الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوبة هلع

دينا سليم حنحن

2021 / 7 / 25
الادب والفن


نوبة هلَع
قصة واقعية حصلت.

لو تدري ماذا أصابني عندما عدتُ إلى البيت ولم أجدك، عندما اقتربتُ من فتحة الدار، سقط نظري نحو البالون، كنت قد قمتَ بربطه على منشر الغسيل المتواجد في واجهة البيت محتفلاً بيوم الانفصال.
تركتَ رسالة توبيخ قصيرة على الطاولة، ووبّختني على أشياء مغلوطة، أخبرتني برحيلك دون عودة، ودون أن تترك لي عنوانكَ، كم كنتَ جلفًا وأحمقًا!
وقفتُ مكاني حائرة، لم أصدّق ما خطّه قلمكَ، قاسية رسالتكَ، أسرعتُ إلى غرفتكَ فلم أجدك فيها، ولم أجد حاجياتك أيضا، فرغت الغرفة من كل شيء يدل على وجودك، لا سرير، لا طاولة، لا حاسوب، لا ستائر، لا شيء أبدًا، لم تترك لي شيئا سوى شالك الأصفر الصّوف، وما أزال أتساءل لماذا تركته، هل سقط منك أم قصدت تركه؟ تيقّنتُ حينها أنك غادرت فعلا، وأن رسالتك ما هي إلا حقيقة واردة، وبرهان يؤكد على غيابك، لقد غبتَ، ذهبتَ وخرجتَ من البيت... لقد افترقنا بعد خمس وثلاثين سنة...وتألمتُ بهدوء، ما هذا الأسى؟
أحزنني الهدوء الذي استتب داخلي حتى في لحظات الألم، لم أصرخ، لم أبكِ، لم أثر، لكنني وقعتُ فريسة الخوف عندما استسلمتُ أخيرا إلى فكرة راودتني دائما، و أخافتني كثيرًا، وهي أن أستيقظ يوما ما ولا أجدك معي، نكلَ فقدانكَ دواخلي وتجدّدَ الذعر، انتفض الثعبان المتعسف وأكل دواخلي، تسارعت نبضات قلبي وارتجفت أوصالي، وكردّة فعل من جراء الصدمة، زحزحتُ قطع الأثاث من مكانها، ووضعتها خلف الباب غير مكترثة بحجمها أو بثقلها، كنبة، كرسي، منضدة، مكنسة، كتاب، صحيفة، أزحتُ وجمعتُ كل شيء كان أمامي، فإن حاولَ أحدهم الدخول، أكون قد سمعتُ صوت الزحزحة فأتنبّه، لا أدري سبب هذا التصرف الذي اعتبرته غير عقلاني، لكني فعلتها، لقد ذهبَ عقلي!
أخبروني فيما بعد أنني أصبت بصدمة عصبية، ونوبة هلع كبيرة، كادت تؤدي بي إلى الجنون!
مرّت ليلة ثانية، وثالثة، ورابعة، وحيدة وخائفة من كل شيء، عادتني نوبة الهلع في كل ليلة، وقتلني ارتعاب غير مبرر وغير مفهوم، توجّس، وذعر، وفزع، وانهيار، وقلق، اتسعت رقعتها كلما استبدت العتمة، أرتجفتُ وارتعدتُ، وتسارعت دقات قلبي، يا لهذا الأرق الخفي! انقضى أسبوع وبقي حالي على حاله.
أصبتُ بسعال عميق، و اجتاحتني حمى غريبة، ودارت بي الدنيا، ومرضت حواسي، غاص الألم فأرهق عقلي وسرق توازني، وضاقت أنفاسي، وأصبحتُ فريسة لكل انفعال.
ليلا، دمّستهُ العتمة وكتمتهُ، فأخذتُ أسترق السمع إلى أتفه الأصوات الصادرة في الخارج، أجزم أن دبيب أبسط الزواحف وصل إلى مسامعي، لم أستطع النوم إلا عندما بزغ أول الفجر، ارتجفتُ بردًا طوال الليل والفصل صيف، لم أستطع النهوض من السرير لكي أدفيء جسدي، لكني، وعند الفجر، نهضتُ ورميتُ على جسدي قطعا كثيرة تافهة، منامات، وفساتين، ومناديل، وأبقيت رأسي مكشوفا لكي استنشق بعض الهواء، خشيتُ من الإختناق، ولم يتدفأ قلبي.
أصبتُ بحالة هلع غير مبررة، خشيت من كل شيء، من نباح كلب جارتي، ومواء قطة جاري، وهدير سيارة جمع النفايات، وأزيز طائرة، أغلقتُ بوابة المرآب بقفل مجنزر، صدئ ومجنزر، وأوصدتُ بوابة المدخل المؤدي إلى الحديقة بجنزير آخر، ودعّمتُ الأبواب الداخلية بدعامات خشبية من الداخل، اقتنيتها خصيصا من بائع ثائر، أرخيتُ الستائر في الغرف وضبطتُ حوافها بملاقط الغسيل.
شدّني الرّعب من شعري وحطّمني، فقدتُ عقلي، وأخذتني الأوهام إلى طريق مسدود، جذبتني وحطّت بي عند شطآن الأرق، انتزعتني من موجة خوف وأدخلتني في متاهات من الرّعب، وعندما طلع النهار، هربتُ من البيت إلى الشارع، وأمضيت جلّ نهاراتي وأنا أتجول بين الناس.
تؤلمني الأماكن الفارغة منكَ، وتثير داخلي خيبات الأمل، أصبح البيت مكامن ذعر ورعب، لكنني ابتعدتُ لكي لا أكرهه، ابتعدتُ حتى أشفى منكَ ومن الذكريات الأليمة.

دينا سليم حنحن - أستراليا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا