الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف وصل الحزب الشيوعي لقرار المقاطعة

ماجد فيادي

2021 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اما وقد أعلن الحزب الشيوعي العراقي موقفه الرسمي بمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، عندما قدم في 26.07.2021 طلبا رسميا الى مفوضية الانتخابات بالمقاطعة، فقد أصبح من المناسب إيضاح قضية مهمة، ليست ردا على بعض التجاوزات التي وجهت للحزب، بل هي عرض حقيقة من شأنها ان تنصف الحياة الحزبية للشيوعيين.
قبل سقوط الصنم واحتلال العراق لم تكن مسألة اختلاف وجهات النظر داخل الحزب طافية على السطح، بحكم طبيعة تنظيماته الخيطية وعملها السري، لتفادي بطش النظام الدكتاتوري، بالإضافة الى تواجد العدد الأكبر من الرفيقات والرفاق في إقليم كردستان وخارج العراق. اما بعد العام 2003 عندما عاد الحزب الى بغداد وأصبح العمل علنياً، وتوالت الاحداث بدخول مجلس الحكم وكتابة الدستور والمشاركة في الانتخابات والدخول في الحكومة، هنا ظهر بوضوح تباين الآراء وتعدد وجهات النظر.
تباين الآراء نبع من العمل العلني واتخاذ القرارات المؤثرة بالحياة السياسية للشعب العراقي، وتعدد القراءات للواقع السياسي وتقييم الفاعلين، من قوات احتلال وأحزاب عراقية، قوى إقليمية تعمل ان تكون متنفذة بالقرار السياسي، مروراً بالانقسام المجتمعي طائفيا وعرقيا وحزبياً، انتهاءً بدخول الإرهاب الى الأرض العراقية.
قبيل المؤتمر الوطني التاسع للحزب طرح مقترحاً تنظيمياً، حينما طالب عدد غير قليل من الرفيقات والرفاق تحديد عدد دورات تكليف سكرتير اللجنة المركزية، لكنه انتهى بقناعة المندوبين ان لا يجري التعديل وتأجيل القضية الى المؤتمر الوطني العاشر، الذي اقر بدره ان تكون عدد دورات تكليف سكرتير اللجنة المركزية بدورتين، فكان النظام الداخلي من اهم الآليات الديمقراطية في تغيير وجهات النظر حزبيا.
لا بد ان نتوقف هنا لتبيان ما وصل اليه تعدد الآراء من صناعة اقلية واغلبية فكرية قبل ان ننتقل الى حقبة مهمة من تاريخ الحزب. لقد مرت فترات كان فيها أصحاب الرأي المختلف مع قرارات القيادة يمثلون اقلية، بمعنى انهم لا يتجاوزون نسبة 20% في أحسن الأحوال، يمكن ملاحظتهم في تنظيمات الخارج وعدد من الاصدقاء المثقفين المهتمين بتاريخ ومستقبل الحزب، لكنهم أحدثوا تغييرات في خطاب الحزب السياسي والنظام الداخلي، بمساعدة النظام الداخلي والتربية الحزبية على التقاليد الديمقراطية، بالإضافة الى رغبة القيادة والقاعدة ان لا يكون هناك خللا في المواقف الوطنية والديمقراطية بين ما يطالب به الحزب للشعب العراقي وممارساته داخل التنظيم.
الى جانب ذلك كانت الآراء المخالفة، هي الاخرى مبنية على تحليلات منهجية وطنية وماركسية، ما أعطاها ثقلا في ترجيح مواقفها الوطنية على مواقف وطنية اخرى، بمعنى ان كلا الموقفين كان يهدف لمصلحة الشعب العراقي، لكن الاختلاف كان في وجهات النظر وسبل الوصول للهدف، سياسة القيادة ذهبت في اتجاهين متلازمين، الأول تفعيل الدور الجماهيري، والثاني العمل مع القوى الحزبية الموجودة على الساحة، في حين كان الرأي الاخر، أن الخط الثاني غير مجدي بسبب توجهات تلك الأحزاب طائفيا عرقياً وحزبياً، ومسؤوليتها المباشرة في انتشار الفساد والتستر عليه، وامتلاكها مليشيات مسلحة خارج على القانون.
بعد المؤتمر الوطني العاشر حصل اختلاف داخل القيادة والقاعدة في تحديد من هي القوى الوطنية التي يمكن التحالف معها، وهل يتطابق مفهوم التغيير والإصلاح او يؤدي أحدهما الى الاخر. نتائج تلك القراءتين كانت مفتاح القبول او الرفض للدخول في تحالف سائرون، وما عمق الاختلاف أن لا مقدمات فكرية او حوارات حزبية سبقت هذا التحالف، انما مقالات من رفيقات ورفاق يحذرون من الدخول في هذا التحالف، ثم تلا قيام التحالف مقالات وندوات ولقاءات لقيادة الحزب تعرض ان التحالف قائم على برنامج واضح ومنبثق من حاجة سياسية ملحة. كانت نسبة رفض تحالف سائرون داخل التنظيم قليلة، وفق الاستفتاء الذي أقامه الحزب وكانت نتيجته 82% لصالح التحالف، لكن حدة الاختلاف كانت كبيرة، بحيث وصلت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، مما أدى الى استقالات وعقوبات تنظيمية، حتى داخل القيادة.
لم ينته الموقف الرافض تجاه تحالف سائرون حتى بعد دخول الحزب السباق الانتخابي، بل بالعكس فقد قاطع الانتخابات عدد غير قليل من أعضاء الحزب، وظهرت مواقف أكثر حدة بعد تكشف مواقف الحليف السياسي، وعدم التزامه بما اتفق عليه، ظل الاختلاف في الرأي يتفاعل داخل التنظيم حتى أصبحت كفة التوازن تختل مع كل موقف سياسي يتخذه الحليف.
وإن كان هناك ما يعبر عن فخر قواعد الحزب في مسار الديمقراطية، هو تبني الحزب لانتفاضة تشرين منذ انطلاقتها الأولى، بالرغم من الموقف الاستقصائي للقيادة تجاه ما وردها من معلومات حول هذه الانتفاضة، والتي سرعان ما أصدرت بياناها في دعم الانتفاضة. لقد كان قرار المنظمات الحزبية بمشاركتها في الانتفاضة، والذي أصبح قرار الحزب بقيادته وقواعده، موضع اعجاب وتقدير يعكس التصاق الحزب بقضية الشعب العراقي.
أدى تعدد الآراء حول الخطاب السياسي لتحالف سائرون ومواقف الحليف السياسية، الى استقالة مندوبي الحزب من مجلس النواب العراقي، دفاعا عن دماء المنتفضين، هذا الموقف رفع من حجم الثقة بالحزب، ودفع باتجاه الانغماس في الانتفاضة ودعمها بكل الامكانيات.
خلال انتفاضة تشرين كان أداء الحزب مقبولا من القوى الوطنية والجمهور العراقي، وبعد انتشار جائحة كورونا تقرب الشعب العراقي أكثر من الحزب، عندما ساهم بجمع التبرعات وتسخير اموال احتفالاته لمساعدة الطبقة الفقيرة. هذه المواقف الإنسانية وتجاوز اختلافات الرأي، عكست مدى صلابة الشيوعيين وقدرتهم على تفهم وقبول الرأي الاخر، امام ما يصيب الشعب العراقي من محن، وان سمو الهدف يعلو على كل شيء.
ما ان جاءت الانتخابات التشريعية المبكرة حتى عادت الاختلافات داخل التنظيم تظهر من جديد، بين رافضاً للمشاركة ومؤيداً لها، كانت أسباب الخلاف كثيرة، عبرت عنها مقالات ورسائل داخلية ولقاءات حزبية وتلفزيونية، عكست ظهور فهم جديد للعملية السياسية داخل القاعدة والقيادة، إذ انها سارت باتجاه تكريس المحاصصة الطائفية العرقية والحزبية والفساد والقتل والاستهانة بالإنسان العراقي، بالمقابل جرى طرح عدم قدرت احداث التغيير السلمي بدون الانتخابات، وان ترك الساحة يعني استمرار نفس القوى الحاكمة بالسلطة. استمر هذا النقاش حتى جاء قرار تعليق اللجنة المركزية مشاركة الحزب في الانتخابات، كحل وسط نال استحسان القاعدة الحزبية وباقي القوى الوطنية وسياج الحزب الجماهيري. استمر اختلاف وجهات النظر بين مؤيد للمشاركة ومقاطع لا تزال قائمة، وقد تمخضت عن قرار اجراء استفتاء حزبي لكل الأعضاء، أثمر عن قرار بأغلبية واضحة في مقاطعة الانتخابات.
المقاطعة لم تكن كما يدعي البعض انها تناغما مع قرار مقاطعة التيار الصدري، ولا هي خوفا من هزيمة انتخابية، ولا تخلي عن مصالح الشعب العراقي، انما نتيجة طبيعية لتفاعل فكري داخلي بين وجهات نظر مختلفة، اثمرت عن موقف اتخذه ونفذه الحزب بلا خداع.
تشير هذه التطورات التي رسمت سياسة الحزب الداخلية وكل المواقف التي انبثقت عنها، الى توجه جاد يتبناه الحزب ضمن تنظيماته، والذي طالما افتقر له في ظروف العمل السري، متمثلاً بإشاعة الديمقراطية في التنظيم ودورها باتخاذ القرارات، خاصة تلك القرارات المصيرية في سياسة الحزب. وإن كان الوقت الذي مضى بعد سقوط دكتاتورية البعث وتردي الحياة السياسية قد حال دون مراجعة بعض المواقف التي رافقت سياسة الحزب، والتي اثمرت عن بعض التلكؤ سواءً في العمل الحزبي ـ التنظيمي او في نشاطات منظمات الحزب جماهيرياً، فإن الاستعدادات للمؤتمر الحادي عشر ينبغي ان تشكل مدخلاً للمراجعة وتوطيد الديمقراطية، التي اصبحت تشكل القاعدة الأساسية في التنظيم وفي التعامل مع الأحداث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية