الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وإعادة إنتاج المسألة الأوربية: المسيحية الشرقية والغربية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2021 / 7 / 28
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا كنت أطرح نموذج "المسألة الأوربية وما بعدها" كإطار نظري يصلح للتفسير تجاه معظم الظواهر الدولية الراهنة وجذورها الفكرية، مع فرضيات لاستشراف مساراتها واحتمالات مآلاتها، فيمكن القول إن هناك شيء ما يجري فيما كان يعرف بشرق أوربا، وفي مركزه القديم روسيا بجذورها السلافية أو الجرمانية القديمة.

سمة "الثنائيات الحدية" القديمة
وإذا كان ذلك النموذج يقول بوجود سمات ومتلازمات رئيسية لـ"المسألة الأوربية" صاحبت نشأتها وشكلت سياقها العام، فستكون سمة "الثنائيات الحدية" واحدة من أبرز تلك المتلازمات الثقافية التي صاحبت المسألة الأوربية، والتي تعني ضرورة تقديم معظم التمثلات والمشاعر والتوجهات الإنسانية في شكل فكرتين متصارعتين بشكل حدي، أي لابد من صراع بينهما وأن يكون الانتصار أحدهما حديا يعني نفي الآخر تماما.


العنصر الجرماني البري في الشرق والغرب
وإذا كان النموذج المعرفي هذا يرتبط تاريخيا بالموجة الحضارية الأوربية الثالثة أو الموجة الجرمانية (التي تلت الموجة اليونانية والرومانية)، مع نزول القبائل الجرمانية من شمال أوربا وخروجها من حياتتها البرية في القرون الميلادية الأولى، ثم سيطرتها على الامبراطورية الرومانية، وإنشائها أوربا الغربية وكيانتها السياسية المعروفة في بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وغيرهم، حتى مرحلة التمدد الحضاري والاستعمار الذي كان من ضمنه المستعمرة البريطانية/ الجرمانية الأبرز في أمريكا.
فإن روسيا بدورها لا تبعد كثيرا عن أثر العنصر الجرماني وقبائل الشمال الأوربي التي خرجت من البرية والوحشية متأخرا، إذ تاريخيا هاجرت بعض القبائل الجرمانية نحو الشرق الأوربي واستقرت فيما أصبح يعرف الآن بـ"روسيا"، ورغم أن الجرمانيين في الشرق الأوربي بقوا معزولين بعض الشيء عن غربها، إلا أن السمات الثقافية نفسها كامنة وحاضرة، بما جعل الشرق الأوربي في روسيا يكون أحد طرفي "الثنائية الحدية" الأبرز لـ"المسألة الأوربية"، حيث تبنت روسيا المادية الشيوعية التنميطة وتبنى الغرب المادية الرأسمالية المنفلتة.

فرضية إعادة إنتاج تناقضات المسألة الأوربية
في شكل الصراع بين المسيحية الشرقية والغربية
لكن الآن وبعد ما وصلت له "المسألة الأوربية" من أزمات وانسداد أفق يتطلب أن تقدم الإنسانية فكرة جديدة تجدد الدماء فيها وتمنحها الحياة، يطرح البعض محاولات لإعادة إنتاج "المسألة الأوربية" في أشكال و"ثنائيات حدية" جديدة تسعى لتقديم الأطراف القديمة في أشكال جديدة للصراع، ومنعا لظهور مشاريع ونماذج إنسانية جديدة تلهم البشرية، والتي يأتي على رأسها مشروع الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين، رغم ما تتعرض له من تناقضات تأثرا بالعوامل السياسية المحلية والغربية في يسارها ويمينها.
من هنا سنقدم في هذه المقالة فرضية ونحاول تقديم الدليل عليها كما سنقترح بديلا مضادا لها أيضا؛ الفرضية ستكون أن تصريحات وزارة الخارجية الروسية الأخيرة حول اضطهاد مسيحي الشرق الأوسط، في ظل مشاريع "فرض الديمقراطية" الغربية/ الأمريكية، هي مؤشر هام لمحاولة إعادة إنتاج "المسألة الأوربية" وتناقضاتها و"ثنائياتها الحدية"، بعد أن انطفأ وهج الصراع هو المادية الرأسمالية المنفلتة والمادية الشيوعية التنمطية، وذلك عبر إنتاج استقطاب جديد و"ثنائية حدية" صراعية جديدة سيكون مضمونها "المسيحية الشرقية" الروسية في مواجهة "المسيحية الغربية" الأمريكية.

هجوم على الديمقراطية الأمريكية
ونموذج المسيحية الغربية ضمنا
فاللافت للانتباه مؤخرا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد صرح بأن روسيا تسعى لحماية مسيحي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جراء الاضطهاد الذين تعرضوا له في ظل مشروع "فرض الديمقراطية" مستشهدا بما حدث في العراق وليبيا وسوريا مع الحضور الأمريكي والأوربي الغربي..

حضور المسيحية الشرقية
في الطريق الروسي الرابع
وحين نبحث عن جذور لهذه التصريحات في الفلسفة السياسية الروسية المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، سنجد أن هناك أطروحة رائجة هناك تسمى "الطريق الرابع" قدمها مفكر يدعى ألكسندر يوجين قريب من الرئيس الروسي فيلادمير بوتين، في أحد متون هذه الأطروحة يعتبر ألكسندر يوجين أن الثقافة المسيحية الشرقية هي أحد أعمدة فلسفته السياسة لروسيا المعاصرة ومشروعها في القرن الحادي والعشرين.
انطلاقا من هنا سيكون دليل الربط بين تصريحات وزير الخارجية حول مسيحي الشرق الأوسط، وبين أطروحة "الطريق الرابع" وموقع المسيحية الروسية الشرقية منها، خاصة أن سياق ذكر سيرجي لافروف للاضطهاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ربطه ضمنا بمشروع "المسيحية الغربية" المحمول على شعارات "الديمقراطية" الأمريكية وفرضها، كما حدث في العراق وكما عَددَ أيضا في ليبيا وسوريا، وربما قد يذهب تفكير البعض لأبعد من ذلك ويتجه ناحية ملف القرن الأفريقي و"السد الأثيوبي" بالنظر إلى أثيوبيا في بعدها المسيحي، خاصة حينما تواكبت تصريحات لافروف مع بيان لوزارة الخارجية الروسية ذاتها يتبنى الموقف الأثيوبي ويستعدي الموقف المصري بشدة.

ثنائية المسيحية الشرقية والغربية
وإعادة انتاج الصراع على اقتسام الذات العربية
والشاهد هنا أننا قريبا قد نجد "المسألة الأوربية" و"ثنائياتها الحدية" المتصارعة، تعيد إنتاج نفسها في ثنائية جديدة حول الصراع ما بين "المسيحية الشرقية" الروسية والمسيحية الغربية" الأمريكية، مع الوضع في الاعتبار أن التنافس والتباين المذهبي حاضر وقائم، حيث الكنيسة الشرقية الروسية كاثولوكية والكنيسة الغربية الأمريكية بروتستانية.
ووليس ببعيد عن الذاكرة استدعاء دونالد ترامب للخطاب الديني رسميا؛ حينما مزج صفقة القرن كمشروع سياسي بالخطاب الديني البروتستانتي فيما عرف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية"، وليس من المستبعد في المستقبل القريب أو البعيد أيضا أن تخرج علينا روسيا بخطاب أكثر صراحة وفجاجة، مدعية الدفاع عن مسيحي الشرق العربي (الذين تسميهم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) بحجة أنها أقرب مذهبيا بكاثولوكيتها إليهم عن البروتستانتية الأمريكية.

روسيا تسعى للعودة على حساب الذات العربية
خلاصة القول: إن روسيا فيما بعد ترامب وخطابه الاستقطابي الشديد تجاه العالم كله؛ قد تعيد إنتاج الاستقطاب القديم الخاص بالمسألة الأوربية في شكل جديد عن "المسيحية الشرقية" الكاثوليكية في مواجهة "المسيحية الغربية" البروتستانتية، وإنها قد تحاول البحث عن مكان لها في السياسية الخارجية العالمية، وقد تكون الذات االعربية بملفاتها الكثيرة المفتوحة والمشتتة هي موضع صراع النفوذ الجديد، وإعادة إنتاج "الثنائيات الحدية" المتصارعة لـ"المسألة الأوربية"، وقد لا يكون القرن الأفريقي وما يحدث في السودان وجنوبه، وأثيوبيا بوجهها المسيحي تكأة لذلك، وقد يكون ذلك على حساب الأمن القومي المصري والعربي ومناطق وجودهم التاريخية.
لذا إلى جوار فرضية أو احتمالية إعادة إنتاج تناقضات "المسألة الأوربية" من خلال "المسيحية الشرقية" و"المسيحية الغربية"، وهو ما دللنا عليه بعاليه، سنقترح أيضا بديلا استشرافيا لمواجهة هذه الفرضية التي ظهرت مؤشراتها مع تصريحات الخارجية الروسية وبيانها مؤخرا..

استراتيجية عربية مضادة
ما بعد المسألة الأوربية وخطاب رفع الوصاية
وذلك من خلال استراتيجية استباقية مضادة ترفع شعار "ما بعد المسألة الأوربية" وإعلانها صراحة بلغة دبلوماسية رصينة، وأن الذات العربية ترفض إعادة إنتاج الوصاية الأوربية مجددا من خلال الخطاب الديني أو الثقافي أو الأيديولوجي، وأن على أوربا شرقها وغربها أن ترفع وصايتها عن العالم وتتوقف عن التدخل في شئون الآخرين، وعن محاولة السيطرة عليهم من خلال خلق التناقضات وتفجير "مستودع الهوية" للآخرين باستمرار حتى يصل لمرحلة الانسداد والعجز.
ربما قد يبدو الأمر بسيطا وخفيفا مع بيان الخارجية الروسية وتصريحات وزيرها؛ لكن الدلائل على تجذر محاولة عودة النفوذ الروسي مجددا على حساب الذات العربية، وخلق استقطاب جديد و"ثنائية حدية" جديدة مع أمريكا غير مستبعدة أبدا، وإعادة إنتاج "المسألة الأوربية" وفرض بدائلها على العرب والعالم من جديد.
بما يستوجب المبادرة بوضع ذلك على متغيرات السياسات العربية الخارجية، وتحديدا في السياسات الخارجية المصرية التي تشهد حصارا دبلوماسيا عالميا في موضوع سد النهضة، سواء من الشرق الروسي ومعه الصين، أو من الغرب وأمريكا ومعها أوربا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجين محكوم عليه بالمؤبد نفذ أكبر سرقة فندق في نيويورك


.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق




.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟


.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف




.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح