الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تداعيات الحروب و اثرها على قيم المجتمع
لميس جهاد الحجلي
2021 / 7 / 31الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يعيش الإنسان وفق منظومة أخلاقية و معايير قيمية ، كنهج ضابط لسلوكه ، يطبقها و يسعى إليها ، و تعد القيم التغذية الراجعة ، و مرجعية أخلاقية و موجه للسلوك و العمل .
لكن اللافت هو ما تعاني منه مجتمعاتنا العربية من انهيار منظومة القيم الأخلاقية التي كانت تعد مرتكز و موجه للسلوك ، ولعل في زمن الحروب هي إحدى إفرازاتها و نتائجها الخاسرة. فالقيم صفة مكتسبة و متغيرة نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته و تغيرات الوسط المحيط به ، و في أجواء الحروب و حالة الفوضى العارمة ، يسود العنف و يصبح سلوك طبيعي غير مستنكر و ربما مبرر لدى البعض ، و قانون للبقاء و الاستمرار، أي شرعنة العف .
فلماذا تختفي الأخلاق في زمن الحروب ؟! في الوقت الحرج الذي تكون المجتمعات و الأفراد في أمس الحاجة للتمسك بالقيم و الأخلاق ، و المعول عليها لأعادة بناء الإنسان و النسيج الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب .
تهدف الحروب إلى خلخلة اللبنات المجتمعية المتمثلة بالأخلاق و التعليم ، و زعزعة الاستقرار الأمني ، و يبدأ تدمير الأخلاق بتشويه صورة الدين ، و إفساد التعليم ، من خلال صرف نظر الناس عن تعلم أي شيء بناء من شأنه الارتقاء بالمجتمع و تطوره و نمائه ، و العبث بالنسق الاجتماعي بنزع الاحساس بالمسؤولية لدى المجتمع ، و تسفيه عقول الشباب بتصديرأفكار و مفاهيم دخيلة على ثقافة مجتمعاتنا ، تعمل على تغيير قناعاتهم و توجهاتهم ، و تضعف حسهم الوطني و الولاء لبلدهم و رموزهم ، و لعل العولمة خير دليل على ذلك .
و العمل على تذكية النعرات الطائفية و العصبيات ، لزعزعة الاستقرار الأمني و المجتمعي و صرف نظره عن الأمور المهمة و البحث ، و إفقاد الحس بأهمية احترام الوطن و أسسه و رموزه . إن انهيار منظومة القيم الاجتماعية خاصة بعد سنوات من الحرب ، نتيجة طبيعية و حتمية ، لكن ما يثير الاستغراب و القلق هو الاستجابة السريعة و تسارع وتيرة الانهيار و اختلال القيم في المجتمع ، و الإشارة هنا عموما لكل الدول و المجتمعات التي عانت و ما تزال تعاني تبعات الحرب في دول الربيع العربي ، و في سوريا خصوصا ، فحسب تقارير منظمة حقوق الإنسان ، أصبحت سوريا مركزا للخطف و الدعارة و خطف و بيع الأطفال و الأيتام و الاتجار بالأعضاء البشرية و تداعي المشافي الحكومية و الكشف عن استعراض لعصابات تهريب الأطفال تدار من قبل ممرضين و أطباء كذلك ارتفاع معدل البطالة بين الشباب .
كل ذلك أدى إلى فقدان الفرد ثقته بمجتمعه ، و أصبح بنظره مجتمعا مفككا هشا يعاني من انحلال بناه الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية ، و وكرا للفساد و الفوضى العارمة و بالتالي عاجزا عن نقل مطالبه للسلطة ، فتتحطم صورة المواطنة في مجتمع متماسك له دولة ، و يلمس المواطن أن دولته منسلخة عن المجتمع ما يؤدي إلى خيبة أمل المواطن في حكومته الخاذلة له و الهاضمة لحقوقه ، العاجزة عن ضمان الحد الأدنى من أمنه و سلامته و توفير الحد الأدنى من العدل و القضاء النزيه كضمان لحقوقه ، فيلجأ الفرد بالضرورة إلى سلوكيات و ممارسات تؤثر سلبا على النظام الاجتماعي ، كظواهر العنف و الفساد الاخلاقي و السرقات و فلتان أمني و اجتماعي خطير .
و أضحت قيم التماسك الأسري والقيم الأخلاقية في زمن الحروب ضربا من ضروب التخلف و قد لعبت العولمة و البث الفضائي و الانترنت و الهواتف الجوالة دورا كبيرا في ذلك ، ما
أدى إلى استقبال الأبناء لأفكار هدامة من الكثير من المواقع المشوهة للقيم ، و الذي أدى إلى هدم الالتزام الأخلاقي بين أفراد الأسرة التي تعد عماد تماسك المجتمع . كظاهرة العلاقات العلنية و المساكنة خارج مؤسسة الزواج ، والزواج من خارج الملة ، شرب الدخان و الكحوليات للفتيات و الفتيان في عمر صغير ، الدعارة و المخدرات و غيرها الكثير من القصص التي تدل على انهيار اجتماعي مرعب كظواهر غير مسبوقة ، كل ذلك أدى إلى اضطراب قيم التنشئة الأسرية .
و تتوالى النتائج الهدامة ، فمن الملاحظ تزايد نسبة الطلاق في مجتمعاتنا العربية ، و يرجع الباحثون أسباب ارتفاع نسب الطلاق و انخفاض نسب الزواج إلى تعرض المنظومة القيمية والأخلاقية في المجتمع لهزات خطيرة تركت أثرا سلبيا في سلوك الأفراد ، و أن معظم أسباب الطلاق ناجمة عن تحول غير مسبوق في عادات و تقاليد و أعراف المجتمع في زمن الحرب ، و شيوع البطالة و صعوبة تأمين لقمة العيش و انعدام الخدمات و تردي الحالة الأمنية ، و المشكلة الأكبر هي نظرة المجتمع للمطلقة و صعوبة تقبلها و دمجها في المجتمع ، كذلك الأبناء الذين هم ضحية هذه الظاهرة المقلقة سيصبحون جيلا مفككا .
و لم ينج الوسط التعليمي من أذى الحروب ، فقد وصلت حالة انهيار منظومة القيم في المجتمع خاصة الأخلاقية منها إلى تجاوزات غير مقبولة ، من عدم احترام المعلم إلى التطاول عليه بالكلمات البذيئة و الضرب و التهديد و التهميش ، و الأكثر إيلاما فقدان فئة المعلمين لغطاء يحفظ حقوقهم و يرد اعتبارهم سواء من الحكومات المتمثلة في النقابات التعليمية أو من المجتمع كرادع أخلاقي ، ما أدى إلى فقدان هيبة و قيمة المؤسسات التربوية و التعليمية .
و تبرز في زمن الحروب و غياب الغطاء القانوني ظاهرة الفساد و الغش و الرشوة المتفشي في مجتمع متهالك و منخور في الصميم بفعل الفساد الإداري و انهيار المرتكزات الأخلاقية و الاجتماعية التي يقف عليها المجتمع ، و هذه عملية ممنهجة في سبيل ضرب أركان المجتمع في أخلاقه و قيمه لتحقيق النتيجة المرجوة و هي انهيار منظومة الأخلاق في المجتمع و في قراءة إحصائية ، فقد حددت الأمم المتحدة بالإضافة إلى المركز السوري لحقوق الإنسان سلسلة من الأرقام لجرد حصيلة حرب لم تنته حتى العام 2021 ، تسببت في نزوح و تشريد و تجويع الملايين ، و ألحقت أضرارا هائلة بالبنى التحتية و استنزفت الاقتصاد و قطاعاته المنهكة ، ودمار منازل و مرافق و منشآت طبية و تعليمية .
فحددت الإحصاءات : 1 – 388 ألف خسائر بشرية ، قتل و اختفاء قسري و تهجير .
2 – قرابة 5,6 مليون نسمة فروا خارج سوريا ثلثهم من الأطفال من عمر 11 و ما دون بحسب إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين .
3 – 6,7 مليون سوري فروا من منازلهم على وقع المعارك و الهجمات المتكررة و يعيشون في مخيمات وفق الأمم المتحدة .
4 – أكثر من 2,4 مليون طفل سوري خارج النظام التعليمي و تقدر المم المتحدة أن مليوني سوري يعيشون في فقر مدقع .
12,4 مليون شخص لا يجدون طعام يسد رمقهم وفق برنامج الأغذية العالمي . 5- %60 من الأطفال في سوريا يعانون الجوع ، بحسب منظمة " أنقذوا الأطفال " . 6- 13,4 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية ، وفق الأمم المتحدة .
7- 244 مليار دولار خسائر الاقتصاد السوري وفق تقديرات نشرتها المم المتحدة في أيلول 2020 . %91,5 مليار دولار قيمة الخسائر التي تكبدها قطاع النفط في سوريا و 98% قيمة تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء خلال العقد الأخير .
8- عشرون دولار متوسط الراتب الشهري للموظفين في القطاع العام مطلع عام 2021 ، و خمسون دولار متوسط راتب الموظفين في القطاع الخاص .
10- 136 دولار كلفة السلة الغذائية الأساسية لأسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر وفق سعر الصرف في السوق السوداء .
11- 33 مرة هي نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أنحاء البلاد مقارنة بمتوسط خمس سنوات قبل الحرب وفق برنامج الأغذية .
12- 60 ضعفا ارتفع ثمن كيس الخبز ذات النوعية الجيدة في مناطق الحكومة منذ اندلاع النزاع .
13- 300 ليرة سورية ثمن البيضة الواحدة مقابل ثلاث ليرات عام 2011 . 14- خسائر في البنى التحتية ، 70 % من محطات الكهرباء و خطوط إمداد الوقود توقفت
عن الخدمة بسبب الحرب ، بحسب بيانات وزارة الطاقة في العام 2019 .
تعقيبا على كل ما ذكر نجد أن أخطر دمار هو دمار الإنسان ، فدمار البنى التحتية و غيرها من المنشآت المادية يمكن إعادة بناؤه لكن بناء الإنسان هو الأخطر و الأكثر قلقا ، فعند انتهاء الحرب نقف أمام واقع مؤلم هو تمزق النسيج الاجتماعي ، و انهيار منظومة الأخلاق المجتمعية ،فتزداد الجريمة بكل أشكالها ما يستدعي التصدي لظاهرة فساد الأخلاق ، بإعادة المجتمع للأخلاق و الانتماء الاجتماعي وتعزيز القيم و إعلائها ، و السعي لبناء مجتمع مدني يهدف لخدمة الصالح العام و نشر المواطنة في المجتمع و تحقيق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و إرساء قواعد الديمقراطية و نشر مفاهيمها و إشاعة الثقافة المدنية في المجتمع من خلال إرساء قيم الاحترام للعمل الجماعي و العمل التطوعي في شتى مناحي الحياة و قبول الاختلاف ، و عدم السعي للوصول إلى السلطة ، فالمجتمع المدني قائم على توحد أفراد المجتمع على مختلف مشاربهم و هويتهم و الابتعاد عن الطبقية و الفئوية على اختلافها ، و إعلاء كلمة القانون و إعادة بناء الأمن لاستعادة الثقة بين قطاعات المجتمع المتنوعة ، و التركيز على تنشيط العملية التعليمية وإعادة بناء التعليم العالي في عملية إعادة البناء في أعقاب الحرب .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا
.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ
.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب
.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام
.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ