الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان ؟ - شرنقة الموت و نشيد الكُرْه المُقدس !

هشام الطوخى

2006 / 8 / 13
الادب والفن


بالله أخبرونى يا أبناء أورفليس ، أى شيئ تخبئون فى بيوتكم ؟؟
أهو السلام ؟!...
أهو الجمال الذى يحيل القلوب التى من الصلب والحجارة الى روح مقدسة ؟! أم أن بيوتكم هى القبور التى بناها أبناء الموت لأبناء الحياة ؟؟!!
" (1)

ماذا يمكن أن يُقال بينما الناس يُقتَلون ؟
نحن الذين نملك ثمن الجرائد التى نمارس معها الهذيان ، ونملك ثمن السجائر التى ننفثها دخاناً فى صور الجثث التى ذبحتها الحروب ، ونملك ثمن الغداء وثمن العشاء ، وثمن فاتورة الكهرباء التى تدير الأجهزة التى نجلس اليها .. نستمع الى هلاوس المجانين ومرضى الحروب فى مكاتبهم .. وهم يخطبون ، وهم يرعدون ، وهم ينشرون الخراب على كل جانب لم يطله الخراب ، وهم يعدوننا بفوز قريب سيُهدى الينا فى النهاية .. فوز سيدفع ثمنه آخرون .. رجالٌ ونساءٌ وأطفال .. رجال ليسوا آباءنا الآمنين فى فروشهم ، ونساء لسن زوجاتنا المشغولات فى المطابخ بتجهيز طعامنا الساخن ، وأطفال ليسوا أولادنا المنهكين فى دروسهم وواجباتهم المدرسية !

نحن الجالسون أمام شاشات الكمبيوتر نقرأ ونكتب ونتصفح وننعش أرواحنا بالمشروبات الساخنة والجيلاتى اللذيذ نستقوى بها على المقاومة ...
ماذا سيحدث اذا انفعلنا بكل الدماء المسالة..اذا انتشينا ، واذا باركنا، واذا أيدنا، واذا أطلقنا حروفاً وكلمات من رصاص افتراضى، واذا حاربنا بالخيال ، واذا طلبنا المزيد من الدماء المسالة هناك ، والمزيد من الخراب هناك .... اذا استفرغنا أوحال نفوسنا وقذاراتنا الداخلية فى سيول مصبوبة من الكراهية والغل واللعنات ؟!

وماذا سيحدث اذا توجعنا ، واذا تألمنا ، واذا غسلنا كل أشجار الأرز بدموعنا المذبوحة ، واذا نزفنا فى الحروف والكلمات ما تبقى فى نفوسنا من بقايا آدمية ؟

لا شيئ سيحدث !
لا شيئ سيحدث !
لا شيئ سيحدث !

سيبقى الذين يَقتُلون يَقتُلون ، وسيبقى الذين يُقتَلون يُقتَلون ، وسيبقى المهوسون بالحروب يشعلون الحروب ، لأن الذى يستطيع أن يقود المئات للموت لا يستطيع أن يقود واحداً منهم للحياة .

ولأننا أجيال تربت فى كهوف السنين لكى تكون بلا آدمية ، فلم تعد تستطيع أن تحيا ، وانما - فقط - تستطيع أن تموت .

خمسون عاماً وأكثر تشرنق فيها العرب وهم يلعنون كل حضارة لم ينتجوها ، وهم يشتمون الأعادى .. حيناً أولئك الذين لا ينطقون بلغة العروبة ، وحيناً أولئك الذين يُوَلُّون الوجوه لغير الكعبة ، وحيناً يشتمون أنفسهم !
فتلك الحضارة التى لم ينتجوها ليست حضارة ، و هؤلاء الذين أنتجوها ليسوا مثلهم بشراً صالحين .. هى زائفة وباطلة ، وهم ماديون بلا روح و استعماريون وامبرياليون وكفرة فجرة ، وكل فعل يفعلونه وكل قول يقولونه وكل نفس يتنفسونه وراءه مؤامرة تستهدف العرب وتستهدف المسلمين .

مع كل طلعة شمس يفطرون على نشيد الكُرْه المُقدس .. يمجدون أنفسهم ويلعنون الأعادى ، يتوعدون بانتاج الحضارة الروحية الحقة على أنقاض الحضارة المادية الزائفة ، يجددون الوعيد عند الغداء وعند العشاء وعند نكاح الحرائر بعقد موثق أو بورقة عرفية و باتفاق مسيار و متعة ... بالعاجل أو بالآجل ، وحين يضاجعون السرائر وما ملكت الأيمان .

يجربون من وقت لآخر ارسال الجيوش وحاملى القنابل والأحزمة الناسفة .. لعل الفرصة حانت لذبح الأعادى ... أولئك الذين يمنعون اقامة صرح الحضارة الروحية الحقة الجديد ، أو لعل الدماء المسالة - على أى جانب - تُبقى القضية حيةً فى النفوس .. أى قضية !

خمسون عاماً وأكثر تشرنق فيها العرب، ولم ينسجوا ثياباً لكى يلبسوها ، ولم يصنعوا العربات لكى يركبوها ، ولم يزرعوا طعاماً لكى يأكلوه !!

خمسون عاماً وكل الذى أنتجوه من صراخ وخطب ورمل ودم لا يساوى فى ميزان الحضارة - ان جاز القياس - مقطوعة من أوبرا " زواج فيجارو " لشاب من بين الأعادى مات عام 1791 فى عمر الخامسة والثلاثين .. اسمه موزار !

خمسون عاماً " وهم يرعدونَ ، ولايمُطرونْ...
وهم يدخلون الحروب ، ولايخرجونْ...
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا
ولا يهضمونْ...
.....
رأينا جُيوشا ... ولا من جيوش ْ...
رأينا فتوحا .. ولا من فتوح ْ...
وتابعنا كلَ الحروبِ على شاشةِ التلْفزهْ...
فقتلى على شاشة التلفزهْ ...
وجرحى على شاشة التلفزهْ ...
ونصرٌ من الله يأتي إلينا... على شاشة التلفزهْ ... " (2)

و أتانا " نصرُ الله " على شاشات التليفزيون .. يعلن أن الله قد انضم لحزبه ، فصار لديه التوكيل الأبدى لاعلان الحرب ، والتفويض باسم الأمة .. والتوقيت الآن مناسب من وجهة نظر الحكماء .. حكماء الاسلام وحكماء العروبة .. الكهنة فى طهران والأسياد على عرش دمشق ، والسيد مشعل قد فتح الباب ولله الحمد ، والاخوان الطُّظِّيون يقودون مسيرة طُظ الأممية ... طُظ فى مصر ، وطُظ فى لبنان ، وقريباً ... تونس فى العرض القادم ، ثم دبى
أما الصحراوات الكبرى والصغرى .. فبعد التخلية يجيئ الدور على التحلية !

......................................

فى كل العالم يسعى الانسان لكى يحيا ، الا فى أرض العروبة ... كلما أتاهم داعى للحياة لعنوه !
وفى كل العالم يسعى الانسان للسلام ، الا فى أرض العروبة كلما أتاهم نبى للسلام قتلوه !

"
لا تصالح
فالدم الآن صار وساماً وشارة .
لا تصالح ولو توجوك بتاج الامارة
ان عرشك سيف
وسيفك زيفُ اذا لم تزن بذؤابته لحظات الشرف .....
لا تصالح ولو قيل ما قيل من كلمات السلام .......
وارو قلبك بالدم ..
وارو التراب المقدس ..
وارو أسلافك الراقدين ..
الى أن ترد عليك العظام !
الى أن ترد عليك العظام !!
الى أن ترد عليك العظام !!!
" (3)

الجماعة البشرية واحدة والأرض واحدة ، وما يحتاجه التلميذ فى بيروت والفلاح فى الجولان والنساج فى طهران هو ما يحتاجه عامل النظافة فى حيفا والنجار فى ميلانو والطباخ فى مرسيليا واللَّبان فى كوبنهاجن وساعى البريد فى اوتاوا ...
يحتاج البشر الى تنمية البيئة التى يحيون فيها ، و يحتاجون الى الحرية و يحتاجون الى العدالة .
فشل العرب فى تنمية بيئتهم لأنهم كسالى ..متواكلون وقدريون وغيبيون ، وفشلوا فى تحقيق العدالة لأنفسهم لأنهم ظالمون .. ذاتيون و أنانيون ومداهنون ، وفشلوا فى تحقيق الحرية لأنفسهم لأنهم لا يقبلون بالآخر .. عدوانيون ونرجسيون وساديون .

أنشأوا مجتمعاً خرافياً متخلفاً عاجزاً عن تجاوز الخرافة و التخلف الى الحضارة ، ربوا أجيالاً كاملة ورثت تخلفهم وخرافتهم وأنتجت مزيداً من التخلف والخرافة ، أجيال تعيش بوعى زائف وعجز كامل عن ادراك حقيقة الأمور التى تجرى من حولها ، أجيال رفضت أن ترى الواقع الذى عجزت عن تغييره فاختارت أن تعيش فى الأوهام والأكاذيب والضلالات الحية !

فشلوا فى اللحاق بالجماعة البشرية فاختاروا اعتزال العالم ومواجهته !
عجزوا عن المساهمة فى حضارة الانسان فاختاروا أن يهدموها !
أن تكون عربياً يعنى أن تعجز عن رؤية انسان غيرك يستحق أن يحيا !
أن تكون مسلماً يعنى أن تصبح فى حالة خوف دائم من أن يوجد فى مكان ما من العالم شخص سعيد !
أن تكون مصرياً يعنى أن تتمنى أن تُحتل سيناء كى تقاوم فى السويس !
أن تكون يمنياً يعنى أن تتمنى احتلال الشمال كى تقاوم فى الجنوب !
أن تكون عراقياً يعنى أن تُقاوم فى المسجد و المقهى والمستشفى و السوق !
أن تكون سورياً يعنى أن تطالب بيروت بالمقاومة كى يتحرر الجولان !
أن تكون مقاوماً يعنى أن تمجد الصمود فى لبنان وتطالب لبنان بالصمود والمزيد من الصمود !

وصمدت لبنان .....
ألف من اللبنانيين ... رجال ونساء وأطفال صمدوا أمام دانات المدافع وصواريخ الطائرات فماتوا !
و مائة وخمسون جسر وكوبرى صمدت أمام الدانات والصواريخ فدُمرت !
و تسعة آلاف عمارة سكنية صمدت أمام الدانات والصواريخ فانهارت !
وتسعمائة ألف من اللبنانيين... رجال ونساء وأطفال صمدوا أمام الرعب والموت فتشردوا وصاروا لاجئين عند اللاجئين !

المجد للحرب ، والمجد للدم ، والمجد للموت ، والمجد للصمود ، والمجد للمقاومة ....

فيا أيها المقاومون أمام شاشات التليفزيون ...
ويا أيها المقاومون فى المكاتب وفى قاعات الدراسة ...
ويا أيها المقاومون فى المطاعم و المساجد و عيادات الأطباء و البنوك و مكاتب تغيير العملة ...
ويا أيها المقاومون فى التاكسى و القطار و الأتوبيس ...
ويا أيها المقاومون فى الصحارى والتلال وحمامات السباحة والمصايف و الحدائق والحقول ...

"
يا أيها الواقفون على حافة المذبحة
أشهروا الأسلحة ! ....
الدم انساب فوق الوشاح !
المنازل أضرحة ..
والمدى أضرحة
فارفعوا الأسلحة واتبعونى !
أنا ندم الغد والبارحة
رايتى :
عظمتان وجمجمة ..
عظمتان ..
وجمجمة ..
وشعارى الصباح !
وشعارى الصباح !!
وشعارى الصباح !!!
" (4)

لا فائدة !
............................................................

1- النبى - جبران خليل جبران
2- متى يعلنون وفاة العرب - نزار قبانى
3- أقوال جديدة فى حرب البسوس - أمل دنقل
4- سفر الخروج - أغنية الكعكة الحجرية - أمل دنقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن