الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية النموذج .. قراءة في كسبان حتة ل .. فؤاد قنديل

محمد سمير عبد السلام

2006 / 8 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يلتبس مدلول الهوية في صورتين إحداهما سردية – انتشارية ، و الأخرى تأويلية ثقافية في نص فؤاد قنديل الروائي ( كسبان حتة ) – الدار المصرية اللبنانية 2006 – فكسبان/ الإشكالي المهمش قد ارتبط – ضمن واقع الكتابة - بإغواء الحكايات في قريته ، فكان محفزا وجوديا للأساطير ، و من ثم الإيغال في الزيادة اللا واعية للفراغ كممارسة مضادة لقسوة أوضاع الرواة الهامشية ، فالفراغ لعب للعالم و مدركاته الحسية خارج النموذج الخطابي المهيمن و عمل مستمر للجسد كعنصر تجتمع فيه أطياف الشتات الكونية و بقايا الخيالات النصية المستعادة ، إنه الحياة في صورة مجزأة ضد الشمولية و آفاق الغاية المتحللة فيما هو متجاوز للأفق الإنساني دوما ، فتاريخ القرية يكاد ينجذب إلى سقوطه الزائف في السرد بوصفه حياة للطاقة الجمالية الكونية ، و تنشيطها وفق عنصر حدسي مختلف ، لا يمكن تقديمه للعقل – كما هو عند ليوتار – و تمثله شخصية كسبان ذات الميل الاندماجي بعناصر الكون من شجر و مطر و روائح جذابة لجلود الحيوانات و روثها ، هذه العناصر تجليات تكوينية للاستبدال الإبداعي الحر في سرد طليق للمادة ، أو هي المادة حين تكتشف أصالة السرد في نسيجها عندما يقيم احتفالية الفراغ الطارئ ليستبدل كتلها الانفصالية الزائفة . فكسبان يبحث في التراب عن قوته و سحره مثلما يأكل أوراق الشجر و يتخفي فيه حال المطاردة فتعجز العيون عن رصده ، و هو ما جعله مادة صاخبة لمتع الحكي لدى المقهورين .لا يمكننا إذا أن نصف البطل إلا من خلال ما يتجاوزه من مواد و مدركات حسية للوعي و إيحاءاته . هكذا تبلور كسبان من زيف الوصف التاريخي للهوية ، فغيابه استعادة غير مكتملة لسرديات حوريات البحر ، أو هو اختفاء في اتجاه عنصر صوفي غائب .. ملائكي فوق الأشجار ، إنه أيضا أب بدائي إشكالي مناهض للأبوية ؛ فهو يأكل السمك حيا و يراهن على تحقيق المستحيل و يحمل على قضيبه مقطفا من الطوب ، و لكنه من داخل مظاهر الهيمنة السردية الأبوية السابقة يتجاوز الزيادة الغيرية لرب القبيلة الذي يقصي الآخر أو يلتهم قوامه الوجودي ، فكسبان تأويل للأب المتجاوز لتاريخه في اتجاه أنثوي لعبي للتأمل في تحول العالم خارج تاريخ القوة و المواضعات . هل هو عنصر ما بعد إنساني في تجل شحصي ملتبس بطاقة كونية غير واعية ؟ ما دلالة قوته التدميرية إذا ؟ فقد تميز بقدرة كبيرة على سرقة حدائق زوجة أبيه و لحومها لأجل أمه ، كما وزع هدية العمدة للمأمور على فقراء القرية ، و كاد يفتك بالأخير ، كما انتزع أرض والده بفتك مماثل بالعمدة بعد وفاة أخته / زوجة الأب . إن كسبان تجل ناقص للطبيعة التي تؤسس ضمن ديناميكيتها الحكائية لتكرار اللا عضوي بوصفه حدثا ثقافيا ، فهذا اللا عضوي وفق فرويد و بول ريكور ، متجذر و ممتد ضمن تناقضات الوجود و التكوين ، و أرى أنه مجدد حيوي للطابع الحكائي الزائف ، المصاحب للأبوية و صورها المركزية التي تصل إلى حدود الرأسمالية ، فالتحلل يعني في نموذج كسبان عناقا سرديا للروائح الكونية في اختفائها الصوفي ، و لكنه بتر حاد لخطاب رأس المال حين يختلط بلا شيئية عدمية ، فقد ماتت زوجته " جنان " لأنها وقعت في سياق النزاع على امتلاك أشباح رأس المال مع مرسي أخي زوجها السابق الذي نجح في قتلها ، ومن ثم إخفاء ملكية القوة من داخل الحرص عليها .لم يستطع نموذج جنان أن يخرج من دائرة العداء البدائية ، لأنها تلازم الاستحواذ و التحديد و قد تجاوزهما كسبان فاستعصى على الدوران ضمن القيم المهيمنة ، ليعلن نهاية النموذج في سرد العالم و طاقته . هل يتحلل المال في طاقة هوائية خفية في طبيعته الذاتية ؟ هل تمرد الفراغ فيه فصار قوة شكلية نصية مولدة من كسبان ؟ أم أن الطابع الجزئي في تعاملات الثروة تحلل ضمن اتساع منطق التجزؤ نفسه ، في حكي حدسي مواز لكسبان ؟
إن الحكي يتضمن التحلل التكويني المستمر للكلام ، كما يتجدد في الوجود و العدم و تداخلهما المعقد المتجاوز لصناعة المركز الإنساني في أقصى درجاته ، فالبطل يدخل السياق ليكشف زيف الحكاية ضمن صراع الميراث و الشركات و مطاردة شبح القوة الاقتصادية ، و يؤولها لدى المتلقي وفق ترتيب يحاكي زيف الواقعي لا الواقعي نفسه . فالحب لديه ممارسة مجردة مندفعة وفق احتفالية مسرحية بالنشوة الطبيعية المقدسة ، تلك التي طردت عناصر الصراع .. مرسي و جنان و زوجها من المشهد لتبقى في حضورها المفكك خارج التحديد .
لقد صار كسبان مؤولا نصيا ووجوديا لشخصيات أخرى في النص مثل الراوي / ابن عمته و الأم و الأب و غيرهم ؛ إذ قرأ الراوي ذاته من خلال إشكالية المروي له / كسبان ؛ ففي أكثر من موضع يعلن الراوي للبطل / المتخيل أمامه أنه عاجز عن فهمه رغم حبه له ، كما يكثر من رصد تناقضاته و طاقته بوصفها معرفة زائفة بهوية كسبان ،فهو زاهد و ليس بدرويش أو أبله كما يعانق الأرض دون حكمة أو معرفة . إننا إذا أمام تدمير ضمني للمعرفة التي يقترحها الراوي بالشخصية وفق نموذج سردي مضاد يوشك أن يتشكل مرتكزا على خارجية الآخر و انفلاته من حدود المروي له إلى احتلال الراوي و استبداله ، فقد انتقل من كونه موضوعا للرصد و الاستبطان إلى مؤول تاريخي للواقع و امتدادا مطابقا لذات الراوي التي صارت فضاء لممارسات كسبان و قدرته على تفجير مشاعر الراوي و موقعه .و بهذا الصدد يرى بول ريكور أن المعرفة بالذات مجرد تأويل يتوسط السرد . وهذا الأخير يشكل خيالات الهوية التمثيلية و لو على نحو سلبي ( راجع – ريكور – الهوية السردية – ت – سعيد الغانمي – مجلة القاهرة – عدد " 180- هيئة الكتاب 1997 ص 56 و 57 ) أين المعرفة الداخلية أو العاكسة إذا كان العالم يتداعى من خلال المختلف في هيئة إشارية وواقعية معا أمام راو يسلم فاعليته لمروي له يمعن في تغييب المعرفة . هكذا عاين كسبان انتحار قوة الراوي ضمن معرفته التي انهارت للتو حين تحول السرد إلى ممارسة أو إلى كتابة بمفهوم ديريدا – تحتفي بالتناقض و اللعب . إنها كتابة تفجر انتظارا للمعرفة التي افتقدها الراوي و تأجيلا للقوة في فضاء جذاب . فالشاعر الذي دون سيرته أكمل نقطة البدء الغامضة التي فجرت أثار كسبان بوصفه نصا .
و بالتداعي نلمح في الأب اللا مبالاة بعلاقات العمل العبثية ، و تشجيعه للعب الابن كأنما تولد تاريخه في زمن يجمع بين ماضي القصة و إعادة التشكيل في مستقبل النص حيث تعيد الكتابة تأويل كسبان من خلال تاريخ نصي للأب فيدخل الأخير بكارة متجددة للصيرورة الوجودية . فالسقوط المستمر للأب في التجارة يتحول إلى لعب حر بالفواكه و الأطعمة التى اقتنصها كسبان من زوجة الأب فيفجر دلالة التجارة بالمزيد من السقوط الإبداعي لمنطق الملكية المغلقة .فقد رأت الزوجة في منامها أن كسبان يشد لسانها بقوة فلم ينقطع لكنه امتد و طال فركبه و طار به فوق الشجر . الحماسة التصويرية تعبث بالمنطق الكلامي المؤسس للملكية دون أن تعزز من دور العقل لكنها تسقطه في فضاء الأشجار وهوائها . أما الأم و الطفل / الهبة التي تبرع بها كسبان من زوجته الأولى فكانا تقطيعا للروائح الكونية التي يتجاوز من خلالها التماسك الصلب الذي تمتع به ، فالأم تجمع الروث فتغرق في سيل أطياف الهواء و تؤول قدرة البطل على الاختفاء و التحديد الطبقي أو الاجتماعي و الطفل ينفلت مثل الكتابة بوعي مضاد لحضارة الملكية المزعومة .
أما الصورة التأويلية الثقافية المتداخلة في شخصيتنا الإشكالية ، فتمثلت في القدرة على تحويل رموز التاريخ و الحضارة إلى علامات حية في الأثر القصصي كمحرك للوجود و الكتابة و الممارسات الإدراكية معا ، فكسبان يؤول تاريخا من أطياف أبطال الفولكلور في المخيلة الجماعية ، لكنه يهرب في سرعة من محددات العظمة فهو مهرج عابث محبوب في كثير من الأحيان ، كما لا ينكر تعامله مع الجن و الحوريات في الوقت الذي يتحول فيه الالتحام بالخارق إلى نموذج مدني للأنوثة و هو جنان ، مثلما تستحيل خيالات المخلص الخارق في عقل الرواة المقهورين إلى مؤسسات يسخرها كسبان لهم حين يصير عمدة مراهنا و مهرجا .
يستعيد البطل أيضا اشتراكية جمالية كامنة في حرصه على الوجود الفني مع عدالة التوزيع عقب قتل رمزي للأب المهيمن ، ثم ينتقل إلى منحى تفكيكي واضح لعلاقات الملكية و أبنية السلطة حين يتبلور كعنصر ثقافي طارئ archaic منقطع عن تاريخ القهر و إن ارتدى ثوب العمدة إذ تمثله ليمحوه في المراهنة . و تذكرنا خصوبته بانتصاب الإله مين في الحضارة الفرعونية ، فالبطل يميل للظهور الجنسي المتحرر من عوامل الخصاء و الكبت كما يعانق المطر مع الأطفال ليوغل في الكثرة و الانتشار كقيمة مجردة للحياة ، إنها شفافية أرضية تعانق ما في الأرض من صخب سماوي مرح .
هكذا يرتد كسبان إلي الغياب الجمالي للأنثي الطائرة في قصة الحسن البصري بألف ليلة و ليلة حين يستسلم للنعومة الإشكالية المختلفة في جسد جنان و طبيعتها الطائرة المهددة دوما بالاختفاء . لقد تولد كسبان من و صف شهرزاد الرائع للأنوثة السحرية المتراوحة بين الظهور المبهر و الغياب الممزوج بحمى العشق. إن الحكي أوشك أن يكون واقعا و هوية عند فؤاد قنديل. .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس