الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجويع السُّودانيين ..!

فيصل عوض حسن

2021 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


أُصرُّ دوماً على وصف الضيق الاقتصادي المُتزايد، الذي يُعاني منه السُّودانِيُّون بـ(الصناعة المُتعمَّدة)، وحَذَّرت منه كثيراً وباكراً، في مقالاتٍ مُفصَّلة أو حوارات أو حتَّى تسجيلات ولايفات مُباشرة. وقلتُ بأنَّ حمدوك يتعمَّد (تعميق) أزماتنا الاقتصادِيَّة وتعقيدها أكثر من ذي قبل، حتى يطحن الجميع ويكسر إرادتهم، ويستسلموا لمن يرمي لهم (الفتات) الذي هو أساساً (حَقٌّ أصيلٌ) للشعب، تَمَّ نهبه وحجبه عنهم (قسراً)، وكان بإمكان السُّودانيين نيل أضعاف الفتات القحتي/الكيزاني لو حُكِمَ السُّودان بضميرٍ مُتجرِّد!
مُمكنٌ جداً بناء دولة حقيقيَّة مُحترمة وقويَّة في كافة الأصعدة، رغم مظاهر الدمار الماثلة، لأنَّ السُّودان يملك جميع مُقوِّمات/مُتطلَّبات الدولة القوِيَّة، عدا (الأخلاق) بمضامينها وقِيَمِها العديدة، كـ(الصدق، الوطنيَّة، التَجرُّد، العِفَّة، الاستقلالِيَّة، الكرامة، عِزَّة النَّفس، الرَّحمة، الحُب، التواضع، الإخلاص .... إلخ القِيَم الأخلاقِيَّة). مُشكلة السُّودان الأساسيَّة، على مَرِّ الحِقب التاريخيَّة المُعاصرة، تعود لغياب الأخلاق. فكل من حَكَموا البلد، أفراداً/جماعات، افتقدوا الأخلاق (الحقيقيَّة) بقِيَمِها المُشار إليها أعلاه، سواء كانت القِيَم مُجتمعة أو بعضها. فجميعهم، مثلاً، كانوا مُرتهنين للعالم الخارجي (القريب والبعيد)، لم يعملوا لأجل البلد وإنسانها، وفق ما عايشناه نحن أو الأجيال السَّابقة/اللَّاحقة، وهي أحداث ووقائعٌ مُوثَّقةٌ لا تحتاج لاستدلال، ونحيا نتائجها الكارثِيَّة!
حمدوك لا يختلف كثيراً عَن (التوابع أو العُملاء) السابقين، الذين لم ينفعوا السُّودان بعلومهم الأكاديميَّة أو خبراتهم العملِيَّة، وجميعهم أضعفوا السُّودان وعملوا على إضعافه وتدميره، لأنَّهم افتقدوا الأخلاق والوطنِيَّة (الحَقَّة)، رغم أنَّهم مُتفوِّقين على الصعيد (الأكاديمي)، فـ(الشطارة) بدون أخلاق تُصبح مُدمِّرة. ولنتأمَّل (قادة) الكيزان، سنجدهم في الغالب (شُطَّار أكاديمياً)، لكنهم عديمي الأخلاق، لذلك أوردونا موارد الهَلاك، دون سقوف أخلاقِيَّة. وحمدوك لا يقلُّ عنهم سوءاً، إنْ لم يَفُقْهُم، لأنَّه وَجَدَ فرصةً (فريدة) لم يَحظَ بها من سبقوه، لكنه خان الثقة التي أولاها له السُّودانِيُّون، و(ضَيَّع) الفرصة التاريخيَّة الأقوى والأبرز لبناء دولة سودانِيَّة (حقيقيَّة)، على أُسُسٍ علميَّةٍ وقانونِيَّة وإنسانِيَّة وأخلاقِيَّةٍ سليمة. أضاع أعظم ثورة سُّودانِيَّة – بعد اللواء الأبيض – واستخفَّ بنضالات الشعب، وازدادت المُهدِّدات لتشمل جميع أوجه الحياة، تاريخاً وحاضراً ومُستقبلاً، فالسُّودان الآن (مُختَطَف) بمعنى الكلمة، تبعاً لـ(تَغوُّل) الكثيرين على بلادنا، وباتوا يُشكِّلون تهديدات مُباشرة/قَوِيَّة على وجودنا ككيانٍ وشعب، بمُساعدة ومُباركة حمدوك وقحتيُّوه، وفق ما فصَّلنا كثيراً.
الاقتصاد أحد (الأدوات) الرئيسيَّة التي استخدمها حمدوك لتكسير عظام وإرادة الشعب، وهو ذات النهج الكيزاني (اللئيم/الخبيث)، الذي استمرَّ تطبيقه بإيقاعٍ أكثر سرعة وتدمير، استناداً لترسانةٍ إعلامِيَّةٍ تافهة مُكوَّنة من السُفهاء وسَقَطِ المَتَاع، الذين تَفنَّنوا في إلهاء الشعب السُّوداني (المسحوق)، وتضليله وتصوير (العَمَالة/الفشل) كنجاحات، وإطلاق الألقاب والصفات (الخُرافِيَّة)، المُتقاطعة مع واقع المُمارسات ونتائجها الكارِثِيَّة. وللأسف الشديد، نجحوا إلى حدٍ بعيد في تحقيق غايتهم (القذرة) وتَهاوَى الكثيرون أمام هذه الخباثات والتضليلات، دون تَدَبُّر في المُعاناة والمُصائب المصنوعة من العدم. على سبيل المثال وليس الحصر، لم نَرَ لحمدوك ومُعاونيه أي استراتيجيَّة/رُؤية رصينة وخطط عمل تنفيذيَّة (واضحة)، لمُعالجة الاختلالات الماثلة أو الموروثة، وكل تركيزهم (حمدوك ومُعاونيه)، كان ولا يزال على العالم الخارجي، والاستناد لفرضيات مجهولة (أي خارج السيطرة)، مما فاقمَ أوضاعنا سوءاً. وبالتوازي مع ذلك، تَجَنَّب حمدوك الكثير من (الكفاءات) السُّودانِيَّة المشهودة، علمياً/عملياً، في اختياراته للوُزراء/الوُلاة، والكثير من تلك الكفاءات يفوقون حمدوك نفسه أكاديمياً وأخلاقياً ونضالياً، وللأسف لم ينتبه السُّودانِيُّون لهذا (التخريب/الإفشال) المُتعمَّد، بفعل حملات التضليل والإلهاء المُتلاحقة!
كما استمرَّت طباعة العملة المحلِيَّة دون رقابةٍ أو حساب من حمدوك وقحتيُّوه، الذين تعَمَّدوا (إبقاء) مطابع العُملة تحت سيطرة الكيزان، وهنا الضرر أصبح مُركَّباً. فمن جهة استطاع الكيزان (التهام) العُملات الأجنبِيَّة بالكامل من السوق، لأنَّهم يملكون كميات كبيرة من العُملة المحلِيَّة تساعدهم على شراء العملات بأي سعر، عبر عُملائهم وطفيلييهم المُتناثرين هنا وهناك. ومن جهةٍ ثانية، وهي الأخطر، انعكست الطباعة المُتوالية للعملات المحلية سلباً على الاقتصاد العام، حيث ارتفعت مُعدَّلات التضخُّم و(ضَعُفَت) العملة المحلِيَّة أكثر مما كان، علماً بأنَّنا نَبَّهنا حمدوك باكراً لخطورة هذا الأمر، الذي لا يحتاج لتنبيهٍ أصلاً بالنسبة لشخصٍ (أسطوري) تبعاً للألقاب/الصفات التي يُطلقها عليه آكلي الفتات والسُفهاء! فضلاً عن ذلك، كان بالإمكان استرجاع الأموال ( الضخمة ) التي نَهَبها المُتأسلمون، ومن ذلك على سبيل المثال، الأموال التي التهمها عوض الجاز والبالغة (64 مليار دولار)، وفق جريدة "المدينة" في 26 أبريل 2019، وهذا مبلغٌ يُسدِّد جميع ديون السُّودان بفوائدها ويفيض، فكيف ببقِيَّة أعضاء العصابة الإسْلَامَوِيَّة! ولكن حمدوك ومُعاونيه (تَخَاذلوا) في هذا الأمر (عَمداً) ولا يزالون، بخلاف تغافلهم عن الكثير من الشركات/المُؤسَّسات والأنشطة الاقتصادِيَّة تحت سيطرة العَسْكَر، بل مُساعدتهم في نهبها وتدميرها على نحو فضيحة شركة الفاخر وغيرها.
هذه بعض المُمارسات/المُ‘طيات التي ضاعفت مُعاناتنا الاقتصادِيَّة، وليتنا نفيق من غفلتنا المُمتدَّة ونُدرك (كوارث) حمدوك وقحتيّيه المُتسارعة، وخيانتهم المفضوحة لثقةِ السُّودانيين، وعدم الانخداع بفتات المسمومة هنا وهناك، والذي سيتوقَّف فور اكتمال يكملون (خياناتهم). ولنعلم تماماً بأنَّ الصمت أو الانتظار لم يُنقذنا من (خيانات) هؤلاء العُملاء، فهم سيمضون في تنفيذ توجيهات سادتهم بالخارج، وسيعملون على (تجويع) وإفقار الشعب السُّودان دون سُقُوف أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة أو قانونِيَّة، لأنَّها مهامهم التي تمَّ جلبهم لتنفيذها، وإيقافهم عن إكمال هذه المهام/الخيانات مسئوليتنا نحن كشعب بالدرجة الأولى. ومن السذَاجةِ بمكان تَوَقُّع الخير من الحاكمين الآن، سواء كان العَسْكَر أو حمدوك ومُعاونيه أو تُجَّار النِّضالِ والحروب، والتساهل والتَراخي سيكون ثمنه (بقاء) السُّودان كدولةٍ/أرض وشعب.
رُبَّما مُفرداتي قاسية لكنها واقع نحياه، والإنكارُ والمُكابَرَةِ لا يُلغيه، ولا يحمينا من مآلاته المُفزعة، علماً بأنَّنا قادرون على الحياة برفاهِيَّة، بعيداً عن ذل الحاجة (داخلياً وخارجياً). وأُكرِّر ما ظَلَلتُ أقوله دوماً، أنَّ جميع أزمات السُّودان، ومن ضمنها الأزمة الاقتصادِيَّة المُستفحلة، سببها غياب الأخلاق وعدم تطبيق مبادئ الإدارة العلمِيَّة، وبلدنا يملك جميع موارد/عناصر النهضة والاستقرار، وأهمَّها المورد البشري، ولسنا بحاجة لأي دعم أو مَرْمَطة، نحتاج فقط لأخلاق وإدارة سليمة لنرتقي ونحيا كما يحيا بقيَّة خلق الله في عِزَّةٍ وكرامة.
أمَّا البديل فهو موجود وسط الشعب (صاحب الوَجْعَة)، الذي أجبر البشير على الاختفاء، وابن عوف على التَنَحِّي وكان وما يزال بإمكانه تحقيق التغيير الحقيقي، لو استبعد الخَوَنة والعُملاء. وبدلاً عن انتظار تَحَقُّقِ الآمال/الأحلام، فلنتَّحد ونُسخِّر طاقاتنا وقُدراتنا، ونقتلع جميع الحاكمين الآن بجِدِّيَّةٍ وسرعة، إذا أردنا اللحاق بما تبقَّى من البلاد والعباد.




بعض الكتابات السابقة لمزيدٍ من التفاصيل:
1. مقالة (خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة) بتاريخ 22 يوليو 2019.
2. مقالة (إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019.
3. مقالة (المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019.
4. مقالة (اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 2 فبراير 2020.
5. مقالة (مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 12 فبراير 2020.
6. مقالة (اَلْسُّوْدَاْنُ وَاَلْمُهَدِّدَاتُ اَلْسِيَادِيَّةُ اَلْمُتَعَاْظِمَة) بتاريخ 15 يوليو 2020.
7. مقالة (فَلْنَحْذَر صِنَاعة الطُغَاة) بتاريخ 6 أبريل 2020.
8. مقالة (السُّودان وعبث وتضليل الحُكَّام) بتاريخ 17 فبراير 2021.
9. مقالة (كَيْفَ اَلْلِّحَاْقُ بِاَلْسُّوْدَاْنِ قَبْلَ فَوَاْتِ اَلْأَوَاْن) بتاريخ 23 يونيو 2021
10. حوار في الشأن السوداني https://www.snn-news.net/?p=40718&fbclid=IwAR1xzLUE4q8ewncSuWcv5UL2wuc3Xxx6IgBdgZEin25-EsUAzy8PTOmcXjk








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها