الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غيبوبة لكل مواطن

محمد فُتوح

2021 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


غياب الضمير ، أصبحت عبارة مستهلكة تلوكها الألسن عند وقوع حادثة أو كارثة يرسم خطوطها التسيب و الإهمال. من حين لآخر تتناوب علينا الحوادث و الكوارث فى مصر ، حوادث مهما تنوعت وتعددت فى الشكل والمظهر ، إلا أن مضمونها يكاد يكون واحداً ، وهو حصد الضحايا فرادى أو جماعات ، يصابون فى صحتهم ، أو يموتون دون ذنب اقترفوه فى تنوعات شتى .
بعض الضحايا يتحولون إلى جثت متفحمة ، بسبب الحرائق فى قطار أو مسرح عبثت بهما يد الإهمال ، تخطفهم من أهاليهم ، لتعطيهم عنوة تأشيرة مغادرة سريعة المفعول من هذه الدنيا ، دون استئذان أو رغبة منهم ، فى الرحيل إلى العالم الآخر . ومنهم منْ يفقد حياته متهشماً تحت أنقاض المبانى التى تنهار من وقت لآخر ، ومنهم منْ يختفى غرقاً فى عرض البحر ، فيصبح جسده وليمة وطعاماً للأسماك من كل نوع . والبعض يروح ضحايا لتناول أطعمة متشبعة بالمبيدات المحظورة عالمياً ، فتتسبب فى أمراض لا قبل للإنسان المصرى بها ، فاقداً القدرة على علاجها ، ناهيك عن التسيب والفساد المالى والاستيلاء على الأموال ونهبها ، من خلال التستر وراء منصب حكومى ، وسرقة أموال البنوك فى صورة قروض والهروب بها إلى الخارج.
وليس الأمر يقتصر على سرقة الأموال ، بل يتعدى ذلك إلى الأهمال والنصب باسم الطب ، فتسرق الأرواح وتدمر بعض الأعضاء البشرية بالخطأ وتسرق ، ويتم بيع بعضها فى المزاد ، لمنْ يستطيع أن يدفع أكثر. إن حوادث النصب والإهمال وزيادة الأخطاء فى العمليات الجراحية قد تزايدت فى الفترة الأخيرة ، مع " حمى الفلوس " من أجل اللهاث وراء الثراء السريع ، فنسمع عن مرضى يروحون فى غيبوبة تودى بحياتهم إلى الموت ، والقليل منْ يفيق منها وينجو ويعود إلى بيته سليماً ، والبعض قد يحدث له أضراراً صحية بالغة قد تلازمه بقية حياته.
سمعنا عن مركز العيون الذى يذهب إليه المريض ليصحح نظره ، فيعود إلى بيته فاقداً بصره . وحالة أخرى لمريض وقع فريسة نصب لأحد أطباء العيون ، الذى أقنعه بضرورة إجراء عملية جراحية . وبعد فترة ذهب المريض إلى طبيب آخر، فأخبره بعد أن تحقق من حالته ، أنه لم تجر له أية عمليات فى عينه . فالحقيقة أن الطبيب قد أدخله غرفة العمليات وقام بتخديره ، ثم أخرجه منها مهنئاً إياه بنجاح العملية.
إن الأمر لا يقتصر على سرقة الفلوس من البنوك ، فى صورة قروض ، بل يتعدى ذلك إلى سرقة عضو من أعضاء الجسم . فلا زلنا نذكر تلك الحادثة التى اكتشف فيها أحد المرضى ، سرقة إحدى كليتيه بعد إجرائه لعملية بسيطة ، لا تتعلق بالكلى أصلا .
إلى هذا الحد يصل الأمر بطبيب أو فريق من الأطباء ، إلى نزع كلية إنسان وهو مخدر فى غرفة العمليات ، مخدراً فاقداً للوعى والإدراك.
إن الأمر هنا لا يتعلق بالضمير ، وتلك النعوت التى درجنا على استعمالها فى هذه الحالات . ولكنه أولاً وأخيراً ، يتعلق لالإهمال والفوضى والافتقاد إلى أبسط أنواع الضوابط ، التى تحمى المريض. بالإضافة إلى كل ما سبق ، فهناك مافيا السمسرة والمتاجرة بالأعضاء البشرية.
قرأت منذ فترة أن وزارة الصحة ، قد كشفت عن جريمة جديدة للتجارة والسمسرة فى الأعضاء البشرية ، حيث تم إحباط جريمة بيع ونقل كلية من مواطن مصرى إلى أخر سعودى ، مقابل حصول البائع على مبلغ 20 ألف جنيه ، ومثلها لأحد المستشفيات الخاصة بمنطقة حدائق القبة ، مقابل إجراء عملية النقل بداخله . وليس الأمر كذلك وحسب ، بل هناك وسيطاً بدونه لن تتم هذه الصفقة . والطامة الكبرى أن هذا الوسيط ، يتمثل فى معمل تحاليل شهير بالدقى ، وأن العملية كانت ستتم مقابل 80 ألف دولار ، بالإضافة إلى تورط فريق جراحى من الأطباء مكون من أساتذة من كلية طب لها سمعتها ، وعلى رأسهم أستاذ مشهور فى جراحة الكلى.
لقد تم التحقق من عدم وجود موافقة على عملية نقل الكلى ، سواء من نقابة الأطباء ، أو العلاج الحر بالوزارة. لقد تحول كل من البائع والشخص الذى يحتاج إلى الكلية ، إلى بضاعة أو سلعة أو عقار أو قطعة أرض ، يتربح من ورائها جهات مختلفة وعديدة ، أولها الجهة الوسيطة ، السمسار ، بعقليته وطبيعته الجشعة ، التى لا يهمها إلا جنى أكبر قدر من المال ، بأقل جهد وبأقصر وقت ممكن ، وصاحب المستشفى الخاصة وفريق الأطباء الذى سيجرى العملية . فإذا تمت العملية بنجاح ، فالكل قد استفاد وجنى مبلغاً من المال بطريقة سهلة وسريعة . أما إذا حدث شىء ما ، أثناء إجراء العملية وتعرض أحد الطرفين البائع أو المشترى ، لضرر صحى قد يصل إلى موت أحدهما أو كلاهما ، فلا مسئوولية يتحملها أى طرف . فكل شىء يتم فى الخفاء ، فليس هناك من رقيب ، أو منْ يحاسبهم على وقوع الضرر ، وتلفق الأوراق ، وتزور أسباب الوفاة وينتهى الأمر بهذه السهولة.
إن القانون لا يمنع نقل الأعضاء ، لكنه يجرم السمسرة والبيزنس من ورائها . لقد عرفت بعض الحالات ، التى يمنح فيها أحد الأقرباء عضوا من أعضائه على سبيل التبرع ، أما أن يبيع شخص ما كليته ، أو فصاً من كبده . لابد أن نتوقف هنا لنرصد مدى العوز والحاجة والفقر المدقع ، الذى يضطر إنساناً أن يفعل هذه الفعلة.
إننا نعيش فى عالم ، يفتقد إلى أدنى قدر من الإنسانية ، حيث الهوة الصارخة بين منْ يملكون ومنْ لا يملكون ، بين أناس يضطرون إلى بيع أعضائهم كى يحصلون على لقمة العيش ، وبين أناس يسبحون فى بحر من الدولارات ، ويعيشون حياة مليئة بالبذخ ويقيمون الولائم والسهرات ، التى تفوح منها رائحة الفساد ، والخمور ، واستغلال النساء ، والأطعمة الساخنة فرنسية الطهى ، التى تنقل لهم على متن طائرة خاصة.
إن غياب الضمير وغيره من النعوت التى تماثلها ، أصبحت فاقدة للمعنى . فغياب الضمير ليس هو السبب وراء هذه الحوادث ، بل هو الإهمال ، وغياب الآليات والوسائل وانعدام الضوابط ، والرقابة ، والمحاسبة ، والاشراف الدقيق ، هى الأسباب الحقيقية وراء كل هذه الكوراث والحوادث.
إننا كعادتنا نتذمر وننفعل ونتحرك بعد وقوع الكارثة أو الحادثة . ثم بعد ذلك نهدأ وننسى ونغط فى النوم ، إلى أن نستيقظ على دوى كارثة أخرى. فهنا هو وزير الصحة يعقد إجتماعاً مع جمعية أمراض الكلى للوصول إلى آليات للقضاء على هذه الظاهرة. وأنا أتساءل أين كان وزراء الصحة السابقون ؟ . وماذا فعلوا من أجل القضاء على هذه الظواهر وغيرها التى أصبح الاهمال المخزى ، بطلا لها ؟؟.
دائماً نفكر بعد أن تحدث الحادثة . ، دائماً نكون رداً للفعل ، ونعجز عن أن نكون فعلاً . ذاكراتنا قد انمحى منها ، ما يعرف باستباق الأزمات ، وكيفية مواجهتها والتعامل معها قبل أن تحدث. عقليتنا تقفز إلى النتائج ، دون التوقف عند الأسباب لفهمها ومعرفتها ، ومن ثم البحث عن الحلول.
ستظل الحوادث والكوارث تداهمنا وتفاجئنا من وقت لأخر، وسيبقى الاهمال المقصود ، أو غير المقصود ، ينتشر فى حياتنا ، يسرى ، ويتشعب فى كل صغيرة وكبيرة ، فيطبع بلونه الذى ألفناه ، شوارعنا وبيوتنا ومؤسساتنا وسلوكنا .
ما دامت عقليتنا تتهاوى وتسقط فى غيبوبة طويلة ، لا توقظها وقتياً إلا الحوادث والكوراث ، فلا فائدة ترجى من أى شىء . لقد شاعت حالة من الغيبوبة الطويلة التى سقط فى غياهبها الكل .
إن المجتمع كله ، يحتاج إلى الخروج من غرفة الإنعاش ، ليفيق ويعى ويدرك ما ينتظره من أخطار . إن الجدية واليقظة الدائمة ووضع الضوابط والآليات لمحاصرة كل أشكال الإهمال ، هى الوسائل التى يمكنها محاصرة الحوادث والكوارث ، وحتى يتوقف هذا النزيف وذلك العبث ، بصحة الناس وسلامة أرواحها.
كتاب أمركة العالم .. اسلمة العالم منْ الضحية ؟؟ 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هي الحلول ؟
عبد الفادي ( 2021 / 7 / 27 - 20:17 )
كل ما ذكرته يا اخ محمد صحيح ومعروف لدى الشعب المصري ولكن لم تقدم لنا اي مقترحات لمعالجة او تحسين الوضع ، فلا بد وأن هناك اسباب لحدوث هذا الفساد ولا بد وان هناك وباء اجتماعي انتشر لتلويث المجتمع خاصة وان مصر كانت رائدة في كل شيئ في السابق ، فتشخيص المرض يعني سهولة ايجاد العلاج ، ابسط الحريات في مصر ومنها حرية الفكر مكبلة ، فالدولة لها دين ومهما كان دور هذا الدين التخريبي في المجتمع المصري فهو محمي بقانون ازدراء الأديان ، اما المرأة حين تمشي في الشارع فتخاف حتى من ظلها لأن المتحرشين في كل مكان ، اصبحت عادات وتقاليد القرن السابع اسلوب حياة المواطنين واصبح حب الإنتماء الى ذلك العصر افضل من حب الإنتماء الى الوطن ، لذلك اصبح المواطن يهمل ويكره الممتلكات العامة لأنه تبرمج ليحب زمن البداوة ، وهذا طبعا يؤدي الى الإهمال في العمل ويؤدي الى الحوادث المتكررة ، إذن المصيبة التي حلّت بمصر سببها اسلمة الحياة العامة والدخول في نفق مظلم بأتفاق وأنسجام بين الدولة والمؤسسات الدينية الإسلامية

اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ