بين الاتحاد السوفييتي والصين.
كان من الطبيعي أن نتوقع أنه بعد موت ماوتسي تونغ في سبتمبر 1976، ربما حدثت نقطة حوّل في العلاقات السوفييتية الصينية، أو على الأقل تغيّرٌ نحو الأفضل. لم يكن سراً أن ماو وأتباعه كانوا يعملون بحماسة لتعطيل هذه العلاقات، خاصةً منذ أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وهذا هو بالضبط سبب مضاعفة الاتحاد السوفييتي جهوده لتطبيع العلاقات السوفييتية-الصينية بعد موت ماو.
تحقيقاً لهذه الغاية من عام 1976 الى عام 1980، أي في الفترة بين المؤتمرين 25 و26، تم اتخاذ عدد من الخطوات بمبادرة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي من أجل ايصال فكرة للقيادة الصينية الجديدة أنه كان لدى الاتحاد السوفييتي نوايا حسنة تجاه الصين وانه مُستعد لتطبيع علاقاته مع هذا البلد. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمفاوضات المبدئية بشأن تنظيم الحدود التي استمرت منذ عام 1969، عُقِدَت الجولات الأولى من المفاوضات حول تطبيع العلاقات بين الدولتين عام 1979، حيث قدّم الجانب السوفييتي مجموعةً واسعةً من المقترحات البناءة، والتي رفضتها بكين بالرغم من هذا. في عام 1971 اقترح الاتحاد السوفييتي توقيع معاهدة مع الصين بشأن التخلي عن استخدام القوة. بموجب شروط هذه المعاهدة، يتعهد كلا الجانبين بعدم استخدام القوة المسلحة ضد بعضهما البعض وعدم استخدام اي نوعٍ من الأسلحة التقليدية أو الصاروخية أو النووية ضد بعضهما. في وقتٍ لاحق، في عام 1973 اقترح الاتحاد السوفييتي ابرام معاهدة عدم اعتداء مع الصين.
في آذار عام 1978، عشية جلسة المؤتمر الشعبي الوطني لجمهورية الصين الشعبية، اتخذ الاتحاد السوفييتي مرةً أُخرى مبادرات مُهمة كانت من المُمكن أن تؤدي الى تطبيع العلاقات. أظهر الجانب السوفييتي بانتظام، في المفاوضات التجارية السوفييتية-الصينية السنوية، استعداده لتوسيع التجارة على أساس المنفعة المُتبادلة، لاجراء محادثات حول توقيع اتفاقية تجارية طويلة الأجل واحياء التجارة الحدودية. معرفة بشكلٍ جيد الاقتراحات السوفييتية بشأن احياء العلاقات بين جمعيات الصداقة وفي مجال الصحة العامة والاستعداد لاعادة التعاون بين أكاديميات العلوم الصينية والسوفييتية. كل هذه المقترحات لا تزال قائمة، على الرغم من الاستجابة الصينية السلبية المُستمرة.
ان الموقف الذي تتخذه القيادة الصينية، كما هو موقفها من قبل، هو العقبة الرئيسية في طريق تطبيع العلاقات السوفييتية الصينية. ان زعماء بكين ملتزمون بمسار ماو المُعادي للسوفييت. في الوضع الذي تسعى فيه القيادة الصينية، التي تتغير باستمرار، الى تأكيد نفسها من خلال اتخاذها المواقف المُهيمنة القديمة ومعاداة السوفييت وتجديد الماوية، تظل الاجراءات السوفييتية حسنة النية بدون استجابةً ايجابية من الجانب الصيني.
يتضح هذا من خلال حقيقة أن القيادة الصينية ما بعد الماوية لم تُقدّم اقتراحاً واحداً لتحسين العلاقة السوفييتية-الصينية وترفض توسيع التجارة أو الحفاظ على التعاون في المجال العلمي والثقافي. حتى أن الجانب الصيني المريض بمعاداته للسوفييت، لم يستجب للاقتراح السوفييتي لاقامة علاقات علمية بين علماء الزلازل السوفييت والصينيين. علاوةً على ذلك، يُصوّر الاتحاد السوفييتي، في الوثائق الصادرة عن أعلى الهيئات الحكومية الصينية وتصريحات قادتها، على أنه العدو الايديولوجي والسياسي والعسكري الرئيس للصين.
ومع ذلك، يُظهر تاريخ العلاقات السوفييتية الصينية، أنه لا توجد ولا يُمكن أن توجد أي أسباب لهذه القطيعة، عدا عن وجود أي أسباب للمواجهة بين الشعبين. على العكس من ذلك، توجد جميع الشروط المُسبقة اللازمة من أجل الصداقة والتعاون.
اليوم، لا يدّخر الماويون وأتباعهم في البلدان الأُخرى أي جهد لتزوير الأسباب الحقيقية لتفاقم المشاكل في العلاقات السوفييتية-الصينية وطبيعة هذه المشاكل. كُتِبَ الكثير في محاولات القاء اللقاء على الحزب الشيوعي السوفييتي والاتحاد السوفييتي. من المعروف أن الدعاية المُعادية للشيوعية من كل لون تتناول هذه التزويرات بشغف وتُضخمها.
ليس من قبيل المصادفة أن هناك فيض من الكُتب والنشرات والمقالات المزورة في الدراسات التاريخية الغربية التي تسعى الى تبرير سياسات بكين الداخلية والخارجية وتُشوه الحقائق حول العلاقات السوفييتية-الصينية وتاريخ الخلاف بين الحركة الشيوعية العالمية والقيادة الماوية. يجب التأكيد على أن الماويين أنفسهم ينشرون بكل تعمّد الأكاذيب والتزوير من كل نوع بصدد هذه المسائل. انهم يُساهمون في مساعدة الصحافة وعلماء الصينولوجيا في البدان الرأسمالية على بناء الأساطير حول هذه القضايا. نُشير في هذا الصدد الى التصريحات التي نشرتها الصحف اليابانية يوميوري شيمبون Yomiuri Shimbun وماينيتشي شيمبون Mainichi Shimbun
في كانون الثاني لعام 1972 حول جوهر المُحادثات التي جرت بين بعض مُمثلي "شنغهاي" ومندوبي النقابات العُمالية اليابانية حول ما يُسمى "الجرائم الاحدى عشر" السوفييتية ضد الصين. لا يزال من المُمكن العثور على تعديلات لهذه التزويرات الماوية في المنشورات الأجنبية.
ان تلفيقات بكين تتعامل مع أكثر المسائل تنوعاً. تم الكشف عن العديد منها على نحوٍ مُلائم في الصحافة السوفييتية. ومع ذلك، تستمر قائمة الأكاذيب والتزوير في النمو، وهذا يجعل من الضروري تقديم معلومات اضافية حول نقاطٍ مُعينة.
هناك سبب آخر للقيام بذلك. ان الأشخاص الذين لديهم فكرة غامضة عن تاريخ العلاقات السوفييتية-الصنية والأهداف الحقيقية لبكين، أو الذين خدعتهم الدعاية الصينية يزعمون أحياناً أن جذور مُعاداة السوفييت تكمن في ظروفٍ موضوعية مُعينة، مثل "صراع بين المصالح القومية السوفييتية الصينية"، وليس في الجوهر القومي لسياسة القادة الصينيين وخطهم السياسي العام. غالباً ما يُلمّح أتباع مثل هذه الآراء الى تصريحات ماوتسي تونغ المُنافقة حول "الصداقة" مع الحزب الشيوعي السوفييتي، أو مُلاحظاته حول سعي الحزب الشيوعي الصيني الدائم من أجل تحقيق "الوحدة والتضامن" مع الشعب السوفييتي والشيوعيين السوفييت، وما الى ذللك. أحياناً يتم تفسير العداء الماوي للسوفييت من خلال نسبها الى "استيائهم الشخصي".
ومع ذلك، تُظهر الحقائق أن بكين، أثناء حياة ماو، ابتكرت "برنامجاً" خاصاً من أجل مُفاقمة الوضع في العلاقات السوفييتية-الصينية. هذا وحده يُمكن أن يُفسّر حقيقة أنه منذ الستينيات، كانت المُقترحات المُتكررة التي طرحها الحزب الشيوعي السوفييتي من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين اما تُترَك بدون أي رد أو تُدفَن عمداً تحت جبالٍ من الاتهامات السخيفة على أساس تزوير الحقائق وتطويعها.
ولكن، فان الحقائق لا تدع مجالاً للشك في الطبيعة المُنافقة الموجهة الى الحزب الشيوعي السوفييتي المُتهم بأنه المُسبب لتدهور العلاقات السوفييتية-الصينية، و"تقليص المساعدات السوفييتية للصين" و"استدعاء المُختصين السوفييت من الصين" في وقتٍ مُبكرٍ من الستينيات، كل ذلك رداً على "الموقف المُستقل" للقادة الشيوعيين الصينيين.
من المعروف جيداً أن جماعة ماو شنّت حملتها المُعادية للسوفييت في الوقت الذي أصبحت في العلاقات الوثيقة بين الصين والاتحاد السوفييتي عائقاً أمام مُخططات الهيمنة الصينية. تم استخدام الستارة الدخانية المُتمثلة بالادعاءات حول الروح "الثورية" لبكين و"تحريفية" الحزب الشيوعي السوفييتي من أجل اخفاء انحراف الحزب الشيوعي الصيني عن موقفٍ مبدأيٍ مُحدد.
لكي نكون موضوعيين، يجب على المرء أن يُلاحظ أن هجمات ماوتسي تونغ المُمنهجة على الاتحاد السوفييتي تعود الى الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين البلدين ودية للغاية. في تشرين الثاني عام 1956، ادعى ماوتسي تونغ أنه تم التخلّص من اللينينية في الاتحاد السوفييتي، وفي آذار عام 1959 قال بأن "الاستغلال الاقتصادي العسكري من نوع التملّك العقاري" موجود في الاتحاد السوفييتي. استاء ماوتسي تونغ بمرارة من قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي وانتقاد عبادة الشخصية. مُخفياً آرائه الحقيقية، تظاهر ماو بالموافقة على قرارات المؤتمر. في الواقع، اعتبر مسألة انتقاد عبادة الشخصية تهديداً مباشراً لمكانته باعتباره الحاكم الأعلى للصين ولمزاعمه بأنه شخصية "كلاسيكية حية" في الحركة الشيوعية العالمية.
في الدورة الثانية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني عام 1958 وفي اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في آب عام 1959 تحدّث ماو عن الحاجة الى "الاستعداد للانقسام" أو الانشقاق، و"عدم الخوف من ذلك". كانت تلك هي اللحظة التي حدد فيها مهمة "هندسة التناقضات" في علاقات الصين مع الاتحاد السوفييتي وحزبه الشيوعي. في عام 1964، عندما كان الحزب الشيوعي السوفييتي والعديد من الأحزاب الشقيقة يبذلون جهوداً لتطبيع العلاقات مع الحزب الشيوعي الصيني، أعلن ماو أن الاتحاد السوفييتي كان "دولةً فاشيةً من نوع هتلر" وأقنَعَ القيادة الصينية أنه من المناسب تحقيق قطيعة مع الاتحاد السوفييتي. وبالتالي فان المسألة ليست مسألة "اهانات" مزعومة تعرّض لها ماو، بل بداعٍ من طموحاته لفرض خطه وعقيدته وهيمنه على المُجتمغ الاشتراكي والحركة الثورية العالمية.
لكن كان ماو، في منتصف الخمسينيات، لا يزال يجد صعوبةً في احداث حولات حادة في العلاقات السوفييتية الصينية، والتي وقف ضد حصولها الشيوعيون الأمميون في القيادة الصينية والروابط الواسعة في جميع المجالات بين البلدين والوضع الدولي العام.أُجبِرَ ماو على ابقاء خطه المُعادي للسوفييت مخفياً. هذا ما قاله عام 1958 عن الاتصالات بين الصين والاتحاد السوفييتي: "هناك الكثير من الشائعات الكاذبة حول العلاقات بين بلدينا. هل لدينا القوة لكي نُزعج أنفسنا بهذه الشائعات العديدة؟ فليذهب الشيطان معهم! سنبقى أُخوةً في عائلةٍ واحدة لمدة عشرة آلاف سنة".
احتاج ماو الى وقتٍ لاعداد الرأي العام الصيني ولاذكاء المشاعر القومية المُعادية للسوفييت.
منذ عام 1958 صعّدَ قادة بكين من أنشطتهم الانشقاقية في الحركة الشيوعية العالمية وبدأوا في اقامة أحزاب ضد الحزب الشيوعي الصيني. على سبيل المثال، قالوا للألبان أنهم "تحمّلوا خط الحزب الشيوعي السوفييتي وسياسته بعد المؤتمر العشرين لمدة 4 سنوات وشهرين وقد سئموا منه".
ومن أجل الكشف عن الوضع الحقيقي، دعونا نُلقي نظرةً على بعض الأمثلة النموذجية في تاريخ العلاقات السوفييتية الصينية.

ترجمة من كُتيّب:
Who is to blame? How differences arose between china s maoist leaders and the USSR and other Socialist Countries- Oleg Ivanov
Novosti Press Agency publishing House 1981








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الخلاف
خلف البهات ( 2021 / 7 / 23 - 15:30 )
السيد كاتب المقال لم يوضح علي اي شئ اختلف الصينين والسوفيت مما اوصلهم لفتح النيران عبر اقليم منشوريا؟ هل كان الخلاف علي اراضي ام خلافا ايديولوجيا؟


2 - هذا كُتيّب ويتبع
مالك ابوعليا ( 2021 / 7 / 23 - 18:18 )
هذا الموضوع هو ترجمة لكُتيّب سأترجمه على شكل سلسلة مقالات. تابع السلسلة وسيتضح الأمر

اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تشتبك مع المتظاهرين الداعمين لغزة في كلية -


.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا




.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا