الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا ألصقت تهمة الشيوعية بالرئيس الجزائري هواري بومدين

علجية عيش
(aldjia aiche)

2021 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في حديث عن اتفاقيات 29 جويلية 1965 الخاصة بالمحروقات
"رابطة الفلاحين الكادحين" كانت خطرا يهدد "الإقطاعية" في الجزائر
(بومدين أبعد فرنسا من سيطرتها على النفط الجزائري)
(هكذا واجه بومدين أعداء الثورة الزراعية من البرجوازيين و الصراع كان صراع طبقات)
( مصطفى الأشرف منظر جبهة التحرير الوطني و آفاق الثورة الزراعية)

قد نحتاج يوما إلى العمل بالسياسات القديمة التي عرفت نجاحا و مكنت من تجاوز الأزمات، كما قد نحتاج إلى العودة إلى تجارب من سبقونا في مختلف المجالات السياسية منها و الإقتصادية، و نقارنها بما ارتكب من أخطاء كانت لها آثار سيئة و هذا يمكننا من إعادة النظر في كل المخططات التي وضعت بطريقة خاطئة و غير مدروسة حيث غالبا ما تكون تبعاتها سلبية على كل المستويات، تتعرض فيها الدولة إلى الإفلاس، إن ما تعانيه الجزائر و الذي قادها إلى المديونية هو سوء التخطيط ، و يمكن القول على سبيل المثال لا الحصر كان مخططها التوجيهي للتنمية PDEAU فاشلا، حيث و لمدة تزبد عن 20 سنة لم يفصل فيه بسبب الحسابات الشخصية ، التي تولد عنها صراع بين المنتخبين و الإدارة، لأن واضعي المخطط لم يضعوا نصب أعينهم مشروع بناء الدولة و تحقيق الإنماء الإقتصادي،أي مشروع المجتمع الجديد، كما أن السبب يعود إلى سوء الخيارات المتبعة و عدم الأخذ بالتوجيهات المقدمة، سوء التسيير و غياب الرقابة فقد كانت تحكم العمل اعتبارات سياسية و شخصية أكثر مما هو انعكاس عمل عقلاني منظم، فكانت النتيجة أن جل المشاريع فاشلة و الشركات التي تعتبر العمود الفقري لإقتصاد البلاد أفلست و تم غلقها بسبب الخوصصة و الإنفتاح على السوق الحر، كل ذلك راجع إلى وجود سياسات غير محسوبة العواقب
عشية استقلالها اعتمدت الجزائر نمط خاص للتخطيط المستوحى من التجربة السوفياتية، و يعوذ السبب ف ذلك إلى الظروف التي عانتها ايام الإستعمار و النتائج التي خلفتها حرب عمرت 132 سنة، جعلت الجزائر بلد مفلسا اقتصاديا بأت معنى الكلمة، بسبب سياسة القمع التي انتهجتها فرنسا حينما جردت الشعب الجزائري من أراضيه و مملتكاته و هجرته فضلا عن سياسة القتل و التعذيب التي مارستها في حق شعب أعزل لم يكن يملك إلا إينانه بوطنه و حبه لدينه وتمسكه بثقافته و أصالته العريقة، و حقه في الحرية و ألإستقلال و استرجاع سيادته، حيث قامت بعثة من الخبراء السوفياتي بزيارة الجزائر في إطار ما سُمِّيَ بـ: Gosplan، و ساعدت بالتعاون مع الخبير البولوني بوبروفسكي bobrowski في تحديد التوجهات الكبرى فيما يتعلق بالتخطيط و هذا كما جاء قي الميثاق الوطني 1976، حيث تم إنشاء الجهاز المركزي للتخطيط OCP، هذا الأخير أسندت إليه مهمة الإشراف على صياغة المشاريع الإستثمارية و التمويل، إلى أن تم تعويضه بكتابة الدولة للتخطيط من أجل التعرف على نوع الإستثمارات و تكاليفها و نتائجها النهائية.
تمت المصادقة عليها شريطة أنه قبل الشروع في تنفيذها تخضع المشاريع الإستثمارية من جديد للدراسة من قبل الفرق القطاعية ممثلة في المؤسسات أو الوزارة الوصية، أين تقوم كل منها بدراسة السوق و الجانب التقني و تقدير كلفة المشروع أكان بالدينار أو بالعملة الصعبة، و إذا ما تم اعتماده، تمنح كتابة التخطيط قرار التنفيذ ومن ثم يجاز لوزارة المالية تمويله، وكما هو معلوم و حسبما ذكرته تقارير اقتصادية فالجزائر في مخططاتها الثلاثة التي عرفتها إلى غاية 1978 ضخت أموالا ضخمة فاقت قيمتها 300 مليار دينار، ذلك بنسبة 45 بالمائة من النتاج الداخلي الخام ، كان القطاع الصناعي قد نال حصة بنسبة 52 بالمائة من الإستثمارات عكس القطاع الزراعي حيث كان نصيبه لا يتعدى 17 بالمائة، مما شجع فتح المجال للقطاع الخاص الذي طلب مه الإستثمار في مجال الصناعات الخفيفة.
و يلاحظ أن قطاع الصناعة حظي باهتمام الدولة في المخطط الثلاثي الذي كان عنوان للتخطيط المركزي داخل القطاع العمومي، إلا أن سياسة بومدين في جانبها الإقتصادي أعطت في المخطط الرباعي ( 70-1973) أهمية للقطاع الزراعي و الثقافي عندما أطلق بومدين مشروع الثورات الثلاث و أضاف إلى المشروع تأميم المحروقات في فيفري 1971 ، كانت هذه المشاريع أهم ميزة المخطط ، برزت شركة "سوناطراك" كأكبر قطاع اقتصادي في مجال المحروقات، حسب ما كشفته الأرقام فقط سيطرت سوناطراك على 08 بالمائة من الموارد النفطية، فكانت مرحلة مهمة في تحقيق الأهداف التنموية، في مختلف المجالات من أجل تلبية احتياجات السوق الداخلي و تحقيق الإكتفاء الذاتي، فقد خصصت الدولة في عهد بومدين 30 مليار دينار، وُجِّهَ منها 15 مليار لقطاع المحروقات، و قد ساهم نجاح شركة سوناطراك في التحوّل إلى شركة ذات وزن ثقيل من حيث الإستثمارات و من حيث ما تذره من مداخيل، لكن فجأة أصبح حجم الإستثمار غير قادر على الإستمرار في تمويل المشاريع، أين شرعت الدولة في القيام بالإصلاحات، حيث لجأت إلى سياسة القرض كوسيلة لتمويل المشاريع و الإستثمرات المخطط لها.
و يمكن القول أن المخطط الرباعي نقل الجزائر إلى عهد جديد لم تشهده من قبل، لكن بعد إطلاق المخطط الرباعي الثاني ( 74-1977) عاشت الجزائر أزمة نفطية قفزت فيها أسعار النفط إلى 16 دولار للبرميل، فكان على الدولة إلا أن توجه حصة الأسد من الدخل العام للمحروقات، حيث عمل بومدين على تأميم المؤسسات بما فيها الشركات الأجنبية حتى تبقى هذه الأخيرة تحت رقابة الدولة الجزائرية و حتي تعترف فرنسا للجزائر بحقوقها كما نصّت عليه اتفاقية 29 جويلية 1965 الخاصة بالمحروقات و التنمية الصناعية، فقد مكنت هذه الإتفاقية من وضع استراتيجية بترولية جزائرية، نفس التقارير تحدثت عن اتفاقية الغاز الشهيرة مع شركة إلباسو EL-PASO الأمريكية في نهاية الستينيات، حيث أجبرت هذه الإتفاقية فرنسا على التفاوظ الجزائري فرنسي بغية إبعاد الشركات الفرنسية ، كانت النتيجة منح الصلاحية للشركة الوطنية سوناطراك في تسيير الموارد النفطية، رغم ما حققته الجزائر في هذه الفترة ظل قطاع الفلاحة بعيدا عن كل الإهتمامات، ما دفع بالرئيس هواري بومدين إلى تنفيذ مشروع الثورة الزراعية..

بومدين واجه أعداء الثورة الزراعية فأُلْصِقَتْ به تُهمَةُ "الشُّيُوعِيَّة"

لم يكن سهلا على الرئيس هواري بومدين و هو ينفذ مشروع الثورة الزراعية من أجل تثقيف الفلاحين و أبناء الريف و الفئات الأكثر حرمانا و منح لهم الأراضي المهملة لخدمتها و استصلاحها و إعادة لهم الإعتبار، حسب الأرقام بلغ عدد الفلاحين في تلك الفترة 09 مليون و 800 ألف فلاح و هو ما لم يرض الطبقة البرجوازية لاسيما أرباب المال و كبار مالكي الأراضي، و بدأت الشائعات تصدر هنا و هناك بأن بومدين يعتمد على التيار اليساري في الجزائر و أنه يوزع أراضي الدولة، رغم أن بومدين وزع الأراضي على الفلاحين البسطاء لحرث الأرض و أبناء الفقراء و شيّد لهم القرى حتى يقضي على الهجرة الريفية إلى المدن و من أجل أن يتمسك أبناء الريف بالأرض، حيث واجه بومدين حرب مع المعادون للثورة الزراعية الذين قالوا أن بومدين يسعى إلى تكوين الثروة على حساب الجماهير ، بالتعاون مع التيار اليساري المتمثل في "الأرثوذوكسيين" ، كما أن الطلبة الذين تجندوا لهذا المشروع كانوا محسوبين على حزب الطليعة الإشتراكي المحظور.
من هنا ألصقت ببومدين تهمة أنه "شيوعي"، هذا ما ذكره الدكتور عبد السلام فيلالي (في كتابه) عندما أورد ما جاء في مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد ، حيث ذكر الشاذلي بن جديد أسماء الذين عارضوا مشروع الثورة الزراعية وأولهم فرحات عباس ، فقد قال هذا الأخير أن الثورة الزراعية أسندت لأشخاص لا علاقة لهم بالمشروع و لا يملكون الخبرة الكافية، حتى بعض رفقاء الرئيس بومدين انقلبوا عليه و أداروا له ظهرهم و هو يشرع في تنفيذ المشروع، ذكرهم الشاذلي بن جديد في مذكراته من بينهم أحمد مدغري، قايد أحمد و دحو ولد قابلية، كانوا عناصر لها نفوذ في الدولة و كانوا أعضاء في مجلس الثورة و منهم وزراء و عسكريون و مسؤولين داخل الحزب، يمثلون التيار اليميني المتخندق في كتابة الدولة للتخطيط، كما كانوا جميعا ضد الثورة الزراعية و التأميم، خاصة بعد تعيين الطيب العربي على رأس وزارة الفلاحة و اختيار هذا الأخير المحيطين به لمساعدته في الوزارة، رافعين شعار: "الأرض لمن يخدمها"، حيث وصفوهم المعارضون بـ: "البيروقراطيين" ، إذ كيف (حسب المعارضين) يتساوى أبناء الفقراء بأبناء الأثرياء، وقد أرادوا العودة إلى النظام الإقطاعي.
ترجع تقارير أن مساعي إفشال الثورة الزراعية في الجزائر سياسي أكثر منه اقتصادي و أن غياب رؤية أو سياسة أو استراتيجية ممنهجة مفبركة رَوَّجَ لها خصوم بومدين و معارضوه و أن الصراع كان صراع طبقات، و إن كان هذا الصراع صراع طبقات، فهو كذلك كان صراع أفكار و مفاهيم، لأن البعض لا يفرق بين الإشتراكية كنظام اقتصادي، و الشيوعية كإيديولوجية، فقد كان خصوم بومدين يرون أن اختيار الجزائر النظام الإشتراكي عشية الإستقلال يعني الإنعطاف نحو اليسار، و أن الرئيس بومدين كشف عن يساريته من خلال مشروع الثورة الزراعية و اختيار فريق معاون له يتمثل في بلعيد عبد السلام وزير الصناعة و الطاقة و محمد الصديق بن يحي وزير التعليم العالي، و هذه النظرة تعكس نظرة بومدين للإشتراكية، التي كانت تهدف إلى القضاء على "استغلال الإنسان للإنسان ".
كان هذا التوجه البومديني مخالفا لنظرتهم التي بنيت على اختيار النموذج التونسي، والإشتراكية على الطريقة السويدية، كانت هذه رغبة التيار اليميني و التيار الليبرالي داخل السلطة، لأن همهم كان كسب المال و السلطة، الأمر الذي دفع ببومدين إلى تأميم المحروقات، و وضع محاور كبرى لبناء الإشتراكية الحقيقية عملا بالمحاور الكبرى التي حددها الميثاق الوطني 1976 و ارتباطه النهائي بالإشتراكية لبناء مشروع الدولة و المجتمع الإشتراكيين و قد حددها في الثورات الثلاث هي: (الثورة الثقافية، الزراعية و الصناعية) كما كان بومدين يطمح في مشروع الثورة الزراعية إلى تحقيق التوازن الجهوي ليس لكونه ابن الريف و إنما وطنيته دعته لذلك، حيث حرص على الدفاع الوطني و حدوده الثابتة من أجل تشييد مجتمع جديد، و قد لمّح لهم (أي للعناصر البرجوازية) في خطاب له بمدينة قسنطينة في 06 جوان 1974 بأنه "سيضع خطًّا أحمر بينه و بين أولئك الدخلاء داخل الثورة" و كرّر هذا الخطاب في لقاء له بتلمسان في 11 جويلية من السنة نفسها.

مصطفى الأشرف "منظر جبهة التحرير الوطني" و آفاق الثورة الزراعية

عندما تساءل الدكتنور مصطفى الأشرف عن ماذا يخبئ المستقبل للجزائر؟ و على الأخص ماهو مستقبل الثورة الزراعية؟ و هل يبقى الفلاحون على ما هم عليه من بؤس؟ و هل تنشأ في كل مدينة و قرية إقطاعيات من نوع جديد (بيروقراطئية غوغائية الإتجاه) و هل تقوم تكتلات جديدة بين ذوي المصالح المشتركة الذين سوف يتهافتون على الرزق مثلما كان يفعل المحتكرون و المضاربون في عهد الإستعمار؟ و هل يحفظ المجتمع الجزائري مسايرة منه للنزعةالديماغوجية لبعض المحرمات البائدة التي من شأنها أن تعرقل تطور الوسط الريفي، و أن تقدي حريته في التصرف، كان نظرة رؤية مصطفى الأشرف في محلها ، لأن نظرته إلى قطاع الريف كانت موضوعية و منزوع عنها الغبار، فمصطفى الأشرف كان يرى أن تطور الوسط الريفي لا يمكن أن يحصل تلقائيا، اي أنه يحتاج إلى سياسة واضحة المعالم و استراتيجية، و هو ما كان الرئيس بومدين يسعى إليه.
قد يقول قائل أو معارض أن دفاع مصطفى الأشرف على المرحلة البومديينية و بالأخص مرحلة الثورة الزراعية يعود إلى كونه ابن الريف، و هم بذلك يسلكون ما سلكه الإستعمار الفرنسي الذي قام على الإستغلال و التجهيل و الإقطاع و بذلك فهم حَلُّوا محله ( أي الإستعمار)، فمصطفى الأشرف الذي وصفوه بالمفكر و المحلل السياسي و منظر "جبهة التحرير الوطني" كان يهدف إلى حماية الثورة الزراعية و صيانتها من المسخ، فقد قال في كثير من المرات أن انتهاج الدولة النهج الإشتراكي عشية الإستقلال كان أكثر من ضروري و هذا نابع من درجة وعيهم الثوري و انتهاجهم الطريقة العقلانية و تقديمهم المصلحة العامة، بدليل انهم كانوا خارج العصب القوية Clans.
و قد مكنته نظرته الحيادية بأن ينتقد الطريقة التي طبقت فيها الإشتراكية ، حيث قال أن "الإشتراكية في الجزائر لم تتوفر فيها قيادة متكاملة، فكم من دولة كما أضاف حاولت أن تعالج أمورها بوضع ميثاق لها و لكن المواثيق تظل حبرا على ورق و لا تغير من الأمر شيئا، فيميل الناس إلى الإحتكار و يتهاتفون على المال و تتخذ إجراءات حرمانية تحت ستار العمل التنظيمي و لكن هذا العمل يرجع أساسا إلى التشيّع لهذا الحزب أو ذاك، لا إلى الإيمان بمبادئ سياسية معينة لأنه خال من كل إيديولوجية ثورية منظمة تقدمية، فكان ظهور الطبقة البرجوازية الصغرى" ، هذه البرجوازية كما يقول مصطفى الشرف شكلت في المدن كل من هَبَّ و دَبَّ و التقت حولها السلطة القائمة، افرادها متفاتون في ثقافتهم و في وعيهم السياسي، إلا أن نفوذهم اتسع بسبب تقربهم من السلطة و مبادرتها للحصول على المرافق و الصنائع، و هذه المرافق و الصنائع لم تكن متاحة للطبقات الريفية و حتى للكبقة الكادحة المستقرة في المدن، كما أن المعارضة أخذت هي الخرى تبحث لها و باي ثمن يمكن أن يعزز صفوفها فتحالفت مع من كانوا بالأمس يحفرون قبر الجزائر، حيث أرادوا أن يستبدلوا رجال مرحلة الثورة برجال آخرين لا يفقهون معنى الثورة و النضال و الكفاح و المقاومة.
و في مقارنته بين المجتمع الحضري و المجتمع الريفي يرى الدكتور مصطفى الأشرف ـن مقاومة الفلاحين الطويلة يمكن أن تعتبر غلى حد ما مقاومة ثورية، لأن ثلاثة أرباع سكان الجزائر من ابناء الريف الذين كانوا من أنصار الكفاح المسلح عكس سكان الحضر الذين تعايشوا مع الأوروبيين الذين تنوّعت مصالحهمو صاروا يتمتعون بالسلطة و ينعمون بالأمن ايام افستعمار في حين كان النضال و المقاومة في البوادي و الأرياف و الجبال حيث كانت المقاومة شرسة للإيديولوجية الإستعمارية و سياستها الإقطاعية و وقوف البرجوازية في المدن الكبرى إلى جانب افقطاعية و تنديدها بموقف الفلاحين آنذاك و هم كبار ملاك الأراضي من العسكريين و الإداريين، و بالعودة إلى الوراء كما جاء في كتاب مصطفى الأشرف فإن الذين وقعوا على عريضة قسنطينة ( على سبيل المثال) في 21 أفريل 1871 فكان ظهور "رابطة الفلاحين الكادحين" كانت أكبر خطرا يهدد الإقطاعية ، لأنها كانت بمثابة "الشرطية" و كانت تهددهم تهديدا مباشرا لأن الفلاحين أدركوا أن الهدف من الإستعمار هو الإستيلاء على الأراضي و الثروات و لابد من المقاومة و هو ما قامت به فرنسا فعلا بالإضافة إلى ترك الجزائريين يقتلهم الجوع و الفقر و المرض، و كما قال الأشرف: فإن التاريخ يروي كيف بادر الفلاحون لإغاثة المدن لدرجة أن الدوق دورلياف أشاد بدورهم و شبَّهَهُمْ بـ: " الكوزاك" الجيش الروسي الغير نظامي الذي حطم الجيش الإمبراطوري الفرنسي.

المتصل الريفي– الحضري بنظرة بومديينية

تعقيــــب/ الملاحظ و في تصورنا المتواضع أن الرئيس هواري بومدين في مشروع الثورة الزراعية كانت له نظرة أو رؤية استشرافي لمستقبل الجزائر في جانبها افقتصادي و هذه الرؤية افستشرافية للمستقبل تتعلق بـ: "المتصل الريفي- الحضري" كأسلوب منهجي متطور، أي أنه أراد كشف العلاقة بين المجتمع الريفي و المجتمع الحضري و تحقيق التوازن بينهما، لأنه في بعض الحالات لا يمكن أن تكون صناعة بدون زراعة و بالتالي هناك علاقات تبادلية على أكثر من مستوى، فطالما اهتم الخبراء الإقتصاديون و علماء الإجتماع الإقتصادي بالمتصل الريفي- الحضري و منهم العلامة ريد فيلد Red Field الذي رأى أنه لا يمكن التركيز على مكان واحد (المدينة أو الريف)، أو قطاع واحد فقط، ( الصناعة) بل على عامل الزمان الذي يلعب دورا مهما في عملية التغيير الإجتماعي و ما يتخللها من تبدل و تحوير في العديد من الخصائص و السمات، و هو ما ذهب إليه كذلك لويس ويرث بأن الحياة الشعبية لا يمكن أن تُمْحَى نهائيا من كل سِماتها الدينية و الثقافية بمجرد الإنتقال أو التحوّل من الرّيف إلى المدينة ( الحضر) و دخول عالم التصنيع، بل تبقى آثارها في سلوك الإنسان و على مستوى النسيج الإجتماعي أو الحياة الإجتماعية الحضرية، و قد عبّر عن هذا التوجه بالقول: "إن حياتنا الإجتماعية تحمل إلى حد ما بصمات تراث المجتمع الشعبي القديم التي لا يمكن إزالتها"، و اعتبر المجتمعان الريفي و الحضري قطبان مرجعيان تتلاءم مع أحدهما أو الآخر جميع الموحدات العمرانية الإنسانية خاصة مع ما أحدثته وسائل النقل العصرية للإنسان الذي كان قبلاً قليل الحركة و الإتصال بالمدن
فبناءً على الحقائق العلمية ركزت كل السياسات و في كل المجتمعات و لا تزال تركز في تنميتها على المجتمع الحضري أي المدن و هو ما خلق - خاصة التصنيع- تبعية ريفية و عدم توازن في كل الميادين، و لكونه ابن الريف و أكثر الناس اطلاعا على الريف و خصائصه، و لكون المجتمع الجزائري كان مجتمعا ريفيا أيضا، كانت هذه توجهات الرئيس هواري بومدين في مشروع الثورة الزراعية من أجل إخراج سكان الريف من العزلة و التخلف، حيث قام بتشييد القرى الفلاحية، و البنى التحتية (الطرقات و السكة الحديدية) التي حطمت تلك العزلة و الإنعزال، طبعا لا شك أن بومدين بهذا المشروع تمكن من وضع حد للهجرة الريفية ، و أدخل سكان الريف في سباقات تدخل ضمن التغيير الإجتماعي في جوانبه المختلفة التي يصيبها التغيير، و ليس كما اعتقد المعارضون لسياسة بومدين أن المقاربة البومديينية كانت من منطلق صراعي، و قالوا أن بومدين أراد تغليب الريف على المدينة و الإنتصار له، لأن الريف كان روح الثورة و قدم التضحيات أكثر من المناطق الأخرى، و صبغ مشروعه بالصبغة الشيوعية التي تعتبر إيديولوجيا، و الحقيقة أن الجزائر عشية الإستقلال عرفت ثورة التشييد و البناء و لم تبن سياستها على اقتحام أملاك الناس، لأن الأرض كانت تبحث عمن يخدمها و الذي لا يستطيع خدمة أرضه فهو مخير بين ان يخدمها أو يسلمها مقابل تعويض.
طبعا لا يمكن الذهاب مع هذه القراءة النقدية أو الطعن فيها، لكن من باب الحياد فالسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو كالتالي: هل يمكن لطالب أزهري مثل بومدين، هذا الرجل الذي كما وصفه محبوه و مؤيدوه يحمل الفكر المحافظ و"العلمائي" (نسبة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، المتشبع بالرّوح الوطنية يكون شيوعيًّا؟ رغم أن الجزائر في كل دساتيرها آمنت بالتعددية الفكرية و احترام الأديان و المذاهب، و هو الذي قيل عنه أنه كان متأثرا بالأفكار الإخوانية الرائجة آنذاك، ما يمكن قوله أن المرحلة البومديينية كانت لها ظروفها و خصوصياتها في الجزائرالفتية التي لم يمض عليها سوى سنة من انتزاع حريتها و استقلالها، خرج الإستعمار الفرنسي من أرضها (عسكريا ) تاركا إياها تنزف على كل المستويات و الأصعدة السياسية، الإجتماعية و الإقتصادية ( الفقر و البطالة و الأميّة )، حيث وجدت نفسها أمام وضع اقتصادي سيئ بل مزري جدا، لولا السياسة الراشدة و الحكامة الراشدة التي أخرجت البلاد من التخلف، وهذه الإنتقادات شوهت المفهوم الحقيقي للإشتراكية كنظام اقتصادي له أسسه و قواعده.
كما لا يعني هذا الكلام الطعن في السياسة الحالية (بعد المرحلة البومديينية) و نقول أنها كانت كلها سلبية - لا- ففيها الجانب الإيجابي هو اهتمام الدولة بعالم الريف و المرأة الريفية و تشجيعها على الإنتاج ، حيث أصبحت الدولة تنظم مسابقات و تظاهرات اقتصادية خاصة بعالم الريف، مع تنظيم أبواب مفتوحة على قطاع الفلاحة و الإرشاد الفلاحي ، خاصة بعد إنشاء بعض الصناعات التحويلية المتعلقة بالزراعة بأنواعها المختلفة، كان ذلك بهدف دخول الثقافة الحضرية للعالم الريفي و هو ما يزيد في حدوث الإتصال و توطيد العلاقة بين المجتمعين ( الريفي و الحضري)، باعتبار أن الريف و المدينة بناءين اجتماعين، لا و لن تنقطع الصلة بينهما رغم اختلاف الوظيفة، و هو ما أكده علماء الإجتماع الإقتصادي في دراساتهم بأن المدينة لا يمكنها العيش معزولة عن المحيط الريفي، لأنها تستمد منه المادة الأولية في عملية التصنيع، هذا التوجه كانت له ردود أفعال، فمنهم من يرى أن بعض الهيئات أرادت العودة إلى التخطيط الأولي الذي عرفته المرحلة البومديينية، ومنهم من يقول أن تنظيم هذه التظاهرات الريفية ماهي إلا "ذر الغبار في العيون" حتى يعتقد سكان الريف أن الدولة تولي لهم اهتماما خاصا.
و الخلاصة أنه رغم كل الجهود التي تبذل هنا و هناك فقطاع الفلاحة في الجزائر لا يزال مُغَيَّبًا و إطاراتِهِ بل كوادره مهمشة، بحيث لم يحظ خريجي المعاهد الفلاحية على فرص عمل أو دخول عالم الإستثمار إلا فئة قليلة فتحت لها الدولة المجال للإستثمار من خلال منحها القروض تمثلت في ابن فلان و علان، و ما تزال فئة من أبناء الفقراء من خريجي هذه المعاهد يعانون من البطالة و التهميش، كما أن غياب الرقابة على العقار الفلاحي مَكَّنَ من التلاعب في هذا الأخير ( العقار الفلاحي) و نهبه بالطرق القانونية، إنها و الله لجريمة في حق الإقتصاد الوطني و في حق هذا الشعب الكادح، طالما قطاع الفلاحة حسب الخبراء يمثل جزءًا من العملية الصناعية أو النسق الصناعي الكلي للمجتمع، و هذا يستدعي إعادة النظر في السياسة الزراعية و تفعيل الرقابة على العقار الفلاحي.
لقد واجهت ثورة التشييد في بداية 1963 عقبات كثيرة زرعتها أيادي خبيثة في طريق التنمية بحجة الأزمة الإقتصادية رغم أنهم هم صانعوها، مثلما حدث في الخامس من أكتوبر 1988 صارالتخريب مسموح و مُقَنَّنٌ، عرّض اقتصاد البلاد إلى الفشل بل قاده إلى الإنهيار، و أصبح الشعب يتخبط في جحيم الرأسمالية، و كما قال ملاحظون أن موت هواري بومدين ترك الساحة للمخربين، بدليل الصراع الذي دار حول من يخلفه كرئيس دولة و تهميش الرجال النزهاء المخلصين كالعقيد محمد الصالح يحياوي الذي سار على النهج البومديني من خلال دعوته إلى بناء مجتمع تتكامل فيه كل الطبقات البشرية، و لكونه كان من المقربين من الرئيس هواري بومدين فقد ألصقت به هو الآخر تهمة الشيوعية و ظلت هذه التهمة تلاحقه إلى أن توفي في العاشر من شهر أوت 2018 ، يبقى السؤال التالي: هل يمكن للمادة أن تعيش معزولة عن الروح؟.
فالإقتصاد يحتاج إلى سياسة و حكامة راشدة و بدونهما تتعطل المشاريع و تموت التنمية، و قد ذهب كثير من الباحثين إلى التأكيد أن الإشتراكية لا تعني الشيوعية، فالإشتراكية كنظام اقتصادي خالية من كل عقيدة وثنية ، في حين يرون أن الشيوعية إيديولوجيا، كما أن الصراع هو صراع مفاهيم، و هو نابع من الجمود الفكري، بحيث وقع البعض في الخلط بين الإشتراكية في مفهومها الإقتصادي و الشيوعية كتيار وثني، و لذا ترى بعض الدراسات أن الإشتراكية في الجزائر طُبِّقَتْ خطأ و بطريقة غير مدروسة، و استدل أصحاب هذه الدراسات بالصراع بين التيار الباديسي المُمثل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأنصار التيار الماركسي في الجزائر، فالتيار الباديسي اعتبر الإشتراكية خطرٌ كبير على الدين فجهر أنصال التنيار الباديسي بمقاومتها ما جعل القطاع الإقتصادي في الجزائر يتخبط بين مظاهر الرّبا و الإلحاد، ثم أن الشيوعية كما ورد في بعض الأبحاث من صنع العلماء المسلمين الذين اعتبروا الإشتراكية إلحاد، و على رأس هؤلاء العلماء الخوارزمي، و لا شك أن هذا الصراع فتح الباب أمام الإشتراكيين المُزَيِّفينْ ، إنهم كما وصفهم أحد النقاد بـ: "الإندماجيون" الذين يمثلون رواسب الإستعمار الفرنسي، أو كما سماهم البعض بـ: "المتطفلون على الإشتراكية" ، الذين اتخذوا الشيوعية ستارا لهم لتخريب ما شيدته الجزائر في مرحلة من مراحل بنائها و إلباس كل اشتراكي ثوب الشيوعية.
قراءة و تعقيب علجية عيش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف