الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب ( البنيوية و مابعدها )

سامر حبيب
شاعر وكاتب

(Samer Habib)

2021 / 7 / 30
الادب والفن


تحرير : جان ستروك
ترجمة : محمد عصفور

قراءة : سامر حبيب

من خلال قراءتي لهذا الكتاب وجدت نفسي امام مفهوم حداثوي شغل العالم الغربي في وقته ألا وهو " البنيوية " وان هذا الكتاب بمثابة البنية التي تحمل في داخلها " خمسة " من المؤسسين و المطورين الأوائل لهذا المفهوم انطلاقا من " ليفي شتراوس " وصولا الى دريدا , و رغم اختلاف المجالات البحثية فيما بينهم ألا انهم من خلال تفاعلاتهم الفكرية نجحوا في ابراز منهجا يمكن من خلاله التعامل مع الأدب بمعزل عن مؤلفه و الظواهر التي اسهمت في انتاجه , فهم يبحثون في " أدبية الأدب " أي العلاقات التفاعلية بين البنى والوظائف التي تؤديها لتعجل من الأدب أدبا .
و ان هذا المفهوم له ارتباط وثيق بمنطلقات " سوسير " اللغوية على اعتبار اللغة تلعب دورا كبيرا يمكن من خلاله فهم الأدب و لا أبالغ أنني وجدت اللغة في هذا الكتاب تقف جنبا الى جنب مع الفكر عند " شتراوس و رولان بارت و ميشيل فوكو و جاك لاكان و جاك دريدا " فقد شغلتهم اللغة حتى نفذوا من خلالها الى النص معوضة في نظرهم عن المؤلف و وما يحيط بالنص .
و الواضح من خلال الكتاب ان البنيوية كمصطلح تضررت كثيرا من شيوعها مما أدى الى استعمالها لمعان مختلفة فهذا " ليفي شتراوس " و هو عالم اجتماع فرنسي، ولد عام 1908 وتوفي عام 2009، بدأ حياته بدراسة الفلسفة، ومنها انتقل إلى دراسة علم الاجتماع حتى شغل كرسي انثربولوجيا الاجتماع بعد أن قدّم أطروحته في فرنسا حول المشاكل النظرية للقرابة، وأفكار أخرى كالتفكير الجامح، والطوطمية والأسطورة و كان لأعماله أثر كبير في الأنثربولوجيا البنيوية وقد بنى شتراوس أفكاره في علم الانثربولوجيا وطوّرها بناء على ثلاثة مبادئ في اللغويات البنيوية استفادت منها البنيوية وما بعد البنيوية فعلى سبيل المثال في " احداث آيار " في فرنسا عام 1968م عندما اعلن احد كبار مدربي كرة القدم الفرنسيين أن المسؤولين عن تلك الاحداث عليهم أن يراجعوا " بنيوية الفريق الوطني " اسهم في تحديد الاستعمال المناسب لهذا المصطلح فقد شدد على ارتباطه بـ " اللغويات البنيوية السويسرية " مستندا في ذلك الى ثلاثة مبادئ أساسية لهذا الارتباط منها أن اللغة نفسها يجب أن تدرس قبل أن تدرس علاقاتها بالنظم الأخرى أي ان البنية الداخلية لها الأولوية على الوظائف الخارجية , و ثانيها أن الكلام و هو الشكل المسموع من اللغة يجب أن يحلل الى عدد محدود من العناصر كالفونيمات , وثالثهما أن العناصر اللغوية تتحدد على اساس علاقاتها التبادلية و التتابعية .
ثم اضاف " شتراوس " مبدئا رابعا الى المبادئ التي استقاها من الدراسات اللغوية السوسيرية فهو يدعي أن البنى المتصلة فيما بينها يجب أن تكون تحولات شكلية عن بعضها لبعض وأن القواعد التي تتحكم بهذه التحولات تشكل مستوى اعم واشد تجريدا من التحليل .
أما " رولان بارت " فهو ناقد فرنسي من رواد علم الإشارات، ومن أعلام البنيوية وما بعد البنيوية، ولد عام 1915 وتوفي عام 1980، كان متأثرا بالفلسفة الوجودية السارترية المعادية للجوهرية، إذ نادت الأولى بحرية الإنسان في التغير المستمر والهرب من الماضي. كان له مؤلفات وأفكار عدة في البنيوية وما بعد البنيوية أبرزها نظرية موت المؤلف، وكتابه الكتابة بدرجة الصفر، وكتابه لذة النص وهو المنشط المتميز للذهن الأدبي لما قدمه من افكار ومبادئ فاثارت طروحاته جدلا كبيرا في اروقة النقد وقد اخذت فكرة " النص بلا مؤلف " حيزا كبيرا بين افكار بارت رغم ان هذه الفكرة يصعب تقبلها في كثير من الاحيان ثم يشير الى ان هذه النظرة من المحتمل ان تكون حكرا على الغرب فعندما سافر الى اليابان وجد هناك ادلة ميتافيزيقية مناقضة لهذه النظرة .
ثم وصلت إلى أن " ميشيل فوكو " وهو فيلسوف فرنسي، كان مهتما بتاريخ الجنون وموضوعات مثل الإجرام والعقوبات والجنس والمهمّشين والمنبوذين، ولد عام 1926 وتوفي عام 1984 من أبرز أعلام البنيوية وما بعد البنيوية، اهتم كثيرا بمفهوم الخطاب والسلطة والأخلاق في كتابه نظام الخطاب الذي تسيطر عليه المؤسسات والمعارف العلمية بعد تعارف المجتمع عليه، ففلسفة فوكو في قراءة الخطاب قائمة على الإجابة عن بعض أسئلة فلسفة اللغة، ومجموعة من الأسئلة في الفلسفة المعرفية والسياسية والأخلاقية، فهو يرى أن الخطابات التي دارت حول الإنسان القديم في القرن التاسع عشر، أصبحت خطابا حول الإنسان بشكل تام بسبب العلاقة الوثيقة بين المعرفة والقوة .
ومن أهم الأفكار التي تناولها فوكو في البنيوية وما بعد البنيوية العلاقة بين اللغة والصورة، وهو يجعل لكل منهما عالمه المتمايز والمستقل عن الآخر، ولا يرى في أن لأحدهما أولوية على الآخر، ويوضح سبب عدم التواصل بينهما بأن اللغة لها عالمها الخاص بها، وهي تحيل إلى موضوع بعينة أو ظرف بعينه من خلال عباراتها، في حين أن الصورة مرئية، وليس لها معنى أبكما يخرج بالقوة إلى الفعل متجسدًا باللغة. وهو ينفي قدرة اللغة في أن تحُلَّ محلَّ الأشياء، والصورة كذلك لا يُمكن أن تحُلَّ محلَّ اللغة، وهذا ما يجعل العلاقة بين اللغة والصورة علاقة صراع وعراك بلين المشهد واللغة، يحدث داخل عملية التفكير ذاتها، وهذا ما يدفعه إلى الربط بين إشكالية النَّص والصورة وسلطة المعرفة، فالمعرفة يشدّها طرفان: الرؤية واللغة؛ وعملية التفكير في أصلها هي صراع وتوتر بين المشهد باللغة، والصور بالكلام، وما يحدث بينهما من فجوات تفصل الكلام عن الرؤية.
اما " جاك لاكان " فهو من أعلام البنيوية وما بعد البنيوية، ناقد ومحلل نفسي فرنسي، ولد عام 1901 وتوفي عام 1980، وانشغل لأربعين عاما بدراسة فرويد، ودراسة علم النفس البنيوي لديه، فقال وصف فرويد لنظام ما قبل الوعي يمكن أن يعاد صياغته باستعمال عدد من المفاهيم اللغوية المحدودة نسبيا فاعتبر اللاوعي في أعماله بنية لغوية، فهو يقول بأن التوترات والصراعات النفسية هي التي أسهمت في تكوين البنية اللغوية عند الإنسان، واللغة هي الوسيط الوحيد للتحليل النفسي، واللاوعي لا يتبدى إلا في شكل واسطته اللغوية، فاللغة لديه هي ما يخلق اللاوعي، التوسط اللغوي يمتد خلف الحوارات التحليلية، إذ إن الذات الإنسانية باكتسابها ملكة الكلام، تدمج نفسها في نظام رمزي، وتخضع رغبتها (الليبدو) إلى ضغوط ذلك النظام، وعندما تكتسب الذات اللغة، فإنها تخضع طاقاتها الغرائزية للتنظيم.
لقد عمل لاكان في البنيوية وما بعد البنيوية كثيرا من أجل إعادة تفسير مقولات فرويد حول الغريزة الجنسية من جهة اللغة وعلاقة الدال بالمدلول عند سوسير، وذلك يبرز مشكلة الوضع الديق للمدلول ودوره، فالبحث عن المدلول بشكله الخالص والبحث عن بنى الفكر الأصلية التي لا ترتبط بكلمات هو أمر عبثي، فللغة دور كبير في تشكيل التفكير الإنساني، وبالتالي فإن الموضوع الذي يستحق الاهتمام من المحلل النفسي وعالم اللغة هو سلسلة الدلالة نفسها، والعلامات الملاحظة داخلها، فهي أفضل دليل على البنية النفسية، وبنية الذات الإنسانية.
أما " جاك دريدا " فهو ناقد فرنسي، ولد عام 1930 وتوفي عام 2004، من أهم أعلام البنيوية وما بعد البنيوية ويضع جاك دريدا كل مسلمات الفلسفة الغربية موضع شكّ وسؤال؛ بدأ من البنية التي افترضت معها وجود مركز للمعنى يحكمها، ومن ثم التشكيك بالمبادئ المركزية في الفكر الغربي؛ مثل: الماهية والوجود، والحقيقة والجوهر، والبداية والنهاية، والإنسان والوعي من خلال الدخول بين أقطاب الأنساق الجتمعة، وعدم السماح لأي منها أن يكون مركزا .
ويذهب دريدا في البنيوية وما بعد البنيوية إلى مركزية اللوغوس/الكلمة في الفكر الغربي، التي ترى في مركزية الصوت تغييبًا للكتابة، على اعتبار الكتابة شكلاً غير صافٍ من الكلام، وأن الكلام أقرب ما يكون إلى تجسيد الفكر الخالص، بوصفه حضورا يستلزم وجود الذات المتكلمة، وعلى هذا الأساس اهتمت الفلسفة الغربية بالكلام وهمّت الكتاب باعتماد هذه التراتبية. وهنا يقترح دريدا مفهوم التكملة الذي تحل فيه الكتابة محل الكلام على اعتبار أنه مكتوب، فتصبح الكتابة وما كان منها مقموعا ومخفيا مما أخفى الجانب الاختلافي منها هي أصل اللغة، بينما اللوغوس/الصوت ليس الأصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال